بقلم : سوسان جرجس
تتناول هذه الورقة البحثية “آليات الحفاظ على العذرية في المجتمع الريفي” عبر ما تحمله من دلالات وقيم في وقت تتوسّع فيه أطر التثاقف من جرّاء ما نعيشه من سيرورات الحداثة والعولمة التقنية.
إذا كانت العذرية تعتبر تمظهراً لهاجس ذكوريّ محض يموضع الشرف في تملّكه لِما بين أفخاذ النساء، فما هي الآليات التي إستثمرها المجتمع البطركي مباشرة أو مداورة للحفاظ على عذرية المرأة المتمثّلة بغشاء البكارة؟!!
آليات الحفاظ على العذرية:
- الختان .
- التقاف .
- رقابة حراك المرأة ضمن المجال:
من هنا تبدأ آليات الحفاظ على عذرية المرأة بشكل غير مباشر. إنّ هذه الآليات وإن كانت أقلّ خطورة على المستوى الجسدي إلا أنّها عميقة الأثر حيث تُستدمج مع الوقت في شخصية المرأة حتى تفقد الإحساس بفعاليتها ووجودها.
إنّ أيّ كلام خاص ب”المجال” يلتزم منّا الحذر الشديد في التوصيف والتحليل. فحينما يكون الكلام عن المجال مقروناً بالقرى أو الأسَر أو الفترة الزمنية التي يسيطر عليها الإنتاج الزراعي، يصبح الكلام عن الرقابة الذكورية على جسد المرأة بحاجة للكثير من الدقة والتأني؛ وذلك بخلاف الكلام عن المجال المتّصل بالقرى والمدن والأسَر والفترة الزمنية التي يسيطر فيها النمط الوظيفي. يؤكّد هذا الإختلاف أنّ آليات الرجل المتواجدة على الدوام بغية الحفاظ على العذرية الأنثوية هي آليات متغيّرة نسبياً بشكل لا يتعارض مع المصالح الإقتصادية الذكورية.
بشكل عام تترك المناطق الزراعية للمرأة هامشاً كبيراً للحراك في المجال العام دون رقابة صارمة من الأهل أو الزوج. لا يشير هذا الكلام إطلاقاً الى قدرة المرأة على الذهاب دون رقابة ذكورية نحو القرى المجاورة أو زيارة الشيخ أو الذهاب الى السوق أو التوجّه نحو المدن لشراء بعض الحاجيات. فإذا كان لا بدّ من الذهاب الى هذه الأماكن العامة إفتُرِضَ وجود رفيق يصحَبُ المرأة. غالباً ما يكون المصاحِب لها في ذهابها خارج نطاق القرية رجلٌ من المحارم أو أماً أو أختاً أو جارة مسنّة في بعض الحالات. إنّ مثل تلك الأماكن تتهدد الشرف الموكول في جسد المرأة والمناط حفظه بالرجال. إنّه “شرف” سلبي في جوهره، ولا يمكن إلّا الدفاع عنه أو خسارته، بكون فضيلة الفتاة هي بالتتالي، عذرية وإخلاص، أمّا الرجل “الحقيقي” فذاك الذي يشعر بأنّه ملزم بأن يكون في مستوى الإمكانية التي أتيحت له لزيادة شرفه في البحث عن المجد والتميّز في المجال العام[1].
تضمحلّ الرقابة الذكورية فقط في إطار خروج المرأة للعمل في الأرض أو زيارة جاراتها وقريباتها ضمن الحارة الواحدة أو القرية الواحدة، ذلك أنّ الرقابة الذكورية سهلة جداً ضمن هذا النطاق. إنّ في هذا ما يشير الى تغيير الحدود بين المجالين العام والخاص تبعاً لنمط الإنتاج كما تبعاً لعلاقات الجيرة وطبيعة العلاقات بين الأسر داخل القرية.
كلّما سيطر نمط الإنتاج الوظيفي على حساب الزراعي (في المجتمعات ذات الجذور الريفية)، تأخذ الرقابة الذكورية بالتفعيل. ليس من الضرورة أن يكون الرجل (الأب- الأخ- الزوج…) هو المراقب لحراك الجسد الأنثوي، فغالباً ما تكون النساء – وخاصة الأم- المراقب الأكثر تسلّطاً على الفتاة.
إنّ الأم التي جرت مراقبتها سابقاً، والتي تحمل في داخلها جرحاً قديماً، لا تلبث أن تستنبط الإيديولوجيا نفسها وتقوم بفرض الرقابة على إبنتها وشنّ الحروب المزمنة والمنظّمة على أيّ مظهر من مظاهر التمرّد لديها. إنّ المرأة هي بذلك الناطقة الأكثر أمانة بصوت سيدها، والأداء الأكثر فعالية للحفاظ على امتيازاته[2].
إنّ “شرف” الفتاة وسمعتها المعرّضة للهتك بإستمرار ليست خاصة بها وحدها. إنّها تحمل في غشاء بكارتها المصان شرف العائلة بأكملها خاصة الرجال منهم، كما أنّها تحمل دلالات ما يضمن مستقبلها (زواجها) ومستقبل أخواتها من بعدها.
يسود العلاقة بين الأم والفتاة شيء من الإضطراب والإزدواجية فيما خصّ مراقبة كل ما يتعلّق بجسدها وخاصة علاقتها مع الذكور. فإن كانت الأم أكبر حريص على فرض التقاليد الذكورية كما رأينا أعلاه، فإننا لا نلبث أن نراها تتحدّى السلطة الذكورية بشكل غير مباشر. إنّها تعمد إلى عقد تواطؤ خفيّ بينها وبين ابنتها؛ الهدف منه ترك المجال للفتاة لعرض بعض الإغراء الساحر وتأمين زوج مستقبلي.
إنّ في هذا ما يشير إلى إستحواذ المرأة على سلطة رمزية أعظم من السلطة التي يمتلكها الرجال. فتثبت بذلك أنّ الإغراء ليس دائماً حليّة تتزيّن بها المرأة بقدر ما هو عنف مضاد لعنف الرجال في ثقافةٍ جعلت العلاقة بين الجنسين قائمة على الصراع من أجل الاستحواذ على السلطة[3].
إنّ تساهل الأم أو حتى الأهل في مراقبة إبنتهم لا يجعلها تسلَم من الرقابة الإجتماعية التي يفرضها المجتمع التقليدي، ونقصد بذلك الناس وسلطة الكلام (الثرثرة والنميمة) التي تشكّل مرجعية أساسية لتقييم سلوك المرأة والتأثير على مستقبلها وزواجها لاحقاً. تساهم النميمة في ممارسة نوع من الرقابة الإجتماعية من خلال تثبيت القيم المتوارثة وتقويتها والتذكير بها كقواعد مسيطرة، تحدّد المرجعية الأساسية لتقييم كل سلوك أو الحكم عليه[4]، وذلك في ظل ما تسمح به روابط الجيرة والقربى من علاقات وطيدة، يصعب معها التستر عن جوانب كثيرة من الحياة الداخلية أو الحميمة للأفراد.
مع إنتشار نمط الإنتاج الوظيفي، يسود التعليم أيضاً ليشكّل أبرز وأول الآليات التي تسمح للمرأة بالتخلّص نوعاً ما من الرقابة الذكورية، إلّا أنّ حرم المدرسة يشكّل في مخيال قسم كبير من الناس حجاباً مكانياً قادراً على تأمين الحماية “للشرف” الأنثوي، سيّما حينما تكون المدرسة ضمن القرية، أي تحت رقابة غير مباشرة من الأهل.
أما التعلّم خارج القرية فيعتبر إشكالية كبرى عند بعض الأسر التقليدية. يحرص البعض من هؤلاء على دفع بناتهم للتوقف عن التعليم وإنتظار أول فرصة للزواج، في حين يعمد البعض الآخر إلى تقييد تعليم الفتاة وخروجها للمجال العام بقيود، كأن يتمّ تأمين ذهابها وإيابها بباص أو سيارة خاصة، كما يفترض أن يكون التعليم في منطقة قريبة، مما يضمن عودتها للنوم في المنزل. إنّ المرأة في مخيال هذه الفئة من الناس قرينة الضعف والطيش ولا بدّ من مراقبتها حتى يأمن الأهل عدم تفريطها بشرفها وسمعتها. وإذا كان البعض من الناس يؤكّد على ثقته بالسلوكيات الأخلاقية لبناته، فإنّ مثل هؤلاء يبدون خوفاً شديداً إمّا من كلام الناس وإما من تحرّش الرجال الذين يلتهمون الفتيات بنظراتهم الشهوانية المريبة. وعلى ذلك يبدو المجتمع الذكوري خبيراً بسلوك الرجال ومدركاً أنّ النظرة التي يرفق بها الرجل النساء المخترقات الفضاء العام نظرة ثاقبة تترصد مواطن الجمال في الجسد الأنثوي المتحرّك فتلمسه وتسطو عليه رمزياً. ليس النظر “مشاهدة بقدر ما هو ممارسة للسلطة”[5] ودخول في علاقات تبادلية تحوّل المنظور إليه إلى شيء وإلى موضوع شوق فيحصل المحظور الذي به ضياع شرف الفتاة وغشاء بكارتها.
إنّ ما عرضناه حتى الآن لا ينفي أنّه، وفي خضمّ سيرورات التثاقف والعولمة، ومع إنتشار تعليم وعمل الفتيات المأجور توقف “الشرف” عن أن يشكّل هاجساً للرقابة الذكورية المستمرة. لقد برز الكثير من الأسر “المتحرّرة” التي ترسل بناتها الى نوادي رياضية أو في رحلات كشفية أو لحضور حفلات الأعراس وأعياد الميلاد، ويتنافسون في إلباسهم تبعاً للموضة دون أن يكون ذلك مقروناً لديهم بمخاطر خسارة غشاء البكارة. إنّ مثل هذه السلوكيات تبدو محبّبة لدى الكثير من هذه العائلات اليوم كدلالة على التمايز الإجتماعي، الذي يُعتبر عدم التمايز الجندري جزء منه. إنّه برأيهم دلالة على الرقي والتطوّر الإجتماعي والثقافي.
يبقى علينا أن نقول أيضاً أنّه، وبمعزل عن التحوّلات التي تفرض نفسها بفعل تغيّر نمط الإنتاج، وبمعزل عن خروج المرأة للتعليم والعمل خارج الإطار المكاني الضيق، فإنّ العولمة التقنية أصبحت اليوم من أبرز الآليات التي قلّصت الرقابة الذكورية على حراك المرأة. لقد عملت هذه العولمة على تغيير مفاهيم المجال وقلّصت نوعاً ما الحدود المفروضة جندرياً ما بين المجال الخاص والعام.
لا بدّ هنا من الإشارة إلى مسألة لن ندخل في تفاصيلها الآن وهي أن مثل هذه العولمة التقنية التي ذكرناها أعلاه شكلت عاملاً إضافياً ومهماً في تجلّي إشكالية العذرية البيولوجية والعذرية السلوكية التي نأمل مناقشتها في أوراق بحثية أخرى.
- الزواج المبكر:
في المجتمعات التقليدية عامة يمثّل الزواج المبكر ظاهرة متعدّدة الأهداف، تصبّ جميعها في خدمة تأبيد البنية البطركية المعنونة بثنائية سيطرة الرجل وتبعية المرأة وخضوعها.
إذا كان لا بدّ لنا أن نستذكر ما يسيطر على المخيال الإجتماعي للناس من أمثال شعبية كتلك التي ترى أنّ “همّ البنات للمات” وأنّ “الرجل رحمة ولو كان فحمة” وأنّ “الفتاة لا يسترها سوى الزواج والقبر” وأنّ “لا شيء يعيب الرجل سوى جيبه” وغيره كثير من الأمثال الشعبية، يتبيّن لنا تمثُّل الناس للمرأة وكأنّها كائن هامشيّ ضعيفٌ يترقب “السترة” التي لن تتأتى إلّا عن طريق رجل/ زوج.
إنّ الزواج المبكر في المخيال الإجتماعي هو الآلية التي ستحفظ سمعة المرأة وعائلتها من أيّ عار قد يتحقق من خلال علاقة جنسية “متهوّرة” قد تقيمها مع أيّ رجل. كما أنّ هذا الزواج سيؤمّن للزوج فتاة بكراً يستمتع بها ويكون فاتحاً غازياً لجسدها، وخاصة لغشاء بكارتها. ألم يردّد مراراً أنّه يريد فتاة “ما بايس تمها إلا أمها”. إنّ في هذا المثل الشعبي المتداول دليلٌ على أنّ الرجل يفضّل الزواج من فتاة صغيرة السنّ، بحيث يضمن عدم دخولها في أيّ علاقة جنسية مع رجل آخر، حتى ولو بحدود القبلة.
إنّ هذا المخيال البطركي الذي يتمثّل المرأة وكأنّها مجرد غشاء بكارة يُفترض إفتضاضه في أسرع وقت ممكن دعمته الإيديولوجيات الدينية من نواحٍ كثيرة. فمن جهتها عظّمت الديانة المسيحية في نظرتها الى العذرية منذ السيدة مريم العذراء التي ولدت يسوع المسيح دون أن تتعرّض لتلوثات الإفتضاض والتلقيح والولادة، معتبرةً إياها نعمة وبركة وفضيلة سماوية، وهي إرتقاء بالروح نحو الله في انتظار الوصول المستقبلي نحو مملكة الرب[6].
أمّا الدين الإسلامي فكان قد عظّم كثيراً من شأن البكارة في الدنيا والآخرة. على الصعيد الأخروي، وعد الله المؤمنين بالجنّة وبحور العين الأبكار. جاء في سورة الرحمن “فيهنّ قاصرات الطرف لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جان”[7]، ونقرأ في سورة الواقعة “إنّا أنشأناهنّ إنشاء فجعلناهنّ أبكارا عُرُباً أتراباً”[8]، إضافة إلى ما ورد في كثير من الآيات حول “الأزواج المطهّرة”.
على الصعيد الدنيوي نهت الأحاديث النبوية عن الزواج بالثيب (المطلّقة- الأرملة-المفتضة البكارة) وحثّت على الزواج بالأبكار “عليكم بالأبكار فإنّها أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأغرّ غرة”[9]، وروي عن جابر بن عبدالله أنّ الرسول حينما علم بزواجه من إمرأة ثيب، قال له “فهلا جارية- بكراً – تلاعبها وتلاعبك، تضاحكها وتضاحكك[10].
بغضّ النظر عن مدى صحة هذه الأحاديث، فلا زال المتداول حتى الآن عند المسلمين “الملتزمين” دينياً أنّ مهر الفتاة البكر أعلى من مهر الثيب. أضف الى أنّ المهر يكون نسبياً أعلى كلّما كانت الفتاة صغيرة في السنّ. فالبكر إذاً تقيم الشرف وترفع المهر في عقود النكاح. والثيب، المتزوجة سابقاً، يقلّ مهرها وتتدنى منزلتها، وتصبح اذ ذاك معدّة للزواج من الضعفاء في المجتمع[11].
إنّ ذكرنا أعلاه للمسلمين “الملتزمين” دينياً له دلالة مقصودة، فغير “الملتزمين” دينياً، لا يتأخرون عن منح المرأة المهر (المقدّم والمؤخر) الذي تطلبه دون أي تردّد. إنّ سبب ذلك هو كون الرجل أساساً إنّما يقدّم اليوم “حبراً على ورق”. فما “المقدّم” سوى مقابل مادي لأثاث البيت الذي لا بدّ منه، وبعض المجوهرات التي قد لا تحصّل منها العروس شيئاً. أما “المؤخّر” في هذه الحالة وهو ما يستحق عند حلول أقرب الأجلين (الطلاق)، فإمّا أن لا يُدفع تلقائياً في حال إستمرارية الزواج، وأمّا في حال الطلاق فلا يلبث التواطؤ أن يحصل غالباً بين الرجل والمحاكم الشرعية، فتُقام دعاوي الطلاق الشرعية، بكل مماطلاتها المرافق لعنف الرجل الرمزي والمعنوي والذي يدفع المرأة الى التنازل عن كامل حقوقها في المهر.
على الرغم من التواطؤ المذكور أعلاه، والذي غالباً ما يسلب المرأة حقوقها، فما زال المخيال الإجتماعي يتمثّل العذرية كقيمة إقتصادية إلى جانب قيمتها الأخلاقية. إنّ في هذا ما يؤكّد صحة ما توصّلت اليه فرنسواز إيريتييه من أنّ القوة وحدها لا تكفي لتثبيت الخاضعين في موقف التبعية ما لم تصحب هذه القوة بأشكال أخرى من الإضطهاد ذات الطبيعة الايديولوجية[12].
يُضاف إلى ما ذكرنا أعلاه، أنّ أهل الفتاة يرغبون بتزويجها باكراً كي يرتاحوا من عبء مراقبتها الذي سيصبح من مسؤوليات الزوج. بمعنى أدق سوف يرتاحون من عبء مراقبة جنسانيتها الفاعلة التي تهدّد شرف الجماعة بكاملها. وفي هذا الأمر مفارقة غريبة، ففي الوقت الذي ينظر فيه الى المرأة على أنّها نهمة جنسياً[13]، يعود الناس إلى إعتبار شهوانية الرجل أمر “طبيعي” بحكم تركيبته البيولوجية التي تختلف كلياً عن طبيعة المرأة وغرائزها المخوّلة للأمومة والتضحية فقط. فمن جهة تعتبر حواء أساس البلاء في العلاقات الجنسية غير المشروعة: “حواء تركّع أكبر رجل” “حواء تدوس على أكبر شوارب”، ومن جهة ثانية تتكرّر العبارة “المرا غير الزلمة” لتكون مبرّراً لعلاقات الرجل الجنسية وتكون سيفاً قاتلاً لعلاقات المرأة المماثلة. بالتالي فكلما كان زواج المرأة مبكراً كلّما شكّل ذلك راحة نفسية لأهلها.
بعيدً عن الإنتماء الديني ومستوى التعليم وطبيعة العمل الممارس، يشكّل الزواج المبكر فرصة لتخلّص الأهل من ذلك الهاجس الذي يؤرّق نومهم منذ أن بلغت ابنتهم سنّ البلوغ. إنّه هاجس الزواج والتأمين على الفتاة من مخاطر “العنوسة”[14] التي تصبح أشبه بتهمة تلاحقها منذ أن تتزوج أول صديقة كانت معها في المدرسة.
ممّا لا شكّ فيه أن مسألة الزواج المبكر في المجتمعات الريفية التقليدية طالها بعض التحوّلات عبر السنين. لقد أتاحت الأسر الميسورة و”المتحرّرة” أمام بناتها فرص التعليم والتوظيف، كما الحرية النسبية في الإختلاط والتعاطي مع الرجل.
إنّ هذه الفسحة من الحرية التي تعطى للفتيات تساعد نوعاً ما على تأخير سن الزواج، وإن كان هذا لا يمنع أنّ الأولوية تكون للزواج على حساب العلم. فحينما يحضر “العريس المناسب” تكون هذه فرصة العمر التي لا يفترض تضييعها؛ فيعمد البعض إلى تزويج بناتهم فوراً، في حين يعمد البعض الآخر إلى الإكتفاء بعقد خطبتها للتأمين على العريس، مع ترك الفرصة لها لإكمال تعليمها، وذلك بموافقة من “العريس” الذي يرغب في زوجة موظفة، بعد أن كان في مرحلة سابقة يحرص على إيجاد زوجة فتية، قوية البنية تعمل إلى جانبه في الأرض.
هكذا يتضح لنا أنّ تعليم الفتيات على حدّ تعبير مصطفى حججازي لا يؤخذ على محمل الجدّ، وإنّما هو وسيلة تزيد من قيمة الفتاة كزوجة مقبلة[15] أو في أحسن الحالات ضمانة لوضع إقتصادي أفضل. مع كل ذلك يبقى المثال الذي يضرب هنا هو “متى حضر الماء بطُل التيمم”!! فمتى حضر العريس الملائم الذي يصون الشرف الرفيع أصبح كل شيء في حياة الفتاة ثانوياً قابلاً للتأجيل أو الإلغاء.
[يتبع الأسبوع القادم]
كاتبة المقال : سوسان جرجس : كاتبة وباحثة في مجال الأنثروبولوجيا من لبنان. تركز اهتماماتها على الدراسات الجندرية. تهوى الكتب والمطالعة وكتابة الشعر والقصة القصيرة. تكتب في بعض المواقع الإلكترونية العربية مثل مجلة معارج الفكر ومجلة صدى الفصول الشعرية.
تم نشر هذه الورقة ضمن فعاليات المؤتمر الرقمي الأول للإنسانيات والعلوم الإجتماعية – والذي صدرت أعماله لاحقاً ضمن كتاب .
الهوامش :
[1] Pierre Bourdieu, La domination masculine, op.cit, P. 76.
[2] مصطفى حجازي، التخلّف الإجتماعي، المركز الثقافي العربي،ط9، 2005، ص 107.
[3] Voir : Jean Baudrillard, De la séduction, Paris, Galilée, 1979.
[4] Sossie Andezian et Jocelyne Streiffenat, “Relation de voisinage et controle sociale”, peoples mediterraneens, N 22\23, Janvier- Juin, 1983, p. 252.
[5] David Le Breton, Les passions ordinaires: Anthropologie des émotions, Armand Collin\Masson, 1998, p. 177.
[6] Yvonne Knibiehler, La virginité féminine, Odile Jacob, 2012, p.p 62-69.
[7] القرآن الكريم، سورة الرحمن، آية 56.
[8] القرآن الكريم، سورة الواقعة، آية 35-37.
[9] أحمد التيجاني، تحفة العروس ومتعة النفوس، تحقيق: جلال العطية، لندن، 1992، ص 202.
[10] محمد شريف الصواف، الحياة الزوجية من منظار الشريعة الإسلامية، دمشق، دار السنابل، 1995، ص 16.
[11] فؤاد إسحق خوري، إيديولوجيا الجسد: رموزية الطهارة والنجاسة، دار الساقي، ط1، 1997، ص. ص. 58-59
[12] Françoise Héritier, La construction de la différence, Le Pommier, 2005, p. 13.
[13] للإضطلاع أكثر، أنظر:
عبد الصمد الديالمي، سوسيولوجيا الجنسانية العربية، دار الطليعة، بيروت، 2009، ص 21.
[14] للإضطلاع أكثر، أنظر: عزّة شرارة بيضون، الجندر ماذا تقولين، دار الساقي، 2012، ص 214.
[15] أنظر: مصطفى حجازي، التخلف الإجتماعي، مرجع سابق، ص 212.
أنظر أيضاً: سيمون دي بوفوار، الجنس الآخر، ترجمة: ندى حداد، الأهلية للنشر والتوزيع، 2008، ص 103.