صورة المرأة في المثل الشعبي المغربي
نادية بوطاهر – المغرب
الثقافة الشعبية الشفوية:
مما لا شك فيه أننا نقصد بالثقافة الشعبية الشفوية كل الأشكال التعبيرية المنطوقة والتي تحتفظ بها الذاكرة الشعبية الجماعية وتشتمل هذه الثقافة على الحكايات، الخرافات، الأساطير و الحكم والأمثال الشعبية وغيرها من فنون القول الأخرى.
وقد كثر في الآونة الأخيرة الإهتمام بالموروث الشعبي الشفهي والإنكباب على دراسته وإعطائه حقه من البحث والتمحيص والتجميع من طرف مجموعة من الباحثين على الخصوص ويعود هذا الإهتمام لكون هذا الموروث كاد أن يندثر، بموت السلف، خصوصا ماهو غير مدون و مكتوب، وقد بدأ الإهتمام بالموروث الشفهي يتزايد بعد فترة الإستقلال نتيجة الإنفتاح على العلوم الإنسانية كعلم الإجتماع و الأنتربولوجيا وغيرهما …
والغرض من هذه الإلتفاتة هو رد الإعتبار لهذا الموروث الشعبي الثقافي الذي لا يتجزأ عن الثقافة المغربية باعتباره رافدا مهما من روافد الهوية المغربية العربية.
ثم يأتي الإنفتاح أيضا من أجل فهم ذواتنا وعلاقتها داخل إطار المجتمع على اعتبار أن المتغير الثقافي متحكم في متغيرات واقعنا وخاصة ما يرتبط بالثقافة الشعبية.
ومن المواضيع التي استأثرت باهتمام الباحثين نجد المثل الشعبي المغربي الذي يعالج قضايا اجتماعية متنوعة بالدارجة المغربية ويعود البحث فيه لعدة أسباب أهمها: أنه سريع الإنتشار بين جميع الفئات الإجتماعية ، وتغلب عيه روح الفكاهة والخفة والظرف وهذا من الأسباب التي تساعد على انتشاره وسرعة تداوله ، فالإنسان بطبعه يميل إلى ماهو مختصر ومفيد، ثم لسهولة حفظه وفهمه ولقصر ألفاظه وكبر حمولته، ثم لكونه يمثل حكمة الإنسان القديم مما يجعله مقدسا نوعا ما.
ومن الباحثين الذين انصبوا على جمع وتدوين الأمثال المغربية نجد محمد بن احمد اشماعو الذي ألف كتاب أسماه “مائة والف مثل من الامثال الشعبية المغربية” جمع فيه مجموعة غير قليلة من الأمثال الشعبية المغربية وصل عددها إلى ألف ومائة مثل مرفقة بالشرح والتعليق، وبعد اطلاعي على هذا الكتاب إرتأيت الوقوف عند الأمثال الشعبية المغربية التي ترصد صورة المرأة في جميع حالاتها الإجتماعية وربما هذا الإهتمام الغرض منه رد الإعتبار نوعا ما للمرأة المغربية والنهوض بأوضاعها ليس فقط من الجانب القانوني والسياسي والإقتصادي بل أيضا من الجانب الفكري من خلال استبدال نظرة المجتمع النمطية للمرأة واستبدالها بنظرة جديدة تعيد للمرأة اعتبارها و مكانتها داخل المجتمع بعيدا عن نظرة الإقصاء والتهميش وفي منأًًعن التفرقة بينها وبين الجنس الآخر) الرجل).
ومن خلال الإطلاع على الأمثال التي تناولت مواضيع المرأة في كتاب اشماعو نجد أن صورة المرأة في الموروث الشعبي تتراوح بين صورة الإستحسان وصورة الإستقباح عموما وذلك حسب الحالة الإجتماعية: الفتاة البكر، المرأة المتزوجة، المرأة المطلقة ، المرأة العانس، ثم المرأة الحكيمة المدبرة و المرأة الجميلة والذميمة.
صورة المرأة قبل الزواج:
قد ينظرللمرأة نظرة إيجابية وقد يكون العكس تماما، وهنا نجد المثل يرسم صورة متناقضة عن البنت في بيت أهلها فتارة يقال ” البنات عمارة الدار” دلالة على على أن الفتاة عادة ما تحمل أعباء البيت ومسؤولية الأشغال المنزلية وفي بعض الأحيان تساعد الأم في تربية الإخوة فتوكَل لها المسؤولية بالرغم من صغر سنها عكس الولد الذي ينشغل باللعب مع رفاقه خارج البيت.
و يدعم هذا الرأي المثل القائل “البنت شريكة مها” لتكون الأم مكمن أسرار الفتاة كما تبوح الأم بأسرارها إلى الفتاة في حين يبقى الرجل عموما بعيدا عن هذه الشراكة.
في المقابل تبقى البنت رغم ما تتحمله من مسؤولية مصدر مشاكل للأسر “البنات هم حتى للممات” في دلالة على أن الفتاة تبقى عبئا ثقيلا تحمله الأسرة على عاتقها إلى الممات، ” البنت لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف” تبقى النزعة الذكورة السائدة في المجتمع طاغية على الأمثال الشعبية المغربية حيث يدعو هذا المثل إلى منع الفتاة من التعلم وخروجها من البيت مع فرض السيطرة المطلقة عليها حتى لا تنحرف أو لا تعرف أشياء ربما يخشى الرجل أن تنافسه فيها.
وللتشديد على هذا الرأي نجدهم يقولون “المرا ليها جوج خرجات للولا لدار راجلها والثانية للقبر” تكشف العقلية الذكورة في هذا المثل على الرغبة السافرة في التملك ، فالفتاة قبل الزواج تكون تحت إمرة الأب وبعده يتسلم السلطة الزوج في إشارة إلى الحد من حريتها واستقلالها وكأن المرأة لا تستقيم أمورها إلا إذا كانت تابعة لسلطة ذكورية متجبرة متسلطة ، وفيه كذلك إشارة واضحة على احتكار الشارع من قبل الرجل وحيث لا يقبل منافسة المرأة في هذا الفضاء، أما الخرجة الثانية فتكون إلى القبر وهي الأخيرة طبعا.
صورة المرأة العانس:
لم أجد كثير من الأمثال عند محمد بن احمد شماعو حول موضوع العنونسة ما عدا هذا المثل الذي له دلالة إيجابية نوعا ما ” البنت يلا بارت على سعدها دارت” بمعنى إن تأخرت المرأة في الزواج قد يكون هناك رجل شهم بانتظارها سيتزوجها ويجعلها تعيش سعيدة مطمئنة البال.
ونادرا ما تفضل العنوسة على الزواج “بقاي فدار ولا زواج العار” .
صورة المرأة المتزوجة:
تتعدد صور المرأة المتزوجة داخل الأمثال الشعبية المغربية بتنوع وضعياتها داخل مؤسسة الزواج بين المرأة العروس، المرأة الأم، المرأة المدبرة، و دور المرأة في حياة الرجل،المرأة بعد فشل الزواج، ثم علاقة المرأة بالمرأة.
تتراوح صورة المرأة داخل مؤسسة الزواج بين الإستقباح والإستحسان بين الرضى وعدم الرضى على ما تقوم به بالرغم من أن اشماعو لم يتطرق إلى موضوع المرأة العروس إلا من خلال مثل واحد وهو” قالت العروسة لمها : “كاع بكاو ومشاو” والمقصود أن العروسة ليلة زفافها تبكي على فراق أهلها وعشيرتها ولكنها في نهاية المطاف تذهب إلى بيت زوج، عندما رأت أم العروسة ابنتها تبكي ليلة الزفاف صاحت فيهم اتروكوا لي ابنتي فكان جواب كما رأينا.
وتبقى المرأة الأم حاضرة بقوة في المثل الشعبي لما لها من دور و قوة في تربية الأبناء والعناية بهم بالرغم من كل الإكراهات التي قد تعترضها ” يلا مات الأب توسد الركبة ويلا ماتت الأم توسد العتبة” في إشارة واضحة إلى التضحية التي تقوم بها الام عند فقدان الأب حيث المرأة تضحي بسعادتها وترفض الزواج من رجل آخر حتى لا يضيع الأبناء عكس ما يفعل الأب بعد موت الأم.
وتبقى الأم هي مصدر التربية الصحيحة و الصالحة للأبناء “ العنقود الكبير من ديك الدالية المخدومة” أي أن كل ابن تربى تربية حسنة إلا وكان نتيجة للتوجيه الصائب للأم.
“يلا خفات عليك البنت فدار شوف خاها فزنقة” جرت العادة قديما أن تلزم المرأة البيت ولا تخرج منه إلا لسبب قاهر وجرت العادة كذلك أن يسأل عن سيرة الفتاة و أخلاقها قبل الزواج بها لكن إن تعذر ذلك لكونها لا تخرج من البيت فما على الأسرة سوى النظر في أخلاق أخوها في الخارج ليطلعهم على حال التربية أهي هي حميدة أم العكس. و “قلب القدرة على فمها تشبه البنت لمها” أي أنظر إلى أخلاق الأم لتطٌلع على أخلاق ابنتها.
“الكرش كتولد الصباغ والدباغ” بمعنى أن المرأة تلد من بطن واحدة إخوة مختلفين في الطباع والميولات والألوان والبشرات.
مما لاشك فيه أن المجتمع يعترف ضمنيا بالدور الأساس الذي تقوم به المرأة داخل الأسرة وهو دور التدبير والصبر ومشاركة الرجل في الشدائد حيث تبدأ الدعوة في البداية للزواج بذات الحكمة والصبر وصاحبة الرأي السديد حتى تكون سندا للرجل في الحياة “الحرة يلا صبرات دارها عمرات” اي المرأة الصبورة التي تلازم الرجل في الشدائد لا بد أن تنال الحضوة في الأخير لكونها لا تغادر بيتها مهما حصل.
فيحين هناك من يرى أن وجود المرأة في البيت هو مكسب للرجل حتى وإن كانت ساذجة ضئيلة الفهم لا تتقن فن التدبير “مولات الدار عمارة ولو كانت حمارة” .
ولم يقتصر السلف على الدعوة إلى ارتباط المرأة بالرجل وتضحيتها معه والوقوف بجانبه في المواقف الشديدة فقط بل نجدهم يتعدون ذلك إلى ما هو أشمل و أعمق حيث المرأة لا يحق لها التزين أو الخروج أو الفرح في غياب الزوج أو سفره حتى يعود من خلال هذا المثل: “هذي من لغرايب المرا محكلة والراجل غايب.
افتتان الرجل بالجمال الأنثوي طبيعة بشرية وقد يمنح له بعدا دينيا يفسر به هذا الوله: “الزين حبو ربي”، في دعوة للزواج بالمرأة الجميلة ذات الحضور القوي بين بنات جلدها و “فلان تزوج مرا همة وشان”، ونجد أن حسن المرأة مطلوب في الزواج فالافتتان الاول بالمرأة يكون بجمالها حيث لا يخلو المثل الشعبي من ذم للمرأة القبيحة “للا زينة وزادها نور الحمام” وأيضا في مثل آخر “لا زين لا مجي بكر” لكن في بعض الأحيان لا يطلب الجمال الفتان في المرأة على أن تكون مقبولة شكلا و تحسن فن الحديث والمؤانسة “خنيفيسة تْوَنَس حسن من غزالة تْهَوْس”.
أما المرأة التي تفتقر إلى معطيات الجمال و الرشاقة فالأولى بها أن تؤسس للرجل سبل الراحة النفسية من خلال توجيه إشعاعها الجمالي لخدمة بيتها “لي ماقدرات تكون نجمة فسما تكون شمعة فدار”.
المرأة بعد فشل الزواج:
ينظر للمرأة نظرة سلبية بعد الطلاق لكون المجتمع لا يرى في المطلقة سوى أنها لم تحسن التعامل مع الزوج وأنها لم تستطع الحفاظ على أسرار بيتها وزوجها ومن هنا تصبح نهاية الزواج هي نهاية المرأة أو بمعنى آخر هو موت رمزي لها فلا تستحب في الزواج مرة أخرى لكون جسد المراة يفسد بمجرد الزواج الأول ” لحم الهجالة مسوس وخا يديرولو الملحة” هذه النظرة الدونية ترغم المرأة على العيش داخل مؤسسة الزواج بالرغم من كل الإكراهات التي تتعرض لها حتى لا تصبح منبوذة داخل مجتمع لا يرحم المطلقة وكأن المرأة حكم عليها أن تعيش في كنف زوج حتى وإن كان ليس أهلا لتحمل المسؤولية على غرار المثل القائل: “الرجل حرمة ولو كان عَرْمة”.
علاقة المرأة بالمرأة في المثل الشعبي:
بالرغم من المكانة التى منحها الإسلام للمرأة مازلت المجتمعات العربية تقلل من شأنها حتى وقتنا الحالي، فما زالت المرأة تعانى من التخلف ، والظلم الاجتماعى سواء من الرجل أو من العادات والتقاليد أو من المرأة نفسها، وقد نستغرب إذا وجدنا المرأة لها دور مهم في المعاناة التي تعيشها وذلك بتكريس مجموعة من المواقف الخاطئة سواء في علاقتها بالرجل أو في علاقتها بغيرها من النساء.
ولعل ما تقدمه الأمثال الشعبية من صور التمييز بين المرأة وبنات جنسها أقرب دليل على علاقة المرأة بغيرها حيث نجد مجموعة من الأمثال الشعبية التى تجرى على ألسنة النساء بشكـل خاص، ونادرا ما نسمعها من الرجال، وهىي تكرس دونية المرأة وتقلل من شأنها بناءً على الثقافة السائدة فى المجتمعات العربية والتى تعلي من قيمة الرجل وتميز بينه وبين المرأة وسنجد أن معظم هذه الأمثال مغرضة وضعت بهدف أن تظل المرأة فى مكانة متدنية .
“العكوزة يلا مادوات تهز راسها” و “اللوسة سوسة” أي أنها تنخر في العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته حتى تحدث الخلاف بينهما من باب الكيد والحيلة عند المرأة، “عفاك اوليدي خلي عيشة تمشي لدارهم” المثل يشير إلى دسائس والدة الزوج و مكرها وهي تطلب من ابنها جهرا أن يأذن لزوجته بزيارة أهلها في حين هناك إشارة خفية بالأصبع تقول لا تتركها تذهب.
و تحمل هذه الأمثال العديد من تصورات التي تتحيز ضد المرأة ، والذي يفسره البعض على أنه جاء نتيجة لعدم الوعي والجهل و الضعف أمام الرجل، والخوف من الطلاق… وغيرها.
خلاصة القول بعد اطلاعنا على الأمثال الشعبية يمكننا القول بمدى التنوع والاختلاف والتعدد الذي تمتاز به في موضوع المرأة إلى درجة يصعب فيها الوقوف على رأي واحد فبقدر ما نجد أمثالا تمجد المرأة وترفع من شأنها، نجد أمثالا أخرى تحط من مكانتها وتقلل من قيمتها، حتى أننا قد نصادف أحيانا تعايش التناقض في المثل الواحد “الخير مرا والشر مرا” ، “الربح من لمرا والزلط من لمرا”،” مرا تعليك ومرا تعريك”. وتعكس هذه الأمثال النظرة المتناقضة التي يحملها المجتمع تجاه المرأة، فهي موضوع للرغبة وموضوع للرهبة موضوع للفشل و موضوع للنجاح في الآن نفسه.