ترددت قبل أن أكتب ، حيث أن الموضوع – كما عادة أي سؤال عن الجذور – شائك !
لكن التردد حقاً يعود إلى كون الجواب – الكلمة عموماً – مسؤولية …
لذا ، فأي كلمة لا تتوخى وجه الحقيقة التي يطمئن لها القلب ، نتيجتها سلبية على المجيب قبل السائل !
إن البحث ، عن أصل الشر ، عن جذره ، عن سببية وجوده ونشوئه ! عن الحكمة منه ! أراها تعود إلى أصل الخلق ، فلا يمكن الكلام عن “شر” دون أن نذكر بدايتها البائية “بشر” ! كما تعود إلى لحظة الهبوط ، فلا يمكن الحديث عن “شر” قبل الهبوط على الأرض ، [وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] {البقرة/36} ، إذ أن معصية آدم ووسوسة إبليس هي إرهاصات لتداعيات لاحقة “أرضية” ، والحديث حولها كالحديث عن لحظات “ما قبل” الإنفجار ضمن نظرية “الإنفجار الكبير” (Big Bang Theory) .
هبوط على الأرض أضحى فيه الإنسان مسؤولاً … بعد أن أضحى “حراً” في إختياره ! إذ لا يمكن أن تكون مسؤولاً (مكلفاً) دون أن تملك الأصل “حريتك” !
ومن هنا بدأ الإنحراف …
ومن هنا بدأ الإختلاف !
ومن هنا بدأت الحكاية !
إن في هذا الموضوع تشعبات أجوبة تذهب بي إلى أسئلة ! وكأنه مشروع بحثي كبير بحاجة للنظر في الثقافات وأساطيرها ! والأديان وكتبها ! هو موضوع أكبر من مقالة ، ولا مطلقات ضمنه ، بل ربما محاولة لتلمس أطرافه !
هناك نظريتان ، تناقش أصل الشر :
– الأولى تعتبر أن الطفل يولد بريئاً وخيّراً والمحيط هو الذي يحوّله !
– الثانية تعتبر أن في الطفل جبلّتين ، ثنائية الخير والشر ، ويساعد المحيط في إضعاف طينة وتمكين أخرى !
للنظرية الثانية ، شرطان :
– الأول : الرحمة الإلهية ، حيث زوّدنا الله بالفطرة ، النزوع نحو الخير .
– الثاني : الحرية التي تستوجب المسؤولية عبر التكليف ، فنحن بإرادتنا ورغماً عن “المحيط” نختار ، نجاهد ، فننتصر أو ننهزم !
إن للإنسان (كما أرى) طبيعة ثنائية ، أصل روحي فيه نزوع نحو الخير المحض ، وأصل ترابي فيه نزوع نحو الشر . هاتان النزعتان تؤمّنان الخيار الحر للإنسان .
فالعبد المملوك لا يملك حريته ، وبالتالي تنعدم مقدرته على الإختيار ! بينما رب العباد دفع للناس حريتهم ، [وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ] {الكهف/29}
ومع الحرية تأتي المسؤولية ، مسؤولية المقدرة على الإختيار وتبريره [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {154} أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ {156} فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {157}] {الصافات}
إن حديث الشر ، هو كحديث الخير ، ثنائية لا يكتمل عقد الحياة دونها !
من طبيعتنا أن نجاهد نفسنا ضد منزع الشر فيها ، وأن ننتصر و/أو ننهزم أمام كل مفترق وعند كل إبتلاء !
لما كان لجهاد النفس هذه الأهمية الكبرى ، لو لم يكن من ثنائية أصلنا نزوعها نحو الشر !
إن البحث عن الأصل ، يستلزم عدم النظر إلى أمثال آنية ! ليس المهم اليوم والآن !
فإذا أردنا أن نفهم فقط سببية وجوده اليوم ، قد نُضيّع البوصلة ! لكن لنفهم الراهن ، علينا البحث عن الأصل ، بعدها سنكتشف أن “الآن” المستخفي ، ليس سوى ستار يحجب عنا الفهم !
نحن بحاجة ، للإنطلاق من البداية ، وهي ستقدم لنا فرصة إكتشاف باقي الطرق ، شرط أن نقدر على تحرير تشعباتها ، وإعادة تركيب ملغزها !
أصل الشر كأصل الخير لحظة الهبوط وبدء التناسل الأرضي ، يوم إختار قابيل الشر ، وإختار هابيل الخير : [لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ] {المائدة/28}
هي لحظة إختيار ، وهي قصة/مثل تريدنا أن نفهم أن الشر وإن كان جزءاً منا إلا أن مقدرتنا على عزله وتحجيمه هي بمتناولنا (إذا أردنا) ، وهي تشابه كثيراً لحظة إختيار “الحر” و”إبن سعد” ، لحظة حدّدت المصير الفردي كما المسيرة البشرية !
الفطرة كما أراها هبة من رحمة الله ، كأنها دفقة أمل دائمة أن الخير في النفوس باقٍ ! وأن الشر إلى إنكفاء …
هو باقٍ ما بقي فينا روح تنزع إلى معارجها …
لماذا الشر …؟
السؤال ، كما أراه ، لماذا نختاره ؟!!!