Lewis Henry Morgan
لويس هنري مورغان (1818-1881)
محام و أنثروبولوجي أمريكي و من رواد المدرسة التطورية اهتم في بداية حياته بدراسة هنود الايروكيز وغيرهم من سكان الشمال الشرقي الأمريكي الأصليين.
حاول مورغان إعادة تركيب صورة المجتمعات الإنسانية وتصنيفها بغية التعرف على تاريخ المجتمع الأوروبي والمراحل التي مرَّ بها وصولاً إلى ما هو عليه في عصره. وقد تأثر مورغان بكتاب باخوفن “حق الأم” وبأبحاث لافيتو.
نشر مورغان في عام 1851 بحثاً بعنوان “عصبة الايروكيز” أبرز فيه النظام الأمومي السائد وسط الايروكيز. وكان اهتمام مورغان بنظم القرابة والنظم الاجتماعية والسياسية كبيراً مما دفعه للقيام برحلات واسعة بين الأمريند، وراسل المبشرين العاملين في جهات مختلفة من العالم مستفسراً عن أنظمة القرابة والتنظيمات الاجتماعية لدى الشعوب التي يبشرون بينها. كما وأطلع على كتاب هنري مين “القانون القديم” الذي نشر في عام 1861. نتيجة تلك الأبحاث والقراءات أصدر مورغان مؤلفة عن “أنظمة القرابة والمصاهرة في العائلة البشرية” في عام 1871 وألحقه في عام 1877 بمؤلفه “المجتمع القديم“.
نجح مورغان في إقامة البرهان، عموماً، على أنَّ علاقات القرابة تسيطر على تاريخ الإنسان البدائي، وعلى أنَّ لهذه العلاقات تاريخاً ومنطقاً. واكتشف مورغان أن أنظمة القرابة في المجتمعات البدائية طباقية وليست وصفية وأن نقطة ارتكازها تبادل النساء بين الجماعات، وان الزواج الخارجي (الاغترابي/الاكسوجامي) لا يتنافى والزواج اللحمي (الداخلي/ الاندوجامي) لأن الزواج الاغترابي بين العشائر هو تكملة الزواج اللحمي بين القبائل. ولقد أوضح مورغان أنَّ العشيرة هي الشكل السائد من أشكال التنظيم الاجتماعي لدى جميع الشعوب التي تجاوزت مرحلة التوحش. وميز مورغان شكلين من أشكال العشيرة، العشيرة التي تنتسب إلى الأم والعشيرة التي تنتسب إلى الأب، وقال بالأسبقية التاريخية والمنطقية لأنظمة قرابة الأم على أنظمة قرابة الأب متبنياً بذلك واحدة من فرضيات باخوفن.
انطلق مورغان في تحليله لأنظمة القرابة من واقعة لاحظها لدى الايروكيز الذين عاش معهم واطلع على حياتهم بشكل واسع. لقد كان نظام القرابة السائد لدى الايروكيز “متناقضاً مع علاقاتهم العائلية الفعلية”.. ففي الوقت الذي لم يكن فيه شك في حقيقة الأشخاص الذين كانوا آباءهم وأمهاتهم وبناتهم وإخوتهم يسميهم مورغان (بحسبانه أوروبي يعتمد النظام الوصفي للقرابة) أعمام وخالات … إلخ. وكان أبناء العم المتوازين يعدون عند الايروكيز أشقاء وشقيقات، وكان أبناء العم المتصالبون (أي المتحدرون من أخوات الأب ومن إخوة الأم) هم وحدهم الذين يسمون بأبناء العم. ولقد تولدت لدى مورغان القناعة، بعد استقصاء ومراجعة أكثر من 250 قائمة بمصطلحات القرابة عبر العالم بأسره، بأن التناقض المميز لنظام القرابة
عبر العالم بأسره، بأن التناقض المميز لنظام القرابة لدى الايروكيز موجود أيضاً في الهند وفي أمريكا الشمالية. ولتفسير هذه الظاهرة العامة افترض مورغان أن نظام القرابة يتطابق مع شكل عائلي منقرض يمكن إعادة بنائه فيما لو تم التوصل إلى فك لغز ذلك النظام. كان هذا التناقض تعبيراً عن السرعة المتفاوتة لتطور الأسرة، العنصر الحركي الفعال، ولتطور أنظمة القرابة، العنصر السالب المنفصل.
لقد خيل لمورغان، وهو يقيم مقارنة بين 250 من أنظمة القرابة وأشكال الأسرة التي قام بجمعها، أنه اكتشف في الأسرة الهوائية (جزيرة هاواي) الشكل العائلي الذي يتطابق مع مصطلحات القرابة لدى الايروكيز، لكن لما كان نظام القرابة في هاواي لا يتطابق هو الآخر مع الشكل العائلي الهاوائي لم يكن هناك مفر من الرجوع تدريجياً إلى “شكل عائلي أكثر بدائية أيضاً، شكل لم يقم البرهان على وجوده في أي مكان، ولكن لابدَّ أن يكون قد وجد لأن نظام القرابة ما كان ليوجد دونه” وذلك على حد تعبير مورغان.
هذا الشكل البدائي الأصلي لا يمكن أن يكون، في رأى مورغان، غير حالة من “الاختلاط الجنسي” بين أعضاء “القطيع البدائي“. ففي هذه الحالة كان جميع الأخوة والأخوات، والآباء والأولاد أزواجاً وزوجات، ولم يكن للمحارم من وجود وشهدت المرحلة التالية ولادة تحريم الزواج بين الفروع والأصول، بينما بقى الأخوة والأخوات في كل جيل أزواجاً وزوجات. ولا بدَّ أن الأسرة كانت حينها “عصبية”. ورغم أن مورغان يرى بأنه حتى أكثر الشعوب بدائية لا تقدم أمثلة قاطعة على هذا النوع من الأسرة فإنه يقول: “لابدَّ أن تكون هذه الأسرة قد وجدت لأن تطور الأسرة اللاحق يفترضها جبراً ويرغمنا النظام الهاوائي على القبول بذلك“.
وكان التقدم الثاني حظر الزواج بين الأخوة والأخوات من نسل الأم، ثم بين الأخوة والأخوات من قرابة الحواشي. ويصبح الرجال في هذا الشكل من الأسرة أزواجاً مشتركين لزمرة من نساء لسن بأخوات لهم، وتصبح الأخوات بالمقابل الزوجات المشتركات لرجال ليسوا بإخوة لهن. هكذا يرى مورغان بأن هذا الشكل العائلي يفسر نظام القرابة لدى الايروكيز، وأن هذا النظام يتعايش مع شكل عائلي مغاير، “العائلة “القرينة” التي يكون فيها عدد محرمات الزواج أكبر أيضاً ويتخذ فيها الزوجان المزيد من الأهمية. وفي جميع الأشكال السابقة من الزواج الجماعي ما كان ممكناً تحديد عامود النسب عن غير طريق الأم. عندها اتخذ التنظيم الاجتماعي الذى كانت تتطابق معه العائلة “القرينة” شكل عشيرة، أي مجموع فروع أم واحدة حُرَّمَ عليهم من الآن فصاعدا الزواج فيما بينهم.
إن العشيرة في شكلها الأول ما كان يمكن أن تقوم إلا على عامود نسب الأم. وقد شكلت العشيرة، على حد تعبير مورغان، “قاعدة النظام الاجتماعي لغالبية الشعوب البربرية، إن لم نقل جميعها، ومنها ننتقل فوراً إلى المدنية في اليونان كما في روما“.
وقد حلت محل العشيرة التي تقوم على نسب الأم العشيرة التي تقوم على نسب الأب والتي لم تدرك كامل تطورها إلا في العالم القديم بعد أن أدى ظهور تربية الماشية إلى تغير أصاب علاقات الإنتاج وأشكال الملكية لصالح الرجال. وقد أدى تطور تربية الماشية ثم الزراعة إلى ولادة الأسرة الأبوية، وأدى تطور هذه الأخيرة إلى ولادة الأسرة الزوجية الحديثة.
ولقد تطور بدءاً من نظام العشائر التنظيم القبلي ثم إتحاد القبائل، وهذه أعلى نقطة أدركها، في رأى مورغان، الهنود الأمريكيون الأصليون الأكثر تطوراً: الإيروكيز والأزتيك والإنكا. والقبيلة، طبقاً لموغران، هي جملة من عشائر لها أرضها ولهجتها الخاصة، ولها تصورات دينية وعبادات مشتركة. وهي تنتخب زعماءها، ويدير شئونها المشتركة مجلس القبيلة، وعلى رأسه زعيم أعلى محدود السلطات. وللشعب دوماً الحق للتدخل في المناقشات.
كان هذا التنظيم، في رأي مورغان، تنظيم “ديمقراطية عسكرية” ينطوي بحكم طابعه العسكري على أشكال استثنائية من السلطة موقوفة على القادة الحربيين، لكنه يتنافى في الوقت نفسه، بحكم طابعه الديمقراطي، مع وجود طبقات متصارعة ودولة. وعلى هذا يرى مورغان أن الممالك والإمبراطوريات والملوك والأمراء التي أكتشفها الأسبان في المكسيك لم تكن إلا من اختراع مخيلتهم وجهلهم وآرائهم الغربية المسبقة على نحو يتعارض تماماً مع كل المعارف العلمية المتراكمة عن بنية المجتمع العشائري لدى الهنود الأمريكيين.
وافترض مورغان عدداً من المراحل التطورية الاجتماعية ، وربط كل مرحلة من تلك المراحل بنمط معين طبقاً لمراحل التطور الثقافي، أي أن كل مرحلة تميزها علاقات ثقافية تتم ظهر في أشكال من النظم بحيث تتوافق مع المراحل الفرعية. وافترض مورغان أن جميع المجتمعات الإنسانية تخضع في تطورها لقانون واحد طالما أن تاريخ الجنس البشري واحد “وحدة أصل الإنسانية وتوحد الحاجات الإنسانية على الدرجة نفسها من التطور وذلك حين تكون العلاقات الاجتماعية على الدرجة نفسها من المساواة“.
هكذا يرى مورغان أن الثقافة الإنسانية انتهجت في تطورها مساراً أُحادياً، أي أنها تنتقل عبر التاريخ وفق سلسلة متتابعة الحلقات، بمعنى وجود مراحل محددة وحتمية لا بدَّ أن تمر بها كل ثقافة من الحالات الدنيا إلى الحالات الراقية فالأكثر رقياً. وافترض مورغان وسعى إلى إيجاد علاقة عنصرين كبيرين في مرحلة ما قبل التاريخ هما: مرحلة التوحش ومرحلة البربرية وقسم كل مرحلة منها إلى مراحل فرعية دنيا ووسطي وعليا قبل الوصول إلى مرحلة المدنية. وبذلك استعاد التاريخ البدائي تلاحماً شاملاً وعمقاً .. تعدد الوجوه يبدو كالتالي:
1- مرحلة التوحش الدنيا: يرى فيها مورغان طفولة البشرية حيث عاش الإنسان في مرحلة أشبه بالحيوانية هائماً على وجهه متغذياً بجذور النباتات وبعض الثمار البرية … جامعاً وملتقطاً.
2- مرحلة التوحش الوسطى: مرحلة تقدم فيها الإنسان قليلاً عما كان عليه في المرحلة السابقة باهتدائه إلى اكتشاف النار واستخدامها في طهي الطعام وإضاءة الكهوف. نتج عن ذلك تعرف الإنسان على أنواع جديدة من الأطعمة بخاصة اللحوم والأسماك.
3- مرحلة التوحش العليا: اكتشف فيها الإنسان القوس والسهم مما ساعده على تغيير غذائه واقتصاده بشكل عام، أصبح الإنسان في هذه المرحلة صائداً للحيوانات يعتمد على لحومها، أي أن الإنسان بدأ في هذه المرحلة في تحقيق الانتقال من جامع للطعام وملتقط له إلى منتج لطعامه. ويفترض مورغان ارتباط هذا التقدم في الاقتصاد بتقدم مماثل في شكل التنظيم الاجتماعي والديني.
4- مرحلة البربرية الدنيا: تتميز بوصول الإنسان إلى إبداعات جديدة أهمها صناعة الفخار، وبخروج الإنسان من عزلته الضيقة وانتشاره في مناطق أكثر اتساعا، وبداية نشوء جماعات اجتماعية.
5- مرحلة البربرية الوسطى: تمكن فيها الإنسان إلى صهر المعادن وصناعة الأدوات والآلات المعدنية، وبداية اكتشاف الكتابة الصورية.
ويرى مورغان أنه وبعد اجتياز الست مراحل تلك توصل الإنسان إلى مرحلة المدنية التي تتميز باختراع الحروف الهجائية والكتابة، وهي المرحلة التي لا زالت ممتدة حتى الوقت الراهن.
ويؤكد مورغان على هذا التتابع المميز للتطور الثقافي ويراه ضرورياً لمطابقته مع الواقع. وحاول مورغان تطبيق تلك المراحل على بعض الثقافات الإنسانية المعاصرة له فرأى أن سكان أستراليا الأصليين يمكن أن يمثلوا مرحلة التوحش الوسطى، في حين يمثل البولينيزيون مرحلة المتوحش العليا، ويمثل الايروكيز ما بعد مرحلة البربرية العليا. أما الثقافة الأوروبية في عصره فتمثل المرحلة السابعة – المدنية. تبقى المرحلة الأولى – الوحشية الدنيا التى لم يجد لها مورغان من يمثلها.
وعارض مورغان المدنية بتاريخ الإنسان البدائي بأشكاله الوحشية والبربرية وشبه هذا التعارض بين المجتمعات اللا طبقية المنظمة تبعاً لعلاقات القرابة وبين المجتمعات الطبقية التي تهيمن عليها الدول والتي تقوم على أساس الملكية الخاصة والتبادل وتراكم الثروات.
وتصور مورغان مرحلة المدنية نفسها بحسبانها عصراً انتقاليا في تطور الإنسانية لا بدَّ أن يفضي، بحكم قوانين التطور، إلى “بعث الحرية والمساواة والإخاء كما عرفتها العشائر القديمة“.