كتاب الضحيّة وأقنعتها ـ بحث في الذّبيحة والمسخرة بالمغرب

كتاب الضحيّة وأقنعتها ـ بحث في الذّبيحة والمسخرة بالمغارب للأنثروبولوجي المغربي الشهير عبد الله حمودي

بحث أنثروبولوجي في طقوس ومفاهيم الذّبيحة بالمغرب

لتحميل الكتاب أنقر فوق الصورة

هذا الكتاب كتاب بالغ الأهمية، هو ثمرة جهد كبير قام به الأنثروبولوجي المغربي الشهير عبد الله حمودي، الأستاذ المحاضر في الجامعات الأمريكية وصاحب كتاب “الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة”، وهو المؤلف الذائع الصيت الذي ترجم إلى عدد كبير من لغات العالم.

والكتاب الذي بين أيدينا صدر ضمن سلسلة المعرفة الاجتماعية، ويقع في حوالي 205 صفحات من الحجم المتوسط، وقد قام بترجمته المترجم المغربي المقتدر عبد الكبير الشرقاوي، ويتألف من قسمين يحمل القسم الأول عنوان “محاولة في إثنوجرافيا العيد” ويضم الفصول التالية: “الأنثروبولوجيا الاستعمارية للذّبيحة والمسخرة”، “الفعل البشري في محيطه: عن بعض توترات البنية”، “الذّبيحة”، “بلماون مرويّا: السيناريو”، “بلماون مُعاينا: لعبة بلماون”، “بلماون مُعاينا: اللعب”، “تفسير”.

أما القسم الثاني في هذا الكتاب فيحمل عنوان “المسخرة والذّبيحة مؤولتَيْن”، وفيه نقرأ: “مقاربات”، “الصلاة وإعداد الضحية: الجماعة المثالية، توزيع وتراتبية الأدوار الطقوسية”، “الطقس والأسطورة: معنى ولا معنى الذّبيحة”، “الأقنعة وطوافها: هوامش، فرط التعريف، ثأر الابن”، “عن اشتغال التّحديد وحِيل دراما ثانية مُؤسّسة”.

وكان الباحث قد كتب هذا الكتاب في نسخته الأولى في سنة 1985 بمعهد الأبحاث المعمقة بجامعة برنستون بنيوجيرسي، ثم قام بتنقيحه في سنة 1986 بمعهد الأبحاث المعمقة ببرلين. ويقول الباحث عبد الله حمودي إنه ثمّن “الانتقادات والاقتراحات التي أبداها بعض زملائه أثناء هذا المقام المشترك في هذه المؤسسة الألمانية. وتلك التي تفضل بها ب. فون سيفرز، وك. بوني، ول. زكَاري قد ساعدت على مراجعة المخطوط. وعن هؤلاء يقول المؤلف “نحن مدينون لج. هايلبرون بملاحظات سديدة عن العلاقات بين المدرسة الفرنسية بإفريقيا الشمالية ومؤسسي علم الاجتماع في فرنسا، وكذا بقراءة دقيقة للفصول التأويلية. ومنحنا ب. يوهانسن، من جامعة برلين الحرة، تأمله العميق حول القانون والطقوس الإسلامية وحسه بالمنهج. وقد كان تبحّره الواسع ثمينا لنا في قراءة النصوص العربية القديمة عن الذّبيحة والسنن الإبراهيمية. فليجد ج. هايلبورن وب. يوهانسن هنا التعبير عن عرفاننا وصداقتنا”.

تأويل وتفسير

الكتاب في مجمله تأويل وتفسير علمي لطقس احتفالي “بيلماون” يمارس في المغرب بناء على مقاربات تتيحها الأدبيات الأنثروبولوجية الغربية. وبناء على ملاحقة ميدانية دقيقة من الباحث. وهو لا يسعى فحسب لدراسة هذه الطقوس، بل أيضا لرفع المغالطات وتصحيح ما سقط فيه الاثنوغرافيون المستعمرون من الخبطة وأخطاء وتأويلات مغرضة، أو تعكس رؤية استعمارية، فضلا عن كونه يرد عليهم فاصلا بين هذه الطقوس المصاحبة للعيد والطقس الإسلامي للأضحية.

ويحلل المؤلف في هذا الكتاب من منظور أنثروبولوجي ما يرافق عيد الأضحى من طقوس واحتفالات تضرب بجذورها في أعماق التاريخ البشري، ويقتسم هذه الجذور مع شعوب أخرى. ويرى المؤلف في مدخل هذا الكتاب أن الذبيحة الدامية “تدشّن دورة طقوسية، تختمها، بعد نحو ثلاثين يوما، مراسيم عاشوراء، أعياد الموتى حيث توزع الصدقات، وتستهلك الفاكهة، وتباع اللعب التي لا يغفل الأطفال عن المطالبة بها. الذبيحة وعاشوراء، من جهة أخرى، يوقعان الزمن: الأولى تختم السنة المنقضية، والأخرى تفتتح السنة المستهلة.

والحال، كما سجل ذلك ملاحظون عديدون، يرى الباحث “أن أنشطة احتفالية أخرى، يهيمن عليها اللعب، والمضاحك، والضوضاء، كثيرا ما تساوق هذين الاحتفالية في التقويم الديني. وبحسب الأماكن، يرتبط بالذبيحة أو عاشوراء طواف للمساخر بالأقنعة، وموكب، ولعب لا يكف فاعلوه عن خرق القواعد نفسها التي يقوم عليها العيدان الإسلاميان. وحين تتلو الذبيحة، كالحالة التي سيصفها ويتوقف عندها الباحث في الفصل الرابع حتى الفصل السادس، فهذه “الاحتفالات من نوع آخر تنتظم حول شخصية مركزية تدعى بأسماء: بوجلود، هرمة، بلْماونْ، وأيضا بوإيسلخن”، ويؤكد المؤلف على أنه إذا ما “اقتصرنا على التسميات الأكثر شيوعا. يتنكر هذا النوع من الحيوان البذيء ذي القدمين في الجلود نفسها للأُضحيات المقدسة والذبيحة، ويقود، في تطواف صاخب ومنتهك للمقدسات، عددا متغيرا من شخوص مقنّعة تبدو عازمة على أن لا تخضع إلا لأهوائها الخاصة”.

كما يرى الباحث أن “نسق طقوس الذبيحة الدامية، الذي تؤديه الأسر كل سنة، يتجاوز إذن، وبفارق كبير، الأطر المحدودة حيث تدور المساخر، والمواكب، واللعب الذي يتلوه. ويمكن أن نجد في أماكن أخرى أمثلة لهذه التظاهرات، على الخصوص في الجزائر وتونس. غير أن انتشار موضوعاتها وأشكالها، بخلاف الذّبيحة، لا يتطابق مع حدود العالم الإسلامي، حيث ممارستها بعيدة عن أن تكون عامة الحضور والتقبّل. وبالمقابل، فتشابهاتها واضحة مع الثيمات الكرنفالية الأوروبية والأورومتوسطية. ويتساءل الباحث “هل من الممكن التأكيد بوجه من المعقولية أن العيد الأول، عيد الذّبيحة، ممنوح؟ إذا ما نظرنا إلى صعوبة تسخيره من أعلى، فالجواب سيكون بالسلب. في 1954، إبان أوج كفاح المغرب من اجل الاستقلال، وحدها أسر ناذرة مخلصة للنظام الفرنسي في إفريقيا الشمالية نحرت الذّبيحة. ونلاحظ أن كل الممارسات الطقوسية الإسلامية قد اكتسبت تجذرا محليا وشعبيا بحيث يمكن أن تتحول من ضمانة للامتثال إلى علامة للتمرد، وبذلك نفهم المراقبة اليقظة التي تمارسها السلطات العمومية على أماكن العبادة”.

كما يعرفنا المؤلف على آراء أنثروبولوجيين وباحثين كبار اهتموا بظاهرة “بيلماون” أو “بوجلود” التي يحتفل بها المغاربة ضمن الطقوس الممارسة التي تدخل في نطاق الثقافة الشعبية المغربية، ومن هؤلاء “إدموند دوتّي، وإميل لاوست، وإدوارد وسترمارك، مؤكدا على أنه اقتصر على أشهرهم”، إسهامات مستفيضة، غالبا ما تكون ملحوظة بسبب دقة الوقائع والخيال النظري. ويشير المؤلف إلى أن الأخير وحده، أي إدوارد وسترمارك “من بينهم جميعا، قد أدمج قليلا الذبيحة الإسلامية في تأويل المسخرة التي تلوها”.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.