موقع أرنتروبوس

عرض كتاب : جزائر الأنثربولوجيين الجزء 3/3

الفصل الثاني: النفي والإنكار

لم يكتفي الفرنسيون بتشويه صورة الجزائري فبعد فشل مخططاتهم لتدجين هذا المتوحش، وجعله يتخلى عن هويته و دينه وتقاليده ويبني الحضارة الفرنسية انتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي نفي هذا الجزائري وإنكاره فهو لا وجود له، ولا يمكنه التحضير بالطبيعة بل لا يجوز أصلا إلحاقه بالحضارة الفرنسية، إنه عرق دوني سكن هذه الأرض في غفلة من التاريخ ولم يتمكن من إنجاز شيء يذكر في مسيرة الحضارة الإنسانية، إذن فلا وجود لهوية جزائرية ولا شعب جزائري…

وعليه فعلى الفرنسيين أن يبنوا الجزائر الفرنسية لوحدهم ودون أن أي اعتبار للسكان المحليين ومن هنا تم إقامة مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى إقامة المنظومة الحضارية الفرنسية من خلال إجبار الأهالي على الخضوع لنظام الأنديجانا Loi indigène   الذي يعتبر نظاما عنصريا قوامه تجميع الأهالي في مجمعات إدارية وإجبارهم على الخضوع للقضاء الفرنسي الخاص، وقد تم التبرير لذلك من خلال أمرين:

1- دور المرأة: فهؤلاء الجزائريون ليسوا آدميين لأن المرأة عندهم مجرد حيوان تابع تباع وتشترى.

2- الدين: لا يمكن لذلك الجزائري أن يترك دينه الذي يتعصب له كثيرا وعليه لا فائدة ترجى منه.

إن نظرية الاندماج أصبحت مستحيلة التطبيق وعليه يجب الاستعاضة عنها بتوسيع الفوارق ليأخذ المعمرون الشرعية باعتبارهم الجزائريون الحقيقيون Les vrai algériens والجزائر الفرنسية L’Algérie Française  و في هذه المرحلة سيطر الأقدام السود على الأنثربولوجيا الجزائرية واحتكروا البحث والدراسة لإرسال ذلك الجزائري إلى النسيان، ومن رواد هذه الفترة Auguste pomele  و Emile Gautier  وArthur Guirault   و Louis Bertrand  [1].

يقول  Auguste Pomeleفي كتابه: Les Races indigenes de l’Algérie

«تتجلى ظلامية أتباع محمد في حكم طاغ للأفراد، والمتاجرة بالأطفال والنساء من بني جنسهم، فهو عرق دخيل بقي منغلقا على نفسه، غير متأقلم مع المنطقة، غير منتج يعيش أفراده على النهب و الابتزاز لأنه لم يستطع التكبف مع الواقع فهو عرق مناهض للحضارة و التقدم”[2]

فالعرب إذن شعب طفيلي همجي متقوقع حول مجده الزائف الذي زال و اندثر في حلمه الوهمي لمولى الساعة ، إنه شعب يملك عيوبا توارثها عن أسلافه بالوراثة لذا لن تتمكن فرنسا من القضاء عليه بالمواجهة” [3]

و لتبرير انتزاع الأرض من الجزائريين يقول ” إن العرب أعداء الزراعة الذين يضرون بالأرض و يشكلون خطرا على نمو الإنتاج الزراعي ” متناسيا أن الجزائريين هم من كان يطعم فرنسا أثناء مجاعاتها المتكررة

أما عن الدين فيقول : “إن الديانة المحمدية على ما يبدو تنسجم أكثر مع المجتمعات التي توقفت مرحلة نموها عند الأبرشية البدائية و أن الصة التي يتمتع بها المجتمع العربي و تشكيلته السياسية تبدو الكثر تجذرا في عرقه”[4]

أما عن المرأة فيقول : ” و بالنسبة للروابط العائلية عندهم فهي تقوم على تعدد الزوجات، حيث تشترى المرأة بالمال ، و هي كائن خلق للمتعة الجنسية و العمل في المنزل ، إنها أم في الثانية عشر على الأكثر ، عجوز في الثلاثينات أو بعبارة أشمل حيوان بأتم معنى الكلمة إلى غابة أرذل العمر، ذلك هو المجتمع العربي في جوهره كما كان قديما و كما وجدناه في السهول الكبرى للجزائر ، فهو رهين الجمود، غير قادر على الإنتاج الفكري و لا أعتقد أن ذلك حاصل بفعل التهجين بل إنها صفات ملازمة له”

” و مما لا ريب فيه أن العربي ضعيف الإنتاجية و لا يحسن إلا التبذير و تبديد الثروات الطبيعية للتل و لم تسلم منه حتى الأرض التي التي يقتات منها بصعوبة ”

و يقول Joost van Vollenhoven  في كتابه حول الفلاح الجزائري Essai sur le fellah algérien  متحدثا عن هذا الفلاح: “إنه محدود الذكاء ، غير قادر على فهم أبسط الأشياء العامة إذ يستحيل أن تلقنه شيئا جديدا مثل ائتمانه على قيادة ألة زراعية بعد تلقينه عملبة الإستعمال التي يمكن أن يستوعبها طفل في بضع ساعات ، يضاف إلى ذلك كله جملة من الطباع الناتجة عن الحمول بلا منازع مثل المداراة ، الخيانة، الشك،عدم الإحتياط ، حب الملذات ، و اللهث وراءها بدون توقف و حبه للأكل إلى حد التخمة”[5]

إن تجاهل الجزائري و إبعاد العربي و إغراق البربري أصبحت في هذه الفترة الشغب الشاغل للأنثروبولوجيا الفرنسية في الجزائر، إن إيديولوجيا الكولونا هي أحد منتوجات الإيدبولوجيا الإستعمارية تغذت من أسباب عديدة من فلسفة و لغة كما وجدت العديد الذين دافعو عنها بقوة.

الفصل الثالث: التناقضات

مع بداية القرن العشرين بزغ مجتمع جديد في الجزائر، مجتمع متحرك متأثر بخيارات فكرية حديثة انتشرت بين الجزائريين وظهرت مشاكل جديدة كالصعوبات الاقتصادية ومشاكل السكان والهجرة وظهور التنظيمات السياسي قامت كلها بتغيير حالة الجزارئيين من مفعول به إلى فاعل مؤثر في مجرى الأحداث، لكن الأثنولوجيا الكولونيالية آثرت الانكفاء على مواضيع ماضوية من خلال استمرار مراكز اهتمامها القديمة دون التركيز على المواضيع المستحدثة، حيث بقي التركيز على موضوعات العرق واللغة وطرائق العيش والانتاج([6])، وكذا بعض المناطق الجغرافية كالقبائل والطوارق ووادي ميزاب ومحاولة إحياء القضية البربرية في إطار استراتيجية “فرق لتسد” فمثلا قام أندري باستي بإصدار العديد من الابحاث والقواميس محاولا نقل البربرية من منزلة اللهجة إلى منزلة اللغة[7]، في الوقت الذي كان فيه كايتينو يتحدث بالمقابل عن اللهجات العربية بعمالة الجزائر وقسنطينة[8].

كما أن الإسلام حظي بدراسة كبرى من خلال الكتاب الجماعي بمناسبة مئوية الاحتلال 1982 تحت عنوان        L’islam Maghrebinلكن الملفت للنظر هو ظهور المسألة اليهودية في الدراسات الإثنولوجية  ربما كامتداد للحركة المعادية للسامية المزدهرة آنذاك.

كما تم التركيز على مواضيع السكن وأشكاله وأنماط الحياة البدوية والزراعية وغيرها من المواضيع القديمة مع رفض الخوض في المواضيع الجديد خاصة الحراك السياسي الذي كانت تعيشه الجزائر مع ظهور طبقة مثقفة من الأهالي طالبت بمزيد من الحرية والمساواة.

إن تناقض الإثنولوجيا الكولونيالية يتبدى بوضوح من خلال محاولة فلكرة المجتمع الجزائري من خلال دراسته كعناصر لكيان قابل لإعادة التركيب أي بما يخدم المصالح الاستعمارية، كما يتبدى هذا التناقض في حالة مدح هذا الفلكلور الذي كان مستهجنا ومسموجا  كمحاولة مدح هذا الفلكلور لدى الجزائريين للتمكن من حمايتهم من الأفكار الشيوعية القادمة مع العمال من فرنسا ومع الطلبة من المشرق العربي.

ومع بداية الثلاثينيات ظهرت الطبقة الجزائرية المثقفة الأولى التي لم تعارض المعرفة الفرنسية مباشرة بل احتجب عليها وتجاوزتها بعد أن كانت بادئ الأمر قد حاولت محاكاتها فظهرت إثنولوجيا داخلية 1930 – 1950 مثل س. بوليفة و محمد سوحلة و سليمان رحماني و يمكن إضافة مولود فرعون إلى هذه الفئة التي حاولت بلورة أفكار جديدة تتجاوز النظرة الكولونيالية المتناقضة.

لقد أخذت فكرة التحرير الوطني تتبلور و و ظهرت الدعوات على القطيعة مع هذا المستعمر في الظهور مع تكون الأحزاب السياسية و جمعية العلماء المسلمين  و بهذا تم تجاوز الإثنولوجيا الفرنسية التي استمرت في اجترار الماضوية المقيتة.

و لإعطاء لمحة عن النظرة الفرنسية الكولونيالية تجاه الشعب الجزائري و خاصة الفئة المثقفة منه نسر هنا بعضا مما كتب في تلك الفترة ، يقول André servier “لا يبدو و كأن في مستعمراتنا رأسمال إنساني ذو قيمة عظيمة ، و التي لم نعرف لحد الآن كبفبة الإستفادة منه ، فهذه البقعة و هذا العنصر البشري كانا فيما مضى يمثلان القوة و الغنى … اما الآن فقد أصبح هذا العرق البشري الجد موهوب ، الوديع امام الحضارات الأجنبية و كأنه مخدر أو منوم بل و كأنه انهار تحت وطأة الحضارات الأجنبية”[9]

يقول Gautier  متحدثا عن الشباب الجزائري المثقف المطالب بحقوق الشعب الجزائري : “إن الشباب الجزائري متشبع بالشراسة و الفضاعة ، فاقدين للتوازن و بعيدين عن الطريق الصحيح فلم يعد ينقصهم إلا صفة خطرين و هذا ثمن التسرع في العمل فإعطاء تكوين و تعليم لهؤلاء الحقيرين يجعلهم ينقلبون و ينتقمون منك غدا” و يستشهد بمقولة لحاكم الجزائر M. Tirman و التي يقول فيها ” لقد أثبتت التجربة أننا نلقى العداوة أكثر لدى الأهالي الذين أعطيناهم تكوينا كاملا[10]


[1] –   أنظر ص 30

[2] – أنظر ص 145 نقلا عن َauguste Pomele  من كتابه Les races indigènes de l’Algérie

[3] – أنظر ص 146

[4] – أنظر ص 146

[5] – أنظر ص 153 نقلا عن Joost van Vollenhoven  من كتابه Essai sur le fellah algérien

[6] –  أنظر ص 48

[7] – أنظر ص 49 نقلا عن مجلة Revue Africaine  الصادرة سنة 1940

[8] – أنظر ص 49

[9] – أنظر ص 219 نقلا عن Andre Servier  من كتابه le puil de l’avenir

[10] – أنظر ص 214 نقلا عن Emile Gautier  من كتابه L’Algérie et le métropole

Exit mobile version