بقلم: كامل الشيرازي
عنوان الكتاب:”وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف 720هـ/1320م”
تأليف:
- الباحث الجزائري الدكتور “زعيم خنشلاوي” المختص بأنثربولوجيا الأديان
- الباحث الفلسطيني الدكتور “محمد الحزماوي”
الناشر: منشورات المركز الجزائري للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ
يتطرق الكتاب الجديد “وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف 720ه/1320م” إلى حلقة تاريخية لا تزال غير معروفة بالكامل، وتخص تاريخ المغاربة بمدينة القدس منذ الأيام الأولى لدخول الإسلام إلى المغرب العربي، وتضمّن الكتاب الصادر عن منشورات المركز الجزائري للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، حقائق مهمة حول هجرة المغاربة إلى القدس وعن شيخ المغاربة الذي كان يتولى أمورهم ويرعى مصالحهم، ووقفية “أبي مدين الغوث” المسجلة من طرف اليونسكو على لائحة التراث العالمي المهدد بالزوال.
وسعى كل من الباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور “زعيم خنشلاوي” المختص بأنثربولوجيا الأديان، بمعية الباحث الفلسطيني الدكتور “محمد الحزماوي”، من خلال كتاب “وقف سيدي أبو مدين” إلى تسليط الضوء على حقبة جد حساسة، وقدّما دراسة علمية أبرزت كيفية تسيير حبوس وأوقاف المغاربة بمدينة القدس التي تعيش حاليا تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الهمجي.
واحتوى هذا المرجع على معلومات تاريخية كما اقترح النص الكامل لوقفية “أبي مدين الغوث” التي أوقفها على الفقراء والمحتاجين من أبناء الجالية المغاربية في مدينة القدس سنة 720 هجري الموافقة لـ1320 ميلادي، حيث نتعرف إلى الدور الهام الذي لعبه وقف العلاّمة المتصوف “سيدي أبو مدين” في المجتمع المقدسي ومساهمته في أعمال الخير وبخاصة في تقديم الطعام وإيواء الفقراء المغاربة والمسافرين منهم وكذا في تغطية المرضى المغاربة وعلاجهم بالمستشفيات.
تطرق المؤلفان خنشلاوي الحزماوي إلى تنمية وقف أبو مدين الغوث وطريقة عمل إدارته، وتناولا تدهور عقارات الوقف عبر مختلف الحقب التاريخية إلى غاية بداية الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرّض الوقف إلى اعتداءات عديدة من لدن اليهود، وجاء في الكتاب:”اعتاد اليهود زيارة حائط البراق اعتقادا منهم أنّ الجزء الأسفل منه هو البقية الباقية من الهيكل الذي دمّره تيطس عام 70م (..) وقد تساهل الجانب الإسلامي معهم من باب سياسة التسامح الديني، حيث سمح لهم بممارسة الطقوس والشعائر الدينية، لاعتقاده أنه لا يوجد ضير من وقوف اليهود على الرصيف الكائن أمام الحائط”.
وأوضح الكاتبان أنّ ذاك الرصيف هو عبارة عن زقاق ضيق عرضه أربعة أمتار وطوله ثلاثون مترا، كان يسلكه المغاربة إلى بيوتهم في حارتهم على أرض الوقف”، وبعد احتلال القوات البريطانية مدينة القدس أواخر عام 1917م، جدّد اليهود محاولاتهم بوضع اليد وتملّك جميع ما في ذلك الموقع من ممتلكات وأوقاف إسلامية.
ويلاحظ الباحثان أنّ الاعتداءات اليهودية استمرت على الحائط طوال فترة العشرينيات لمحاولة تغيير الوضع السائد، وتمثل ذلك بجلب الكراسي والمصابيح والحصر وتابوت العهد وكتب التوراة ووضع الستار الفاصل بين الرجال والنساء، ما أدى إلى قيام ثورة البراق عام 1929 التي أودت بحياة العديد من العرب وكذا من اليهود.
وعن مصير وقف أبي مدين تحت الاحتلال الإسرائيلي، يشير د/”زعيم خنشلاوي” ود/”محمد الحزماوي”، إلى أنّه تمت السيطرة بعد حرب 1948 على منازل العرب وأراضي الوقف، في حين شهدت حارة المغاربة سنة 1967 تهديما واسعا بواسطة الجرافات الإسرائيلية، ما أسفر عن انهيار نحو 140 منزلا وإلى تشريد السكان المغاربة البالغ عددهم 650 شخصا وإلى هدم مسجد البراق وزاويته ومقام الشيخ حسن ومقام الشيخ عبيد ومكتب إدارة الأوقاف ومخازنها.
واشتمل كتاب “وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف” على ملاحق ووثائق وقفية، منها منظر تخطيطي لحارة المغاربة قبل حرب 1967، وكذا مخطط مدينة القدس الشريف ومخطط زاوية وجامع المغاربة وصور عن الزقاق الذي كان يفصل بين حائط البراق وحارة المغاربة.
كما نجد في الكتاب النص الكامل لتقرير البعثة التقنية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التي جرى إيفادها إلى مدينة القدس القديمة ما بين 27 فبراير/شباط و2 مارس/آذار 2007، لدراسة أشغال إعادة البناء والحفريات الأثرية في منحدر باب المغاربة المؤدي إلى الحرم الشريف وكانت تضم من بين أعضائها الباحث الجزائري منير بوشناقي.
ويصف متابعون الكتاب بكونه “وثيقة مشرقة” على الماضي العريق للأمة العربية، استعرض بإجادة النموذج الحي لتسيير الحبوس والأوقاف وعدالة صرف ريعها في سبيل الصالح العام، ما يدل على نبل الأعراف والتقاليد الإسلامية وحرصها على تأمين الحياة الكريمة لسائر الطوائف والأعراق المنضوية تحت لوائها.