أحمد أبوزيد: رائد الأنثروبولوجيا… مفكِّر المستقبل
كان هذا الملف معداًّ قبل رحيل العالم الكبير، وهي صفحات تضيئ بعض مسيرته، وتفتح الباب لإضاءات أكثر
«قيل فيه إنه الأستاذ المعلم، وشجرة العطاء، وغيرها من أوصاف لم يحظ بمثلها إلا عدد قليل من علماء الأمة الأجلاء».
بهذه الكلمات بدأت سعاد عثمان، مقالها حول شخصية ملف العدد الحالي؛ الأنثروبولوجي العربي الكبير أحمد أبوزيد، الذي رحل عن عالمنا في شهر أغسطس الماضي.
ففي ملف العدد الراهن نقدم لقرائنا مقالات بأقلام ثلاثة من الكتاب العرب المتخصصين حول شخصيته وأفكاره ومنهجه. حيث يدور مقال سعاد عثمان حول «تكامل المنهجية عند أحمد أبوزيد»، الذي تعتبره رائد الجيل الحالي من الأنثروبولوجيين المعاصرين، حيث خلصت في المقال إلى أن هناك ركائز أساسية أراها شاخصة في أعماله هي: الاهتمام البالغ بالإطار النظري أو المفاهيم النظرية، والالتزام بالحبكة المنهجية، والشغف بالدراسة الميدانية، ومن ثم فهو مدرسة بحثية أكاديمية مكتملة الأسس والأركان. وبالتالي فإن القارئ – المهتم – بأعماله إذا تفهم توجيهاته الرصينة الناعمة التي لا يدركها ولا يشعر بها إلا من يمتلك الحس الأنثروبولوجي يمكنه أن يتعلم الدرس ويعرف كيف يجري بحثًا علميًا أنثروبولوجيًا. فتحاول أن تستخلص من كتاباته فحوى ما قصده حين قال: «إن الباحث الأنثروبولوجي الجاد لا يكتفي بالمناقشات النظرية أو بالدراسات الحقلية أو الميدانية التي لا تستند إلى نظريات محددة واضحة المعالم، بل يحاول المزاوجة بين الاثنين بقصد الوصول إلى تحقيق دقيق وفهم عميق للمجتمع الذي يدرسه». حيث وجدت أن الإجراءات المنهجية الأنثروبولوجية لدى أبوزيد هي: الجمع بين الأصالة والتجديد، وأدوات الجمع الميداني، من: المسح الاجتماعي، إلى الملاحظة بالمشاركة.. إلخ.
ويقدم د. فاروق أحمد مصطفى، مقالا حول أحمد أبوزيد والبداوة في الوطن العربي، وقد عنونه «كشف الغمة فى أسباب فرقة الأمة»، ويشرح فيه أسباب اهتمام العالم الأنثروبولوجي الجليل أحمد أبوزيد بالبداوة في الوطن العربي والمجتمعات الصحراوية، مثل : الواحات الخارجة (مصر)، وجماعات البدو الرحل في الصحراء الغربية (مصر) والصحراء السورية وصحاري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تجلى شغف وحب أحمد أبوزيد بالبداوة وبالمجتمعات الصحراوية في دراسته (قصة الصحراء) التي نشرها كدراسة مستفيضة توضح مدى حب وشغف الأستاذ المبدع، والتي توصل فيها إلى أن الرحلة والتجوال الدائمين اللذين يقوم بهما البدو ليسا تحركات عشوائية وإنما حركات دائرية وحركات منظمة تفرض نوعًا من حقوق الرعي. وأن كل التقسيمات والتصنيفات عبارة عن تميزات تقسيمية وتقريبية إلى حد كبير مثل البدو الحقيقيين وأنصاف البدو والصغار. وأن هناك علاقات تكافل قوية بين جماعات البدو الرحل وأنصاف الرحل من ناحية الجماعات القبلية المستقرة في الصحراء والتي لا تزال تحتفظ بتنظيمها القبلي التقليدي رغم استقرارها وتحولها إلى الزراعة ورغم احتفاظها ببعض الماشية التي تسند أمر الاهتمام بها إلى رعاة مأجورين مثل الجماعات القبلية على الأطراف الشرقية والغربية لدلتا النيل أو على طول الساحل الشمالي الغربي.
كما يقدم د. محمد حافظ دياب مقالا حول «أحمد أبوزيد رائد البحث الميداني»، ويشرح فيه كيف أدرك أحمد أبوزيد مبكرًا ما يحظى به العمل الميداني في البحث الأنثروبولوجي من أهمية، اقترنت لديه بالنزول إلى الحقل الواقعي للمادة، وجمعها عن طريق معايشة الجماعة المدروسة على مدى فترة زمنية كافية، قصد التعرف على أنشطتها ومقاصد أفعالها. وكيف أمضى فيها عقودا ستة، وأرسى خلالها قواعد الدرس الأنثروبولوجي على أسس صلبة من عمل ميداني متعمق، تجلى في جمعه المبتكر بين المستوى النظري والمستوى الميداني معا، بحيث أصبحت التجربة الميدانية في الدرس الأنثروبولوجي العربي المعاصر تحمل توقيع رائدها أحمد أبوزيد، بما يوجب علينا الإنصات دومًا إلى سننه، تلك التي ما برحت ملحة في أيامنا، كما كانت عليه دائمًا.
المصدر: http://www.alarabimag.com/Article.asp?Art=12390&ID=299