كانت ثقافتهما من مشكاة واحدة فالأب آدم عليه السلام , ولقد غرف لابنيه ذات المقدار من الثقافة التي علمه إياها العليم الخبير.
فالثقافة تعنى :هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعادات والسلوكيات والأخلاق والقانون والمعتقدات التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه”تعريف تايلر “ليس بالتعريف المعتمد لكن لاشتماله على مزايا عده.
انطلاقنا من هذا التعريف قد استطيع فهم حقيقة الاختلاف بين قابيل وهابيل , والسبب الذي أوصل قابيل للقتل !
أرجعت هذا الاختلاف إلى فوارق عده لخصتها فيما يلي:
فارق جبلي
لقد خلق الله كل منهما على جبلة مختلفة …فجبلة هابيل كانت قائمة الحلم والأناة ,أما قابيل كانت على الجهل الذي هو ضد الحلم .
فارق معرفي
هابيل عرف الله حق المعرفة فقال”إني أخاف الله ” فهو رجل صالح, أما قابيل لم يكن يعرف الله حق المعرفة فلو عرفة لما أقدم على فعلته .
فوارق أخلاقية
كان قمة في الأخلاق كريم النفس حيي معطاء وهذا ظاهر من خلال تقديمه القربان لله عزوجل فقد قرب من خيرة أغنامه “جذعه سمينة” ووصل إلى مراتب عاليه من التسامح والعفو والسمو الروحي أما الآخر فكان بخيلا , قدم لله عزوجل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة, ففركها وأكلها , وسوء أدب مع الله عنيفا حسودا فهو يريد زوال النعمة إلى أعطاها الله لأخيه ليستأثر بمن يريد أن يتزوجها أخوها .
فارق في طبيعة العمل
هابيل كان مربيا للدواب يهتم بمصلحة الجماعة فنما عنده مبدأ الإيثار والرحمة في حين أن قابيل كان فلاحا يملك الأرض أي أن مصدر الإنتاج يقوم على الملكية الفردية وربما هذا ما دعاه للقتل عندما فكر في الملكية الفردية .
فارق في تقبل القانون
القانون الذي وضع الله عزوجل في أمر الزواج تلقاه هابيل بالقبول والرضا “إنما يتقبل الله من المتقين ” عدا أخوه فكان يريد تغيير القانون حتى يتماشى مع هواه .
فارق في أدب الحوار
أراد قابيل إظهار غضبه وحقده وحسده عمليا . فهابيل لم يرد الإساءة بالإساءة فكان حسن التعامل معه و انتقل إلى وعظ أخيه بتطهير قلبه و تذكيره الأخوة بينهما ليردعه عن جريمته، ومحذرا إياه من المصير المظلم الذي ينتظره إذا صمم على رأيه، بقوله: “إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ”
فارق في الهوى
هوى هابيل كان تبعا لما جاء به نبيه وأبوه آدم علي السلام أما هوى قابيل تابعا لإبليس
الفارق في كيفيه العلم بالعاقبة
كان علم هابيل بالعاقبة رادعا له أن يقع في الإثم فلم يثير غضب أخيه وإنما أراد وتذكيره بمصيره في حين قابيل كان جاهلا جهل سفه وطيش لأنه على علم بجزاء من يقتل .
وفي النهاية
أخذ الحجر وضرب به رأس أخيه ولم يحسن التعامل مع خطيئته أراد أن يستر فعلته ,لكنه لم يعرف كيف؟ فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا, فقتل أحدهما صاحبه, فحفر له ثم حثى عليه …
هنا، وهنا فقط، شعر قابيل بالحسرة والندم، لأنه لم يصل إلى ما فعله الغراب واهتدى إليه.
فبعد أن رفع الله قدره بأخذ ثقافته من نبي فأساء الأدب فجعله الله يأخذ ثقافته من غراب!!
خلاصة القول
الثقافة هي التي تمنح الإنسان القدرة على التفكير في ذاته وتجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة بالعقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي وبها يصل إلى القيم ..وهذا ما هو ظاهر في هابيل . ..إذا هما.. يمثلان نموذجان لبدء الثقافة البشرية ,فإما أن تكون هابيل وإما أن تكون قابيل