تأليف: الدكتور علي مكاوي
دار المعارف الجامعية ، الإسكندرية، 349ص
لتحميل الكتاب أنقر هنا
الأنثربولوجيا الطبية
تُعد الأنثروبولوجيا الطبية أو أنثروبولوجيا الصحة ـ كما يسميها بعض الدارسين ـ أحد الميادين الفائقة التطور في ميدان الأنثروبولوجيا، إلى حد يجعله يكاد يكتسب مرتبة العلم المستقل. ظهر هذا العلم في بداية القرن العشرين، وقد تزايد الاهتمام به نظراً لتزايد الوعي بجذور الثقافة في القضايا الصحية، مثل تطور المرض، وتوزيعه الجغرافي، والوسائل والأساليب التي تعتمد عليها المجتمعات في مواجهته، والطرق المثلى لتحسين الطب الحديث وتطويره في المجتمعات التقليدية.
إن الأنثروپولوچيا الطبية علم يبحث في العلاقة بين الثقافة (باعتبارها الموضوع الأساسي في الأنثروپولوجيا) والصحة والمرض (باعتبارهما موضوعي اهتمام الطب). لذلك فهي تعني “الدراسة الكلية المقارنة للثقافة، ومدى تأثيرها على المرض والرعاية الصحية”. وهناك إرهاصات إثنوجرافية منذ العشرينيات مهدت لظهور الأنثروپولوچيا الطبية. إلا أنها ازدهرت منذ الخمسينيات، حينما أسهمت في دراسة المشكلات الطبية، وشهدت الفترة من 1962 حتى 1972 تطورًا ملحوظًا، حدّد هوية العلم وقضاياه ومجالات الدراسة فيه.
وقد أوضح لويس مورجان، أهمية الثقافة في مجال الصحة والرعاية الصحية؛ فالثقافة تتحكم إلى حد كبير في الموضوعات الآتية:
1- نمط انتشار المرض بين الناس
2- طريقة الناس في تفسير المرض ومعالجته
3- السلوك الذي يستجيب به الناس لانتشار الطب الحديث
تؤثر الثقافة في أسلوب الرعاية الصحية، فقد تفشل برامج المساعدات الطبية بسبب الاختلافات في ثقافة مقدمي المساعدة عمن يتلقونها، ما يوجد العقبات التي تحول دون الاتصال الفعّال والتعليم والعلاج. كما تلعب الثقافة دوراً مهماً في الصحة والمرض، من خلال التغذية السليمة؛ فتحسين تغذية السكان لا يتحقق إلا من خلال تقديم مواد غذائية مقبولة ثقافياً لديهم. لذا، أخذ الاتجاه الحديث في الأنثروبولوجيا الطبية بالاتجاه الثقافي للرعاية الفيزيقية والعقلية للأفراد داخل سياقهم الاجتماعي.
وفي ضوء ذلك تعددت مجالات الاهتمام المشترك بين الأطباء والأنثروپولوچيين ومنها كيفية المحافظة على الصحة والوقاية من المرض، والتأثير السلوكي على هذه العملية، والعوامل الثقافية المسببة للأمراض والوبائيات. وبالتالي تسود النظرة للصحة والمرض في ارتباطهما بنوعية الحياة والحفاظ عليها. كذلك اهتمت الأنثروبولوچيا الطبية بالبرامج الصحية والتعليم الطبي، والبحث الطبي والممارسات الطبية الشعبية، وطب المجتمع والتخطيط السكاني والتمريض والتغذية والوبائيات.
في ضوء ما ذكرنا نعرض اليوم عليكم كتاب الانثروبولوجيا الطبية: دراسات نظرية و بحوث ميدانية من تأليف الدكتور على مكاوى:
يقع الكتاب في قسمين رئيسيين يحويان ثمانية فصول. أما الباب الأول فهو تأصيل نظري للأنثروبولوچيا الطبية وقضايا الصحة والمرض عبر أربعة فصول اختص الفصل الأول بتحديد “مجال الأنثروپولوچيا الطبية”، وتناول الفصل الثاني “الثقافة والصحة والمرض” بينما يعالج الفصل الثالث “أنماط التفاعل بين الطب الشعبي والرسمي”؛ حيث يستعرض العلاقة بين الخدمات الصحية الرسمية وغير الرسمية في المجتمع المصري، وبعض المجتمعات الأخرى. على حين يبرز الفصل الرابع دور الأنثروپولوچيا الطبية في دراسة “المستشفى كنسق ثقافي”، ويعرض لنماذج من تلك الدراسات.
أما الباب الثاني فهو يتناول “الأنثروبولوجيا وواقع الصحة والمرض في بعض المجتمعات العربية: دراسات ميدانية”. وتكاد هذه الدراسات الميدانية تنصب على الممارسات الطبية الشعبية عند جماعة من المعالجين المتخصصين في علاج الأمراض الشائعة في اليمن والسودان وقطر، بينما الدراسة الميدانية الأخيرة فهي تتصدى لنظام الزواج القرابى وأثره على الصحة، وبالتالي فهي تخرج عن نطاق الطب الشعبي، وتندرج تحت مجال الصحة العامة. وقد أجرينا هذه الدراسات الميدانية الأربع ما بين عامي 1987 و1990 في أثناء قيام الكاتب بالتدريس بجامعات القاهرة وأم درمان الإسلامية بالسودان، وجامعة قطر بدولة قطر.
أما أول فصول هذا الباب، الفصل الخامس فهو “المعالجون الشعبيون في المجتمع اليمني” ويعرض لأشهر المعالجات التي يقدمها المعالج بالكي، والزار، واعتمد المؤلف على مادة ميدانية جمعها باحثون يمنيون بالدراسات العليا بجامعتي القاهرة وعين شمس. ويتناول الفصل السادس “الطب الشعبي والتحديث في المجتمع القطري”، وهو بحث ميداني أجرين خلال العام الدراسي 1990
. بينما يعرض الفصل السابع لموضوع “الطب الشعبي في السودان”، وهي دراسة ميدانية قام بها في مدينتي الخرطوم وأم درمان خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 1988. أما الفصل الثامن فهو يتصدى لموضوع بارز في المجتمع القطري أيضًا وهو “الزواج القرابي وأثره على الصحة في المجتمع القطري”، لما يشغله هذا النظام من انتشار، وما تدور حوله من آراء طبية واجتماعية وثقافية لمسها المؤلف أثناء دراسته للدكتوراة في مصر عام 1984و جاء الفصل الأخير عن الخدمة الصحية في القطاع البدوي بمحافظة الجيزة. وقد أجري هذا البحث الميداني في نفس العام الدراسي 1990/1991.