موقع أرنتروبوس

عرض عام لكتاب العرق والتاريخ

randh

 لتحميل الكتاب أنقر فوق صورة الغلاف أو انقر هنا

تقديم :

يلخّص هذا العرض أهم طروحات الأنثروبولوجي الفرنسي “كلود ليفي ستروس” (Claude Levi Strauss) ، كما نظمها في كتابه “العرق والتاريخ”(*)، ويستهدف أساساً تقديم الكتاب ، ثم تأسيس محاورات نقدية على طروحاته ، معتمداً على ضرورة النقد للإنتقال إلى فهم أعمق ، وتراكم معرفي ، يسهّل الوصول إلى الحلول ، والتي ما تلبث أن تحتاج إلى النقد أيضاً ، كي لا تتحول إلى أطر تسجننا ضمنها .

 

فيما يلي ، تلخيص لفصول الكتاب ، بالتتابع ، مع العناوين التي وضعها “سـتروس” لها :

 

  1. العرق والثقافة :

لا شيء علمي يسمح بتأكيد التفوق أو الدونية الثقافية لعرق من الأعراق ، وعندما نتحدث عن مسـاهمة الأعراق البشـرية في الحضارة ، فإننا لا نريد القول أن المسـاهمات الثقافية لـ’’آسيا ، أوروبا ، أو أفريقيا‘‘ تتسم بخصوصية معينة ، وإذا كانت هذه الخصوصية موجودة فإنها تعود لظروف جغرافية ، تاريخية ، وإجتماعية ، وليس نتيجة لقابليات متميزة متصلة بالتكوين التشريحي أو الفيزيولوجي . إن التنوع الثقافي إذن ، ليس متصلاً بأية علاقة سببية بالتنوع الموجود على الصعيد البيولوجي بين بعض الجوانب المنظورة للتجمعات البشرية .

  1. تنوع الثقافات :

إن تنوع الثقافات الإنسانية هو في الواقع أكبر بكثير وأغنى من كل ما نحن مهيأون لمعرفته على الإطلاق . وتقدم لنا دراسة اللغة أمثلة واضحة على هذا . كما يجب ألا يدعونا (هذا التنوع) إلى النظر بشكل مجزّأ للثقافات الإنسانية ، فهو نتيجة للعلاقات التي تجمع ما بين الجماعات أكثر مما هو بفعل إنعزالها عن بعضها البعض . فالمجتمعات البشرية ليست أبداً وحيدة ، وعندما تبدو في أقصى درجات الإنفصال ، فإن ذلك يأخذ أيضاً شكل الكتل أو المجموعات (تجمعات الأمريكيين الأصليين في القارة الأمريكية كمثال) .

 

  1. النزعة العرقية (المركزية الإثنية) :

إن الموقف الأكثر قدماً ، يتمثل في الرفض الكامل للأشكال الثقافية (بمعناها الواسع) البعيدة كل البعد عن القيم التي نعتنقها . إننا نرفض القبول بواقعة تنوع الثقافة نفسها ، ونفضل أن نرمي خارج الثقافة (أي خارج الحالة الإنسانية) كل ما لا يتوافق مع القواعد التي نعيش في ظلها : (من هنا مصطلحات مثل : بربري ، وحشي ، بدائي) .

 

  1. الثقافات القديمة والثقافات البدائية :

إن كل مجتمع من وجهة نظره الخاصة ، يمكنه تصنيف الثقافات إلى ثلاثة أنواع هي : الثقافات المعاصرة له ولكن الموجودة في مكان آخر ، والثقافات التي ظهرت في المكان نفسه لكنها سابقة في الزمان ، وأخيراً الثقافات التي وجدت على السواء في زمان سابق وفي مكان مختلف . وهذه المجموعات الثلاثة معروفة بدرجات متفاوتة . إن المجتمعات البشرية إستعملت بدرجة متفاوتة أحد تاريخين : تاريخ إكتسابي يكدّس الإكتشافات والإختراعات ليبني حضارة عظيمة ؛ وتاريخ آخر ، ربما كان بالحيوية ذاتها وواضعاً قيد العمل طاقات مماثلة ، ولكن تنقصه موهبة التركيب التي يتميز بها الأول ، وكل تجديد ، بدل أن يأتي ليضاف إلى تجديدات سابقة ، يذوب فيها .

 

  1. فكرة التقدم :

ليس من السهولة الإعتقاد بتنظيم مظاهر التقدم في سلسلة منتظمة ومتلاحقة ، فالتقدم لا يحصل عبر قفزات أو تحولات فجائية ، وهي لا تعني أبداً الذهاب إلى أبعد في الإتجاه ذاته ، فهي تترافق بتغيرات في الإتجاه أيضاً ، يمكن تشبيه الأمر بحركة الحصان في لعبة الشطرنج (الشكل “L”) .

 

  1. التاريخ الساكن والتاريخ التجميعي :

إننا نعتبر كل ثقافة تتطور في إتجاه مواز لثقافتنا ، ثقافة تجميعية ، أي تلك التي يكون تطورها بالنسبة لنا ذات معنى . في حين تبدو لنا سائر الثقافات سكونية ، ليس بالضرورة لأنها كذلك ، ولكن لأن خط تطورها لا يعني شيئاً لنا . إن تاريخية ثقافة هي هكذا نتيجة الوضع الذي نوجد فيه بالنسبة لها ، ونتيجة عدد وتنوع مصالحنا المرهونة عليها ، وليس نتيجة خصائص ذاتية . وإلى حد بعيد ، يفسَّر التمييز بين ’’الثقافات التي تتحرك‘‘ و’’الثقافات التي لا تتحرك‘‘ ، بذات الفرق الذي يجعل مسافراً في قطار يرى القطارات الأخرى متحركة أو ساكنة . لذا علينا في كل مرة ، نكون مضطرين لوصف ثقافة إنسانية بأنها سكونية ، أن نتساءل عما إذا كان هذا الجمود الظاهر ليس ناتجاً عن الجهل الذي نحن فيه بالنسبة لمنافعها الحقيقية ، بوعي أو بلاوعي ، وإذا لم تكن هذه الثقافة ذات المعايير المختلفة ، ضحية الوهم نفسه ، فيما يتعلق بنا . وبكلام آخر ، نبدو الواحد للآخر مجردين من أية منفعة ، وذلك فقط لأننا لا نتشابه .

 

  1. مكانة الحضارة الغربية :

إن الحضارة الغربية تتجه ، منذ قرن ونصف ، إلى الإنتشار في العالم ، وإن محاولة الثقافات الأخرى في الحفاظ على شيء من إرثها التقليدي ، غير ناجحة ، إذ أن التحولات العميقة التي تتم ، ستقضي عليها .

 

  1. الصدفة والحضارة :

إن الإنسان مدين في التعرف على النار لصدفة الصاعقة ، واختراع الفخار نتج عن نسيان كتلة من الطين قريباً من النار . إن مثل هذه النظرة الساذجة ، تنتج عن جهل كامل لتعقيد وتنوع العمليات المتعلقة بالتقنيات الأكثر بساطة . إن كل جيل يحتاج لكي يتقدم إلى إضافة إدخار ثابت إلى رأس المال الموروث من الأجيال السابقة ، إننا مدينون لهم إذن بتسعة أعشار ثروتنا وربما أكثر . فمن المؤكد إذن أن أية حقبة وأية ثقافة ليست سكونية بشكل مطلق . إن كل تاريخ هو تجميعي إذن ، مع تمايز في الدرجة . لقد حل الفيلسوف الإنكليزي هيوم (David Hume) المشكلة المغلوطة التي يطرحها كثير من الناس عندما يتساءلون “لماذا ليست كل النساء جميلات ، باستثناء قلة قليلة منهن ؟” ، إذ لم يلاق أي عناء في البرهنة على أن السؤال ليس له أي معنى ، فإذا كانت كل النساء على الأقل في مثل جمال الأجمل بينهن ، سنراهن عاديات ، وسنحتفظ بوصفنا للقلة القليلة التي تتجاوز النموذج العام . وكذلك ، عندما نهتم بنمط معين من التقدم نحتفظ بالتقدير للثقافات التي تحققه في أعلى مستوى ، ونبقى غير مبالين أمام الثقافات الأخرى ، وهكذا فإن التقدم ليس أبداً إلا الحد الأقصى من التقدم في إتجاه معد سلفاً بناءً لذوق كل واحد منا .

 

  1. تعاون الثقافات :

لقد توصلت الثقافات لتحقيق أشكال التاريخ الأكثر تجميعية ، هذه الأشكال لم تكن أبداً عمل ثقافات منعزلة ، ولكنه عمل ثقافات كثيرة ، جمعت (إرادياً أو لاإرادياً) أدوارها الخاصة ، عبر وسائل متنوعة . إن التاريخ التجميعي ليس حكراً على بعض الأعراق أو بعض الثقافات ، إنه نتاج سلوكها وليس طبيعتها . إنه يعبر عن نمط وجود معين للثقافات ليس سوى طريقة وجودها مجتمعة ، فالحضارة العالمية ، لا يمكن أن تكون شيئاً آخراً غير تحالف للثقافات التي تحتفظ كل واحدة منها بخصوصيتها .

 

  1. الإتجاه المزدوج للتقدم :

إن كل تقدم ثقافي هو نتيجة للتآلف بين الثقافات ، ويكون أكثر خصوبة بقدر ما يتم بين ثقافات أكثر تنوعاً ، إذ على الناس أن يتعاونوا لكي يتقدموا . إن الإنسانية هي دائماً أسيرة عمليتين متناقضتين : تنـزع إحداهما إلى إقامة التوحيد ، في حين تهدف الأخرى إلى الحفاظ على التنوع أو إلى إعادته . إن التسامح ليس موقفاً تأملياً موزعاً الغفران عما كان ، وعما هو قائم ، إنه موقف حيوي يقضي بالتوقع والفهم والتشجيع لما سيكون أيضاً . إن تنوع الثقافات الإنسـانية ، وراءنا وحولنا وأمامنا ، والطلب الملح الوحيد الذي نستطيع أن ندعو إليه هو أن يتحقق هذا التنوع بأشكال يكون كل واحد منها مساهمة سخية ضمن سخاء الأخرى .

 

  1. من المدهش لأنثروبولوجي كـ”ستروس” ، ينادي بالنسبية الثقافية ، ويتجنب الأحكام القيمية ، أن يتجاهل الدور الذي قامت به الحضارة العربية – الإسلامية ، في التعديل والإضافة والنقل لمجرى الثقافة/الحضارة العالمية العام ، إذ يعتبرها مجرد وسيط سلبي ما بين الإغريق والهنود ، وعصر النهضة الأوروبي !! وهذا يظهر أن فكرة الأنوية الغربية (eurocentrism) التي يدّعي تجاوزها ، ما زالت جزءاً أساسياً من بنيته الذهنية ، ومن إطار الثقافة العام الذي نشأ فيه .

 

  1. تتجه الحضارة الغربية إلى الإنتشار في العالم ، وأي محاولة للثقافات الأخرى في الحفاظ على شيء من إرثها التقليدي ، ستكون غير ناجحة . تحمل هذه العبارة ، الأسس الأولى لتمهيد الطريق للإستعمار . إذ لا داعي لمقاومة التغير الحاصل ، فالحضارة الغربية ستنتشر ، والأفضل الإنطلاق نحوها ومعها ، إذ أن الجمود والحفاظ على التراث ، أمر عقيم غير مجدٍ . ونقد هذه الأطروحة يتمثل في كون التبدل والتغير أسساً ثابتة ومطلقة ، مما يشير ضمناً ، إلى تبدل واقع الحضارة الغربية إلى آخر ، تبعاً لعوامل عديدة . فالمطلق هو التغير ، وليس ثبات الغرب في مركزه . لذا ليس مجدٍ فقط ، بل من الضروري والواجب ، الحفاظ على التراث ، للإبقاء على التنوع ! كما للإنطلاق منه في مواجهة الغزو الإستعماري !

 

إن ما أبتغيه من المحاورة السابقة ، ليس تفنيد كامل طروحاته ، وبالطبع ليس إظهار البراعة النقدية ، لكن التجرأ عليها فقط ، إذ بذلك ، تقع كل الطروحات تحت خانة الشك المنهجي ، والنقد العقلاني ، فيتيسر عندها إنتاج المعرفة .

إذن ، إذا لم ينتج مما سبق تعزيز الفكر النقدي عند القارئ ، فهو لن يساوي شيئاً ، وهو لا بد أن يكون جزءاً من متصل أكبر ، يطال التشكيل المعرفي له ، ويؤسّس لإعلاء حس الشك النقدي تجاه حياته وظواهرها وأنساقها …

إذ لا علم دون شك ونقد ، وبدونهما ، لا يمكن للتراكم المعرفي أن يحصل ، وبالتالي سيبقى بناؤنا الحضاري مقتصراً على الإستهلاك لا الإنتاج !

(*) كلود ليفي ستروس ، العرق والتاريخ ، ترجمة : سليم حداد ، بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع (مجد) ، ط 2 ، 1988 .

Exit mobile version