إن موقفي من العلم ضمن “العلوم” الإجتماعية واضح ، وقد أبرزته ضمن أكثر من نص ، حيث أرفض نتائجه من حيث التحكم اللاحق بالبنية الإجتماعية ، الظاهرة ، أو الفاعل الإجتماعي .
وهذا ما زلت أرفضه ، وأعتبر أن الدعوة له ، أو تأكيده في عقول المبتدئين ، له من الضرر ما يماثل ضرر تعميم البراديغم البنائي – الوظيفي ، كنموذج إرشادي أساسي ووحيد لفهم طبيعة المجتمع وحقيقته !
إلا أن المسألة التي أعيد النظر فيها ، أنه لا بد من آلية معيارية للتقييم ! فما هي الطريقة (أو الآلية) التي يمكن أن نفنّد فيها صحة أو صدقية أو دقة معطى ما ! وأيضاً ما هو الممكن (أو القليل من العلم) الذي سيساعد في التنوير فالتثوير والتغيير ، دون أن يكبح من فهم العامة والخاصة (أحياناً) !
هذا القليل كيف يمكن لنا أن نحدّده ؟!
هذا حول إلتباس العلم …
الإلتباس الآخر الداخلي (داخل البحث) هو بين الذاتي والموضوعي !
معنى الموضوعي هو ألا أتدخل بصياغة (وتعديل – أو تحريف) نتائج للبحث تخالف النتائج التي حصلت عليها ! أي هو شأن أخلاقي أساساً !
أما الموضوعية بمعنى حيادية عواطف الباحث أو كتابته بصيغة الغائب أو الجمع، أو أن ينفصل عن مجتمعه المحلي (حقله) ليعبّر عنه ! فهذا يشبه محاولة إمساك الأذن اليمنى بعد أن نلف اليد اليسرى مراراً حول الرقبة !
إن الذاتية ليست مجرد مشاعر تسيطر على البحث (والباحث) ، بل هي أيضاً إقرار بأن الفهم هو ذاتي بالضرورة ! ليس لغياب الآلية المعيارية ، بل لكونها ذاتية أيضاً !
هذا إشكال يبدو فيه أن ذاتية الآلية تتناقض مع معياريتها أو تعارضها ! وهي ليست كذلك !
لماذا ؟
لأن الذاتية تختص بالتأويل ، والتأويل مرتبط بالضرورة بالذات ومعارفها وكيفية بنائها لعالمها (الخاص والجمعي) . أما معياريتها ، فلها علاقة بالتوصيف ، لها علاقة بأن أبيّن الظاهر/الواقع كما هو ! لا أن ألبس الباطل لبوس الحق !
هل يمكن إذن أن نقول أن الإلباس الباطل والمبطل ، سيكون عبر التأويل ! وهذا شواهده كثيرة في التاريخ والراهن !
إن جزءاً من المعيارية ، سيكون عبر إيجاد طريق (أو منهج) ينطلق بنا من التوصيف إلى التأويل ، هذا الطريق إما أن يكون صحيحاً (وهذه فيها نقاش) وإما أن يكون فاسداً .
ومن هنا نفهم أهمية المنطق لمن سبقنا ، ولمن سيخلفنا ، كـ : “آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ” .
هو إذن ، آلية منهجية تمنع العقل عن الغلو والشطط ! وتسمح له بأن يصل إلى نتائج سليمة ضمن تأويلاته ! ولو إنطلق من الذات و/أو بقيت تأويلاته ذاتية ، إلا أنها لسلامتها سيتفق معها الآخر ، إلا إذا عاند فاستبدّ !
ومن هنا نفهم ضرورة تعليم المنطق (على أنواعه) وتعلمه ، كما ضرورة توعية العامة (كما الخاصة) على طرق التأويل وأساليبه ! وإذا إفتُقِد ضمن التعليم ، فهو مؤشر صريح عن إفتراضات سبق لي أن ذكرتها ،
ولكن هذا حديث ، له تتمة …