تأليف: حسين محمد فهيم
القاهرة: المكتبة الأكاديمية، 2001
قبل أن نعرض للكتاب الذي كتبه واحد من كبار الأنثروبولوجيين العرب أنفسهم وصدر عن المكتبة الأكاديمية بالقاهرة (2001) يجب الاعتراف بأن هذا الكتاب يمثل إحدى الرؤى النقدية الجديدة التي يمكن الاعتماد عليها في إزاحة أو زعزعة تلك القناعات الأحادية اللاواقعية التي فرضتها ثنائية الغرب والآخر غير الغربي على أهل الفكر والثقافة والسياسة العرب، وذلك لأن المؤلف لا يتعمد فقط ممارسة الكتابة الأنثروبولوجية من منظور مغاير للمنظور الصوري الغربي، وإنما يحرص، إلى جانب ذلك، على حضور نوع من الجوهر الثقافي العربي في تعامله المخلص مع القارئ داخل النص، فالمظهر المفصل والمثير للتأمل في هذا الكتاب هو عدم تبني المؤلف لثنائية الغرب والآخر، وذلك لأن هذه الثنائية المتعالية لا تنكر إمكانية التداخل بين الثقافات الغربية وغير الغربية أو وجود المظاهر المشتركة بينها فقط، وإنما تنكر إمكانية صياغة العلاقة القائمة بينهما من منظور يخالف المنظور الغربي أيضاً.
إنه على الرغم من تعمد المؤلف وضع الثقافة الغربية إلى جانب الثقافات الأخرى والنظر للغرب بوصفه مجرد ” آخر ” بين الآخرين فإنه لم ينشغل ببيان كيف تأسس الوضع المهيمن للثقافة الغربية بوصفها تمثل القمة الأعلى للحضارة الإنسانية، ولم يخطط لتفصيل مدى عنف المفاهيم الغربية واستبدادها في تمثيل الآخر غير الغربي، فاللافت للانتباه في الإستراتيجية النصية للكتاب أن المؤلف لم يهتم بدعوة القارئ العربي لتعرف المفاهيم أو طرائق التفكير الأنثروبولوجية في لسان حالها الغربي، ولم يتصد كذلك لتفصيل مدى التلاؤم بين الأنثربولوجيا وموضوعها ( الذي استلزم الاختلاف الثقافي بين الدارس الغربي والآخر المدروس، والبعد بينهما في الزمان والمكان ) وإنما تعمد تجريد المعرفة الأنثروبولوجية ذاتها من رطانتها الغربية، وإعادة صياغة بعض جوانب المعرفة الأنثروبولوجية فيما يتعلق بذات الإنسان وعالمه المعاصر من منظور ثقافتنا العربية، رغبة منه في أن تساعد هذه الصياغة الإنسان العربي في إعادة تأمل موقفه الفكري حيال ذاته، وتعرف القضايا التي تشغل باله في تعامله مع الآخر الثقافي غير العربي في سياق المجتمع العالمي المعاصر. فهذا هو في الحقيقة المظهر الأبرز ومحور الارتكاز في هذه الرحلة الفكرية المقنعة التي يأخذنا فيها الأستاذ الدكتور حسين فهيم في هذا الكتاب.
ويحتوي الكتاب – فضلاً عن التقديم المتبصر الذي كتبه الدكتور عبد الله يتيم للكتاب – ثمانية فصول، وسوف نتناول هذه الفصول فيما يلي بالعرض والتحليل.
في الفصل الأول الافتتاحي ( هذه الرحلة : دراسة وتأمل ) يقدم المؤلف بياناً موجزاً للرحلة الفكرية التي سيأخذنا إليها الكتاب، وتمهيداً لذلك يقدم عرضاً موجزاً لأهم معالم هذا العالم الذي نعيش فيه، فنحن نعيش في عالم ” تشيأ ” فيه الإنسان، وتحولت فيه صفاته الإنسانية إلى ” أشياء “، وامتهن فيه جسده، وحدث انتكاس لقيمه وتقاليده المتوارثة، ودب الانهيار في أخلاقياته وأصابه التدهور في تحضره، ولحق التلوث بالأرض والماء والهواء، وتفردت بالغنى واقتناء الثروات فيه وفرض الهيمنة الغاشمة شعوب قليلة جداً على حساب بقية الشعوب الأخرى. وهكذا فقد أضحى الإنسان في العالم المعاصر يعاني مشكلات عديدة، ومع ذلك يرى المؤلف أن أهم المشكلات المزمنة التي ظل يعانيها الإنسان منذ تاريخه القديم حتى وقتنا الحاضر تتمثل في الصراع بين الذات والآخر أو العنصرية وما نتج عنها من حروب محلية وإقليمية وحملات للتطهير العرقي وما إلى ذلك. فعلى الرغم من أن القرن العشرين قد شهد قيام عصبة الأمم (1920) ومنظمة الأمم المتحدة ( 1946) لتنظيم العلاقات الدولية فإنه يمثل أيضاً القرن الذي لم يحترم فيه القانون الدولي وحقوق الإنسان. وبين هذه المشكلات العالمية التي يواجهها العالم والمشكلات المحلية التي يواجهها العالم العربي يرى المؤلف ضرورة إشراك الأنثربولوجيا من إعادة صياغة موقفه الفكري حيال ” الصورة ” التي ألفها عن نفسه عبر الزمان لاستشراف مستقبله، فتلك هي الرسالة الطموحة التي يقدمها الكتاب عن إصرار إلى القارئ العربي.
في الفصل الثاني ( ما الأنثربولوجيا؟ ) يقدم المؤلف عرضاً تمهيدياً لماهية الأنثربولوجيا، هذا قبل أن يتطرق إلى بيان أهمية المعرفة الأنثروبولوجية في عصر المعلوماتية الحديث. وعلى الرغم من أن الأنثربولوجيا بدأت مسيرتها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في خدمة الاعتبارات السياسية والمصالح الاستعمارية الغربية فإنه قد طرأ عليها تغير كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث ظهر خلال هذه العقود جيل من الأنثروبولوجيين غير الغربيين لإدانة الهيمنة الثقافية الغربية والأمريكية على المعرفة الأنثروبولوجية ومناهضة التفرد الغربي والأمريكي في صياغة حقوق الإنسان، والمناداة بالشراكة الثقافية بين الأمم والاحترام المتبادل بين الشعوب، ونبذ الحروب والعمل على إحلال السلام وإنقاذ البيئة. ونتيجة للجهود التي بذلها هؤلاء الأنثروبولوجيون غير الغربيين لم يعد الفكر الغربي والأمريكي يمثل المنبع الوحيد للمعرفة الأنثربولوجية، ولم تعد المجتمعات غير الغربية وغير الأمريكية تمثل الموضوع الأثير للدرس الأنثروبولوجي بل أصبحت المعرفة الأنثروبولوجية منتجاً عالمياً مشتركاً متعدد الأصوات يشارك فيها الأنثروبولوجيون الشرقيون والغربيون على حد سواء.
ثم ينتقل المؤلف – في الفصل ذاته – لتقديم صورة عن الأنثربولوجيا في عالمنا العربي، فلقد تسربت الأفكار الأنثروبولوجية الغربية ( مثل فكرة النشوء والارتقاء أو الفصل بين العلم والدين ) إلى نشاطنا الفكري، وبشكل أخص إلى كتابات المصلحين الاجتماعيين في النصف الأول من القرن العشرين، ونتيجة لذلك أصبحت الأنثربولوجيا أحد المقررات الدراسية في أقسام الاجتماع في بعض الجامعات، ومع ثورة 1952 وشيوع أفكار القومية والوحدة العربية ومناهضة الاستعمار لم تجد الأنثروبولوجيا متسعاً للنمو والاستثمار، واستمر هذا الوضع حتى بداية السبعينات، حين برز الاهتمام بدراسة الثقافة العربية وبدأت بعض الجامعات العربية في التوسع في تدريس مادة الأنثربولوجيا وتوجيه طلاب الدراسات العليا نحوها، وفي ظل الدعوة إلى أسلمة العلوم الطبيعية والاجتماعية في الثمانينات ظهرت الدعوة إلى إنشاء ” الأنثربولوجيا الإسلامية ” بغاية تحقيق الإصلاح المنشود في عالمنا العربي والإسلامي، وعلى الرغم من إخفاق الدعوات الدينية والقومية أو السياسية الماضية في تدعيم الصفة العلمية للأنثربولوجيا سواء من الناحية المعرفية أو العلمية، فإن المؤلف لا ينكر دور الموجهات الذاتية المحلية وتأثيرها في تحديد الأساس النظري للأنثربولوجيا وإن كان يرى إمكانية تحييد الموجهات الذاتية ومحوها في ظل الحرص على الأمانة العلمية والعمل المخلص الدؤوب المتحرر من الأحكام القيمية، وهذا هو في الحقيقة الهدف الأساسي الذي يسعى المؤلف لتحقيقه في هذا الكتاب.
أما الفصل الثالث ( الإنسان : هذا الكائن الفريد ) فإنه يتضمن عرضاً وافياً للخصائص الفريدة التي يتمتع بها الإنسان في عالم الأحياء، ما يتعلق منها بالعقل أو العلاقة بين المخ والعقل أو القدرة على الكلام التي تمثل الخطوة الأولى لتدخل الثقافة في الطبيعة، وذلك قبل أن ينتقل إلى تناول جسم الإنسان وموقف الأطباء والجراحين الغربيين من الخلق الإلهي البديع الفريد له.
وفي ظل المفهوم القرآني للإنسان يعرض المؤلف لقضية الاستنساخ في عالم الحيوان، والقلق الذي أثارته هذه القضية من خشية تطبيق الاستنساخ على الإنسان مبيناً أن الإنسان – بحسب المفهوم القرآني – هو ذلك المخلوق المكرم على سائر المخلوقات الذي استحق أن يكلف الله ملائكته بالسجود له، والذي شرفه الله بالخلافة على الأرض، وينتهي المؤلف إلى أنه حتى وإن كان بالإمكان استنساخ الأجساد الإنسانية فإن العلم لا يمكنه تجاوز روح الإنسان، لأن هناك بصمات الخطة الإلهية التي تجعل من المستحيل استنساخ العقل والتفكير والشخصية والذاكرة وغيرها من القدرات الفريدة التي جهز الله بها الإنسان لإدارة أمور الحياة على سطح الأرض.
ويقدم الفصل الرابع ( أجسادنا : نظرة بيولوجية حضارية ) رؤية جمالية للجسد الإنساني تجمع بين العلم والإيمان، وبعد أن يقدم المؤلف أهم ملامح الخصائص التشريحية للجسم الإنساني ووظائف أعضائه يعرض في أسلوب إيماني دافئ لمضمون الحكمة الإلهية في هذا التكوين المبهر لجسم الإنسان، وبخاصة ما يتعلق منه بانتصاب القامة وتكوين اليد والمخ، فلقد ساعد اعتدال القامة على تحرير يدي الإنسان من عبودية الأرض وساعدتهما في الوقت نفسه على التطور والقبض على الأشياء والإفادة منهما في صناعة الأدوات، ومن ثم في صنع حضارته المادية الروحية، أما المخ البشري فقد مكن الإنسان من صناعة الأدوات وابتكارها وتطويرها، الأمر الذي أدى إلى نجاح الإنسان في التحكم بالبيئة التي يعيش فيها، وينتهي هذا الفصل باستعراض الخصائص التشريحية والتفاصيل الفيزيولوجية لأعضاء جسم الرجل والمرأة والحكمة الإلهية من ذلك لتجديد الحياة الإنسانية.
ويتناول الفصل الخامس ( نحن والكون : رؤى وقضايا ) علاقة البشر بالكون، على اعتبار أن فهم البشر للكون قد حدد طبيعة علاقاتهم مع الطبيعة عبر العصور، فهكذا حددت أساطير نشأة الكون علاقة البشر بالطبيعة في الحضارات القديمة، ثم جاءت الأديان السماوية لتبطل محتوى هذه الأساطير وتنسب خلق الكون إلى خالقه : الله، سبحانه وتعالى، ومن ثم لتضع أسساً جديدة للعلاقة بين البشر والكون، ثم جاء عصر العلم والتكنولوجيا المتطورة لينقل الإنسان في علاقته مع الطبيعة من الحدس إلى الاكتشاف والعقل، ومن ثم أصبح فهم الكون وفك رموز الشفرة الكونية يمثل في العصر الحديث المرتبة الثانية بعد الكتب المقدسة.
ومع ذلك فقد أدى عبث الإنسان بالأرض موطن البشرية والاستخدام غير الكفء للموارد الطبيعية إلى ظهور الآثار السلبية لعلاقة الإنسان بالطبيعة ( مثل ارتفاع درجة حرارة جو الأرض، والجفاف، والتصحر، وندرة المياه في بعض البقاع، واختلال التنوع البيولوجي للكائنات الحية ). ويرى المؤلف أن علاج هذه الآثار السلبية يحتاج إلى ثورة فكرية تتجاوز الجهود الحكومية والدولية الراهنة، لأن قضية البيئة هي قضية عابرة للحدود ومسؤولية إنقاذ كوكب الأرض هي مسؤولية كونية جمعية، وعلى ذلك يجب أن تكون هذه المسألة نموذجاً فعالاً للتعاون بين الدول والشعوب والمؤسسات الأهلية والعالمية على حد سواء.
أما الفصل السادس ( الذات والآخر في دنيا البشر ) فإنه يوضح إستراتيجية النص في التصدي لثنائية الغرب الآخر ونظرته بوصفه مجرد ” آخر ” بين الآخرين، حيث يتناول هذا الفصل ظاهرة العنصرية والتعصب المبني على العرق أو ما عرف في التراث الأنثروبولوجي باسم ثنائية العقل ( الأوروبي المتحضر / الآخر غير المتحضر )، وفي هذا الشأن يقدم المؤلف مراجعة تاريخية لبزوغ هذه الظاهرة وتطورها عبر العصور ابتداء من الفكر اليوناني والروماني والصيني القديم، مروراً بالفكر الأوروبي في العصور الوسطى الذي اصطبغ فيها الفكر اليوناني والروماني باللاهوت المسيحي وأصبح الآخر بمقتضاه ” دنساً ” ليس لأنه غير أوروبي بل لأنه غير مسيحي غربي، وصولاً إلى القرن التاسع عشر حيث تبلورت ظاهرة العنصرية وترسخت ثنائية العقل بشكل مؤثر في العقلية الأوروبية.
إنه على الرغم من اهتمام بعض مفكري عصر التنوير بالفهم الصحيح للإنسان غير الأوروبي من منطلق موضوعي غير لاهوتي فإن الواضح أن غالبية كتابات الرحالة والمكتشفين الأوروبيين في هذا العصر قد امتلأت بسرد العجائب والخرافات والإشاعات حول الآخر غير الأوروبي، وامتزج فيها الخيال بالواقع، ولذلك فقد ظهرت صورة الآخر غير الأوروبي في هذه الكتابات على النحو الذي أراده الكتّاب والقرّاء الأوروبيون أن يكون عليه لا كما هي عليه في واقع الأمر، هذا علاوة على أن الإنجازات العلمية التي تحققت خلال عصر النهضة والتنوير قد ساعدت على رسوخ الاعتقاد المتنامي لدى الأوروبيين بتفوقهم وتميزهم على من سواهم من البشر، ولقد بلغت هذه الرؤية مداها في ظهور مبدأ الحتمية البيولوجية في الفكر الأوروبي بوصفه المبدأ الهادي المفسر للتباين الحضاري بين المجتمعات الإنسانية شريطة أن يبقى المجتمع الأوروبي متميزاً على الجميع، ولقد استطاع كتاب تشارلز داروين ” أصل الأنواع ” – الذي لم يكن سوى تطبيق للاقتصاد على البيولوجيا – أن يوفر لأرباب السياسة وأصحاب المنافع الاقتصادية الغربيين فيما بعد المسوغات المنطقية ليس لاستغلال الطبقات الكادحة داخل بريطانيا فحسب وإنما لنهب الثروات الطبيعية للشعوب الأخرى أيضاً، وعلى الرغم من رفض بعض علماء الأنثربولوجيا للتفسيرات البيولوجية للمجتمعات الأخرى فقد استمرت البيولوجيا الاجتماعية في العقلية الغربية مفترضة التحضر للذات الغربية مقابل عدم التحضر للآخر غير الغربي.
أما الفصل السابع ( المرأة في عالم متغير : دراسة أولية ) فإنه يتناول طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة عبر العصور وذلك لتوضيح الاختلاف بين نظرة الشرق ونظرة الغرب للمرأة. ولذلك يبدأ الفصل بتوضيح المكانة التي تمتعت بها المرأة في الحضارات الشرقية والغربية القديمة، وبصفة عامة لقد رفعت الحضارات الشرقية القديمة من قدر المرأة إلى حد أن جعلتها إلهاً يرتبط بالأرض والخصوبة، في حين انتقصت الحضارات الغربية القديمة من قيمتها واعتبرتها مجرد جسد للمتعة الجنسية والخدمة المنزلية، ففي مجتمعات الرق اليونانية والرومانية تسلط الرجل على من دونه من كائنات بما في ذلك المرأة، واستمرت هذه النظرة التي تمجد القوة البدنية والقدرات العقلية للرجل سائدة في أوروبا خلال العصور الوسطى، ولقد ساعدت الكنيسة المسيحية والديانة اليهودية على ترسيخ هذه النظرة المتدنية للمرأة بحجة أنها ستظل أبداً أداة للشيطان التي تدفع الرجل إلى ارتكاب المعاصي. ففي الوقت الذي كان فيه الفقه الإسلامي الرسمي يقدم التشريعات الحنيفة لإقامة جسور الثقة بين الرجل والمرأة استمر الكهنوت المسيحي في العصور الوسطى في اضطهادها إلى حد إحراقها حية لمجرد اتهامها بالسحر والشعوذة، وإرغامها على ارتداء حزام العفة طوال غياب زوجها، ففي أوروبا لم يبدأ وضع المرأة في التحسن إلا مع قدوم عصر النهضة والتنوير وذلك بفضل التغيرات الاقتصادية التي شهدتها أوروبا والتي أدت إلى خروج المرأة للعمل، حيث لم يعد العمل يعتمد على القوة العضلية للرجل الذي أوجد فكرة اضطهاد المرأة، وبفضل شيوع النهضة الإيطالية وانتشار مبادئ الثورة الفرنسية الداعية إلى المساواة والإخاء، وبفضل التقدم العلمي والتقني الذي شهدته أوروبا في ذلك الحين تقوض ادعاء الرجل الأوروبي في السيطرة على المرأة والاستبداد بها.
ومع قدوم القرن العشرين حقق العلم والتكنولوجيا طفرات هائلة نتج منها تغيرات فكرية واجتماعية جذرية كان لها أكبر الأثر على نظرة المجتمع الأوروبي إلى المرأة؛ فقد خرجت المرأة للعمل في مجالات كان يعتقد في الماضي أنها مجالات خاصة بالرجال، وحققت نجاحاً إلى جانب الرجال في ميادين الإدارة والخدمات والتطبيب والحرب، وانطلقت الأصوات النسوية في أوروبا وأمريكا تدعو إلى تحرير المرأة من قهر الرجل. وهكذا فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت قد تقوضت كثير من الحجج والمقولات الفلسفية التي ظلت راسخة قروناً طويلة في وضع الأعراف الخاصة بالمرأة وصوغ المعاملات المدنية معها وتشكيل المشاعر الشخصية نحوها، وفي ظل التقدم العلمي والتقني الذي تحقق في مجال المعلومات والهندسة الوراثية واتساع دائرة الاتصالات الإلكترونية اقتحمت مسألة المرأة ساحة الفكر والدراسة. وهكذا تهيأت الظروف لكي تنهض المرأة وتبدأ مسيرتها الكبرى نحو البحث عن الذات وإعادة النظر في علاقة الرجل بها وعلاقتها به. وبدأت المرأة في التحدث عن نفسها وفي تقديم صورتها الخاصة كما تراها هي وليس كما يتصورها الرجل، ولقد نجحت الأصوات التحررية في تكوين حركة نسائية عالمية في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وفي هذا الإطار بدأت الدوائر الأكاديمية والحكومية والأهلية في تشجيع البحث والدراسة في شؤون المرأة، ولقد توالت الكتابات في هذا الشأن بقلم المرأة ذاتها وبفكرها هي، وظهرت الآلاف من الكتب والمقالات والدراسات والدوريات المتخصصة عن المرأة من مناظير فكرية متعددة.
أما الفصل الثامن والأخير ( القرن العشرون والعصر الجديد : النهاية والبداية ) فإنه يمثل – من وجهة نظرنا – المعبر الأمامي لموضوع الكتاب، ومن ثم فقد اختلف أسلوب كتابته عن الأسلوب الذي اتبعه المؤلف في بقية الكتاب، وفي الحقيقة فإن تعرف آفاق العصر الجديد لم يكن ليعتمد على الأسلوب السردي التاريخي أو التحليلي وإنما كان يحتاج إلى أسلوب آخر يستطيع به الكاتب العبور إلى المستقبل والإمساك بالأفكار المتنوعة المكثفة وربطها بالسياق الذي يستطيع من خلاله إشباع فضول القارئ العربي وشغفه في تعرف ثقافة العصر الجديد. وهكذا اهتدى المؤلف – وهو محق في ذلك – إلى اعتماد أسلوب الحوار بين قارئ مفترض وبينه كوسيلة للإلمام بأهم ملامح ثقافة العصر الجديد، والاتجاه السائد فيه لزعزعة الإيمان بالرسالات السماوية والاعتماد على المخططات الفكرية لتنظيم حياة البشر، المقصود بشبكات السايبر أو استخدام الوسائل التقنية في نقل المعلومات وتداولها ( مثل التخاطب الإلكتروني المرئي، وتبادل الأحاديث عبر الأماكن، ثم أجهزة السحب الآلي ) ومن هم علماء المستقبل … وهكذا.
ثم ينتقل المؤلف مع هذا القارئ المفترض لمناقشة أوجه التفاؤل والتشاؤم في ثقافة هذا العصر الجديد مبيناً كيف سينتقل العالم في هذا العصر من ثقافة عصر الآلة إلى ثقافة عصر المعلومة، وكيف سيتبلور المجتمع المثالي أو ما يطلق عليه ” المجتمع الحُلم ” الذي ستلتقي فيه المعلومات والبيولوجيا والتكنولوجيا، وكيف ستسترد البيئة في هذا المجتمع المثالي عافيتها، وكيف ستحظى الطبيعة فيه بقدسيتها، وكيف ستسترد الأراضي خضرتها وغاباتها، وكيف سيسترد الماء نقاءه والجو صفاءه كما كان الأمر على ظهر الأرض قبل الثورة الصناعية وإن كان المؤلف يرى أن ذلك لن يتحقق إلا باختفاء القيم المادية وشيوع القيم الأخلاقية وسيادة ثقافة الأمل في المستقبل.
موقع جميل ومن المواقع النادرة فى مسالة الدر اسات الانثربولوجية نتمنى التوفيق
موقع متميز حول الكتابات الانتربولوجية واشكر كل القالئمين على هذا الفضاء الرائع ,لكن اريد ان اشير الى نقطة مهمة حول شكل الكتابة في هذا الفضاء المرجوا تكبير الخط العربي ,شخصيا اجد صعوبة في قراءة التعاليق والتدوينات
اشراقة جديد لعلم الانسان في وطننا العربي الكبير اشرقت حيث اشرق هذا العلم على يد مؤسسه ابن خلدون
انها خطوة كبيرة لتاصيل هذا العلم ورده الى نصابه وموطنه
اشكركم واتمنى مشاركتكم