تأليف: الباحث حكمت البخاتي
د. اسعد الامارة *
عرض كتاب للباحث حكمت البخاتي بعنوان ( عاشوراء.. الجذر والتاريخ والطقس) وهي محاولة اجتهادية تتميز برغبة الكاتب باستعراض هذا الكرنفال السنوي عند طائفة من المسلمين وربما يشاركها بعض المسلمين من الطوائف الاخرى وهي وان عدت استرجاع لاحداث الماضي في الحاضر ليستفيد منها الاجيال في المستقبل في شعائر غير متصلة بتشريع ولكنها تعبر عن زمانية الحاضر الذي يغرقه المستقبل ويؤرق الجميع بالتسلط الذي تعرضت له الامم قبل واقعة الطف في كربلاء وكيف كانت هذه الشخصية (شخصية الامام الحسين –ع-) ذات التأثير الديني – السياسي – الاجتماعي – التربوي – النفسي في حياة الامم والاعراق والملل والشعوب كان لهذا الدرس أثر لا ينمحي في ذاكرة هذه الامم والاقوام الى يومنا هذا حيث كانت وما تزال دائما في المتناول هي حالة الثورة ضد العبودية والتسلط والدكتاتورية ولا نغالي اذا قلنا انها اعطت البشرية خبرة المحال ، خبرة ابدا ً لن يسكت المظلوم على ظالمه ، لذا استطاع الكاتب “حكمت البخاتي” ان يعطي مدخلا موجزا عن واحد من عشرات بل مئات من المتغيرات في هذه الواقعة ، وهو استطاع ان يوظف متغيرا واحدا من هذا الماضي – الحاضر الحقيقي فينصرف في الكتابه عنه معتقدا ان هذا الماضي لم يمضي ابدا ً ومن المحال ان يخلد في سجل الماضي فحسب بل يحضرنا في الحاضر متسما ً بزمانية مستمرة غير متوقفة او منعدمة الصيرورة ، انه يذكرنا بموضوع كتابه هذا ان خبرات الماضي في الثورة على الظلم والتجبر هي خبرات تؤشر لنا الحاضر وهي خبرات جديدة دائما نتخطاها فلا يغرب الماضي في غروب الاشخاص بل دافعا قويا يكسر اصفاد واغلال الماضي .
قام الباحث بتبويب الكتاب الى مباحث رئيسة وهي :
عاشوراء والجذر العراقي
عاشوراء والتاريخ الشيعي
عاشوراء والطقس الصوفي : هيمنة التصوف والمجال الاسلامي، التزود بنظرية الانسان الكامل الالهي، الحلاج والغزالي والتاسيس الصوفي نحو السياسة
وموضوعات ذات صلة بشعائر عاشوراء ومنها:
الفقيه والسلطان ، التصوف والاحتفال في الثقافة الاسلامية، الصوفية –الصفوية “عاشوراء والطقس” ، العزاء الحسيني .. الحراك- والمسار الشيعي في العراق وموضوعات اخرى.
احتوى الكتاب بصفحاته ال 200 موضوعات متنوعة ثرية في التاريخ والاجتماع والانثروبولوجيا والتراث والمسحة الدينية بمختلف تنوعاتها مثل الصوفيه والفقهية والادب الحسيني والعرض الفلسفي الثري بجوانبه المتنوعة .. استطاع الباحث “البخاتي” ان يوثق لظاهرة واسعة يؤمن بها العديد من المسلمين وهي الظاهرة الحسينية في الذكرى الاليمة المقترنة بواقعة كربلاء واستشهاد الامام الحسين “ع” ومجموعة من آل بيته ومحبيهم ، نجح الكاتب “البخاتي” فعلا ان يعيد هذا التاريخ قبل واقعة كربلاء بموضوعية محايدة ويظهرها كسرد تاريخي للاحداث عند اليهود والنصارى وكذلك الملل والنحل والاعراق التي آمنت بيوم عاشوراء . لا نبالغ اذا قلنا انها نزهة فكرية تاريخية اجتماعية انثروبولوجيه لطقس لدى بعض الاديان والمذاهب وشعائر لدى الشيعة الاثني عشرية بعرض منسق للاحداث ممزوج بالتنوع المتوازن مع الحياد الفكري بدون تكلف او اصطناع فلم تظهر انفعالاته بما يؤمن فكان عرضه سلسا ً مقنعا بما يطرح.
استعرض الكاتب”البخاتي” عاشوراء والكبور عند اليهود والصيام الكبير مدونا بمصادر متنوعة منها الكتاب المقدس واخرى مترجمة من لغات اجنبية فضلا عن مصادر عربية متنوعة من الفكر الاسلامي .
يتناول الكاتب في احد المباحث من الكتاب عن جغرافية الحزن في العالم القديم ويصف فكرة موت الإله وبعثه وما ترافقه من طقوس الحزن ابتداءا من بلاد الرافدين القديمة ثم الاغريق ويصف تلك الطقوس وصفا دقيقا في بعض البلدان في فصل الصيف وهو موسم مراث وأحزان حيث كان البابليون يرتلون المراثي فوق تمثال مسجى للإله الميت ويستغرق الكاتب في الوصف في حضارات اخرى مثل حضارة الاغريق ومصر القديمة والحضارات التي سادت في الشرق .
يعرض الكاتب لجذور العزاء الحسيني في ثقافة العراق ابتداءا من استخدام كلمة “يبوو” عند النساء التي تحل عندهم حالة وفاة فتطلق هذه الدويه من افواه النساء ايذانا بحدوث حالة الموت ثم استطرد “الكاتب” في تاريخ الكلمة ومعناها في الحضارات الاخرى مثل السريانية والارامية الى دراسات المقارنة التي اجراها “ايردمنس” بين شعائر العزاءات الحسينية في عاشوراء سواء في ايران او العراق ، يستشهد الباحث في هذه المقارنة بارجاع تاريخها الى طقوس بابلية وكريتيه ويهوديه قديمة فضلا عن التشابه بين العزاء الحسيني وطقوس الحزن الجمعي في العراق القديم على حسب رأي”باستروف” ويؤيد”ابراهيم الحيدري” بيتساؤله هذا عن اوجه التشابه مع الفروق بين الغاية والهدف في انطلاق المواكب في عزاءات عاشوراء التي تتجه بمسيراتها من الاحياء السكنية والحارات والازقة لتذهب الى المساجد والحسينيات ثم المراقد الحسينية المقدسة ، انها صورة تنقل العقل بارجاعه الى ما كان يجري في سومر وأكد من احتفالات بعودة الاله تموز حيث تتجه مواكب تموز الى المعابد في العراق القديم .
يستعرض الكاتب رأيا اخر يطرحه “حسين جاسم” بقوله ان استشهاد الامام الحسين”ع” كان ايذانا ً ببعث الاحزان الجمعية عند المسلمين المعارضين لنظام الحكم القائم أنذاك معللا ذلك بفشل الثورات التي قام بها اولئك المعارضون وعلى اثر الفشل الذي تمنى به غالبا تبنوا طقوس تموز العراقية في الندب والبكاء على فقدان العدالة .
استاذ في الاكاديمية الاسكندنافية الامريكية
متخصص في علم النفس