مقدمة في سوسيولوجيا الشباب
عبد الرحيم العطري*
يقول اميل دوركهايم في كتابه تقسيم العمل الإجتماعي بأنه ليس هناك من إمكانية لتأسيس علم ما خارج الجرأة ،ولكن بواسطة المنهج ذلك أن الانفتاح الجري والمستمر على مختلف التضاريس المجتمعية في إنتاج معرفة رهينة، وفهم مختلف للواقع الإجتماعي .
إن الجرأة المنهجية شرط وجودي لإنتاج سوسيولوجيا نوعية تهفو إلى تحليل وفهم الظواهر الإجتماعية ، وهي التي تدعو إلى تشييد سوسيولوجيا الشباب كفرع تخصصي يمكن أن يسعف في تقديم إجابات محتملة عن أسئلة وقضايا الشباب كفئة عمريه اجتماعية تحتل مكانة بارزة في النسيج المجتمعي سواء بالنظر إلى حضورها الكمي أو اتصالا بإشكالياتها المفتوحة على عوائق الإدماج والثقافة والعوائق المفترضة والمستحلية مع باقي مؤسسات وفئات المجتمع .
لكن ما هي الرهانات الكبرى لسوسيولوجيا الشباب ؟ ماهى أسئلتها المركزية ؟ ماهى آليات اشتغالها وطامح اشتغاله ؟ فضلا عن عوائقها الإبستيمولوجية وإمكانيتها المنهجية وحدودها المعرفية؟
الشباب أولا
وبدءا نتساءل ما الشباب ؟ أو من هو الشباب؟ أهو مجرد كلمة كما ذهب إلى ذلك بيير بورديو؟ أم أنه يؤشر على فئة عمريه اجتماعية لها من الخصائص ما يجعلها متميزة عن باقي فئات المجتمع ،محققة جانبا من الاختلاف نوعا ودرجة؟
لقد انتهى بعض السوسيولوجيين في بداية السبعينيات إلى تحديد عمري للشباب يتراوح مابين 15و25سنة، وهذا التحديد الذي تم تبنيه كإطار فردي للسنة الدولية للشباب لسنة 1975. وهنا و الآن تقوم اللجنة الوطنية المسؤولة عن تنظيم مهرجانات منتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة بالانضباط لنفس التحديد، وكأن من يخرج عن هذه المسافة العمرية ليس شابا ؟
إن التعامل مع الظاهرة الشبابية من الوجهة العمرية ينطوي على كثير من اللبس والإختزال بل انه يؤدي إلى إقصاء فئات عريضة من الشباب ،وهذا ما يجعل توصيف الشباب عملية محفوفة بالمزالق العلمية و لهذا نتساءل مرة أخرى ماهو الشباب أو من هم الشباب؟
فإلى جانب المقاربة العمرية هناك المقاربة البيولوجية النفسية التي تتوكأ في تحديدها الواقعي للشباب على تلك الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تبصم لحظة الانتقال من الطفولة إلى الشباب ومنه أيضا إلى النضج أو الشيخوخة.
ومن جهة أخرى يحاول التحليل السوسيولوجي تقديم تعريف محدد لكلمة الشباب والتي تظل مجرد كلمة على حد قول بيربورديو،ودلك اعتبارا للصعوبات التي تطرحها مسألة التعريف ذاتها، ولعل هذا ما جعل بورديو يعتبر الحدود بين الأعمار أو الشرائح العمرية حدودا اعتباطية ، فنحن لا نعرف أين ينتهي الشباب لتبدأ الشيخوخة مثلما لا يمكننا أن نقدر أين ينتهي الفقر ليبدأ الثراء(1) وهذا يعني أن الفئات العمرية هي بالضرورة نتاجات اجتماعية تتطور عبر التاريخ وتتخذ أشكالا ومفاهيم ارتباطا بالأوضاع والحالات الإجتماعية .
تماما كما أن لكل مجتمع قيمه وعقله الجمعي الذي ينضبط إليه ويحتكم إليه فإن له مفهوما خاصا للشباب وتحديدا اجتماعيا لخصائصه وتحولاته، بل إننا نجد داخل المجتمع الواحد أكتر من مفهوم للشباب وذلك كله في اتصال وثيق مع ما يعتمل داخل هذا المجتمع ويتفاعل فيه ،والنتيجة في النهاية شباب لكل مجتمع مختلف نوعا ودرجة عن شباب أي مجتمع ،ومنه نصل إلى التأكيد على أن لكل شباب قضاياه وأسئلته التي تتنوع بتنوع المجتمعات ، وهذا ما انتهت إليه مار كريت ميد في دراستها لقبائل ساموا مؤكدة على أزمة المراهقة والشباب التي تلوح بقوة في المجتمع الرأسمالي تكاد لاتبين في هذه القبائل ،نظرا لبساطة هذا المجتمع وسهولة المرور إلى سن الشباب فالشباب في ساموا * ليس هو الشباب في أمريكا و ليس هو الشباب في العالم العربي .
وهذا يعطي للمقاربة السوسيولوجية لمفهوم الشباب و جاهه نسبية مقارنة مع المقاربة العمرية السيكولوجية التي تشتغل تحديدا على المراهقة واضطراباتها النفسية، ليبقى الشباب مجرد كلمة أو نتاج اجتماعي تتحدد أو يتحدد بشروط مجتمعية معينة. .ولعل هذه الصعوبة المفاهيمية التي تطبع مفهوم الشباب هي التي جعلت محمد شقر ون يتخلى عن مفهوم الشباب لصالح مفهوم اكثر إجرائية من الناحية العلمية ألا وهو مفهوم المرور إلى سن الرشد
وأملا في استجماع خلا صات هذه المقاربات المفاهيمية للشباب يمكن القول بأن الشباب يبقى مجرد ظاهرة اجتماعية محددة سلفا بشروط إنتاج وإعادة الإنتاج الإجتماعي في مجتمع معين ، واعتبارا لكونها ظاهرة أو معطى اجتماعيا فهي تشير إلى مرحلة عمريه تأتي بعد مرحلة الطفولة ،وتلوح خلالها علامات النضج البيولوجي والنفسي والاجتماعي .
وجدير بالذكر بأن كل تعريف اجتماعي للشباب يظل مرتبطا بشروط إنتاجه الإجتماعية،فكل عقل جمعي ينتج شبابه ويحدد احتمالات الارتقاء الإجتماعي إلى هذه الفئة أو السقوط منها،بحيث يبقى لدرجة التعقيد المجتمعي دور حاسم في تحديد الارتقاء أو السقوط .
فعن أي شباب نتحدث ؟ و لأي مجتمع نتوجه بسؤالنا؟ و أي مفهوم للشباب يتوجب الارتكان إليه في اشتغالنا هذا ؟
أهمية الشباب
فهل ثمة مبرر لكل هذا الانشغال المعرفي بالظاهرة الشبابية ؟ و هل وقع اكتشاف الشباب كفاعل مجتمعي فقط مع حدوث الانتفاضة و تداعياتها ؟ أم أن الوعي بأهمية هذا الجيل غارق في القدم ؟
إن انتفاضة 68 و غيرها من الحركات الاحتجاجية الشبابية التي اجتاحت العالم من بعد ، لم تأت لتؤكد أهمية الشباب في المجتمع ، ولكنها كانت بمثابة ناقوس خطر يحذر من تبعات الإقصاء و الإهدار القصدي لطاقات الشباب و إبعادهم من دوائر صنع القرار . فالمجتمعات كلها تعي جيدا إمكانيات هذه الفئة و لكن زوايا النظر إليها تختلف و تتناقض تبعا لمصالح مالكي وسائل النتاج و الإكراه في هذه المجتمعات . و هكذا يغدو الشباب طاقة إنتاجية أو قوة عسكرية أو احتياطي انتخابي أو مجرد طاقات معطلة وفق حسابات هؤلاء المالكين . و في جميع الأحوال لا يمكن القول بعدم أهمية الشباب في المجتمع ، فكثيرة هي العوامل و المعطيات التي تؤكد هذه الأهمية و تسجل للشباب حضور يته و ضرورته الوجودية بالنسبة لاستمرار الشريط المجتمعي .
لقد أشار تقرير حول الشبيبة في العالم قدم للجمعية العامة لليونسكو إلى أن فجر الألفية الثالثة سيصل فيه عدد الشباب إلى أكثر من مليار و 28 مليون شاب و شابة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة يعيش ثلاثة أرباعهم بالعالم الثالث ( 59 مليون بإفريقيا و 322 مليون بآسيا ) . و في المغرب تحديدا هناك أزيد من 9 مليون من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 25 سنة . فالشباب في المجتمعات الثالثة يشكل قوة ديموغرافية تلعب دورا أساسيا في موازين القوى .
فالوزن الديموغرافي يبرز جانبا من هذه الأهمية التي يحوزها الشباب ن إلا أن الخصائص النفسية و الاجتماعية التي تبصم هذا الجيل تساهم فعلا في إبراز ملامحها ، فرهانان البحث عن الذات و تأكيد الحضور تجعل الشباب أكثر عطاء و فعالية ، و لعل هذا ما جعل المجتمعات الأقل تعقيدا تحتفي بالشباب في شكل طقوس و احتفالات إعلانا للمرور الاجتماعي إلى جيل الكبار .
و إذا كان الفهم الخاص بظاهرة الشباب يختلف من مجتمع لآخر ،و يختلف و يتناقض داخل نفس المجتمع ، فإن الاعتراف بأهميته يخضع لمؤشرات الاختلاف ذاتها . و هذا ما يجعلنا نصادف مفاهيم سوسيوسياسة أخرى للشباب ، فهو مهم من الناحية الإنتاجية في المنظومات الاقتصادية ن و هو على جانب كبير من الأهمية العسكرية في الحروب و النزاعات ن كما أنه كخطوب الود كخزان انتخابي في محاولات تلميع الصورة الديموقراطية ! و هو في النهاية مهم في مسلسل إنتاج و إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية في خيارات الإهدار العلني لطاقاته و إمكانياته ، مثلما يحدث مع حاملي الشهادات المعطلين الذين تكمن أهميتهم بالنسبة للذين هم فوق في شرعنة التفاوتات و إبطاء مفعول الحراك الاجتماعي ! و بالتالي تلافي المنافسة المحتملة حول اقتسام خيرات المجتمع .
على هامش السوسيولوجيا
قبل انتفاضة الستينات من القرن الفائت لم يكن موضوع الشباب يحظى بفائق العناية السوسيولوجية التي قد تجعله مدروسا في إطار فرع تخصصي قائم الذات ، بحيث كانت قضايا الشباب تناقش باحتشام بين و على هامش السوسيولوجيا ن و بعيدا أحيانا عن الدرس العلمي الصارم و الذي يسمح بإنجاز مقاربات واعية لكافة تفاصيل الظاهرة .
و عليه كان الشباب يلوح كسؤال سوسيولوجي ضمن سوسيولوجيا الأسرة بدرجات عالية ، في إطار الحديث عن العلاقات و الأدوار الاجتماعية داخل الأسرة . فاميل دوركهايم اعتبر الأسرة المعاصرة أكثر فردانية و افتقادا لأفق الاندماج ، متحدثا عن مكانة الطفل فيها و دور التبادل الثقافي و ذلك في كتابه الأسرة الزوجية لكنه أغفل الحديث عن الشباب كغيره من رواد السوسيولوجيا ، لتظل قضايا الشباب و بالرغم من حيويتها و مطلبيه استقلالها في الطرح العلمي على الهامش، الشيء الذي أفرز ندرة واضحة في الدراسات الشبابية قبل انتفاضة 68 .
سوسيولوجيا الانتفاضة
التحرر و المشاركة و التعبير كانت اكبر عناوين ماي1968،حين اندلعت ثورة الطلاب من أعماق المدارس ضدا في أنماط التعليم الأرثوذوكسية ورفضا أيضا للسياسة الرأسمالية الماحقة لإرادة الفرد .ففي فرنسا خرج الطلاب محتجين على النضام التعليمي العتيق ،في حين انتفض الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجا على المشاركة في حرب فيتنام لتنتقل الانتفاضة بعدئذ إلى دول المعسكر الشرقي سابقا نقمة على الأنضمة الدكتاتورية وعلى خذلان الاشتراكية والتي بشرت قيلا بتكافؤ الفرص ونحر التفاوت الطبيعي،لتتواصل اتارالإنتفاضة في باقي دول المعمور أملا في التحرر من الاستعباد المؤسسي والمشاركة في منع القرار .
وبالنظر إلى النتائج الواقعية لهذه الانتفاضات والممثلة أساسا في تراجع الإدارة الأمريكية عن الزج بشبابها إلى أدغال فتنام، وكذا تكريس الحقوق المدنية والسياسية،واصلاح النظام التعليمي بفرنسا تأكد بالملموس بأن الشباب يمكن أن يساهم فعلا في تغيير مجرى التاريخ ومحو الأوضاع غير السوية.
وهذا كله جعل الاهتمام العلمي بجيل الشباب يتخذ منحى جديدا وصل في النهاية إلى تكوين منظر سوسيولوجي حول الشباب يؤسس لسوسيولوجية تخصيصية تنفتح على قضاياه وأسئلته .
والواقع أن هذه الانتفاضات لم تدفع آل السوسيولوجية فقط لتشوير السؤال العلني حولها ، وإنما حرضت باحثين آخرين من حقول معرفية أخرى لمسألة الظاهرة ومقاربتها .ودلك بسبب شروط إنتاجها السوسيوسياسية وارتباطاتها الموضوعية فأحدات ماي 68 وما صاحبها من ظهور لحركات الهبيين وذوي العبادات السوداء وجماعات الخنافس أثار وردود فعل قوية لدى الكبار المتحكمين في موازين القوى بل إنها بعثرت الأوراق ،وكانت بالتالي مدعاة للتساؤل عما يرقد وراءها.
وإذا كان الكبار مالكي وسائل الإنتاج والإكراه في المجتمع قد واجهوا هذه الانتفاضات باستنفار فادح للأجهزة القمعية والأيدلوجية أيضا ،فإن ذلك لم يؤدي إلا إلى مزيد من الثورة المضادة والعنف المضاد،الشيء الذي استوجب قراءة علمية لفهم شروط إنتاجها واستخلاص العبر والدروس منها.
وهكذا سوف ستتشبع المسألة الشبابية من قبل علماء الاجتماع والنفس والأنتروبولوجيا تحديدا أملا في تشخيص الانتفاضات وتغيرها،ليتأكد بقوة من خلال هذا الدرس * أن ثورة ماي 68 في النهاية إلا رد فعل شبابي ضدا في أساليب الوصاية والحجر وكأنه ألوان الإقصاء والتهميش التي يجابه بها المجتمع الأكبر مبادرات الشباب وطموحاتهم.
كما أن الانتفاضات من جهة أخرى تؤثر علي وجود ثقافيين وصراع قائم بين الأجيال أو بالأحرى هوة الأجيال كما ذهبت إلى دلك والأنتربولوجيا الأمريكية مار كريت ميد(1) الشيء الدي يجعلها ردود فعل طبيعية تجاه ما يعنيه الشباب من إقصاء وحجر.
وهكذا يمكن القول بأن سوسيولوجية الشباب نوع تخصصي شكلي استجابة علمية لتطورات المسألة الشبابية،وانتقلت من مقاربة دواعي وأبعاد الثورة مرورا إلى مقارنة ظواهر أخرى أفرزتها الشروط المجتمعية المتواترة ،وهو ما أدى إلى اتساع الرقعة المعرفية لسوسيولوجية الشباب،وما قاد بالتعبئة إلى فهم واع لمشاكل الشباب ،ضمن سؤال الانتفاضة والثقافة المضادة إلى الأدوار والعلائق المحتملة إلى تبصم الظاهرة الشبابية
في العيادة السوسيولوجية
إن إدخال المسألة الشبابية إلى العيادة السوسيولوجية بشكل تخصصي يبعد الانتفاضات ر يساهم فعلا في توصيف الحدود العلمية للموضوع المدروس ،وكذا تباين محاور الانشغال الكبرى لسوسيولوجية الشباب مثلما قاد إلى تحديد آليات الدرس والتحليل الكفيلة بإنتاج مقاربة واعية للقضايا الشبابية
وانطلاقا من الانتفاضة وامتدادها واجه الباحثين أسئلة الدور الإجتماعي للشباب في المشهد المجتمعي ،وصعوبات الاندماج وما يتصل بهذا الأمر من ألوان التدجين والإقصاء .إن سؤال الأدوار الإجتماعية للشباب اتصالا بالقوة التي تقزم هذا الدور أو تلفيه نهائيا بشكل جانبا أساسيا من موضوع سوسيولوجية الشباب ليس فقط لأنهه ينفتح على كثير من قضايا الشباب،ولكنه يختزل الواقع العام الذي يسيج فئة الشباب في مكان وزمان ما،وفضلا عن ذلك فإن سوسيولوجيا الشباب تؤسس مشروعيتها المعرفية من خلال اشتغالها على الملامح المرضية لدى جيل الشباب والتي تلوح بقوة في مظاهر الانحراف والتطرف والخروج عن معايير العقل الجمعي وهنا بالضبط يفاجئنا سؤال الأزمة الشبابية هل هي أزمة ذاتية متصلة بعدم فهم الذات أم هي أزمة واقع عام ينفتح به الشباب ويقوده إلى أزمة علائقية مع كافة المؤسسات المجتمعية ؟
إن خلاصة أبحاث مار كريت ميد تتضمن في إعلان نتيجة هامة مضادها أن مشكلة الشباب لا ترتد إلى عامل داخلي ،فهي نتيجة الاضطهاد من الخارج ،من مجموع القيم والعادات ..فالأزمة ليست أزمة هوية تنشأ من عدم فهم الذات الجديدة ،بل هي أزمة مضارية في جوهرها (1)
وفي إطار توصيف حدود الموضوع الذي تتصدى له سوسيولوجية الشباب تقابلها أسئلة أخرى مفتوحة على القيم والثمتلات وصراع الأجيال في اتجاه منظور العلائق التي يدشنها الشباب سوريا أو مرضيا مع المؤسسات والبنايات المجتمعية الشيء الدي جعل سوسيولوجية الشباب تنتقل في درسها وتحليلها من الانتفاضة إلى تفكيك هذه العلائق كمطمح معرفي يساعد في تفسير وفهم قضايا الشباب
سؤال العلائق
ماهى طبيعة العلائق التي تربط الشباب أولا تربطه مع المؤسسات المجتمع وما لكي وسائل الإنتاج والإكراه منه؟ ماهى محددات هذه العلاقة ماهى عوائقها ؟ ماهى شروط إنتاجها وإعادة إنتاجها
هذه وأسئلة أخرى غدت منطلقات حقيقية للنقاش العلمي في سوسيولوجية الشباب وذلك لأنها تسمح بمقاربة قضايا الشباب انطلاقا من اكتشاف ومساءلة علاقته بالمؤسسة وأيا كانت هذه المؤسسة،أسرية،تعليمية،سيا سية،ثقافية أو اقتصادية .
في رحاب الأسرة حيت تتعالى لغة التدجين وقيم المجتمع المذكور والسلطة البطريكية كما في المدرسة حيت يترعرع نظام تعليمي أرثوذكسي مالك تماما للحقيقة وقائع بالضرورة هدت الاختلاف والتحرر
في المؤسسة التعليمية حيت تنتعش سياسات الحجر والتهميش وتتواصل عمليات إعادة إنتاج نفس الأوضاع ،كما في الجانب الاقتصادي حيت يبتهج الإغتراب العمالي وتعطل الطاقات وتهدر،في كل المؤسسات المجتمعية تنفتح شهية السؤال السوسيولوجي عن علاقة الشباب ببانياتها وآلياتها ، وتحدد بالتالي الملامح الكبرى للمشروع المعرفي لسوسيولوجيا الشباب والتي تتلخص في بقوة في سؤال العلائق المؤسسية المفتوحة على كافة القضايا الشبابية
إن تشريح المسألة الشبابية يقضي بنا إلى الاعتراف بخطورة البعد العلائقي ومسؤولية عن كثير من الظواهر والقضايا التي تبصم جيل الشباب ولهذا السبب بالذات صارت علاقة الشباب مع المؤسسات تشكل عنوانا عريضا لمشروع سوسيولوجي ثري يفكك ويسائل الظواهر .
وإذا كان الاختلاف قائما بخصوص إيجاد تعريف موحد للشباب تبعا لاختلاف شروط الإنتاج الإجتماعية ،فإنما لايمكن الاختلاف بصدده فهو البعد العلائقي المؤسسي للظاهرة الشبابية أيا كانت أطرها المرجعية وظروفها الإجتماعية ،فالمرور من المؤسسات المجتمعية يعتبر شرطا وجوديا للشباب في مروره الإجتماعي نحو سن الرشد وبما أن مرحلة الشباب تعرف انطراحا بارزا لأسئلة البحت عن الذات وتأكيد الحضور،في محاولة لسحب الاعتراف من مجتمع الكبار ،فإن سؤال العلائق سيصير بدوره أكثر راهنية وحضورا الموقع الاجتماعي في هذا المجتمع الجديد يقتضي التفاعل المؤسسي في صبغته العفوية أو القسرية.
من خلال المؤسسة بقوانينها و إبدالاتها ،ومن خلال الإتفتاح بإطاراتها وشروطها العامة يكتشف الشباب قضاياه،ويعانق أحلامه ويعلق أيضا جراحه وانكساراته .وعلى المستوى العلائق مع هذه المؤسسات تتناسى أسئلة الأزمة وإمكانيات التجاوز والتغيير.
وهذا كله يجعل من العلاقات مع المؤسسة حجر الزاوية في سوسيولوجيا الشباب كحاجة معرفية تفترضها السوسيولوجية الديناميكية التي من شأنها أن تقود إلي اكتساح التضاريس المجتمعية بكل أرقها وقلقها التساؤلي. لأن تحليل قضايا الشباب يكون غير ذي جدوى وفعالية بعيدا عن الإطار الإجتماعي العام الذي ينخرط فيه ويكون أيضا بعيدا عن الوجاهة والمصداقية عندما تفكك هذه القضايا بمعزل عن إفرازات العلاقات المؤسسة التي يفرضها *المرور الاجتماعي * من فئة عمرية لأخرى
سوسيولوجيا ديناميكية
إن الاجتماعي اليوم أصبح أكثر عندا وضراوة بالنضر إلى ما يشير من أسئلة ومن يعصف به من ظواهر وحالات يتطلب استنفار الآليات السوسيولوجية طلبا للفهم والتجاوز، وهذا ما جعل الدراسات السوسيولوجية العصرية تكون بالأساس دراسات ديناميكية ومتعددة الاختصاصات تدرس الواقع في حركية وتفاعلات الداخلية والخارجية إلى سوسيولوجيا أكثر اقترابا من قضايا المجتمع بات ملما في راهننا هذا، والحاجة إلى معرفة تواكب إفرازات الإجتماعي وتنشد الفهم والتجاوز ، لا توجبها فقط محدودية الاشتغال السوسيولوجي على المسألة الشبابية وإنما تحددها تفاعلات المشهد المجتمعي عموما ، والتي لايمكن مجاراتها ومقارنتها إلا بالإنصات لصوت السوسيولوجيا.
إن الحاجة إلي السوسيولوجيا كمعرفة أثبتت جدواها العلمية في مطبخ العلوم الإنسانية تتأكد وتتكرس واقعا بفعل ما يعتمل في رحاب المجتمع وما يشار بصدده من أسئلة خانقة الطابع وما تثيره القضايا الشبابية من إشكالات مؤجلة الحسم يتطلب مواصلة الاجتهاد السوسيولوجي في أفق استكمال التأسيس العلمي لسوسيولوجيا الشباب، خصوصا وأن المسألة الشبابية خصوصا في بعدها العلائقي مازالت بعيدة عن الاحتواء والفهم الموضوعي فهناك من جهة أخرى ندرة الدراسات التي تصدر لها ،ومن جهة أخرى ثانية هناك فارق البحث السوسيولوجي في مجتمعات لتؤمن بالحق في النقد والمساءلة
ولقد تبين ،في الوطن العربي مثلا ،من خلال تصنيف أكثر من 250عملا علميا حول الشباب حتى نهاية الثمانينيات أن علم النفس وعلم التربية استأثرا بأكثر من61%من هذه الأعمال ، وفي حين لم تتجاوز الدراسات السياسية بأكثر من %1,5 والدراسات الانتروبولوجيا 0,5% الشيء الدي يؤكد محدودية الدرس والتحليل السوسيولوجي لسؤال الشباب ، وهو ما يؤكد الحاجة إلى سوسيولوجيا ديناميكية تنفتح بمزيد من الجرأة والفعالية على مختلف الإنشغالات والإنتظارات الأساسية التي تهم الشباب في سياقات سوسيوسياسة محددة
إن الدعوة إلى تفعيل و إغناء النقاش السوسيولوجي حول واقع الشباب ورهاناته المركزية،انطلاقا من فهم خاص لسوسيولوجيا يتأسس على ضرورات اكتساح مختلف التضاريس المجتمعية وصولا إلى احتواء الظواهر الاجتماعية و تلافي ما ينأى منها عن السواء . وبحكم موقع الشباب الرمزي والمادي في جميع المجتمعات وإمكانات الفعل التغييري لديه،فإنه سوسيولوجية ستسمح لا محالة إبراز هذا الموقع ضدا في كل استراتيجيات التهميش والتبخيس التي ستهدفه بطريقة واعية أولا واعية
*باحث في علم الاجتماع من المغرب