موقع أرنتروبوس

مقاربة البحث 3 – الفضاء الرقمي 1

33

نصادف ضمن الفضاء الرقمي الكثير من المعطيات الإثنوغرافية، كيف يمكن التعامل معها؟!

هل يمكن تحليلها من منطلق ثقافة المصدر؟ ثقافة المحلِّل؟ أم ثقافة مغايرة لهما معًا؟!

هل تعبير “القرية الكونية” هو تعبير موضوعي، ويشير إلى حقيقة ثقافية أصيلة وأصلية؟! وإذا كان كذلك، ما هي أبعاد هذه الثقافة؟

عندما درس “سمنر” [William Graham Sumner] الثقافة، قدّم لها بعدين أساسيين:

  1. الأول هو البعد المادي
  2. الثاني هو البعد غير المادي

ومن ثم جزّء البعد الثاني إلى:

وهذا تم التفصيل فيه ضمن مقالة “مبادئ أساسية 4: أبعاد الثقافة“، ولن أعيد الكلام فيه إلا بما يخدم النقطة التي أحاول مقاربتها.

يحوي البعد المعياري على:

المعايير هي القواعد التي تحدد السلوك (المناسب وغير المناسب) ضمن سياق مجتمعي محدّد. وهي تشرح لنا لماذا يتصرف الناس بشكل متشابه أمام سياقات متشابهة!

إن أعضاء المجتمع يستعينون بالمعايير لترشدهم إلى السلوك الإجتماعي المطلوب، وقد لا نشعر بتحكمها بنا، إلا في اللحظة التي يتم إنتهاكها بها.

مثلًا، لا يفكر الفرد بأسلوب القيادة على اليمين (أو على اليسار) كمعيار إلا عندما يرى أحدًا ينتهكه! هو خالف القاعدة المتوقعة للسلوك، إنحرف عن الطريقة المتبعة!

والإنحراف (deviance) تبعًا لدوركهايم (Emile Durkheim) ليس معرّفًا بذاته، بل خاضع للتعريف الإجتماعي.

وعطفًا على الفضاء الرقمي، ما هي القواعد التي إتفق عليها “الرقميون” لتحديد السلوك وإنحرافاته!

أليست خاضعة لثقافاتهم؟ وتثاقفاتهم؟!

وإذا كانت المعايير مختلفة من مجتمع لآخر، وذات مصطلح المعيار (كما الإنحراف) هو نتيجة توافق إجتماعي –عقد إجتماعي– فمتى جرى هذا العقد؟ وهل تكفي شروط الإستخدام (terms/terms of service/terms and conditions) التي لا يقرأها إلا القلة!!

وإذا كان الحاكم هو النسبية الثقافية، ألا يعني هذا أن التثاقف سيكون في مستواه الأدنى أمام العصبية الهوياتية؟ وألن تلجأ كل جماعة/هوية إلى فرض قواعدها تبعًا لثقافتها؟!

عندها، ما سيكون مصير منصات التواصل الإجتماعي، التي تعتمد على المستخدمين، وتحاول أن تتقرب منهم بصور شتى؟!

يرجى الملاحظة أن الصورة السابقة من محرك البحث (جوجل) مجرد مثال عن فكرة التقرّب التي طرحتها!

هذا على صعيد المعايير، ودون الخوض في تقسيمها الثلاثي!

وماذا عن الزواجر؟

الزواجر هي حوافز وروادع تستخدم لتشجيع الطاعة للمعايير، تقوم التنشئة الإجتماعية بإستدخالها ضمن البنية النفسية فنزجر أنفسنا قبل القيام بإنتهاك أحدها. ولذا يكون التغيير صعبًا، ويحتاج إلى وقت طويل، كما إلى تنشئة مغايرة!

هذه التنشئة المغايرة، هي ما يقوم به الفضاء الرقمي بشكل يومي! وإن كانت دراستي تشير بأن المستخدم يحيط نفسه بدائرة إنتماء من ذات ثقافته يتبادل معها التأثير، فهذا يعني أن التنشئة المغايرة قد تدنى تأثيرها أيضًا!

نعم، ما سبق ليس تعميمًا، ولن يكون! وهناك الكثير من الأمثلة توحي بالعكس، وهذا لا يعني نفيًا لما ذكرته، بل إضافة له!

 القيم هي مبادئ ثقافية عامة لدرجة أنها لا تحدّد طرقًا خاصة في التفكير، الشعور، أو التصرف. لذا قد نجد مجتمعات تمتلك معاييرًا متنافرة لكنها تستند إلى ذات القيم.

وهذا سهل التتبع ضمن الفضاء الرقمي، إذ تحت مظلة العام، يندرج الكثير من التفاصيل، وهذا العام، كالحرية والعدالة والأمان نجده متمثلًا بتناقضات أحيانًا، لكنه مشترك وتلاقحي، وقد يكون لبنة العقد الإجتماعي الأساسية، التي يمكن عبرها الإنتقال من التجمع إلى المجتمع!

مقاربة الفضاء الرقمي، تتسع يوميًا باتساعه! ولا يكفي فيها التكميم! وليس من شروطها متابعة من يجلس خلف شاشة الحاسوب! بل يُعتمَد فيها بشكل أساسي الأفاتار (avatar).

وهذه نقطة إشكالية…

أخيرًا، ما هو الجواب الأولي على ما ابتدأت به؟

أميل إلى القول، أن التحليل ضمن الفضاء الرقمي عليه أن يلتزم بالثقافة الهجينة بين ثقافة القائل وثقافة الفضاء الرقمي!

وهذا مجاله ضمن الجزء الثاني.




ملاحظة: إقتبست التعريفات من مقالتي “مبادئ أساسية 4: أبعاد الثقافة“، يمكن العودة إليها لقراءة النص كاملًا.

Exit mobile version