مارغريت ميد Margaret Mead
1901-1978
تعدّ مارغريت ميد Margret Mead واحدة من أكثر علماء الأنثروبولوجيا الثقافية شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية لما لها من تأثير امتد إلى أوربا وبلدان أخرى. وُلدت في مدينة فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية لأبوين أمريكيين لهما مكانتهما الاجتماعية في المجتمع الفيلاديفي المخملي آنذاك، وكانت الابنة البكر لوالديها، ولها ثلاثة أشقاء، كانت المَحظيَّة بينهم عند جدتها؛ الأمر الذي مكّنها من متابعتها الدراسة والثقافة والنضج المبكر، والتبحر في العلوم الاجتماعية ومناهجها ومدارسها. أنهت ميد المرحلة الثانوية عام 1918، وانتسبت إلى جامعة «دي بو» DePauw غير أنها انتقلت إلى جامعة «برنارد» Barnard، وأكملت دراستها فيها، وهناك تعرفت روث بنديكت Ruth Benedict، وأصبحت فيما بعد واحدة من أشهر علماء الأنثروبولوجيا الثقافية، حتى إن كتابها «نماذج من الثقافة» يعدّ من أهم الكتب في الأنثروبولوجيا لما حققه لها من شهرة واسعة في الأوساط الأكاديمية. تأثرت مارغريت ميد ببنديكت تأثراً شديداً، لذلك حذت حذوها بدراسة الثقافة والشخصية دراسة ميدانية، وفي عام 1925 رحلت إلى بريطانيا برفقة زوجها، ثم قفلت راجعة إلى جزيرة «باغو باغو» Pago Pago لاستكمال أبحاثها ودراستها الحقلية ـ التطبيقية التي بدأتها بدراسة ظاهرة سلوك المراهقين عـند قبائل الساموا Samoa. في عام 1926 التقت ميد عالم الأنثروبولوجيا ريو فورتين Reo Fortune، وتزوجته بعد طلاقها من زوجها الأول، ثم استقرت معه في غينيا من عام 1928 إلى عام 1929؛ مكملة دراستها عن الساموا، ونشرت دراستها في كتاب حقق لها شهرة واسعة، ونهض بها إلى مستوى الأساتذة المؤسسين للعلم الأنثروبولوجي الثقافي والنفسي.
تابعت ميد بين عامي 1931ـ1933 دراساتها الأنثروبولوجية التطبيقية مستندة إلى تعايشها مع ثقافات متباينة في أصولها وتجاربها الاجتماعية وأعرافها وتقاليدها، وتوصلت بوساطة تنقيبها وتحليلها في هذه الثقافات إلى أن «طبيعة الإنسان طوعية»؛ وهذا معناه عندها أن خصائص الذكر والأنثى تعكس بوضوح لا لَبْس فيه ظروف المجتمع وثقافته، وليست الظروف البيولوجية، كما تقول به بعض وجهات النظر الأنثروبولوجية المغرقة في تشددها للعامل البيولوجي.
إلاَّ أنَّ زواجها الثاني لم يستمر طويلاً إذ تم طلاقها من زوجها، وتزوجت العالم الأنثروبولوجي «غريغوري بيتيسون» Gregory Bateson سنة 1935، وسافرت معه إلى إندونيسيا قاصدة استكمال دراساتها في ثقافات شعوب العالم، وبقيت هناك ما بين عامي 1936ـ1939؛ حيث أنجبت الطفل المنتظر ذلك العام.
وغداة ذلك راحت ميد تحاضر عمّا توصلت إليه في دراساتها الأنثروبولوجية، متنقلة من جامعة أمريكية إلى أخرى، وكان شغلها الشاغل في جُلِّ هذه المحاضرات أن تضفي الشرعية المنهجية على آرائها والنتائج التي توصلت إليها في دراساتها الحقلية؛ مؤكدة أهمية التنوع والاختلاف بين الثقافات وتأثيره في الشخصيات الاجتماعية.
أعمالها والجمعيات التي انتسبت إليها وترأّستها:
حظيت مارغريت ميد بمكانة مرموقة بين العاملين في البحوث والدراسات السوسيو- أنثروبولوجية من أساتذة جامعات وباحثين؛ ولذلك تربعت على رأس العديد من الجمعيات والمعاهد العلمية الأنثروبولوجية والاجتماعية خاصة تلك التي لها علاقة بالدراسات الحقلية المتخصصة بثقافات المجتمعات «البدائية» الأقل تطوراً، ومن هذه الجمعيات والمعاهد والمراكز على سبيل المثال لا الحصر:
ـ الجمعية الأمريكية الأنثروبولوجية American Anthropological Association.
ـ المعهد العلمي للمعلومات العامة Scientists, Institute for Public Information.
ـ معهد الفيلم الأنثروبولوجي Anthropological Film Institute.
ـ جمعية الأنثروبولوجيا التطبيقية Society for Applied Anthropology
وضعت مارغريت ميد مجموعة من الأبحاث والدراسات الأنثروبولوجية التي عرفت بها، وهي تبين رؤيتها عن الاعتماد الوظيفي المتبادل بين الشخصية والثقافة، غير أن أكثر أعمالها شهرة «مرحلة المراهقة في ساموا» 1928، و«التنشئة الاجتماعية في غينيا الجديدة»، و«التنوع والمزاج في ثلاثة مجتمعات بدائية» 1935.
موقع مارغريت ميد في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع:
إن مراجعة متأنية للكتب التي ألّفتها مارغريت ميد في مجال الأنثروبولوجيا التطبيقية تكشف عن أن ميد تعدّ من جيل المؤسسين في الأنثروبولوجيا الثقافية والنفسية؛ وأنها تميزت بما أضافته من رؤى منهجية جديدة كان لها تأثير كبير في المنهج الأنثروبولوجي الذي ساد في الدراسات الأنثروبولوجية الكلاسيكية في غضون المرحلة الاستعمارية، وهو المنهج الذي أسسه العلامة الأنثروبولوجي «فرانز بواز» Franz Boas ت(1858ـ1942)، والقائم أصلاً على الدراسة الحقلية التي تسجل كل ما في النمط الثقافي العام للمجتمع المدروس، سواء أكانت من العناصر الثقافية المادية أم الاجتماعية والروحية، وسواء أكانت عناصر ثقافية بسيطة أم مركّبة.
وتفردت ميد عن غيرها من الأنثروبولوجيين الثقافيين باعتمادها موضوعات ثقافية محددة بعينها في المجتمعات الأقل تطوراً وتقدماً «المجتمعات البدائية»، وكانت غايتها من هذه الدراسات أن تجيب على تساؤلات طرحها؛ ولا يزال يطرحها العلم الأنثروبولوجي عن أصل الإنسان، وتنوع الثقافات، وتعدد شخصيات الأمم.
كانت مارغريت ميد تنتهج في دراساتها منهجاً تطبيقياً تعتمد فيه على الملاحظة بالمعايشة والمشاركة والمشاهدة والحوار المفتوح مع الأقوام والجماعات التي درستها، وقد خلصت من هذه الدراسات بمجملها إلى نتائج عديدة؛ أهمها:
ـ إنَّ أنماط الشخصية تتحدد بالعوامل الثقافية، وليس عن طريق العوامل البيولوجية، ففي كل ثقافة تتعدد أنماط الشخصية وأمزجتها.
ـ إن لمرحلة المراهقة دوراً كبيراً في تكوين الشخصية وأبعادها.
ـ إنَّ السلوك والأدوار التي يقوم بها الرجال والنساء ليست نتيجة عوامل عضوية، وإنما نتيجة ممارسات معيّنة في تربية الطفل؛ ولذلك فالمزاج يتكوّن تبعاً لأنماط الشخصية السائدة.
ـ إن لعملية التنشئة أهمية كبيرة في تكوين أشكال السلوك، وبناء على هذه الأهمية أجرت مقارنة بين القلق والتوتر المصاحبين لمرحلة المراهقة في المجتمعات الغربية؛ وخصوصاً عند البروتستنت، وبين سكان جزر الساموا.
وكان لميد بعد ذلك مساهمة كبيرة في بلورة سياسات جنسية أخذت بها الحركة النسوية في أمريكا.
انطلقت ميد في دراستها لتحليل العلاقة بين سمات الشخصية في مرحلة المراهقة وثقافة المجتمع من سؤالها الذي كان ثمرة مراقبة دقيقة من قبلها لسلوك مجموعة من المراهقين في المجتمعات الغربية وهو: هل التوترات والاضطربات التي تتجلى في سلوك المراهقين في الثقافة الغربية يعود إلى المدنية الغربية؟ أم إلى مرحلة المراهقة بعينها؟ ثم هل ترجع هذه السمة السلوكية إلى تغيرات عضوية أم إلى عوامل وأنماط ثقافية – اجتماعية محددة ومعيّنة في بنية المجتمعات الغربية.
وخلصت في دراستها الحقلية لجزيرة «ساموا»؛ والتي اعتمدت فيها على الملاحظة بالمعايشة والاندماج في مجتمع الساموا إلى مجموعة من النتائج؛ منها:
ـ إنَّ التغيرات الفيزيولوجية لا تكوّن خلفية للاتجاهات والسمات الشخصية.
ـ لو أن التغيرات الفيزيولوجية هي المكون للاتجاهات وسمات الشخصية لكان هذا معناه وجود خصائص لمرحلة المراهقة في كل الثقافات.
ـ ولذلك فإنّ العوامل الثقافية هي المسؤولة عن خصائص مرحلة المراهقة، وقول كهذا يعني أن ثقافة المجتمعات الغربية هي التي تؤدي إلى الاضطربات والتوترات التي تصاحب المراهقين، في حين أن دراستها في جزر الساموا أظهرت أن المراهقين لا يعيشون التوترات والاضطربات التي يعيشها نظراؤهم في المجتمع الغربي، كما وجدت أن ظاهرة صراع الأجيال غير موجودة في تلك الجزر؛ وانعدام ظاهرة الثورة على التقاليد، وأرجعت ميد ذلك إلى أن ثقافة الساموا تفتح الأبواب، وتشيع الاختلاط بين الشباب والشابات في سنّ مبكرة، كما أن العلاقات لا تتركز حول شخص معين. وتخلو ثقافتهم من المتغيرات الموجودة في المجتمعات الغربية.
غير أن هذه النتائج التي توصلت إليها ميد تعرضت للنقد من قبل بعض علماء الأنثروبولوجيا من أمثال فريدمان الذي شكك بالقيمة العلمية لهذه النتائج، وغمز عليها لعدم تعلمها لغة الأهالي، كما فعل «راد كليف بروان» في دراسته لجزر الأندمان، وقال إن الأولى بها أن تدرس المراهقة في المجتمع الأمريكي في مجموعتين متمايزتين ثقافياً، وأما علماء الأنثروبولوجيا النفسية فمنهم من قرَّظها؛ علماً أنها لم تستخدم اختبارات الشخصية التي تساعد على اكتشاف الحالات النفسية أكثر من الملاحظ بالمعايشة حسب رأيهم.
كما كان للعلامة الأنثروبولوجي بارنو Barnow وقفته النقدية أيضاً مع ميد، حيث قال إنها أسهمت في تعزيز اتجاه الأيديولوجيا البيئية الذي تأثرت به من فلسفة «جون ديوي» الذي يرفض العبقرية السلالية، هذا إضافة إلى انحيازها المبالغ للنساء.
وباختصار: لقد أضافت مارغريت ميد إلى الدراسات الأنثروبولوجيا تراثاً معرفياً غنياً، نما فيما بعد نمواً كبيراً، وبات يؤلف واحداً من أبرز معالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.
.
مراجع للاستزادة:
ـ روبرت رودفيلد، المجتمع القروي وثقافته، ترجمة فاروق محمد العادلي (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975).
ـ شارلوت سيمور سميث، موسوعة علم الإنسان، ترجمة مجموعة من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، بإشراف محمد الجوهري (المجلس الأعلى للثقافة والترجمة، القاهرة 1990).
ـــ عاطف وصفي، الثقافة والشخصية والشخصية المصرية التقليدية ومحدداتها الثقافية (دار المعارف، الطبعة الأولى، مصر 1975).
ـــ عز الدين دياب، دراسات أنثروبولوجيا تطبيقية، الدار الوطنية (دمشق 2006).