نماذج من الأعمال الكولونيالية حول كيفية استعمار الجزائر (ج2)
جمال معتوق
ثالثا: عرض لدراسة “القس لاندرمان L’Abbé Landermann تحت عنوان: نداء إلى فرنسا من أجل استعمار الجزائر“ والذي صدر سنة 1848
قبل التطرق إلى أهم ما جاء من أفكار في هذا الكتاب للقس لاندرمان نحاول تقديم بعض تصوراته عن الجزائر وكذلك أعماله.
في البداية نقول بان الرجل يعد من الفرنسيين الأكثر تحمس لمسالة استعمار الجزائر٬ بل المدافع الشرس للتوسع الاستعماري الفرنسي في الجزائر. كما يعد هذا القس من الفرنسيين الأوائل الذين قدموا إلى الجزائر مع الاستعمار.
في إحدى تصريحاته حول تشجيع الفرنسيين للقدوم إلى الجائر نجده يقول: ”قلت لنفسي ٬ لأنهم غير سعداء٬ سيبحثون بعيدا في غابات العالم الجديد (أمريكا) عن خبز الألم ٬ لهم ولأطفالهم يواجهون مخاطر رحلة ألف فرسخ من اجل ثروة غير مؤكدة٬ وربما اليأس والسراب٬ في حين أن فرنسا لديها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط٬ على بعد يومين من مرسيليا٬ أراضي شاسعة وخصبة يمكن أن تصبح أكثر المستعمرات ازدهارا.”
مقتنعا بأنه سيقدم خدمة جليلة لآلاف التعساء(الفقراء) والأيتام الفرنسيين ولفرنسا نفسها من خلال توجيه الهجرات الدورية إلى الأراضي الجزائرية الأكثر ملائمة للاستيطان٬ نجد الأب لاندرمان يزور كل من الساحل والمتيجة والأطلس الصغير في الجزائر٬ قبل أن يستقر في قسنطينة ويخلف الأب ”جاك سوشي” Suchet كاهن الرعية الأول لهذه المدينة عام 1839.
نلاحظ أن القس لاندرمان كان همه الوحيد خدمة فرنسا وهذا على حساب الجزائريين. لم يكن يفكر في فقراء وأيتام وأرامل الجزائر بل كان يفكر كيف يساعد فرنسا للخروج من الاضطرابات والفقر المدقع الذي كانت تتخبط فيه. كما كان هذا الرجل يبحث عن حلول عملية يمكن بفضلها أنقاض أيتام ولقطاء فرنسا.
بعد زيارته للجزائر أصبحت أفكاره عن الاستعمار العسكري والديني أكثر وضوحا٬ كما مكنته معرفته للجزائر والتجربة التي اكتسبها من أن يقترح النموذج الاستعماري المربح وغير المكلف لفرنسا في الجزائر.
نشير كذلك إلى أن القس لاندرمان كانت له عداوات مع العسكر وبالخصوص الماريشال ”بيجو”.
ومن بين أعماله نذكر:
Les fermes du Petit Atlas, ou colonisation agricole, religieuse et militaire du nord de l’Afrique‚ 1841.
Mémoires au Roi sur la colonisation de l’Algérie‚ 1842.
Mémoires au Roi sur la colonisation de l’Algérie‚1845.
Exposé adressé par l’abbé Landmann à messieurs les députés sur la colonisation de l’Algérie‚1846.
Exposé sur la colonisation de l’Algérie adressé à MM. Les Pairs de France, lors de la discussion des crédits supplémentaires 1846‚ 1846.
Appel à la France pour la colonisation de l’Algérie‚1848.
Mémoire adressé aux conseils généraux de 1862‚ sur les moyens de fonder en Algérie de grandes fermes pour les enfants trouvés de la France, sans que les départements aient à dépenser un centime de plus qu’ils ne dépensent maintenant pour ces pauvres enfants, 1862
عرض لأهم الأفكار التي احتواها كتاب القس لاندرمان ”نداء إلى فرنسا من اجل استعمار الجزائر”
احتوى هذا الكتاب على جزأين بالإضافة إلى جملة من الوثائق المدعمة لهذا العمل.
وقد جاء في الجزء الأول:
– أسباب العلل التي ترهق فرنسا.
– العلاج لهذه العلل.
– استعمار الجزائر سيكون علاج لهذه المجاعة -القحط.
– استعمار الجزائر سوف يساهم في تخليص فرنسا من مشاكلها المالية.
– استعمار الجزائر سوف يكون علاج فعال ضد العلل التي ترهق الصناعة والتجارة.
– النتيجة.
– دحض الاعتراض على أساس نسبة الوفيات الكبيرة لجيشنا في إفريقيا.
الجزء الثاني:
– شروط النجاح.
– مزارع التأقلم للمستوطنين.
– تعليم الأيتام واللقطاء.
– جمع -حشد -ونشر الحضارة في أوساط السكان الأصليين.
– شراء العبيد ونشر الحضارة في أوساط السود.
– تكاليف تشييد هذه المزارع.
– عدد المزارع.
– عدد لمزارع المطلوبة للحل النهائي لقضية الاستعمار.
– بناء هذه المزارع.
– كيفية إيجاد الأموال اللازمة لتأسيس هذه المؤسسات.
– إدارة المزارع.
– الخلاصة والاستنتاج.
هذه النقاط التي عالجها “القس لاندرمان” في كتابه المشار إليه أعلاه والذي نشره عام1848.
وقد رأينا أن هذا الكتاب يكتسي أهمية بالغة، نظرا لكون الرجل كان من الأوائل ممن وضعوا أقدامهم فوق التراب الجزائري غداة غزو الجزائر، وعلى دراية بوضع بلاده والدوافع الحقيقية التي كانت وراء إقدام فرنسا على استعمار الجزائر. وبالتالي يعد هذا الكتاب شهادة حية تفند ‘‘أسطورة المروحة”.
يبدأ هذا القس كلامه راسما لوحة سوداء عن الأوضاع التي كانت سائدة وتسود فرنسا قبل احتلال الجزائر فيقول: “لقد مرت فرنسا للتو بأزمة رهيبة لم تنته بعد بالكامل، كم عدد الأوبئة التي حلت بنا منذ عامين! كم من مصيبة ضربت كافة أنحاء فرنسا أنا لست بحاجة لرسم الصورة المؤلمة لكل هذه الآلام، لإعادة التذكير بالشكاوى الحزينة، والأصوات المهددة التي انفجرت من جميع الجهات، من الشرق، من الجنوب، من الغرب، من الشمال، لست بحاجة لرسم وإعادة التذكير بالاضطرابات وأعمال الشغب والنهب والقتل والحرائق التي دمرت بلدنا، لا تزال ذكرى كل هذه المصائب تحرقنا حتى الآن ولن تنطفئ في وقت قريب، ولكن ماذا كان سيحدث لنا هذا العام لو تعطلت المحاصيل ودمرت بسبب قسوة الفصول؟ إننا نرتعش بمجرد التفكير في الكارثة التي قد كانت تحل بنا !!!”.[1]
بعد عرض هذا الوضع المزري والكارثي الذي كانت تتخبط فيه فرنسا قبل احتلالها للجزائر، من مجاعة، عنف وتخريب وانهيار البيئة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، يقول بأن الإرادة الإلهية قد أرادت نجدة فرنسا ونصرتها وتخليصها من الهموم فأعطتها هذه المستعمرة الجزائر، والتي تمثل بالنسبة لها المخرج الوحيد من الانهيار والدمار والانتقال إلى بر الأمان.
وفي هذا يصرح القس: ” من أجل نصرة المبادئ الأبدية للعدالة والحرية والأخوة المسيحية في العالم، أرادت العناية الإلهية أن تبقى فرنسا على رأس الأمم والشعوب: لهذا الغرض جلبت إلينا، من غير أن يكون متوقع على الإطلاق، بلد شاسع تقريبا مثل فرنسا نفسها، بلد خصب وصحي، يقع على بعد ستة وثلاثين ساعة فقط من السواحل”.[2]
ثم يواصل كلامه قائلا: “بلد غارق لأكثر من ألف عام في الظلمات والجهل والتعصب، بلد دمره أبشع استبداد وفوضى أكثر فظاعة -بشاعة -هذا البلد الذي كان في الماضي مزدهرا جدا وكان خزنا للغزاة من كافة أنحاء العالم، أصبح اليوم شبه صحراء، المؤسسات، المعالم الأثرية، البلدات، المدن العديدة التي كانت تكسي أراضيه ذات يوم، والطرق ذاتها، اختفت جميعها، وتحولت سهولها الخصبة إلى مستنقعات غير صحية٬ والسكان ضحايا لتجاوزاتهم الخاصة٬ تراجع عددهم، وسقطوا في أدنى درجة من البؤس والغباء”.[3]
نلاحظ من خلال هذا الكلام أن الرجل نظرا لمعايشته للأوضاع التي كانت سائدة في بلده وتعصبه الديني المسيحي، يؤمن بأن الجزائر هي هبة -هدية -من الله لفرنسا، حتى تخرج من وضعها المأسوي والنهوض لقيادة العالم ورفع عاليا الديانة المسيحية.
كما انه من خلال كتاباته، سجلنا إنه مثله مثل غيره من الفرنسيين الذين اصطفوا لنصرة الايدولوجيا الاستدمارية في الجزائر، يكن العداء والكراهية للإسلام والمسلمين، حيث يرى بأن الجزائر بسبب العرب والمسلمين تحولت إلى دمار وخراب ومستنقعات٬ بل فقدت كل مقومات الحياة ٬وانتشر فيها البؤس والجهل، وأصبح الاستبداد والتعصب هما الميزتان اللتان تهيمنان على الحياة الاجتماعية والسياسية بسبب التسلط التركي.
القس هذا ٬يعيدنا إلى أسطورة الجزائر الرومانية المسيحية وهذا نصرة لديانته والحط من الإسلام في هذه المنطقة، حيث يقول بأن هذه المنطقة التي كانت الخزان لمختلف الخيرات والممونة للعديد من البلدان٬ أصبحت بسبب العرب والإسلام مستنقع للفساد والبربرية. لقد فقدت حسبه كل معالم الإنسانية، إنها صورة سوداء، رسمها هذا الرجل والباحث حول المستعمرة٬ وهذا للدفاع على مصالح بلده فرنسا. كما لا ننسى أن في الفترة التي كتب فيها هذا العمل كانت فرنسا لم تفصل بعد في مسألة طبيعة الاستعمار الواجب إتباعه بالنسبة للجزائر.
إلا أن ما يهمنا هنا٬ هو أن هذا القس من خلال كلامه يرشدنا إلى معرفة حقيقة استعمار الجزائر من طرف فرنسا. و في هذا الصدد نجده يقول ان استعمار الجزائر أحد أهم الحلول العملية للخروج من المشاكل المتعددة و المتنوعة التي كانت تعيشها فرنسا. فالجزائر هي السبيل الوحيد لإشغال المنتقدين والحاقدين على النظام في فرنسا من خلال النشاط الاستعماري. بالإضافة إلى هذا الدفع بالمشاغبين والمناهضين للنظام الفرنسي إلى خارج حدود فرنسا، وزيادة على هذا نهب خيرات هذه المستعمرة لسد حاجات فرنسا المتنوعة والمتزايدة.
بعد هذا ينتقل بنا القس لاندرمان إلى لغة الخداع والتحايل واللعب على العواطف٬ وهذا وفق ما تمليه السياسة الاستعمارية وفكرة المهمة المقدسة والمتمثلة في جلب الحضارة إلى هذه البقاع المظلمة والبربرية، فيقول: “بعد أن أصبحت فرنسا سيدة على هذه البقاع، كان عليها أن تمد يدها السخية والحنونة إلى هؤلاء السكان غير السعداء، وأن تخرجهم من الأعماق الهاوية المظلمة حيث سقطوا ٬وان تساعدهم على تذوق فوائد الحضارة المسيحية، كان علينا أن نغرس في هذه الأراضي الجديدة التي منحتها لنا العناية الإلهية، ليس فقط قوتنا الجسدية، ولكن أيضا قوتنا الأخلاقية، وقوانينا ومؤسساتنا، وفنوننا، ولغتنا، وخاصة ديننا المقدس، باختصار كل ما ساهم في نشر الحضارة في وطننا الغالي، وجعله قويا وسعيدا”.[4]
يواصل كلامه فيقول: ” من خلال إقامة دولة عظيمة وبعثها من أنقاضها وتزويدها بالحياة والرفاهية، لقد ضعفت تقريبا فرنسا سعادتها، لأن الجزائر بقربها ومجالها الواسع، جعلت من الممكن تحقيق الوفرة لسكاننا، كما أنها قد فتحت منفذا هائلا للمنتجات المتزايدة من خلال صناعتنا، وقدمت لنا إنتاجا هائلا من المواد الخام التي نفتقر إليها”.[5]
بعد هذا الشرح المفصل للأسباب التي كانت وراء استعمار الجزائر من طرف فرنسا، والمتمثلة في استغلال خيرات هذه المستعمرة، والتي في نظره تعد بمثابة الحل الأكثر ناجعة لإخراج فرنسا من الأزمات التي تتخبط فيها، ينتقل القس لاندرمان إلى لوم بلده على ما قامت به من سلوكيات تتنافى والتعاليم المسيحية وكذلك تفنيد كما يقول الدعاية المتمثلة في كراهية المسلمين للفرنسيين، فيقول إن المسلمين يكرهون من هو ضد الدين ويحاربه.
يقول لاندرمان: “كيف استجبنا للتصاميم الخيرية للعناية الإلهية؟ لقد بذلنا كل جهد يمكن تخيله لإفشالها. تظهرنا قبل كل شيء أنه ليس لدينا مهمات أخرى في إفريقيا سوى تدمير إمبراطورية الأتراك الاستبدادية. دمرنا هذه الإمبراطورية، لكننا سلمنا القبائل للفوضى. بعد ذلك، أجبرنا على إخضاعهم والسيطرة عليهم حتى لا نضطر إلى إخلاء البلاد، كما حدث لإسبانيا في الماضي. كنا أغبياء -أبلاء -عندما اعتقدنا بأن الوسائل القمعية والقوة المادية ستكون كافية لتحقيق هذه الغاية وان ينام المسلم المتعصب بهدوء وسعادة تحت ظل حرابنا، لا أعرف تحت اسم أي فلسفة ضيقة، لم نخجل من عرض تحت أعين هؤلاء البرابرة الإلحاد العملي ونجعلهم يعتقدون أن الفرنسيين كانوا شعبا بدون معابد، بدون هياكل، بدون طوائف، بلا دين. غالبا ما كانت أخلاق إدارتنا متماشية مع هذه المشاعر المعادية للدين.”[6]
ثم يقول: “وعندما انتفض هؤلاء السكان سخطا على مشهد مثل هذا المشهد الغريب وخاصة قلقهم على مشاعرهم الدينية ومشاعر أبنائهم، فقد قمنا بملاحقتهم إلى أقصى حد… لقد أبرمنا النار في كل شيء وسيلنا الدماء…”[7]
ينتقل لاندرمان إلى عتاب حكومته على سياستها في التعامل مع السكان الأصليين في الجزائر، وكيف ضيعت الملايين من الأموال في الحرب بدلا من استعمالها في تنمية وتطوير المستعمرة وتحضير سكانها٬ فيقول: “فضلنا التضحية بمئات الملايين لتخريب البلاد وتدميره بدلا من استخدام العشر منها في استعماره وتحضيره.”[8]
ومواصلة لكلام هذا القس عن ممارسات فرنسا الإجرامية في حق السكان الأصليين نجده يقول: “لقد صنعنا آلاف الأيتام ولم نمد يد العون لأحد منهم”.[9]
هذه هي الممارسات الحقيقية لفرنسا في الجزائر. لقد عملت فرنسا على زرع الموت وتدمير كل شروط الحياة.
إلا أن هذا القس أو رجل الدين والمنظر للاستعمار همه الوحيد هو كيف تحل فرنسا مشاكلها الاجتماعية، السياسية والاقتصادية. كما أنه يبحث عن أنجع السبل للخروج من هذه الوضعية ٬وذلك من خلال استعمار الجزائر لكونها الحل المناسب، نظرا لما لها من خيرات وثروات باطنية.
الهوامش:
[1]– L’Abbé Landermann : Appel à la France pour la colonisation de l’Algérie, imprimé par Plon Frères, Jacques le Coffre, et Gle Libraire, et chez Sagnier et Bray, Libraires, Paris 1848, p. p. 2 – 3
[2] – Ibid, p. 3
[3]– Ibid, p.p. 3 – 4
[4]– Ibid, p. 3
[5] – Ibid, p. 3
[6]– Ibid, p.p. 3 – 4
[7] – Ibid, p. 4
[8] – Ibid, p. 4
[9]– Ibid, p. 4