موقع أرنتروبوس

كتاب أي مستقبل للأنثروبولوجيا في الجزائر؟

quel avenir

مؤلف منسق من طرف : نذير معروف، فوزي و خديجة عادل

منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجيا

يشتمل هذا المؤلف على مادة وقائع الملتقى الدولي المنظم من طرف مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، وجامعة منتوري بقسنطينة بتيميمون في الفترة بين 22 و 24 نوفمبر 1999. وقد اقترن انعقاد الملتقى مع وفاة المغفور له الأستاذ فوزي عادل رئيس المجلس العلمي لمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية الذي يعود إليه فضل الإعداد العلمي والتنظيمي لمحاور هذا الملتقى. وقد أشادت مديرة المركز السيدة نورية بنغريط رمعون في افتتاح الجلسات بالالتزام العلمي لعادل فوزي، ونزاهة المثقف وتواضعه، وهي صفات لازمته طيلة الفترة التي أشرف فيها على الهيئة العلمية للكراس. ودعت المشاركين إلى اعتبار الملتقى صيغة لتكريم الرجل، كما حددت الإطار العلمي لهذا الملتقى الذي يندرج ضمن تقاليد يكرسها المركز باستمرار، إثراء للمعارف العلمية المرتبطة بإشكاليات بحثية، وتمحيص المقاربات المنهجية، رغبة في تحصيل مبادلات علمية بين الباحثين الجامعيين.

يقدم مؤلف ” أي مستقبل للأنثروبولجيا في الجزائر ؟ ” نموذجا هاما لنوعية المعارف التي أصبحت متداولة في باب البحث عن مستقبل الأنثروبولوجية، وما يرتبط بها من موضوعات. صدر المؤلف في ما يقرب من 370 صفحة، وتضمن أزيد من 28 بحثا في خمسة محاور كبرى، منظمة لمادته ومعطياته النظرية. وقد عكست أوراقه جملة من المعطيات المعبرة عن وجهات نظر متعددة، وذوات مختلفة، وهو الأمر الذي سمح بتركيب مؤلف، تقاطعت فيه لغات ومفاهيم، وتخصصات، ومناهج عديدة ومتنوعة، ليتحول إلى مرجع يثير مساءلات جادة عن مستقبل الأنثروبولوجية في الجزائر والدول المغاربية.

ويتضح من مجمل العناصر التي اختصرنا في إطارها المضامين العامة لمحتويات المؤلف، أننا أمام جهد جماعي متميز في الموضوع، ومتميز في الطرح أيضا. ومن الأمور البارزة صدور فصول هذا العمل ضمن تصورات نظرية متماسكة، تمسك بالموضوع، وبنتائجه العامة.

وإذا كنا أثنينا على مادة المؤلف، ومضامينه، والجهود المبذولة فيه، فإننا ننبه إلى وجود أخطاء لغوية وإملائية(كثيرة)، كان ممكنا تلافيها في القسم الصادر باللغة العربية.

* – ينظر القراءة المخصصة لهذا الجانب من قبل حسن رمعون، وهي قراءة شاملة لمادة المؤلف، لكنها مركزة أكثر (…)

تركز المداخلات المتضمنة في هذا المؤلف على اختلاف مواضيعها على طروحات متقاربة جدا، تتموقع أساسا في المساءلة التي طرحها عادل فوزي في إشكاليته : “هل بإمكاننا أن نصبح فاعلين في حقل الأنثروبولوجيا بعدما كنا موضوعا غرائبيا لمدة من الزمن ؟ وبأي ثمن ؟ وماذا نفعل بالإرث المتراكم ؟ وهل يمكننا استخلاص الدروس والاستفادة منهجيا من التحقيقات جميعها التي جرت حتى الآن ؟ ماذا نفعل بالإرث ؟ كيف نستغله ضمن مقاربة جديدة ؟ كيف ننتقل من وضعية الموضوع إلى وضعية الفاعل ؟ “من أجل الإجابة على بعض هذه التساؤلات، وزعت المداخلات المقدمة باللغة العربية عبر أربعة محاور أو فصول، خلافا للمادة المقدمة بالفرنسية التي اشتملت على خمسة محاور أو فصول.* ويتعلق الأمر بـ :

أسئلة منهج

الأنثروبولوجية والتناظم.

الأنثروبولوجية الثقافية محل تساؤل

أقاليم بعيدة، حقائق قريبة..

يتساءل مولاي الحاج مراد عن الأسباب الخفية التي تقف عائقا في سبيل تطور التحقيق الميداني في الدراسات الأثروبولجية بالجزائر، ويعرض للأسباب التي أسهمت في تطورها في المجتمعات الغربية، في عرض مقارن ثري، ومقنع. وقد اقترح عددا من الطروحات من شأنها إعطاء نفس جديد للدراسات الأنثروبولوجية بالجزائر اعتمادا على التحقيقات. ودعا بالمناسبة الباحثين إلى الإسهام العلمي بهدف تجاوز التأويلات التي ألصقت بالمادة.

ويطرح محمد حمداوي في المحور الثاني “الأنثروبولوجية والتناظم” موضوع “القرابة والسلطة عند ابن خلدون : البذور الجنينية لأنثروبولوجية سياسية”يثير من خلاله إشكالية منفتحة على أجوبة عديدة، تتخللها فرضية “أن علم الأنثروبولوجية السياسية يندرج موضوعا ومنهجا ومضمونا ضمن ما قدمه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة”، ويحاول الباحث أن يقدم تعليلا في هذا الصدد عن طريق مقارنة الإطار المعرفي الذي أفرز ظاهرة الخلافة، وجعلها تتحول فيما بعد إلى ملك في عهد ابن خلدون، والإطار المعرفي الذي أفرز الدولة الغربية وأجهزتها ومؤسساتها السياسية. واستخلص في نهاية مداخلته “أن الإنصاف التاريخي والعلمي في حق صاحب علم العمران البشري يضطر الباحث إلى القول بأنه ليس كثيرا على ابن خلدون أن نصف علمه بالأنثروبولوجية السياسية في صورتها الجنينية.”

ويتساءل خالد محمد في موضوعه الموسوم : “التحولات الاجتماعية والممارسات الدينية” عن مدى صدق مقولة اختفاء نمط الحياة الريفية في الجزائر عبر انتقال جزء من الريف إلى المدينة، وما تبقى منه تكيف مع نمط الحياة الحضرية. ويقدم عددا من التحفظات حول هذه المقولة، ويرى “أنه على الرغم من انتقال نمط الحياة الحضرية إلى الريف، فإن عالم الريف ما يزال يحتفظ ببنيته التقليدية القبلية، وأسلوب إنتاجه الفلاحي، وإدراكه الزماني. “واستثمارا لهذه الحيثية، بحث في المعتقدات التقليدية والممارسات الدينية حاضرا، عبر التساؤل عن دور المدينة والمدرسة في تبليغ المعرفة الدينية والحلول مكان المؤسسات التقليدية : المسجد والزاوية. واستخلص أن عقم النقاش في الجزائر، وفقر الفكر، وضعف التنظيم للتيارات المتصارعة حول المجتمع، حوّل الأنظار عن الأزمة الحقيقية التي تضرب المجتمع، واختزلها ضمن عمق أزمة دينية.

“الإطارات الصناعية : هل هم نخبة اجتماعية ؟ ” للباحثين : عنصر العياشي وبوطمين ليلى. يقدمان فيه بحثا ميدانيا ثريا حول دور الإطارات الصناعية الوطنية في تسيير هياكل مركب الحجار المشكل من ثلاث مؤسسات رئيسية، وآلاف العمال من جنسيات مختلفة، ويتتبعان المسار الاجتماعي والمهني لهذه الفئة عن طريق استخدام “التحاليل المبحثية” بواسطة المقابلات نصف الموجهة، وتوزيع استمارات استبيانية. وقد بينت نتائج هذه الدراسة الثرية بالمعطيات البحثية، والنتائج العلمية المستثمرة من خلال الاستمارات والبيانات، والتحاليل والمقارنات الغموض المحيط بتعبير “الإطار”، حيث يبدو هذا اللفظ مائعا، يصعب تحديده بدقة، وهو ما أثار شهية الباحثين في الاستطراد حول أصول هذا المصطلح، وميادين استخداماته في حقول متنوعة. كما كشف البحث عن تماثل وتجانس الأصول الاجتماعية للإطارات الصناعية في الجزائر في ظروف ونمط الحياة، حيث تعيش الغالبية على أجور متوسطة، وتميل إلى حياة الغربة والانغلاق على النفس، وتشعر بالإقصاء من الديناميكية الاجتماعية والاقتصادية بخصوص ممارسة السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار.

ويختار محمد داود في مداخلته ” البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي” للحديث عن العلاقة بين المقاربات المنضوية في مجال العلوم الإنسانية، ويركز على النظرة المتكاملة التي تحاول أن تستفيد من مختلف نتائج العلوم الإنسانية، وبخاصة الأنثروبولوجية حول مسألة التمثل، والتمثل الرمزي، “وهو الإطار الأنثروبولوجي الواسع الذي يدعو لوضع النصوص الأدبية في مجموع النتاجات التي يحاول الإنسان بواسطتها معرفة العالم، والآخرين، وبالتالي معرفة ذاته أيضا. “وقد دعم بحثه بعدد من النماذج التطبيقية المستخلصة من نصوص روائية جزائرية تعكس مدى تقارب المنهجين الأدبي والأنثروبولوجي في وصف الظواهر الإنسانية، وتفسير الإنتاجات الخيالية لتي تفرزها المجتمعات المغاربية.

وفي الفصل نفسه يعالج بهادي منير “مفهوم الخصوصية الثقافية في الخطاب الأنثروبولوجي المعاصر”، ويربطه بدراسة الظاهرة اللغوية المتمثلة بالخصوص في الخطاب الديني، ويرى أن” الخطابة ومجازها واللغة بشكل عام بالنسبة للأنثروبولوجية المعاصرة (تعد) عاملا أساسيا في دراسة المخيال الديني والسياسي والمنظومة الرمزية للمجتمع الجزائري.”

ويتعرض محمد سعيدي إلى “دلالة الاسم ومرجعيته مقاربة أنثروبولوجية”، في بحث ثري وشيق، يستدعي فيه الباحث المرجعيات العربية القديمة في اختيار الأسماء، والدلالات المترتبة عنها، ويناقش بعمق ما أحدثته الفترة الاستعمارية من تشويهات بإدخالها صيغة جديدة مركبة من اسم ولقب، وهي الصيغة التي تحتاج اليوم إلى دراسة وتمحيص من قبل الباحثين الاجتماعيين.

وينتهي القسم المخصص للمادة المقدمة بالعربية بمداخلة محمود عبد العزيز حول : “مدخل لدراسة أنثروبولوجية المستقرات البشرية في البادية الشمالية الأردنية”، وتعتبر هذه المداخلة جزءا من مشروع دراسات ميدانية يجريها الباحث في البادية الشمالية من قطر الأردن الشقيق، وهي تعكس نوعية البحث الأنثروبولوجي في البلاد العربية وتقدم إمكانية البحث مستقبلا عن أشكال التعاون بين الجامعات العربية ومراكز البحث التابعة لها.

Exit mobile version