سعيد المصرى: «كنت طفلًا قبطيًا» يعيد مجد الكتابة الأنثروبولوجية
قال الدكتور سعيد المصري٬ أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة٬ خلال حفل توقيع ومناقشة كتاب «كنت طفلًا قبطيًا في المنيا»، والصادر عن مؤسسة مجاز الثقافية للكاتب عادل جيد٬ والذي أقيم بجزويت القاهرة: «هناك ندرة شديدة في الكتابة الجادة حول المجتمع القبطي في مصر٬خاصة فيما يتعلق بالقضايا
والمشكلات الاجتماعية وأساليب الحياة السائدة بين مختلف فئات الأقباط، وهناك إحجام لافت عن البحث والكتابة في هذه الموضوعات من جانب المشتغلين بالعلوم الاجتماعية وبالأخص المتخصصين في علم الاجتماع٬ باستثناءات قليلة، والإحجام يشمل الباحثين والكتاب المسلمين والمسيحيين علي السواء».
وأضاف: «ولا ندري هل يعد ذلك جزءًا من سياسة عامة تميل نحو عدم الخوض في مشكلات الأقليات تفاديًا لأي سوء فهم يتم تأويله من منظور طائفي؟ أم هو إهمال متعمد من الأجندة السائدة للاهتمامات العلمية والفكرية والثقافية لأسباب تتعلق بالتهميش الثقافي؟، وقد يكون السبب راجعًا إلي الأقباط أنفسهم٬ على اعتبار أن الأقليات في كثير من المجتمعات تميل في الغالب إلى الانكفاء على الذات وعدم إتاحة فرص التواصل مع العالم خارجها٬ وهذا بالتأكيد لا ينطبق علي الحالة المصرية٬ ذلك أن الأقباط ليسوا جماعة منغلقة٬ بل هم منفتحون علي المجتمع المصري اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا٬ ولا يفصلهم عن المسلمين سوى جوانب محددة من العقيدة الدينية».
وأضاف المصري: «ومع ذلك هناك قواسم مشتركة في كثير من جوانب نسق المعتقدات الدينية بين المسيحية واليهودية والإسلام٬ باعتبارها ديانات سماوية كبري، ورغم ذلك فإن ما يسترعي الإنتباه أن الأقباط محجوبون عن الأنظار٬ ليس فقط من حيث الكتابات عنهم٬ وإنما أيضًا من خلال التناول الإعلامي لقضاياهم وهمومهم الاجتماعية٬ ولقد ترتب علي ذلك سوء فهم حول حياتهم وثقافتهم من واقع التصورات السائدة لدى فئات كثيرة من المسلمين في مصر».
وتابع: «بطبيعة الحال٬ فإن سوء الفهم يمثل بيئة خصبة لنمو التطرف والتعصب والعنصرية الثقافية فيما بين المسلمين والمسيحيين٬ كما أن سوء الفهم عن جهل أو وعي٬ يولد مشاعر من النفور المتبادل ويعمق الانقسام الاجتماعي علي أساس ديني».
أما عن الكتاب فقال المصري: «يتحدث المؤلف عن القواسم المشتركة الثقافية بين الأقباط والمسلمين عن وعي علمي دقيق من واقع دراسته لعلم الأنثروبولوجيا الثقافية٬ كما أنه بوصفه قبطيًا لم يرغب بأن يقدم نفسه ككاتب قبطي٬ وإنما هو كاتب مصري ولد في أسرة قبطية من الطبقة المتوسطة في المنيا٬ وعاش طفولته حياة قبطية يستخلص منها شواهد وأحداثًا وممارسات شتى بقدر كبير من التشابهات الثقافية بين المسلمين والأقباط، وهذا ما يضع الكتاب في مصاف النصوص الإثنوجرافية الدقيقة التي يكتبها غير المتخصصين في علم الأنثروبولوجيا الثقافية».
واختتم المصري مؤكدا على أن: «كتاب كنت طفلًا قبطيًا في المنيا٬ كتاب مهم تميز بالعمق والدقة وسلاسة التعبير٬ لكي يرقي بأن يكون كتابًا في الأنثروبولوجيا موجهًا للقارئ العام غير المتخصص٬ وهذه تجربة فريدة تعيد إلي أذهاننا مجد الكتابة الأنثروبولوجية من خارج أهل التخصص الأكاديمي، وهذا يذكرنا بشغف الرحالة والمسافرين والسائحين والمكتشفين والمستشرقين الذين اقتربوا من نبض الناس وتعلموا لغتهم واندمجوا في حياتهم٬ وامتلكوا الحساسية الفائقة في فهم ثقافتهم٬ وأنتجوا نصوصا مهمة كانت جزءًا من تاريخ علم الأنثروبولوجيا الثقافية».