موقع أرنتروبوس

كتاب ‘الدين والعلمانية’: أنثروبولوجيا عربية جديدة

لتحميل الكتاب أنقر فوق صورة الغلاف أو أنقر هنا

إذا واجهت مشكلة في تحميل الكتاب أنقر هنا

الكتاب الدين والعلمانية في سياق تاريخي

المؤلفعزمي بشارة

الناشر: المركز العربي للأبحاث – قطر – 2013

عدد الصفحات: 496

عزمي بشارة في ‘الدين والعلمانية’: أنثروبولوجيا عربية جديدة

صقر أبو فخر

ربما لا يعثر الباحث العربيعلى ضالته فيما لو أراد الاطلاع على دراسات أنثروبولوجية ذات مستوى علميرفيع، وسيجهد كثيراً قبل أن يتمكن من الحصول على النزر اليسير؛ فمثل هذهالدراسات تكاد تكون نادرة جداً، وقلما يقع القاريء على دراسة هنا، أو مقالةهناك في هذا الحقل العلمي الصعب والجذاب.

ولعل كتابات عصام الدين حفني ناصف، ولاسيما كتابه ‘المسيح في مفهوم معاصر’ (بيروت: دار الطليعة، 1979)، أو كتابهموسى وفرعون بين الأسطورية والتاريخية’ (القاهرة: دار العالم الجديد،1975) و’الأسطورة والوعي’ (القاهرة: دار العالم الجديد، 1976)، علاوة على كتابلويس عوض ‘أسطورة أوريست والملاحم العربية’ (القاهرة : دار الكتاب العربي، 1968) هي من المراجع النادرة وإن كانت تندرج في سياق الدراسات المقارنةأكثر من اندراجها في سياق الأنثروبولوجيا، مع أنها تستعير منالأنثروبولوجيا بعض جوانبها. أما كتاب عزمي بشارة الجديد ‘الدين والعلمانيةفي سياق تاريخي’ (بيروت الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسةالسياسات،2013)فيستحق الاحتفال حقاً؛ فهو من الكتب النادرة في حقله، ويمكناعتباره كتابًا تأسيسياً في مجاله، فهو يجمع البحث العلمي والتاريخيوالسوسيولوجي والأنثروبولوجي والفلسفي معاً، ويصوغ من ذلك كله مائدة فكريّةقلَّ نظيرها في الدراسات العربية. وهذا الكتاب إنما هو الجزء الأول فيمشروع متكامل (سيصدر تباعاً في ثلاثة أجزاء) لدراسة الدين والعلمانية، لامن حيث نقاط الافتراق بينهما، بل في سياق تاريخي لم يتطرق إليه المفكرونالعرب من قبل إلا لماماً.


الدين غير التدين

هذا الكتاب هو شوط جديد في مسار الدراساتالعربية الحديثة، وهو، كما يلوح لي، بلا أب أصلي؛ فلم تعرف الثقافة العربيةفي المئة سنة الأخيرة جيمس فريزر عربياً أو كلود ليفي شتراوس عربياً أوحتى لويس هنري مورغان عربياً. وهذا الكتاب، وإن كان من الافتئات عليه أننعتبره دراسة انثروبولوجية فحسب لأنه ينتمي إلى حقل الدراسات الفكريةوالفلسفية الشاملة، إلا أن له وشيجة قوية بعلم الإناسة.

يحتوي الكتاب دراسة معمقة عن المقدسوالأسطورة والسحر والدين والأخلاق، ويركز على التجربة الدينية والتدينوخصوصية الايمان، ثم ينثني إلى نقد نقد الدين خصوصاً لدى هيغل وماركس وماكسفيبر وكانط، ويدرس التناقض، المزعوم بحسب المؤلف، بين الدين والحداثة،والذي أفاض فيبر في الكلام عليه. أما الدافع إلى كتابة هذا الجزء من ذلكالمشروع الفكري الكبير فهو ان المؤلف توصل إلى نتيجة تقول إن إشكاليةالاسلام والديمقراطية’ هي إشكالية وهمية، وأنْ ليس ثمة صلة تستحقالاستغراق في اكتشافها. بين الاسلام والديمقراطية، بل إن العلاقة التي يجبأن ينصب البحث عليها هي علاقة أنماط التدين بالديمقراطية(ص7). وفي هذاالحقل المعرفي يرى عزمي بشارة أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الدين وأنماطالتدين. فالدين لدى الكاتب هو تطور طبيعي ومعقد في تجربة المقدس، أيالانفعال بالجمال والرهبة من الأسرار والخوف من الطبيعة، لكن تجربة المقدسوحدها لا تميز التجربة الدينية، والدين بهذا المعنى ليس هو تجربة المقدسوكفى (ص 10)، بل هو، فوق ذلك كله، جماعة من البشر ذات إيمان مشترك ومؤسسةدينية وعبادة وشعائر وطقوس…الخ. ولمعالجة الفارق الجوهري بين الدينوأنماط التدين تصدى المؤلف لاكتشاف المشترك والمفترق بين الدين والأسطورة،وبين الدين والسحر، وبين الدين والأخلاق وغير ذلك من الموضوعات الخطيرةوالحيوية.


ما هو الدين؟

يرفضعزمي بشارة وصف الدين بأنه ‘وعي زائف’، وهو يعتقد أن هذا الوصف الذي راجكثيراً لدى الماركسيين العرب ولدى أصحاب الفهم العلموي الساذج، يحجب رؤيةالظاهرة الدينية في غناها وأثرها (ص66). فالدين، بحسب دوركهايم ‘يمنح الناسأجوبة عن حاجاتهم إلى المثالية، أو يهدئ نفوسهم القلقة المتطلعة إلىاللانهائي’ (ص248). وأبعد من ذلك، فإن الدين عنصر اجتماعي له شأن فيالتحولات التي تؤدي إلى الدمج الاجتماعي Integrative و إلى بلورة الجماعاتالبشرية وتماسكها. والدين ليس مؤثراً في المجتمعات والجماعات لأنه نظريةفيزيائية أو نظرية فلسفية، بل لأنه مرجعية وسلطة إيمانية ومنظومة منالتعويضات الروحية والشعائر (ص300). يقول توماس هوبس إن معظم أسس الدين، إنلم يكن كله، قائم على حجج مغلوطة ومغالطات منطقية، وهو مبني على أربعةعوامل جوهرية: الاعتماد على الروح؛ الجهل بأسباب الظواهر؛ عبادة ما يخشاهالانسان؛ الخلط بين المصادفة والنبوءة (ص281). أما ماركس فيرى أن الانسانهو الذي يصنع الدين وليس الدين هو ما يصنع الانسان. غير أن عزمي بشارة لايميل إلى مثل هذه النتائج بل يعتقد، مثل أرنست بلوخ، ان الله هو المثالالانساني الذي لم يتحقق. وبدلاً من أن يؤدي عدم التحقق هذا إلى الاغترابوالاستلاب بحسب ماركس، فإنه يؤدي، بحسب بلوخ، إلى الأمل، والأمل هو جوهرالدين، بل هو ‘شكل آخر للأمل’ كما يقول ألكسيس دو توكفيل (ص357). وليسبعيداً عن هذه الخلاصة ما قاله كارل ماركس نفسه في الدين: ‘الدين هوالنظرية العامة لهذا العالم: خلاصته الموسوعية ومنطقه في صيغته الشعبية (…). إنه التحقق الخيالي لكينونة الانسان غير المتحققة. إن الشقاء الدينيهو تعبير عن الشقاء الواقعي، وهو، من جهة أخرى، احتجاج عليه. الدين زفرةالانسان المقموع، قلب عالم لا قلب له، وهو روح لشروط اجتماعية لا روح فيها. إنه أفيون الشعب ‘(أنظر: نقد فلسفة الحق عند هيغل).

قصارى القول في هذا الميدان إن اليقينالديني هو سيرورة فكرية متشعبة الجوانب يتم الوصول إليه أما بالتسليم (الايمان) أو بالتجربة الذاتية (العرفان). غير أن الإيمان الديني اليوم،كما لدى الجماعات الاسلامية المسيسة، ناجم عن الخضوع لسلطة المنظوماتالفكرية والاجتماعية والتربوية الناشبة أظفارها في بنية المجتمع والثقافة،وهي سلطة إقصائية وتكفيرية أحياناً، ومعادية لروح التقدم والنهضة في معظمالأحايين. أي ان الايمان، في نهاية المطاف، هو اليقين الذي من المحالإثباته أو البرهان عليه بالادراك والعقل أو بالعلم.


الفن والسحر والعلم

توصلالكاتب، في جملة استنتاجاته، إلى أن ثمة أصلاً واحداً للانفعال في نفسالانسان، ومن هذا الأصل الواحد يُشتق الانفعال الجمالي والانفعال الأخلاقيوالانفعال الديني (ص23)، لهذا ليس مستغرباً أن نجد في كثير من الدياناتفنون الرسم والتمثيل والنحت والموسيقى، فهذه الفنون تعبر عن العلاقةالانسانية بالسحر الكامن في الأشياء (ص25)، كما أن الرسم والنحت ظهرا، فيالبداية، لمحاكاة عالم الأرواح من خلال التخيل أولاً، ثم رَسْمُ هذهالخيالات، أي تحويل غير المرئي إلى مرئي. ونستعيد هنا قول كسينوفانس: ‘لوكان للخيل دين لرسمت آلهة لها حوافر’. أما المؤلف فيقول: إن ما يسميه النبيوحياً، يسميه الشاعر إلهاماً ويسميه الفيلسوف حدساً. وكلها مظاهر للتفاعلالكلي مع العالم (ص76).

يقول عزمي بشارة إن السحر والعلم يقومانبالوظيفة نفسها(ص107)، فلا فارق بين غاية السحر وغاية العلم، فكلاهما يريدإخضاع المقدس لإرادته: السحر يريد التأثير في الأرواح لتنفيذ مشيئته،والعلم يريد التأثير في الطبيعة لمصلحته، بينما الدين يتضمن الخضوع للمقدسوعبادته. ويتضمن السحر أيضاً افتراض المقدرة على التأثير في المقدس (أيالله)، ما يشبه امتلاك العلم القوة على التأثير فيما هو غامض (أي الطبيعة).


مرجع للمستقبل

منالممكن كتابة كتاب كامل عن هذا الكتاب الاستثنائي، فهو من الكتب الممتعةوالمهمة والنادرة التي لا يمكن ايجازها قط. الايجاز الممكن في هذه الحال،هو قراءة الكتاب حرفًا حرفاً. ولا ريب في أن هذا الكتاب يُعد مصدراً لايمكن إنكار أهميته أو الاستغناء عنه في خضم السجالات التي أطلقتهاالمتغيرات العربية الجديدة التي فتحت الأبواب على مصاريعها لمناقشة الاسلامالسياسي والسلطة والعلمانية والديمقراطية والحرية والعدالة والتنميةوالمستقبل أيضاً.

للاطلاع على المصدر،انقر هنا.

 

Exit mobile version