كوفيد-19 من وجهة نظر أنثروبولوجية
منذ بداية أزمة “كوفيد-19″، عرفت الحقول المعرفية والأكاديمية المختلفة قراءات جديدة تحاول الإحاطة بتداعيات هذه الأزمة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وبالطبع صحياً على النظام العالمي بأكمله. وفي هذا السياق تأتي الندوة الافتراضية التي تنظّمها “كلية سواس” وبدأت اليوم وتتناول انتشار فيروس كورونا من وجهة نظر أنثروبولوجية.
شارك في جلسات الندوة التي انطلقت عند الثانية عشرة ظهراً اليوم، كلّ من رئيس قسم الأنثروبولوجيا في “سواس” إدوارد سيمبسون، والأكاديميات الباحثات في هذا المجال إيما كرو، وكاثرين دولان، وأوركيدة بهروزان، وتناول كلّ منهم انتشار الفيروس من وجهات نظر صحية اجتماعية وبيئية وحوكمية.
تضمّن البرنامج عناوين مختلفة، من بينها: “الأنثروبولوجيا الطبية: تأملات في الصحة والصحة العقلية في مجتمعات ما بعد كوفيد-19″، و”الأنثروبولوجيا والمسؤولية التشاركية”، و”أنثروبولوجيا البرلمان: تشابك السياسيين والشعب”، و”الأنثروبولوجيا والطرق”.
طرحت الجلسة الأولى حول الأنثروبولوجيا الطبيعة ومجتمعات ما بعد كوفيد مساهمة فروع الأنثروبولوجيا المختلفة في فهمنا المتنامي للفيروس التاجي وتأثيراته الاجتماعية البيئية على صحة الإنسان ورفاهيته، وكذلك آثاره الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا سيما بعد خمسة أشهر، حيث أوقف الفيروس بشكل كامل الاقتصاد العالمي ووضع ما يقرب من نصف سكان العالم في شكل من أشكال الحجر الصحي الذي تفرضه الحكومة.
وتناولت عدّة أسئلة أساسية من بينها: هل يمكن أن يكون هناك تعبير أوضح عن القوة الجامحة لـ “البيولوجيا الوحشية” التي خضع لها الإنسان أكثر مما نرى اليوم؟ لافتين إلى الكيفية التي أجبرت بها التأثيرات العالمية المذهلة للفيروس التاجي الإنسان على إعادة التفكير في الطرق المعقدة وغير المرئية التي تتشابك بها مع حياة الإنسان اليومية مع أشكال الحياة الميكروبيولوجية، وكذلك المحيط الحيوي بشكل عام.
وكشفت الأزمة عن العلاقات بين الظواهر الاجتماعية والبيئية والبيولوجية والطبية، حيث يمكن القول بأن الفيروس التاجي يمثّل نقطة مذهلة في أوجه التقارب التي تندمج فيها الأشكال المختلفة من الوجود ببعضها البعض بطرق مقلقة.
من جهة أخرى، تناولت ما تخبرنا به أزمة الفيروس التاجي اليوم هو أننا عالم مترابط من خلال الحوكمة، وأننا في حاجة ماسة للمنظّمات العالمية (مثل منظمة الصحة العالمية)، وإلى إمكانيات التضامن والمساعدة حتى بين الأعداء، ويمكن أن تضيف الأنثروبولوجيا معرفة أساسية في هذا السياق، لا سيما حول سبب معاناة البلدان الغنية أكثر من غيرها، حيث مفهوم القيادة ذاته قيد الاختبار، وحيث تبين أن رأس المال يمكنه أن يعمل ضدّ رفاهية الإنسان.
اعتبرت الندوة أن الحوكمة لا يمكنها أن تستمر في العمل كالمعتاد وإعطاء الأولوية للاقتصاد العالمي على حساب رفاهية الإنسان. فالناس يريدون أن تتخذ حكوماتهم تدابير لحمايتهم وليس لحماية رأس المال. وخلال الأزمات العالمية الخطيرة من النوع الذي ينتج عن انتشار الفيروس التاجي، يطالب الناس بالحماية على أساس المعرفة العلمية، وتعدّ الأنثروبولوجيا هنا أفضل وسيلة لتقديم منظور عالمي متعدد الثقافات.
كذلك لفتت إلى الكيفية التي غير بها كورونا نموذج الهيمنة والسلطة، لأن العدوى لا تقتصر على الحدود ولا تتأثر بالهيمنة العسكرية. بدلاً من ذلك، كشفت أزمة الفيروس التاجي عن حاجة حقيقية لإدماج المعرفة العلمية مع المجتمع والثقافة، وربط عناصر الحوكمة – العالمية، والدولة، ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والمجموعات والمجتمعات المحلية، والتعليم، وهذا يعني ضرورة الاستعانة بالنظرة الأنثروبولوجية لفهم أزمة كورونا وتوابعها.
المصدر: العربي الجديد
https://www.alaraby.co.uk/%D9%83%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AF-19-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9