مقاربات حول سؤال التثاقف: قراءة في واقع تحولات الريف اللبناني
دراسة بقلم: د. رامي ناصر
4- عوامل التثاقف
خضعت المجتمعات الريفية في لبنانية لتأثيرات وعوامل زادت من مساحة الاحتكاك بثقافة الآخر والتثاقف معه، وساهمت بالتالي في زيادة سرعة التحولات في البنى المجتمعية.
لا شك أن البواعث الأولى للتثاقف المتزايد في الأرياف، موجودة ومتضمنة في البناء الاجتماعي للأرياف نفسها، إلا أن مفاعيل الحرب الأهلية، كان لها الدور الفاعل الذي أدى إلى التحولات المفصلية التي طالتها. فقد نتج عن الحرب الأهلية:
- تدمير البنى التحتية والانكماش الاقتصادي والتباعد الاجتماعي بين العائلات
- تزايد النزوح والهجرة مع تبدلهما من مؤقتان إلى دائمان، لأن غالبية أبناء الأرياف نزحوا طلبًا لفرص العمل، وأقاموا حيث وجدوها.
- زيادة التوجه نحو التعليم للجنسين بواقع زيادة إمكانياته وضروراته (النزوح إلى المدينة حيث تتوفر المدارس، أو الهجرة إلى بلدان تشترط التعليم للجنسين)
- زيادة توجه النساء إلى سوق العمل، ضرورة فرضتها الحرب لتحلّ مكان الرجل الذي تطوع على جبهات القتال.
- تطوع النساء في التنظيمات السياسية ودخولها إلى ميادين العمل السياسي والاجتماعي والإنساني وبروزها كندٍ للرجل.
- دخول المرأة إلى مجالات عمل لم تكن متاحة لها سابقًا.
- الاتجاه إلى العمل الوظيفي كبديل اقتصادي عن العمل الزراعي.
- تبدل العلاقة والذهنية نحو الأرض وارتفاع قيمة الأراضي العقارية مقابل قيمتها الإنتاجية بفعل التأثير الخارجي للرساميل الأجنبية والاغترابية التي تدفقت بعد الحرب اللبنانية
- انتشار النمط الاستهلاكي عند الجيل الجديد على حساب النمط الإنتاجي.
تحمل ثورة الاتصال التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، ألوانًا من الثقافات لم يعهدها مجتمع القريتين والتي لا تساير القيم والعادات والتقاليد المجتمعية السائدة.
“إن مصادر الثقافة والتنشئة باعتبارها كمؤثرات خارجية على الأسرة عديدة، منها الإعلام وهذا الذي يشير إلى التلفزيون ونخص بالذكر الهوائيات المقعرة والإنترنت التي انتشرت في فترة ما بعد 1990 بصورة ملحوظة وكبيرة”[1].
“هذا ما أشارت إليه الدراسات الاجتماعية الخاصة بثقافة الصورة، والتي بيّنت أن العناصر المتشابكة بطبيعتها للمكان قد تمزقت عن طريق وسائل الإعلام الإلكترونية، ما ساهم في انخفاض الشعور بالهوية الجماعية للعائلة لدى الأفراد وبالتالي لدى الأسر”[2].
تعتبر وسائل التواصل والاتصال من مسبّبات التغير بقدر ما هي من نتائجها، لأن أفكار الحداثة وعناصرها الثقافية دخلت إلى مجتمع القريتين من خلالها. ويعتبرها “إلسون بويد” (Elson Bioyd) من أهم عوامل التغير، عن طريق تشكيل الوعي بالآخر كونها سهلت التفاعلات الاجتماعية.
يختلف تأثيره تبعًا للسنّ، المستوى الثقافي، المركز الاقتصادي والمهني، ومكان الاقامة. فمع انتشار التلفزيون في قرى وبلدات الريف اللبناني، برزت اهتمامات جديدة واستطاع ان يبدّل الكثير من العادات اليومية ويكيّف اسلوب حياة الجيل الجديد بصورة ملحوظة من طرائق اللباس الى شكل الطعام الى التماهي بالموضة التي يروّج لها على القنوات الأرضية والفضائية.
فيختلف رهان علاقات القوى فيما بينها في الوقت الذي تتحرك فيه الآلة الجهنمية للعولمة، بتجلياتها المالية والافتراضية، يواجه العالم الثالث، لا سيما أكثر المناطق هشاشة فيه ولا سيما المنطقة العربية، أنماطًا من سوء التفاهم، ومن استراتيجيات الإلغاء والموت صعبة التحديد أحيانًا، على صعيد أعلى مستويات ما يُدعى بالتواصل.
زيادة الاتصال بالمدينة، بالإضافة إلى توفر التقنية بأشكال متعددة تناسب كافة الإمكانات، زاد من انتشارها والإقبال عليها. ففي بداية التسعينيات، أصبحت أجهزة التلفاز على أشكالها وأنواعها موجودة في كل منازل القريتين.
4-2-3 الكمبيوتر والهاتف النقال (الجوّال “Mobile”)
يعتبر الكمبيوتر والهاتف الجوال (والهواتف الذكية) من أهم مظاهر التكنولوجيا تأثيرًا بعد التلفزيون والتي بدأت بالانتشار منذ بداية التسعينيات، مع الاشارة إلى أن الهاتف الذكي كان أسرع وأكثر انتشارًا، لأنه أيسر وأرخص وسيلة للاتصال وأسهل تعلمًا مقارنة بالتعامل مع الكمبيوتر.
إن مميزاته وخصائصه (كوسيلة اتصال شخصية وتكنولوجيا قادرة على توصيل الرسالة وتلقيها بسرعة قياسية، تكنولوجيا هجينة خاصة مع الإنترنت وإمكانات “المالتي ميديا” (multi-media) مع وجود كاميرا بداخله)، بالإضافة إلى تدني أسعار الأجهزة والخدمات المرتبطة به، سهولة تبادله، صغر حجمه، وسهولة حمله، جعلت منه حاجة ومطلب ضروري للجميع.
لقد أصبحت الحياة التقليدية عرضة للغزو السريع من العالم الخارجي. فتأثير وسائل الاتصال والتواصل قد أصبح واضحًا في الحياة اليومية لأبناء القريتين، فتقنيات التواصل والاتصال أتاحت للشباب إمكانية انفتاح وحراك جغرافي واجتماعي، وكسرت قيود العادات والتقاليد وحدود المكان والزمان.
إن تواصل الأفراد في القرية مع بعضهم البعض كتابيًا وصوتيًا أو بالصورة والصوت معًا حدّت كثيرًا من الزيارات العائلية، كما أن شعور الإنسان بالقرب ممن يتصل بهم، وإن كانت المسافة بينهم آلاف الأميال جغرافيًا، باعدت فترات زيارة المغتربين. فهذه الوسائل، بقدر ما ساهمت في تقريب المسافات مع البعيد، خلقت تباعدًا بين أفراد الأسرة وقلّصت من العلاقات الاجتماعية التقليدية عن طريق تقليل أوقات اللقاءات الأسرية والاكتفاء بالتواصل الإلكتروني مما أثّر على تفكك الروابط العائلية بشكلها التقليدي في مجتمع القريتين.
4-2-4 انتشار الأدوات المنزلية الكهربائية
اتساع دائرة الاتصال بالمدينة وبقاء صلة الوصل بين النازحين والمهاجرين مع القرية ساهم بدخول المكننة الزراعية والأدوات المنزلية الحديثة إلى القريتين. فنجد أن فرن الغاز والغسالة الأوتوماتيك والميكروويف والمكواة الكهربائية وغيرها من الأدوات الحديثة باتت موجودة في كل منزل.
لكن تقنيات العصر الحديثة، والاكتشافات الكهربائية والإلكترونية، لم تمنع حنين الإنسان إلى الأشياء القديمة، والحميمية إلى الذكريات الدفينة في القلوب الدافئة، لحاجات وأغراض منزلية أخذت طريقها إلى التقاعد، أو إلى متممات “ديكور” يتسابق من يعرف قيمتها إلى التفتيش عنها واقتنائها، كعزّ من ماضٍ ولى، بعدما كانت حاجة ضرورية لا يستطيع أيًا كان الاستغناء عنها، لأنها جزء من التراث والتاريخ.
5- الإعلام التلفزيوني والتثاقف
تشكّل وسائل الإعلام أحد أبرز وسائط التثاقف غير المباشر في المجتمع الحديث، إنه شكل من أشكال التنشئة الاجتماعية الإرادية نوعًا ما. يزداد دور الإعلام أهميةً وتأثيرًا بسبب تطوره التقني واختراقه لجهات الحياة المختلفة، وانتشاره وقبوله من أفراد المجتمع كافة، وخاصة الأطفال والمراهقين والشباب (ذكورًا وإناثًا). وهو يعتبر من أبرز المؤسسات المرجعية التي “تلعب دورًا بارزًا في غرس القيم الاجتماعية وصقل الشخصية وتحديد المعايير الثقافية للمتلقّين”، بما يتلاءم والاستراتيجية الأيديولوجية للقيمين عليها[3].
عزّز التلفزيون شعور الفردنة، فبدل اجتماع العائلة والأصحاب والزيارات صار الجلوس خلف هذا الجهاز للتمتع بالبرامج وقضاء وقت الفراغ وإقامة إجبارية وطوعية للبقاء في المنزل. حيث يكاد التلفزيون يكون وسيلة الترفيه الوحيدة السهلة للفتاة أو الأم المرتبطة بأعمال المنزل (تقوم بأعمال المنزل أمام التلفزيون).
أدى تنوع تطبيقات الإنترنت واختلاف مهامها ووسائل التعامل معها خلال السنوات القليلة الماضية إلى تحولها لوسيلة جذب لفئات متنوعة من البشر على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم، فبعد أن كان استخدامه في السابق مقصورًا على الكبار وخاصة فئة الباحثين، فقد انتشر في الوقت الراهن ليشمل شريحة كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب الذين وجدوا فيه وسيلة ممتعة لتحقيق الكثير من رغباتهم وإبراز شخصياتهم.
ولعل من أبرز تلك التطبيقات التي جذبت فئة الأطفال والمراهقين والشباب هي الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت وأشهرها الفيسبوك (Facebook) وتويتر (Twitter) ويوتيوب (YouTube)، وذلك لسهولة استخدامها ومرونة القيود المفروضة على الاشتراك فيها، إضافة إلى أن طبيعة الإنسان ورغبته في تكوين العلاقات مع أقرانه، فضلًا عن توفر وقت وفراغ كبيرين في حياته، مع محدودية الفرص المتاحة له خارج المنزل للالتقاء بالآخرين، كانت عاملًا أساسيًا في انضمام الكثير منهم لتلك الشبكات.
فمواقع شبكات التواصل الاجتماعي، أتاحت إمكانية التواصل بين المستخدم وبين أصدقائه وأقاربه دون أي عناء مادي أو مجهود جسدي، في أي وقت يشاء. كما يعتمد عليها كمصدر للمعلومات والأخبار.
7- التثاقف والانفتاح على المركز
إن فعل التثاقف والآليات الاقتصادية والاجتماعية المركبة التي تلاقح معها ابن الريف، بدّلت نظرته إلى العمل الزراعي، فالأرض لم تعد مصدر أمان اجتماعي واقتصادي لأن إنتاجها وريعها لم يعد يكفي لتأمين احتياجات الأسرة. إغراء الحداثة وتقنيتها ورفاهية العيش المديني، دفع أبناء الريف، خاصة الجيل الجديد، إلى تبني أساليب عيش وأفكار جديدة. لذلك نلاحظ مدى تأثير التطور التكنولوجي، في زيادة فعل التثاقف المباشر وغير المباشر، وتوسيع مساحة الاحتكاك مع ثقافة الآخر.
8 – تطور البنى التحتية
لا يمكننا القول بأن التثاقف هو فعل بنيوي/ يعمل على البنية الفوقية دون أي علاقة أو حكم ذاتي يتعلق بالبنية التحتية، فالمناقبية أي أسبقية القدرة على إحداث فعل التثاقف ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمدى تطور البنى التحتية التي تشكل عنصر مؤثر في تسهيل التواصل والاحتكاك مع ثقافة الآخر.
إن تاريخية العلاقة التبادلية التكاملية التي نشأت بين المدينة والريف، تبين لنا، الترابط الوثيق بين الأشكال المختلفة من الأرياف بالمدن، من خلال وسائط النقل التي يتم تطويرها هناك، والعكس بالعكس. فالريف بمجموع قراه شكل الرافد الاكبر الذي يؤمن احتياجات المدينة من الغذاء، التي بدورها لعبت الدور التجاري، الصناعي والخدماتي الذي يحتاجه هذا الريف. كذلك فإن النمو السكاني السريع للمدن، الذي نتج عنه زحفًا عمرانيًا غير مسبوق باتجاه الارياف، زاد الحاجة إلى تطوير البنى التحتية، لتواكب هذا الارتفاع الحاد في الطلب على السكن والتنقل.[4]
تؤثر هذه العوامل بكافة المظاهر الثقافية المادية التي تشكل سيرورة المجتمع وغير المادية التي تشكل صيرورته. فالمظاهر المادية للثقافة كالتكنولوجيا تسبق في التغييرات، لذلك فإن درجة النمو التكنولوجي تحكم شكل الإنتاج والعلاقات والنظم التي تحكم النسق الاقتصادي ومجموع العلاقات الخاصة بالإنتاج، كون البناء الاقتصادي هو الأساس الذي تقوم عليه الأنساق الاجتماعية الأخرى.[5]
إن التسليم بالبنى المتحولة والمتغيرة للأرياف اللبنانية لا تعني انتفاء بعض مقومات الثبات في عناصرها، فأسلوب معيش ابن الريف المتحول بفعل هذه العوامل، أنتج نمطًا جديدًا في حياة الناس اليومية بفعل قيم الحداثة والعولمة التقنية التي كانت سببًا في نشوء ريف متحول/هجين.
فيبدو الريف متجاذبًا بين تقاليد اجتماعية يفرضها الثابت من الموروث، وتحوّل تطرحه تقنيات المستحدث. هذا يعني أن التباينات الحاصلة ليست قاصرة على توزيع أنساقهما فحسب بل هناك إنتاج لثقافة مغايرة بفعل الحداثة والعولمة التقنية وأدواتهما. فالواقع اليوم لا وجود فيه للتقليدي من جهة أو للحداثي من جهة أخرى، بل هو خليط من الاثنين، لا يلغي أحدهما الآخر لكن قد يطغى في منحى بينما يطغى الآخر في مناح أخرى، إلى حد يصح معه القول أنها بنى تقليدية بنظرة أو بتشكلات جديدة.
9- الخاتمة
يمكن اعتبار هذه الورقة البحثية، كمحاولة لإعادة توجيه مفاهيمي لفعل التثاقف، باعتباره حراكًا مجتمعيًا ديناميًا، يهدف إلى فهم مستقبل التحولات الثقافية في الأرياف اللبنانية. فإذا كان التثاقف يمثل الشكل الأرقى للحوار بين الحضارات والثقافات، ما هي القواعد التي يجب أن يتأسس عليها هذا الحوار؟
إن عدم الرؤية المقارنة للتثاقف في أوجهه الحسنة والسيئة، تحد من أفق الفهم وإمكانات الإستفادة من الجوانب الإيجابية له. لذلك فإن خضوع المجتمع اللبناني عامة والمجتمعات الريفية بخاصة، في سيرورته الحضرية والإنسانية لعوامله، فرض التماهي مع قيمه الدخيلة على وتائر الحياة اليومية التقليدية، وتبنّي صيغ وأشكال استهلاكية اخترقت منظومة المجتمع المحلي الاكتفائية.
فإذ يرتبط تزايد تأثير عوامل التثاقف غالبًا بالتطور الاقتصادي والتكنولوجي، الرجوع إلى الانتماء المحلي من أجل التمسك والحفاظ على الهوية، يحد من تأثيرات دخوله إلى الارياف.[6] نلاحظ في تركيبة المجتمع الريفي ثلاث فئات:
تقليديون: وهم الذين لا يرغبون في ترك محيطهم بسهولة لما يربطهم به من علاقات اجتماعية وثيقة وروابط رمزية حميمية.
تحوّليون: وهم المتمتعون بشخصية حراكية، يودون التغيير لكنهم لا يملكون أسبابه، يسايرون بعض القيم احترامًا ويأخذون بعض الجديد، مجاراة لواقع مستجد.
عصريون: وهم المهاجرون والنازحون المقيمون في المدينة، التاركون لثقافة موروثهم لما يتميزون به من تعليم عالٍ، مستوى اقتصادي جيد، وتعرّض لوسائل التواصل والاتصال التي تقود ثورة المعلوماتية التي تتداخل في نسيج المجتمع ككل اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا والتي كسرت حواجز الزمان والمكان وقيود المجتمع.
تشهد المجتمعات الريفية التقليدية التي تعرضت لتأثيرات التثاقف، صراعًا بين مقومات التقليد ومقومات الحداثة، إما في اتجاه التكيف معها وإما في اتجاه رفضها.[7]
هذا الصراع يولد موجة صدمة بين الثقافات التقليدية في العالم الثالث والحداثة بل بين هذه ومختلف موجات الحداثة نفسها، هكذا نعيش ضمن عدة ثقافات في نفس الوقت، بل ضمن عدة عوالم ليست فقط منفصلة عن بعضها ومتمايزة بل عوالم تؤثر كلها علينا في نفس الوقت.[8]
إن التحولات البنيوية، من حيث نظم الإنتاج، الاستهلاك والتعاون وتبدّل أشكال التضامن الأسري، تتميز بحداثة تخفي بنية تقليدية لا تزال تفرض نفسها من ورائها، بنية مزدوجة تتعايش فيها أنماط وأساليب الإنتاج والتنظيم والتفكير القديمة والحديثة.
بنيان يختلف عن البنيان الحداثي الذي تشكله المجتمعات الصناعية الغربية كما يختلف عن البنيان التقليدي السابق. فمفهوم التثاقف يسير إلى نتاج التصادم بين ثقافتين مختلفتين، ويخلق حال من عدوى تؤدي إلى ظهور حالة الهجانة، فلا هي حداثة ولا هي تقليد.
إن ما يحدّد فعل المعاصرة/العصرنة هو فعل العيش في الفترة نفسها وتقاسم المعايير المشتركة، لكننا نلاحظ في قلب المجتمع الريفي الواحد، تعدّدية الأشكال الثقافية التي تختلف حسب العمر والجنس، المهنة، التربية، الانتماء الديني والسياسي. فهو ليس بنيانًا عصريًا وإن التقت فيه كل مظاهر الحداثة أو بعضها، كما أنه ليس تقليديًا قديمًا وإن بقيت فيه أشياء من التقليد. هذا المزيج المركّب اصطلحنا تسميته بالريف- مديني.
وبمعنى آخر يمكن القول أن مفهوم الريف-مديني اعتمدناه لتوصيف حالة مجتمعاتنا الريفية التي ما زالت تعيش مخاض تجربة تفكّك بناها التقليدية لصالح بنى وصفناها بالهجينة (بين قديم وجديد).
فمنطق السوق، لم يقضِ على العلاقات الاجتماعية التي يصفها ماكس فيبر بالتقليدية، ولا على آلية إعادة الإنتاج الاجتماعي. لكن فردنة السلوكيات لا سيما سلوكيات الاستهلاك هي فردنة مصاحبة لإعادة تركيب في الهوية الثقافية، وتتوافق إعادة التركيب هذه مع تطور تكنولوجيا الاتصالات، التي غيّرت طبيعة العلاقات التي اختصرت الزمان والمكان. فنشهد على التوازي تصلبًا في السياقات المحلية والجزئيات تجاه عولمة التكنولوجيات والاقتصاد وتجاه ما نطلق عليه اسم الوعي الكوكبي.
ويبدو هذا التناقض جليًا في التحولات التي تشهد اختفاء أو بقاء المجتمعات التي يقال عنها تقليدية، بين ما هو خاص – محلي وما هو شامل – عالمي.
المؤلف: د. رامي ناصر: باحث أنثروبولوجي من لبنان ، خبير في دراسة الواقع وإعداد خطط التنمية الإستراتيجية ، مسؤول فريق إعداد الخطط في وكالة التخطيط والتنمية – البقاع (لبنان) ، مشارك ومعد لأكثر من ورقة بحثية في الأنثروبولوجيا الثقافية وفي التاريخ الريفي ، مهتم بمواضيع التراث الشعبي والتراث الثقافي اللامادي.
الهوامش:
[1]مأمون طربيه، القرية في عصر التلفزيون، دراسة أعدت لنيل أطروحة الدكتوراه في علم اجتماع المعرفة، 2002، ص 2.
[2]سامية خضر صالح، إستراتيجية مواجهة العنف رؤية نقدية ودراسة تطبيقية ، مكتبة الأنجلو مصرية ، القاهرة ، ط1، 1998، ص 54.
[3] عصام سليمان موسى، “الثقافة الاعلامية”، مجلّة العلوم الاجتماعية، مج 16، جامعة الكويت، ع 48، 1988، ص 244.
[4] l’Agence Française de Développement (AFD), Les interactions entre formes urbaines et transport dans la perspective d’un développement urbain soutenable -Table ronde des 10 et 11 juin 2010.
[5] Le febvere, 1968, notion d’acculturation, les cinquantes mots cles, pp 55- 60.
[6] D. Guerid, 1991, « L’entreprise industrielle en Algérie, les limites d’une acculturation ». URASC.Université d’Oran. Egalement, Communication « Que peut l’anthropologie aujourd’hui ? »
[7] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، دفاتر فلسفية-6-، دار توبقال للنشر، المغرب، ط3، 2008، ص 5
[8] Daryuch Chayegan, l’Islam et la modernite, edition Esprit, Paris, 1989,pp 30-31
المصادر:
- كارل ماركس، إسهام في نقد الاقتصاد السياسي عن كتابالفلسفة، للجنة القومية للفلسفة، تونس، 1976، ص314.
- محمد الجوهري وآخرون، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، منشورات جامعة القاهرة، القاهرة، ط1، 2007، ص 129.
- محمد عابد الجابري، “العولمة والهوية الثقافية”، مجلة فكر ونقد، العدد 6، 1998، الصفحة 5 و6.
- مأمون طربيه، القرية في عصر التلفزيون، دراسة أعدت لنيل أطروحة الدكتوراه في علم اجتماع المعرفة، 2002، ص 2.
- سامية خضر صالح، إستراتيجية مواجهة العنف رؤية نقدية ودراسة تطبيقية ، مكتبة الأنجلو مصرية ، القاهرة ، ط1، 1998، ص 54
- عصام سليمان موسى، “الثقافة الاعلامية”، مجلّة العلوم الاجتماعية، مج 16، جامعة الكويت، ع 48، 1988، ص 244.
- محمد سبيلا، وعبد السلام بنعبد العالي، دفاتر فلسفية، ص 12.
- مقال سيسيليا كوربو Cécilia Courbot المنشور بموقع الكتروني أكاديمي على الرابط: https://www.cairn.info/revue-hypotheses-2000-1-page-121.htm.
- محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، دفاتر فلسفية-6-، دار توبقال للنشر، المغرب، ط3، 2008، ص 5.
- معجم مصطلحات علم الإجتماع، جيل فريول، ترجمة أنسام الأسعد، دار البحار- بيروت، ط1، 2011، ص 121.
- PIERRE Sarah 2011 : “Culture et démocratie : prémisses d’une identité européenne ?”, Émulations, n°7, 2010. (Mise en ligne 9 novembre). http://www.revue-emulations.net/archives/n7/pierre
- GRENON Michel 1992: “La notion d’acculturation entre l’anthropologie et l’historiographie”. Un article publié dans la revue LEKTON, vol. 2, no 2 Numéro intitulé, Département de philosophie,UQÀM Montréal, 13-42.
- Mchee, J., An introduction to sociology, U.S.A, 1974, journal publier http://www.uqac.ca/jmt-sociologue/
- Lechte, John(2007). Pierre Bourdieu(1930-2002) in John Lechte fifty key contemporary thinkers : from structuralism to post-Humanism 2nd London Routledge.
- George Zimmel,1992, le conflit, edition Circe Paris, , p 73.
- Philippe, Bonneford, l’Introduction de la motorization en agriculture traditionelle, cah O.R.S.T.O.M, vol 7 numero 4, 1970, p 22.
- Robert Brenton Bretts, 1990, The Durze, Yale university press, p 55.
- l’Agence Française de Développement (AFD), juin 2010, Les interactions entre formes urbaines et transport dans la perspective d’un développement urbain soutenable -Table ronde.
- Le febvre, 1968, notion d’acculturation, les cinquantes mots cles , pp 55-60.
- Guerid, 1991, « L’entreprise industrielle en Algérie, les limites d’une acculturation ». URASC.Université d’Oran. Egalement, Communication « Que peut l’anthropologie aujourd’hui ? » Colloque Les Traras entre tradition et modernité, organisé le 25-26 mai 2002 à l’université d’Oran.
- Daryuch Chayegan, 1989, l’Islam et la modernite, edition Esprit, Paris ,pp 30-31.