أ.حيثامة العيد
جامعة جيجل / الجزائر
تمهيد
لقد عرفت جل الشعوب فترات صعبة بل عدة مآسي في حياتها منها من نجى من هذه المآسي وهي الأكثرية التي تغلب عندها الحكمة بدل الحقد و الثأر فضلا عن قوة قدرتها على العفو و العرب قديما قالت ” أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ” وتمكنت بذلك من تجنب خلق محيط لمأساة جديدة في حين بقيت المجتمعات التي تنعدم عندها الشجاعة و الحكمة مجتمعات منهارة على طول الخط,لقد عاشت العديد من البلدان أزمات و خلافات داخلية حادة كادت أن تؤدي إلي زوالها لولا اللجوء إلى عقد لقاءات ومؤتمرات وطنية منها ما سميت بالوفاق الوطني و منها ما سميت بالمصالحة الوطنية ونذكر منها على سبيل المثال بعض النماذج فالحالة اللبنانية مثلا لما اندلعت بها الحرب الأهلية عام1975 تركت أثارا خطيرة منها مئات آلاف القتلى و الجرحى و المعطوبين وعلى اثر ذلك تم التفكير في المصلحة الوطنية من خلال اتخاذ تدابير ملموسة تمكنت في حل الفصائل و تسوية الطوائف المدنية ) إزالة الفروق بين المسلمين و المسحيين( فخلف ذلك الجو كثير من ثقافة التسامح و الثقة مما مهد إلي انتخابات عامة انبثقت منها شرعية وطنية لها صدى دولي وهكذا انتهت الأزمة سنة 1990 وهناك كذلك الحالة الشيلية حيث أن الانقلاب الذي أطاح بالرئيس أليندي عام 1973 أدى إلى اللاأمن وشيوع الفوضى و الفقر و التعسف فالرئيس بينوشي الذي قاد الانقلاب فجر المجتمع الشيلي إلى غاية زعزعته فتولت أحزاب الائتلاف سدة الحكم ونصبت الرئيس ادوار فراي الذي فكر في زرع الهدنة وفرض المساواة والأمن والعدل ودعى إلى مصالحة وطنية لإزالة الحقد وتذليل العقبات التي كانت تعترض البلاد لتحقيق السلم والاستقرار السياسي و النمو الاقتصادي فأنشأ ما يسمى بالتشاور الديمقراطي وشاركت فيه الأحزاب مما أدى إلى الاستقرار السياسي والانفتاح الديمقراطي وهناك حالة أخرى في جنوب إفريقيا حيث كان النظام بها يتميز بسياسة التمييز العنصري منذ عقود طويلة ) الابارتيد( فعرفت البلاد اضطرابات يومية و اشتباكات بين حكومة ” بوتا” والمعارضين السود خاصة التابعين للمؤتمر الوطني الإفريقي الذي كان يرأسه ” أوليفرتومبو” عندما كان نيلسون مانديلا في السجن ونظرا لاستمرار الكفاح المسلح الذي كان يخوضه المؤتمر الوطني الإفريقي بزعامة مانديلا تم إنشاء الجبهة الوطنية الموحدة ثم التفكير في تأسيس مجتمع متعدد الأجناس مبنى على مبدأ ديمقراطي شعاره ” رجل واحد في سبيل واحد” فحاول ” بوتا” أن يقايض اطلاق مانديلا مقابل تخلي المؤتمر الوطني الإفريقي عن الكفاح المسلح وبعد استقالة ” بوتا”في 1989 شرع ” فريد يريك دوكليرك” في انتهاج سياسة مصالحة وطنية فحضي بدعم من الحزب الوطني الذي رأى أن نظام الأبارتيد أصبح يشكل عائقا يحول دون التنمية الاقتصادية للبلاد ومن ثمة شرعت جنوب إفريقيا في انتخابات رئاسية تم بموجبها انتخاب مانديلا رئيسا للبلاد فاستقرت الأوضاع على جميع المستويات والجزائر ليست بمنأى عن هذا العالم فقد عرفت هي الأخرى المصالحة الوطنية التي تتعامل مع جذور المشكلات والقضايا وتقوم على إدراك حقيقي لطبيعة المصالح الوطنية وتعترف بالحاجات() والضرورات الجوهرية للتوجهات الإيديولوجية لأصناف المجتمع إن >> عملية التصالح هي تفاعل بين طرفين أو عدة أطراف لابد أن تكون على اقتناع وإدراك كاملين بضرورة وخطورة الوضع من دونه ومن ثم تدفع إليه دفعا ليس من خلال القومي العاطفي أو لتحقيق فعالية سياسية وقتية أم لخلق أحداث تكسر رتابة واقع رث وإنما من خلال إدراك لطبيعة المصلحة<< ().
فالمصالحة الوطنية نتيجة حتمية تمر بها كل دولة سبق لها أن عاشت خلافات أو نزاعات سواء بينها وبين مواطنيها أو بين عناصر قادتها ويكون فك النزاع أو الخلاف بإشراك جميع الفاعلين السياسيين مع إمكانية إزالة أثار نشوب النزاع أو الخلاف, إن السلطة خلقت حالة صراع كامن أو معلن بينها وبين المجتمع حالة الافتراق الطبيعي بينهما تتطلب مبادرات سليمة للوفاق قائمة على إعادة المهمش و المنفي و المبعد و الممنوع إلى الحياة السياسية و المدنية لقد كانت تجربة العفو الشامل في الجزائر فكرة جريئة حاولت فيه السلطة و الأحزاب السياسية و المجتمع المدني إلى العودة إلى حالة السلم و الاستمرار في نهج تشييد الصرح الوطني فبالرغم من أن فكرة المصالحة طغت على الانشغالات الأخرى للطبقة السياسية إلا أنها كمفهوم عملي لا زال يكتنفه بعض الغموض فالمصالحة تعني إعادة ترتيب قوى المجتمع و فرزها و إعادة اصطفاف غالبيتها المطلقة إلى جانب النظام الاجتماعية فهي لا تعني الملاحقة و التصفية الثأرية حسب الهوية أو الانتماء و بذلك تكون رؤية إعادة التوازن الوطني و إيقاف مسلسل التصفيات الدموية وعمليات الاختطاف وطلب الفدية وغيرها كثير فالمصالحة الوطنية أم الوئام المدني هو كما ورد في نص الرسالة التي بعث بها بوتفليقة إلي المشاركين في الملتقى الوطني حول مسيرة قيادات الولاية التاريخية الخامسة إحياء ذكرى استشهاد العقيد لطفي بالجزائر في 2000 -03 -28 >> …فالوئام ليس مجرد حملة مؤقتة و السلم الذي نرتجيه ليس مجرد هدنة إنما هو بناء مرصوص لطي مرحلة قاتمة من تاريخنا وولوج مرحلة ما بعد الإرهاب والدمار مرحلة تجاوز الرؤية الاستئصالية و الانعزالية و اليأس المستفحل في قلوب شبابنا إلى و الاعتزاز بالذات وممارسة الوعي بشرف الحياة واستنهاض الضمير و التنافس مع الأمم على الخير و العلم والإبداع () فالجزائر سارت على نهج العفو و التسامح فمن قانون الرحمة إلى إعلان الهدنة و الوئام المدني ثم إلى العفو الشامل الذي رقي لفظا إلى ميثاق السلم و المصالحة وهو نسخة معدلة من قانون الوئام المدني (*) والذي ورد في مضامينه ردود أفعال متبانية بين مؤيد و معارض و متحفظ نظرا لمحتواه وإدراجه لكثير من الاستثناءات أهمها ما جاء في البند الثالث من باب -الإجراءات الرامية إلي تعزيز المصالحة الوطنية-حيث نقرأ ما يلي >> إن الشعب الجزائري وان كان مستعدا للصفح ليس بوسعه أن ينسى العواقب المأساوية التي جناها عليه العبث بتعاليم الإسلام دين الدولة …<<() هذا البند يحمل ضمنيا إدانة مطلقة لقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ واتهامهم بتهمة العبث بتعاليم الإسلام كما يقرر هذا البند بصريح العبارة إلى منع هؤلاء ممارسة أي نشاط سياسي إن تحديد المسؤولية عن المأساة الوطنية ليس من باب معرفة المذنب وتأديبه بما يستحقه ولكن من باب تجنيب السلطة والمجتمع الوقوع في نفس الأخطاء و السلوك السابقة وإذا كان نص الميثاق الذي جرم طرفا واحدا و حمله كامل المسؤولية قد برأ ساحة السلطة ونفى عنها أية مسؤولية عن السبب في ظاهرة المفقودين وان نص الميثاق يعالج بعض أثار المأساة ولكنه في المقابل يتجاهل بعض الأسباب المؤدية إلى الأزمة و يثبت الإقصاء السياسي لعدم رد الاعتبار للفيس هذا السبب الرئيس للازمة خاصة إذا علمنا أن فاتورة الأزمة كانت حسب أرقام رسمية وغير رسمية ترى أنها فاقت 200 ألف قتيل فضلا عن قرى مدمرة و مدارس محروقة واقتصاد مخرب و دوائر و بلديات مهدمة ومستشفيات متضررة وحسب مصادر إعلامية فان >> قطاع التربية عرف 900 عملية تخريبية مخلفة خسائر ب 3 ملايير دينار 706 عملية تخريب مست الاقتصاد و 700 عملية مست منشآت إدارية ) 6ملايير دينار ( قطاع الصحة 395 عملية بتكلفة 500 مليون دينار و1500 عملية مست مناطق طاقوية وكل هذا أخضعت له الدولة أكثر من 23 مليار دينار لإصلاح وإعادة تهيئة ما تم تخريبه() لقد كانت العمليات الإرهابية و مجازر اليومية سببا كفيلا للتيار. الموصوف بالاستئصالي لرفضه عقد روما أو ما يعرف بمجموعة سانت ايجيديو () ورفضها كذلك لمطالب اللقاء الرباعي وفكرة الحوار مع الإرهابيين مما دفع هذا التيار الاستئصالي إلى الاستمرار في منطق اقتلاع ” آفة الإرهاب ” من جذورها و قطع الطريق أمام أي مناورة تتموه في زى هدنة مقنعة تتوج بإعادة تركيب أشلاء الفيس المحل قصد العودة للنشاط السياسي تحت تسمية أخري وقد كان رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك سباقا إلى توضيح معالم هذه الصورة أثناء مناسبة جنائزية عندما توعد المسلحين و” عرابيهم” بأنه قد آن الأوان ليغير الخوف موقعه وقد كانت العملية الضخمة التي قادتها وحدات الجيش الوطني الشعبي في 1995 ضد موقع كان سيضم اجتماعا تاريخيا لقادة الجماعات المسلحة بعين الدفلى والذي أوقع المئات من القتلى من صفوف الإرهابيين مناسبة لتعزيز هذا الطرح و الاستمرار على هذا النهج قصد إضعاف الآلة الدعائية لمجموعة سانت ايجيديو و بدورهم فان أمراء الجيا حرصوا من خلال بياناتهم على رفض أي مبادرة سياسية تهدف إلى الهدنة أو وقف القتال والدخول في مسار الحوار () بل هددت بالتصفية الجسدية (2) التي مست العديد من العناصر المسلحة التي حاولت التجاوب مع مبادرات الرحمة التي أطلقتها السلطة في عهد اليمين زروال وبقدر ما كان رفض أغلب كتائب الجماعات الإسلامية المسلحة لدخول في مسار الرحمة موجها بالأساس إلى السلطة السكرية و المدنية فانه كان إشارة واضحة باتجاه أنصار المصالحة ولمن كانوا يراهنون داخل السلطة أو خارجها على إمكانية أن تحدث النجاحات الميدانية لقوات الأمن و تؤدي ببقايا المسلحين إلي إلقاء السلاح و الاستفادة من تدابير قانونية مخفضة ومن عدم المتابعة القضائية قبل فوات الأوان غير أن الأمن دفع بالسلطة مرة أخرى إلى فتح ملف الحوار من أجل محاولات تخصيص الشرعية المهتزة و قد أدى هذا الانفتاح الرسمي نحو التيار الإسلامي مما دفع برضا الملك إلى تقديم استقالته في 11 أفريل 1994 معلنا تخوفاته من هذا المسعى وداعيا بالمقابل إلي تشديد الحرب ضد الجماعات المسلحة “ولقد ظهرت مبادرة أخرى للمصالحة مشابهة للندوة الوطنية التي انعقدت بالجزائر يومي 25و 26 جانفي 1993 حيث أنه بعد أيام قلائل من تعيين مقداد سيفي على رأس الحكومة 11/04/1994 أعلن رئيس الدولة في 27 مارس من نفس السنة في إدارة حكومته الجديدة في مواصلة حوار دون اقتصاء و دون ضغوط وتعهد بالتزام الجيش احترام قرارات القيادة السياسية و ضمان نجاح الحوار (3) و لما تبين للرئيس زروال بأن إشراك قادة الفيس في مسار التسوية أمر لا معنى له خاصة لما تبين له أن هؤلاء القادة هم أنفسهم يشجعون الإرهاب مستدل بالرسالة التي بعث بها علي بن الحاج الرجل الثاني في الفيس إلي شريف قوسمي أمير الجيا الذي سقط ميتا في كمين لقوات الأمن الجزائرية . لهذا أعلن زروال عن فشل الحوار ودعى إلى انتخابات رئاسية قبل نهاية 1995 و تعهد بالعمل من أجل اقتلاع آفة الإرهاب و العنف لهذا كان” نظام زروال قد فقد فرصة كبيرة لتوجه الدعم الشعبي نحو المصالحة والتسوية السياسية للازمة”(4) على تعبير حد وليام كاند وقد كان لمجيء الرئيس بوتفليقة في أفريل 1999 بداية لمرحلة جديدة تميزت بالتراجع المحسوس للعمليات المسلحة نتيجة لثلاثة عوامل أساسية هما نجاعة العمل الاستخباراتي لقوات الأمن و المخابرات من جهة وخطة الاحتواء المزدوج التي شرع فيها منذ عهد الرئيس زروال بفتح باب التوبة لأفراد الجماعات المسلحة من جهة ثانية والنزيف الحاد داخل هذه الجماعات نظرا لكثرة الانشقاقات و التصفيات الجسدية من جهة ثالثة هذه العوامل الثالث الرئيسية و عوامل أخرى ثانوية مهدت الطريق للرئيس بوتفليقة لوضع لمساته الأخيرة لاستكمال مشروع الوئام المدني وقد حاول فيه تقديم خطاب ناعم باتجاه الإسلاميين في محاولة منه لاستمالتهم إلي قبول هذا المشروع خاصة وانه مشروع ميداني فقام بتغييرات هامة على قيادة الجيش الوطني الشعبي حيث قام باستبعاد كل من الفريق محمد العماري من على رأس هيئة الأركان و اللواء فضيل شريف من المنطقة الجهوية الأولى و اللواء محمد تواتي وغيرهم واستبدلهم بضباط سامين رقاهم إلى صف اللواء بعد أن كانوا في صف ) الجنرال أو العقيد( كما تعهد بمواصلة الدرب الذي بدأه زروال ولكن بأشد حرص و اصدق نية و أخلص عهد مهما كانت الظروف حيث يقول بوتفليقة في كلمة اختتام المهرجان العالمي الخامس عشر للشباب والطالبة بالجزائر في 16-08-2001 مايلي ” قد يكون الإرهاب بالسكين …. وقد يكون الإرهاب بالقلم… مهما كانت نوعية الإرهاب تتم المصالحة الوطنية بالحوار الحضاري بين هؤلاء و هؤلاء و الاعتراف بالأخر مهم اختلفت آراؤه معنا ” () فالمصالحة تهدف بكل أبعادها إلى بناء دولة تتطلع إلى مستقبل يسوده الأمن و الاستقرار على جميع المستويات من الجهوي و الوطني إلى الإقليمي و العربي إلى الدولي والعالمي.
لقد تضمن نص الميثاق من أجل السلم و المصالحة الوطنية الذي وافق عليه الشعب الجزائري في استفتاء 29 سبتمبر 2005 بإرادة حرة قد احتوى في ديباجته على التذكير بما تعرضت له الجزائر مجتمعا و دولة من الأزمات و الدسائس و المؤامرات الخارجية عجلت من اندلاع الفتنة الوطنية ، كما تضمنت أيضا ديباجة هذا النص دعوة الشعب الجزائري بكل فئاته و شرائحه للالتفاف حول هذا الميثاق و السعي إلى التأطير و تعزيز التماسك الاجتماعي و نسي الأحقاد والتمسك بالفضائل والتآخي و التسامح و التفاهم من أجل الوحدة الوطنية . فسخرت الدولة لأجل ذلك كل مؤسساتها و وسائلها الإعلامية و الاشهارية من أجل إنجاح هذا الاستفتاء(*) و الحديث عن أهداف و قيم و إجراءات و ضمانات تحقيق السلم و المصالحة الوطنية ، حدد الميثاق إجراءات استتباب السلم و إجراءات تعزيز المصالحة الوطنية و التماسك الوطني و لكن جهل بعض الأفراد لمحتوى هذا المشروع و جهلهم لثقافة السلم و العفو عن الناس أثر بطريقة غير مباشرة على مدى نجاح فكرة المصالحة الوطنية ، هذا لأن الكثير منهم لا يهتمون بعمليات الضبط الاجتماعي و المحافظة على العادات و التقاليد و استمرارية الجماعة لذلك فهم يحاولون جاهدين ربط الوسائل العقابية للسلطة بالنظام الأخلاقي العام و بمجموعة عامة من الأعراف و الأفكار عن العوامل الاجتماعية التي تختلف حسب الفئات بحسب الفئات و بحسب اختلاف درجات الثقافة(1) كما أن ظروف التنشئة الاجتماعية و الثقافة الفرعية للفرد الجزائري تؤثر على هذا الأخير مما تجعله عرضة لحب الانتقام ” و من كان مرباه على العسف و القهر و ضيق على النفس في انبساطها و ذهب نشاطها و دعا إلى الكسل و حمل عليه الكذب و الخبث و التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه “(2) و التخريب ، و قد جاء قانون تدابير الرحمة الصادر بموجب الأمر رقم 95-12 و المؤرخ في 25 فبراير 1995 والمنبثق من أرضية الوفاق الوطني في هذا المجال ليؤسس تدابير الرحمة في ظل حملة من القواعد و المعطيات و الظروف و الشروط المطبقة على الأشخاص المتابعين بجرائم الارهاب و التخريب و الذين سلموا أنفسهم طواعية للسلطات المختصة وأعلنوا توبتهم و توقفهم النهائي عن كل نشاط إرهابي أو تخريبي ، فتقررت سياسة المصالحة الوطنية ومسعى الوئام المدني كمحور أساسي وأول في مشروع رئيس الجمهورية و برنامج حكومته وعلى هذا النهج يقول الرئيس بوتفليقة في كلمة حفل أداء اليمين الدستورية بالجزائر في 27/04/1999 ما يلي : ” إن أولوية الأولويات في السياسة التي تستجيب لرغبات الأمة إنما هي العمل على استتباب السلم المدني و القضاء على العنف فكرا و قولا و فعلا ، قضاءا مبرما لا هوادة فيه”(3) هذا الميثاق الذي أعلنه الرئيس بوتفليقة إنما هو تتويجا و تجسيدا لكافة المساعي والمحاولات الوطنية منذ ظهور فتيل الأزمة ، و لكن بسبب ظروف استثنائية من جهة و عدم جدية السلطة في إجراء حوار وطني موضوعي يضفي إلى حل عادل للمأساة الجزائرية من جهة أخرى حال دون تعجيل أو تطبيق ميداني لهذه الفكرة ، و لكن لما وصلت الأمور إلى حد لم يكن يتصوره حتى دعاة الاستئصال أنفسهم اضطرت الدولة إلى طرح فكرة الحوار و قبولها و لقد ورد في خطاب رئيس الحكومة إسماعيل حمداني أمام أعضاء البرلمان لمناقشة مشروع قانون الوئام المدني في 04 جويلية 1999 ما يلي :
” لقد فرضت الوضعية التي يمليها الواقع ضرورة تكييف التشريع المعمول به و الذي جاء في ظرف عصيب و أعطى نتائج مشجعة في الماضي و لكن أضحى اليوم غير قادر على التكفل بمتطلبات المعطيات الجديدة التي أفرزتها مكافحة الارهاب “(1) ، فقد جاء ميثاق السلم و المصالحة ليتوج المساعي السابقة في نطاق التدرج المسؤول و الهادف إلى معالجة الأزمة الجزائرية .
و فعلا لقد حملت المصالحة الوطنية نتائج لو لم تتظافر الجهود و من بينها إعلان مدني مزراق أمير تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ في إطار مفاوضات جرت تحت مظلة الوئام المدني التي سمحت بنزول العديد من أتباع هذا التنظيم من الجبال واسترداد ستة آلاف قطعة سلاح حسب رئيس الجمهورية(2) ، لهذا كانت السلطة أكثر قناعة لاختيار مبدأ التفاوض من أجل الوصول إلى حل شامل للأزمة التي حلت بالبلاد ، و من بين النتائج أيضا ما صرح به و أقرّه وزير الشؤون الدينية السيد عبد الله غلام الله للجرائد اليومية أن حوالي ستة مائة من الذين حملوا السلاح عادوا إلى الإمامة(3) هذا جزء من النتائج الايجابية التي حققتها المصالحة الوطنية .
الخاتمة و الاستنتاج العام :
بما أن مجتمع البحث يعتبر ” وحدة تحليلية “(1) تمكن كل باحث من الحصول على مجموعة من المعطيات و المعلومات و الحقائق التي تؤدي إلى نتائج دقيقة ، عندما قمنا ببناء قائمة من العناصر التي أردنا دراستها و معرفتها انطلاقا من مجتمع بحثنا ، وخلافا عن الدراسات السابقة و انطلاقا من طبيعة ميدان الدراسة الذي يمثل المجتمع الجزائري ، وعليه فدراستنا تعتمد على تقنية المسح الشامل لمجتمع بحثنا ، و المبحوثين يمثلون كل أعضاء المجتمع ، فإذا استعملنا مصطلح العيّنة فنعني به مجتمع البحث بأكمله ، ومن خلال الملاحظة العامة والتحليل الدقيق لشخصية الفرد الجزائري بصفة عامة انطلاقا من اعتمادنا على عينة البحث فقد خلصنا إلى أن طبيعة النظام الجزائري المبني على الازدواجـيـة فـي الخطابات السياسية و الإيديولوجية في المعاملة الواقعية ، ولكي نفهم الخلفيات التاريخية لا مـفـر من البحث في دينامكية التغييرات الاجتماعية و الثقافية للجزائر .
حيث أنه بالرغم من شعار الديمقراطية و التداول على السلطة الذي ترفعه و تنادي به السلطة الجزائرية دوما إلا أننا نلاحظها وكأنها ” كتلة تاريخية ورثت وتابعت مبادئ التنظيم الإيديولوجي الذي صاغته وأتقنته الحركة الوطنية والثورة الجزائرية(2) ، و كأنّ رجالات السلطة هم المجاهدون وحدهم و أقاربهم فقط هم الشهداء دون بقية أفراد الشعب هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن ظروف المعيشة و عدم الاستقرار في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية نظرا للتحولات و التغيرات التي تطرأ بين الفينة و الأخرى على المجتمع تؤثر بصفة مباشرة على نمط الحياة الطبيعية للفرد الجزائري لأن الإنسان ” ابن عوائده و مألوفه لا ابن طبيعته و مزاجه “(3) .
لهذا نجد أن العلاقة القائمة بين السلطة و المجتمع تتسم بالطابع العدائي المتبادل ، و ما فاتورة التخريب الذي مسّ هياكل ومؤسسات الدولة في مظاهرات الخامس أكتوبر 1988 لدليل على صحة ما نقول ” هذا الانفجار المدوي علامة أكيدة على حجم الكبت المتراكم و غياب التأطير العقلاني لحركية المجتمع السياسية و الاجتماعية “(4).
إن سوسيولوجية السوسيولوجيا(*) هي الدراسة التي تضفي على المساهمات النظرية و التطبيقية للمجتمع الجزائري وفي تحليلنا للعلاقة التفاوضية بين السلطة والجماعات المسلحة تحتّم علينا ن نتطرق إلى كل الجوانب التي كانت محورا في اندلاع الغضب الشعبي وصولا إلى مرحلة العنف المسلح و هذه الجوانب التي تسمى في الفكر السوسيولوجي الأكاديمي عند مارسال مورس بالظاهرة الكلية أي التي تهتم بكل ما له علاقة من بعيد أو قريب لسوسيولوجية الأزمة الجزائرية ، وعليه فإن الفرضية الأولى التي بنينا عليها هذا البحث و القائلة أن ” اعتراف الدولة الممثلة في أعلى هيئاتها بأنها قد أخطأت التقدير في حق المواطنين أدى إلى طرح فكرة المصالحة الوطنية للتكفير عن الذنب ” هي جواب مؤقت تأكدنا منه من خلال بحثنا الميداني القائم على تحليل البيانات الإحصائية والآراء التي استقيناها من مختلف الينابيع العلمية بحيث أن رئيس الجمهورية في حد ذاته يقرو يعترف بأخطاء سابقيه في التعامل مع الأحداث التي تلت توقيف المسار الانتخابي بل ذهب إلى حد التصريح في إحدى حملاته الانتخابية للاستفتاء على مشروع السلم و المصالحة إلى القول لو كنت شابا في ذلك الوقت لصعدت إلى الجبل وهذا كلام صريح على الخطأ الفادح الذي وقع فيه أصحاب القرار في هرم السلطة بدعم من التيار الاستئصالي بقيادة التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية ( RCD) والأحزاب الماركسية الأرثوذكسية و المنظمات الجماهيرية مثل ( الاتحاد العام للعمال الجزائريين و الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات) وغيرها من الذين يرفضون فكرة الحوار أو التفاوض مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، و لكن إذا كانت السلطة تعتبر المسؤولية مشتركة بين الطرفين ( السلطة و حزب جبهة الإنقاذ) فهي تعترف بخطأ توقيف المسار الانتخابي لكنها في النهاية تحمّل الفيس المسؤولية كاملة ، التماسا منها تبرئة نفسها و لو جزئيا .
و انطلاقا من هذا الاعتراف – الاعتراف بالخطأ – فإنها تدعو إلى المصالحة الوطنية من أجل الانتقال إلى الديمقراطية و القضاء على العنف المسلّح و بناء المجتمع الفتي ” ليس الوفاق المدني فـي نظرنا مجرد مفهوم سوسيولوجي ، إنه واقع حقيقي للعلاقات في صلب المجتمع ، و من ثمة فإنه ينبغي تجسيده … سنلاحظ معا أن هذا القانون الذي يرمي إلى المساهمة في وضع حد للعنف المسلح لـيـس بالقانون القمعي ، و سنلاحظ أيضا أنه لا ينطوي على حل وسط ، و لا على تواطىء مـن جـانـب الدولة بحكم أنه يهدف إلى استعادة السلم ….
لقد استخدم العنف وسيلة للتعبير السياسي – وهو أمر مرفوض و لا يمكن تبريره و يجب على الذين استعملوه أن يبرهنوا بأنهم أقلعوا عنه نهائيا “(1).
والحديث عن اعتراف السلطة يؤدي بنا إلى طرح فرضية ثانية مفادها أن فظاعـة الإرهـاب
ومخلفاته الفادحة أرغم السلطة على مبدأ التفاوض و طرح فكرة المصالحة – هذه الفرضية لم نستطع أن نثبتها أو نتحقق منها ميدانيا نظرا لكونها تحتمل الصدق و تحتمل الكذب وهذا الأخير هو الغالب في كثير من الأحيان ، و لكن هناك من ينظر إلى هذه الفرضية نظرة تشاؤمية و بالتالي السقوط في النظرة اللاتاريخية (L’anachronisme)(*) و يذهبون إلى الجزم على أن فاتورة العمليات الإرهابية التي فاقت العشرة آلاف قتيل و خسائر مادية قدرت بحوالي 26 مليار دينار ، و لقد قدم رئيس الحكومة ” أحمد أويحي ” للقنوات الرسمية أرقام ضحايا الإرهاب ما بين جانفي 1992 و 31 ديسمبر 1997 بـ 22536 ضحية و 21137 جريحا و 3855 عملية تخريبية ، هذا دون أن ننسى أن عمليات الاغتيال صاحبتها عمليات الاختطاف للأجانب و رجال الدين و الأعمال ، هذه النقطة هي التي أدت بنا إلى طرح هذه الفرضية لأن السلطات الأجنبية كانت ولا زالت تضغط على السلطة الجزائرية للتفاوض مع الجماعات الإسلامية المسلحة من أجل إطلاق سراح المختطفين والتفاوض على مبدأ المصالحة الوطنية.
أما الفرضية الثالثة وهي الأرجح على الإطلاق فقد تحققنا منها كلية في الجانب الميداني التطبيقي من خلال المقابلات الموجهة ونصف الموجهة ومن خلال تحليل مضامين الخطابات والندوات التي عقدها أو أعلنها أو صرّح بها أفراد هذه الجماعات المسلّحة سواء التائبين منهم أو الذين تمّ القبض عليهم من طرف مصالح الأمن، هذه الفرضية القائلة أن التناحر الداخلي للجماعات المسلحة و انقسامها أدى بعضها إلى قبول فكرة التفاوض حول المصالحة الوطنية – و هذا ما أكدناه في خبايا هذا البحث في فصل خاص به ، و لقد كان سبب هذا التناحر الداخلي ما بين كتائب الجماعات المسلحة راجع إما إلى الاختلاف الفقهي و المذهبي و إما إلى حب الإمارة و السعي إلى الوصول للسلطة العليا لهذه الجماعات ، و إما إلى الاختلاف الجوهري في تكفير النظام و المجتمع برمته فقد جاء في حوار للأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة و القتال نبيل صحراوي المدعو أبو إبراهيم مصطفى مع اللجنة الإعلامية للجماعة السلفية للدعوة والقتال ليوم الخميس24 شوال1424 هـ الموافق لـ18-12-2003 ما يلي : ” … إن الجماعة السلفية للدعوة و القتال تقاتل هذا النظام الحاكم في الجزائر على أساس الكفر والردة عن الإسلام كما جاء في ميثاق الجماعة في مقاصدها ( قتال النظام الجزائري المرتد الممتنع عن الشرائع ) و قتال المرتدين مقدم على قتال غيرهم من الكفار الأصليين و عقوبتهم أشد من عقوبتهم في الدنيا و الآخرة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” و قد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزيةولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلي ) – مجموع الفتاوى 28/534) .
إذن فهؤلاء الحكام لا تعقد لهم ذمة و لا أمان و لا عهد و لا صلح و لا هدنة و لا يقبل منهم إلا التوبة أو السيف ، فلا هدنة ولا صلح مع المرتدين وهذا هو المقرر في الميثاق و الجماعة لم يسبق لها منذ نشأتها أن اتصلت بأي فرد من هذا النظام الحاكم قصد التفاوض أو التحاور أو التصالح و لن يحصل هذا لأنه مخالف لمبادئها المؤصلة وفقا للكتاب و السنة(1).
من هذا المنطلق – منطلق تكفير المجتمع برمته – بدأت كتائب الجماعات المسلحة تشكك في نية أمراء الحرب مما دفع ببعضها إلى الدخول في الهدنة مع النظام القائم و تحول فيما بعد الصراع بين أجنحة هذه الجماعات .
و عليه يمكن القول من ما سبق أن الفرضيات المقترحة لبناء هذا البحث قد تحققنا منها و استطعنا أن نصل إلى استنتاج عام و ملخص لسوسيولوجية الأزمة الجزائرية التي يمكن أن نحدد خلفياتها التاريخية و نبنيها على أربعة أبعاد يمكن حصرها في البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي التربوي كل هذه الأبعاد ستعطي لنا رؤية شاملة و إجابة كاملة للدراسة السوسيولوجية العلمية لأزمة الجزائر.
إن استقلال الجزائر لم يخلّف الانجازات والمكاسب الكبرى فقط بل خلّف سلبيات رغم قلتها إلا أنها كانت كافية لتكون عائقا في وجه التطور من بينها صعوبة التحكم في رسم السياسات و برامج البناء و التشييد و التنمية الوطنية الشاملة لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية وهذا لنظرا لقوة العراقيل من جهة و للضغوط الداخلية و الخارجية من جهة أخرى ، و لقد أدت هذه الإفرازات بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع عوامل التغيير و التحول من النظام السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي القائم على أساس نظام الحزب نظام الحزب الواحد و الاقتصاد المخطط إلى نظام التعددية السياسية و نظام اقتصاد السوق ، هذا التحول الذي تم دون توفر شروط و ظروف التحكم فيه من طرف سلطة الدولة الأمر الذي جعل البلاد تتعرض إلى العديد من المخاطر و التهديدات و التحديات و حالات الفوضى و الفلتان الشامل ، لتحل على إثر ذلك أزمة الفتنة و الفرقة و الارهاب المسلح والجريمة المنظمة بكل تداعياتها و آثارها المتنوعة، فتعرضت السلطة إلى الاهتزاز وتعرضت مؤسساتها للانهيار كما تعرّضت في ظلها محاولة القضاء التام على البنى الفوقية و التحتية للمجتمع والقضاء على النظام الوطني الجمهوري ، هذه الأزمة هي التي أدت إلى طرح فكرة التحاور والوفاق الوطني ثـم الوئـام
و المصالحة الوطنية ، فقد كانت النصوص القانونية المتعلقة بالإرهاب و مكافحته تكريسا لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات ضد مرتكبي أعمال الارهاب .
و لكن المتتبع لحركة التاريخ الجزائري يمكنه الولوج في تفاصيل رصد وتحديد الأسباب والعوامل الموضوعية والمادية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية و التعرف على الخلفيات التاريخية لها ثم استنتاج الأبعاد السوسيولوجية لهذه الأزمة التي حصرناها في :
1-البعد الاقتصادي :
إن عدم الاستقرار السياسي الذي ميّز السنوات الأولى من الاستقلال وضعف الدولة المنهكة بالنزاعات بين مختلف القوى من أجل الوصول إلى السلطة قسّم ظهر الدولة إلى ثلاث اتجاهات كبرى ممثلة في التيار الليبرالي ذو اتجاه بورجوازي طموح سعى إلى تحقيق رغبته في السيطرة الاقتصادية والهيمنة السياسية و خير من يمثلها أنصار الحركة الوطنية التي أبعدت من السلطة قبيل تحقيق الاستقلال رغم المكانة الأساسية التي كانت تحتلها في الحكومة المؤقتة مثل بن يوسف تن خدة و شعار الجزائر “حررها الجميع و يبنيها الجميع” ، أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الاشتراكي القائم على التسيير الذاتي العمالي و ظهور الثورة الزراعية و شعار الأرض لمن يخدمها بقيادة الهواري بومدين ، أما التيار الثالث و الممثل في الاتجاه الشعبوي و مشروعه التنموي التحديثي و مشاريع المخططات الخماسية و شعار من الشعب وإلى الشعب كانت هذه الاختلافات في الرؤى نقطة البداية للأزمة الاقتصادية الجزائرية و مشكلة التنمية .
إن الدراسة السوسيواقتصادية في ضوء السياق التاريخي للمجتمع الجزائري تؤكد أن الكثير من الصراعات تهدف إلى إعادة النظر في العلاقات القائمة على مستوى النظامين السياسي و الاقتصادي للبلاد و استمرار صراع المصالح على مستوى المؤسسات الوطنية يتضح من خلال التعارض القائم بين الإدارة كجماعة تكنوقراطية تمتلك حق ممارسة الإشراف و الرقابة و بين أغلبية العمال الذين يحاولون امتلاك بعض السلطة .
لقد منح الانفتاح الاقتصادي على الخارج فرصة إرساء القواعد الأساسية التي يريدها الغرب الرأسمالي – فكرة و ممارسة – و على نطاق واسع يشمل تجزئة التكامل الاقتصادي و السياسي بالاستغلال الباطني لخيرات البلاد .
بالإضافة إلى ذلك فإن المشكلة الاقتصادية التي عاشتها الجزائر تتمثل في الدخل السنوي الأمر الذي أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية و السبب في انخفاض اليد العاملة وارتفاع القدرة الشرائية إنما هو الأزمة العالمية لانخفاض سعر البترول سنة 1986 التي دفـعت ” الدولة إلـى تقليـص القسـط المخصص للاستثمارات العمومية بـ 5,2 نقطة “(1) مما أدى إلى تفاقم الفشل الاقتصـادي بصـورة متسارعة دون أن ننسى أنه منذ الثمانينات كان هناك تراجع في ديناميكية التشغيل مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة حيث انتقلت من 16 % سنة 1985 إلى 21 % سنة 1987 إلى أن وصلت حسب نتائج الاحصاء العام للسكان و السكن لسنة 1998 إلى 34 % “(2) .
إن محاولة القضاء الكلي على البطالة و تحقيق التوظيف الكامل عن طريق خلق مناصب شغل لكل فرد في المجتمع باعتبار العمل ” حق مضمون طبقا للمادة 24 من دستور 1976 – على الدولة أن توفره لكل مواطن راغب في العمل و عليه فقد استطاعت خلق ما يقارب 2,164 مليون منصب عمل جديد إلى غاية سنة 1980 “(3) .
كما أن البطالة تعتبر ” أحد الأعباء الكبيرة التي تحمّل نتائجها الشباب الجزائري و كانت هي السبب الذي خرج به إلى الشارع في انتفاضة شعبية في الخامس من أكتوبر 1988 “(4).بالرغم من مجهودات المبذولة خلال العشريتين الأوليتين من الاستقلال التي أدت إلى ارتفاع نسبة الاستثمارات الاقتصادية بفضل خلق مناصب شغل كثيرة و بالتالي انخفاض نسبة البطالة فقـد ورد فـي تقرير المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي ما يلي ” نسبة البطالة من 33 % سنة 1966 و 22 % سنة 1977 إلى 9,7 سنة 1985 ، فعرفت نسبة التشغيل في هذه الفترة تقدما ملحوظا ، إذ قدرت بحوالي 4,34 سنويا في الفترة الممتدة بين 1967 و 1986 “(5).
فالبطالة لم تعد مجرد أرقام تشير إلى سوء وضعية عالم الشغل ، فلما نجد حوالي ثلث المجتمع مقصى من الانتماء الاجتماعي فإن أندري قرز ( André GORZ) يرى ” أن الاندماج في المجتمع المعاصر لا يتم إلا بالعمل ، أما المجتمعات النامية العاجزة عن توفير الشغل لكل أفراد المجتمع فهي تعمل على زيادة عملية الإقصاء من المجتمع ، فهناك المجتمعات أمام أزمة مجتمع و ليس أمام أزمة شغل فحسب “(2) بل تعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي و إضعاف العلاقة بينها و بين الأفراد مما يؤدي بهم إلى الانقسام الطبيعي للمجتمع و ظهور الطبقية التي تؤدي بدورها إلى تلاشي التماسك الاجتماعي ، فالعمل حسب دومينيك شنابر ( Dominique Schnapper) ” يشكل تكريس لوضعية النضج “Adulte ” بالنسبة للشباب ووسيلة لاكتساب مكانة طبيعية في الوجود ” هذه القيمة ( النضج ) غيبتها السلطة في المجتمع الجزائري مما دفع بالشباب إلى الانتقام بطريقتهم الخاصة .
ومن خلال الجدول التالي نتصفح معدلات البطالة و النشاط المهني في الجزائر من سنة 1966 إلى غاية سنة 1995.
الجـدول رقـم (09) يبين تطور معدلات النشـاط
و البطالة من سنة 1966 إلى سنة 1995 بالملايين(3)
1966 | 1977 | 1987 | 1992 | 1995 | |
عدد السكان الاجمالي | 12 | 17 | 23 | 26,2 | 28,1 |
السكان النشيطين | 2,6 | 3,1 | 5,3 | 6,2 | 7,5 |
السكان العاملين | 1,7 | 2,4 | 4,2 | 4,7 | 5,4 |
البطالين | 0,8 | 0,7 | 1,1 | 1,5 | 2,1 |
معدل البطالة | 33 % | 22 % | 21 % | 23 % | 29 % |
نلاحظ من خلال هذا الجدول دون أن نعلق على نسبه ، صحة التفسيرات التي ترى أن من بين الأسباب المفجرة لانتفاضة أكتوبر 1988 و اتساع الهوة بين المواطن و السلطة إنما هو ارتفاع نسبة البطالة ، هذا إلى جانب ضعف فعالية الاستثمارات كما نجد أن ” القطاع الصناعي الذي كان يمثل حوالي 4% من إجمالي الاستثمارات باعتباره المحرك الأساسي للتشغيل لم يصل إلى المستويات الإنتاجية المنتظرة حيث عرف نسبة بعيدة عن ما كان مقدر له ، فقدرت مستويات الإنتاجية بـ 30 % في حين كان منتظر أن تصل إلى 70 % “(1) و هكذا عرفت الجزائر بالإضافة إلى كل هذا ، ظهور التشغيل الغير قانوني و ظاهرة السوق السوداء ( Marché Noir) و ظاهرة ( الطراباندو) التي انتشرت بسرعة البرق ” بحوالي مليون عامل في نهاية سنة 1992 ، أي ما يعادل 17 %) من فئة السكان العاملين ) في غير القطاع الفلاحي كما عرفت البطالة انتشارا كبيرا خاصة بين فئة الشباب حيث نجد أن أكثر من 80 % من البطالين هم دون 30 سنة و منهم من يحمل الشهادة الجامعية”(1).
و بناء على ما تقدم نستنتج أن صغار المنتخبين و غيرهم ” في البلدان النامية لا يشكلون على حد تعبير كريس جيري (Chris Gerry) بروليتاريا رثة ( Lumpen Proletariat) أو قوة ثورية راديكالية ، بل هم ضحايا الاستغلال و اللامساواة “(2) .وإلى جانب كل هذه المشاكل التي ضخّمت من الأزمة الاقتصادية في الجزائر فإن عملية النزوح الريفي و الهجرة نحو المدن أدت إلى ظهور مراكز العبور و الأحياء الحضرية المعاصرة التي انعدمت فيها روابط القرابة و النسب فتحولت إلى مجمعات سكنية أطلق عليها مصطلح ” الحومة ” هذا الأخير حتى و إن كان يملك قيمة رمزية أصبح المجتمع الجزائري يفتقدها شيئا فشيئا ، مما أدى بالفرد إلى المكوث خارج البيت أو الحي أطول مدة ممكنة بعيدا عن أعين الأسرة و ” الحومة ” التي تلاحقه بنظرات محتقرة بسبب بطالته أو تسربه المدرسي المبكر أو بسبب انحرافاته الاجتماعية كالإدمان على المخدرات و معاكسة الفتيات و غيرها ، هذا البعد الروحي عن المنزل و الحي بصفة عامة ، يقلل من عمليات الارتباط الانفعالي الايجابي و يقضي على عمليات التعاون العضوي التي أشار إليها دوركايم.
معظم الدراسات النفسية التي تطرقت إلى الآثار التي يحدثها الشغل عند الفرد تؤكد أنهم الأكثر عرضة وقابلية للمشاكل النفسية فالدراسة التي قام بها كل من بانكس (BANKS) وجاكسون (JACKSON) تؤكد على وجود علاقة بين البطالة وظهور الاضطرابات النفسية على الفرد البطال
هذا ما استنتجناه أن الأزمة الاقتصادية هي أهم المسائل التي تمس صميم حياة المجتمعات و الشعوب وأن هذه الأزمة إنما تتولد عن فشل السلطة في حلها للمشاكل الاجتماعية وأنها نتيجة حتمية لكل ما خلفته من انتفاضة شعبية التي تطورت إلى إرهاب مسلح .
2– البعد الاجتماعي والثقافي:
مما هو متعارف عليه سوسيولوجيا أن المجتمع يقوم على عدة عوامل منها التنوع والاختلاف والتوافق والتعاون وهذا من خلال الخصوصيات التي يقوم به الأفراد كفاعلين اجتماعيين انطلاقا من مكانتهم وأدوارهم الاجتماعية وبناءاتهم الاقتصادية ومكوناتهم الثقافية والحضارية القائمة على أسس تنظيمية.
وعلى هذا سنولي للجانب الاجتماعي والثقافي للأزمة الجزائرية نوعا من الاهتمام نظرا للتخلف الذي عرفته وما تزال تعرفه الجزائر من جهة، ومن جهة أخرى إيمانا منا بأن تطور المجتمع وتخلفه إنما هو طبق الأصل لثقافته التي يتميز بها، فمن المؤكد تاريخيا أن ثمة قاسم مشترك بين تطور مجتمع ما وثقافته لأنها هي فكرة مقياس الرقي والازدهار، والمتتبع للأزمة الثقافية الجزائرية يدرك يقينا صحة ما نقول، نظرا لتمييز المجتمع الجزائري بتبعية فكرية واغتراب اجتماعي واستلاب ثقافي، هذه التبعية الثقافية إنما هي مصطلح تاريخي قائم على النظرية الاستعمارية التي ترفض الأطروحات المناقضة لها والتي تدعو لمواجهة الركود الثقافي ومحاولة النهوض به، ومن أهم المشاكل الاجتماعية والثقافية التي واجهها المجتمع الجزائري قضية ازدواجية الثقافة على مستوى النخب المتعلمة والسياسة، وما آلت إليه هذه الازدواجية من صراع ثقافي إيديولوجي فيما بينها، والذي تطور إلى صراع إيديولوجي وعقائدي، تجلت ملامحه أكثر على مستوى اللغة والثقافة خاصة في التصادم بين العربية والفرنسية باعتبارهما وسيلتين لنقل الإيديولوجية، ولقد تطور هذا الصراع اللغوي الإيديولوجي إلى اللهجات المحلية ثم إلى الثقافة الفرعية للمجتمع فظهرت النزعة الجهوية وسياسة فرق تسد الاستعمارية وتبادلت التهم بين الجناحين المتصارعين فأتهم ” المعربون بأنهم محافظون ورجعيون في أفكارهم وأفعالهم، في حين أتهم الفرانكفونيون بالعمالة والشيوعية والاغتراب عن الثقافة العربية”(). ولقد تميزت هذه الإيديولوجيا بمحاولة التوفيق بين عناصر دينية محافظة وعلمانية لائكيه، والجمع بين الحفاظ على الأصالة والتمسك بالتراث وإحيائه من جهة والانبهار بالحداثة والتوق إلى العالمية والاندماج في حركية العصرنة من جهة أخرى ما يعرف في الخطابات السوسيو ثقافية بأزمة الثنائيات الحديثة خاصة الأنا/ الاخر الأصالة / المعاصرة، التراث / التقدم، وغيرها من الثنائيات المختلفة فيما بينها.
هذه الصراعات ذات الخلفية التاريخية هي التي دفعت بمصطفى الأشرف لكي يحدد عمليات الانحلال والتفكك الثقافي الذي طال المجتمع الجزائري وحوله إلى وضع كارثي حتى أصبح اقتصاده هش لا معنى له، وحتى أن القيم الروحية الدينية هي الأخرى أصابها الورم الانحلالي فأصبح ضمنيا ومرابطيا فشتت ثقافة انقطعت عن رحم سياقاتها السوسيوتاريخية وأصبحت طفيلية وحل محلها الشعوذة والسفسطة والدجل والخرافات والبدع والطرقية الظالة، بل إن الجزائر كمجتمع لم يعرف الزيتونة كالتونسيين ولا الأزهر كالمصريين ولاجامعة فاس كالمغربيين حتى أصبحت الرداءة في كل شيء على حد تعبير مصطفى الأشرف. ()
فإذا تكلمنا أو أشرنا إلى وجهة نظر معينة فهذا لا يعني أننا من أنصار الأطروحة الأنثروبولوجية الكولونيالية التي ترى في المجتمعات الإسلامية والعربية مصدر الفوضى والركود والتأخر لتبرر العدوان الاستعماري عليها، ومن أهم المشاكل التي واجهت الثقافة الجزائرية مسالة الهوية خاصة في منطقة القبائل وتطورت الأمور من مسألة الهوية إلى روح المواطنة ومطالبة البعض بالانفصال والاستقلال الذاتي وهذا بسبب التهميش والفشل الاجتماعي الذي يعيشه مجتمعنا، هذا الفشل الذي طال مجالات حساسة داخل المجتمع تعتبر البنية الأولى لبناءه وتثقيفه حتى عجزت عن أداء أدوارها ووظائفها التي وجدت لأجله بفعالية كاملة، فمن الأسرة إلى المدرسة وإلى المسجد ثم دور الشباب ومراكز التكوين والترويض وكل المؤسسات التربوية الهادفة كل هذه المؤسسات هي قريبة إلى الزوال ليحل محلها الملعب وقاعات اللعب ( Salle des jeux ) والحفلات، كما أن غياب وتغييب المجتمع المدني والمعارضة السياسية والإنفراد بالحكم السلطوي بطريقة ميكيافلية من جانب السلطة الحاكمة أدى إلى هجرة العلماء أو ما يعرف بهجرة الأدمغة نحو الخارج مما انعكس سلبا على التطور العلمي وما انحطاط المستوى الجامعي وطرق ومناهج البحث العلمي لدليل على ذلك كل هذا أدى إلى ظهور مشاكل أخرى في الجانب التربوي والثقافي الاجتماعي كمشاكل الأسرة والمنظومة التربوية الجزائرية بكل أطوارها خاصة في الجانب اللغوي وعملية التعريب التي تقدمت بشكل تدريجي وكانت تتعثر في كل مرة بسبب معارضة الأقليات الفكرية والإيديولوجية، حتى أصبحت ظاهرة التعريب معركة من معارك الاستقلال الثقافي.
هذه المشاكل وغيرها جعلتنا نتصور الأزمة الجزائرية من بعدها الاجتماعي والثقافي وهي نتيجة حتمية لظهور ظاهرة العنف السياسي ولهذا يمكن اعتبار أن الجماعات الإسلامية المسلحة، حالة ذهنية اجتماعية تترجم إرهاق سنوات الجمر على حد تعبير المخرج السينمائي لخضر حامينة.
3- البعد السياسي للأزمة:
بالرغم من أن هذا الجانب كانت له حصة الأسد من الاهتمامات البالغة من طرف المجتمع برمته حتى أصبح العوام يتكلمون عن ” البولتيك ” وهي ترجمة استهجانية سيئة لكلمة ” Politique ” وتعني السياسة، إلا أن ذلك كافيا لتغيير النمط والخطاب السياسي سواء من جانب السلطة أو من جانب المعارضة والأحزاب السياسية وعامة المجتمع، حتى الحركات الطلابية والطبقة المثقفة كانت تجعل من خطاباتها الجانب السياسي جوهر الحوار القائم فيما بينها.
والحديث عن الخلفيات السياسية للازمة الجزائرية يطول بنا ولا يمكننا أن نوجزه في فصل أو مبحث معين ولكن اختصارا منا سنتحدث عن الأيام الأولى للاستقلال والتي لا تزال آثارها قائمة إلى غاية اليوم, ففي سنة 1962 كان الرهان الذي حسم النزاع بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وهيئة الأركان العامة، ثم النزاعات التي تبعته، كان رهان الاستحواذ بحسن أو بسوء نية على ريع الشرعية التاريخية والتحكم في مقاليد البلاد، كما أن مؤتمر طرابلس الذي اختار الاشتراكية لنظام سياسي اقتصادي يقوم على الإصلاح الزراعي ومنهجية الحزب الواحد الذي صودق عليها بالاجماع مع اندفاع الأهواء فيما يخص تركيبة المكتب السياسي والهيئة القيادية للحزب وهي نفس القرارات والنتائج التي خرج بها ميثاق الجزائر والميثاق الوطني تقريبا. () وعندئذ لم يبق الاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها سوى للممارسات التي أصبحت تسيطر عليها بنى قديمة تعتمد على علاقات القرابة الجهوية والإيديولوجية الفكرية والمذهبية والحزبية التي أدت إلى سير عكسي للتاريخ والحيل دون التقدم والرقي.
كما أن هاجس القطيعة لم يسمح بتراكم تاريخي حيث نجد أن كل قائد يصل إلى السلطة يعلن عن القطيعة لنكران عمل سلفه واتخاذ سياسة محو الماضي، وقد امتد هذا السلوك إلى مختلف مستويات المسؤولية إلى حد قيام نظام التغيير الكلي والانطلاق من نقطة الصفر بدل الاستفادة من الإسهامات السابقة وتصحيح أخطاءهم.
إن تعاقب المحن التي غذتها الديناميكية الداخلية ساهمت في انحراف مبدأ الشرعية الثورية باستغلالها استغلالا سياسويا، فعرفت القيم الوطنية بذلك تدهورا كبيرا وسقطت السلطة الرمزية التي تستمد مبادئها من ثورة نوفمبر المجيدة، ولأن الحقل الإيديولوجي يأبى الفراغ فقد ظهر المشروع الإسلامي الراديكالي الذي مارس إغراء شبيبة متعطشة لليقين والتي عاشت إحباطات متتالية، فاستمدت الحركة الإسلامية الممثلة في جبهة الإنقاذ مشروعها عن قوة جذبها من التغيير عن خطاب معارضة مشروعها عن قوة جذبها من التعبير عن خطاب معارضة جذرية للسلطة بواسطة إدانة الظلم والرشوة وغياب الأخلاق وكل الآثار المرتبطة بعدم تطبيق الدين في صفائه الأصلي والذي لن يتم حسب هذا الخطاب إلا بإقامة دولة إسلامية تتوفر على ضمانات خارجية قوية هدفها إعادة أسلمة المجتمع، فاستحوذت هذه الحركة في مجالات تمذهبها لخدمة مشروعها الإسلامي كل من المساجد وفضاءات الأوساط الاجتماعية التي تحركها أعمال الخير والتضامن والتكافل هذه الفضاءات التي غابت عنها هياكل الدولة كانت الأفكار الراديكالية التي قدمت نفسها كبديل شرعي وحتمي لإخراج وإنقاذ البلاد من براثن الأزمة السوسيولوجية.
وبالفعل في هذا الوقت بالذات تضافرت العوامل الأساسية وتلاحمت الأسباب فيما بينها فأنتجت الخطاب الشعبوي الذي سارع لتنمية الديناميكية الداخلية وانفجار الأزمة باندلاع الغضب الشعبي وظهور العنف المسلح.
” ومن المفيد أن نوضح أن علماء الاجتماع السياسي يميزون بين ثلاثة أنواع من أشكال العنف من حيث أساليب ممارسته وهي: الإرهاب وحرب العصابات، وأخيرا الانقلاب ويرى علماء السياسة بأن الإرهاب ينطوي على مظاهر متعددة فهو يتضمن الاغتيال والخطف وأعمال التفجير وهو يهدف إلى بث الفوضى الاجتماعية والارتباك النفسي لدى أفراد المجتمع ” () لهذا فإن ظاهرة العنف التي أصبحت خاصية اجتماعية وسياسية داخل مجتمعنا والتي تطورت إلى جميع مجالات الحياة، أصبحت ذات موضوع متعدد الأوجه والأبعاد تحتاج إلى بحث واسع وشامل ودقيق، لا نستطيع حصره في بحث واحد نظرا لتشعبها وتغيير مفاهيم المجتمع الجزائري خاصة بعد العودة من الهجرة الجهادية نحو أفغانستان والبوسنة والهرسك، فبعد دخول هؤلاء الذين يسمون بالأفغان الجزائريين وتحولهم إلى أمراء حرب تغيرت المفاهيم الاجتماعية كلية من النقيض إلى النقيض فمن (كرهت، الفيزا، الهدة، الهربة لمن استطاع …) إلى (الجهاد، النهاية، الحسنيين (النصر أو الشهادة)…) ومن كلمات شبانية (الطاشة، الماركة، القريفا،…) إلى (التاقية، القميص) ومن (الفيزا والتاويل) إلى (تحريم الهجرة لبلاد الكفار والزهد) وغيرها كثير من المفاهيم والمصطلحات التي ظهرت بظهور الخطاب الاسلماوي الأفغاني على وجه الخصوص، وهذا ما دفع بعالم الحروب غاستون بوتول إلى القول ” في بعض الحالات تصبح بعض الأحداث التاريخية أحداثا اجتماعية لمالها من بالغ الأهمية، فقد تختفي بنيات وتحل محلها بنيات أخرى ” () خاصة بعد اهتزاز مبدأ الشرعية والديمقراطية وحل محلها مبدأ الشورى والخلافة الإسلامية. وظهور الخطابات الدينية التقليدية حيث تعتبر هذه الخطابات “أن الزعيم الإسلامي أو الخليفة عند المسلمين يجب أن يتميز بصفة نادرة حيث يجب أن يكون يمتاز بالقوة واللين أي قوة في غيرعنف ولين في غير ضعف كما ورد عند ابن تيمية في كتابه السياسية الشرعية في إصلاح الراعي والرعية أو في كتاب أحكام سلطانية للماوردي ” () وغيرها من الذين كتبوا في هذا الموضوع، هذه بعض الأسباب التي دفعت بالسلطة إلى توقيف المسار الانتخابي وإنشاء المجلس الأعلى للدولة وتعيين محمد بوضياف رئيسا له، الذي وجد نفسه يحارب الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت قد أعلنت الخروج عن السلطة وتكفيرها وتكفير الذين يوالونها وهم المجتمع برمته، هذه الجماعات لم تعمر طويلا على نهج الجهاد والتكفير بمفهومها وإنما دعت إلى فكرة الحوار، وبعد اغتيال بوضياف وتعيين علي كافي مكانة برز الحديث لأول مرة على مستوى الخطاب السياسي الرسمي عن الحوار الوطني لإخراج البلاد من الأزمة وقد جاء الإعلان عن هذا الحوار في خطاب علي كافي في 14 جانفي 1993م وكانت البداية بعقد سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الأحزاب ولكن الحوار وضع بصفة فردية وأهمل كل مقترحات الأحزاب التي بعثت بها في شكل رسائل إلى المجلس الأعلى للدولة، وقد كان تعيين السيد علي كافي على رأس المجلس الأعلى للدولة والسيد بالعيد عبد السلام على رأس الحكومة البديل الجديد أمام النخبة العسكرية والسياسية لتهيئة وترميم الفضاء السياسي وحماية جدار الشرعية من التصدع وقد شكل هذا الثنائي بالإضافة إلى وزير الدفاع خالد نزار ” ثلاثي قوي لم يكن من حقه ارتكاب الأخطاء، بل كان عليه أن ينجح في ثلاث رهانات: تهذيب الحياة السياسية، بعث الاقتصاد وتصفية الإرهاب الإسلامي الراديكالي ” () ثم تشكلت فيما بعد لجنة الحوار الوطني بقيادة يوسف الخطيب، هذه اللجنة تمخض عنها تعيين ليامين زروال رئيسا للبلاد الذي وعد في أول خطاب له بإجراء حوار بدون إقصاء يجمع جميع الجزائريين في اطار احترام الدستور وقوانين الجمهورية هذا الإعلان كان قد سبقه اتصالات سرية جمعت زروال لما كان وزيرا للدفاع مع قيادة الحزب المحظور وتواصلت بأمر منه وبوساطة قاصدي مرباح الذي وسع هذه الاتصالات إلى القيادة الخارجية للفيس، ولكن اغتيال مرباح والعثور على أوراق تحريضية من علي بن الحاج عند أمير الجيا شريف قوسمي عجلت بإجهاض عملية الحوار وصعدت من العمليات العسكرية والإرهابية على حد السواء، وبعد إقالة رضا مالك زعيم الاستئصالين من الحكومة حدثت تغيرات هامة في هرم السلطة والجيش حيث أحيل بعض الضباط على التقاعد الإجباري أووجهوا إلى مهام أخرى، وهكذا عرف الحوار الوطني طريق أخرى للمضي قدما، وإليك نبذة مصغرة على محطات كرونولوجية لمسيرة الحوار والتفاوض ()
– أوت 1991: رئيس الحكومة أحمد غزالي ينظم ندوة بينه وبين الأحزاب السياسية الندوة قاطعتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وانسحبت منها التشكيلات التمثيلية.
– أكتوبر 1993: رئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي يدعو كل القوى الديمقراطية والتقدمية من كل الإنتماءات والحساسيات إلى تأدية الحوار في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية.
– 16 جانفي 1994: الرئيس زروال في خطابه يتحدث عن الحوار مع الجميع لإنقاذ البلاد.
– 8 فيفري 1994: رئيس الدولة في خطاب للأمة يؤكد ” أن الأزمة السياسية لا يمكن حلها بدون الحوار ومشاركة جميع القوى السياسية والوطنية وبدون استثناء.
– 23 فيفري 1994: في خطابه أمام إطارات الإتحاد العام للعمال الجزائريين رئيس الدولة يدعو الى الحوار دون إقصاء مع الذين يحترمون الدستور وبدون العنف.
– من 19 إلى 30 مارس 1994: الرئيس زروال يستقبل الأحزاب السياسية والجمعيات المهنية والشباب والنساء ومتقاعدي الجيش، بغرض شرح مفهومه من ” الحوار بدون إقصاء “.
– 18 ماي 1994: يتحدث زروال بمناسبة تنصيب المجلس الوطني الانتقالي عن دور الحوار في جمع الطاقات وتوحيد الجهود لتحقيق أغراض المرحلة الانتقالية.
– 4 جويلية 1994: بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال الرئيس زروال يصرح أن ” الحوار ضروري للقضاء على سوء الفهم وغلق الأبواب أمام المناورات والمخططات وجمع صفوف الأمة ”
– أوت 1994: بيان رئاسة الجمهورية يتحدث فيه عن استئناف الحوار في21أوت 1994.
هذه المحطات كانت البداية لمرحلة المفاوضات النهائية التي توجت بمسعى الوئام المدى الذي تدرج رويدا رويدا نحو مشروع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ومحاولة غرس ثقافة الديمقراطية وترسيخ قيم وأخلاق الرموز الوطنية.
كانت هذه الخلفيات التاريخية للازمة السياسية التي عرفتها الجزائر والتي كانت بدايتها قبل الاستقلال ووصلت إلى الانفجار بعد إستقالة الشاذلي بن جديد في 11 جانفي 1992، حيث علقت مهام وأنشطة المؤسسات الدستورية التي سببت الفراغ السياسي في أكبر منصب على هرم السلطة مما فتح المجال لانتشار أزمة سوسيولوجية أخرى كانت الجزائر لا ترغب فيها وكان من نتائج هذه الأزمة انحسار عملية صنع القرار عند الأشخاص ممثلة في المجلس الأعلى للدولة، مما جعل الخلافات تتطور خاصة بين علي كافي وبلعيد عبد السلام بخصوص إدارة الأزمة، حيث وصل الحد برئيس الحكومة بلعيد عبد السلام إلى التصريح بأنه ليس مجبرا على تقديم التقارير لعلي كافي أو الأخذ بتوجيهاته، بل إن ذلك يتم مع الجيش الذي عينه في هذا المنصب ” () هذا الخلاف هو نفسه تقريبا فيما بعد بين ليامين زروال ورضا مالك حول الحوار مع قيادات الفيس والجناح العسكري لها، مما دفع برضا مالك إلى تقديم الاستقلالية في أفريل 1994 بعد يومين فقط من توقيع حكومته إتفاقا مع صندوق النقد الدولي يقضي بعزم الجزائر على إعادة جدولة مديونيتها بين 26 و 30 مليار دولار.
وانطلاقا من هذه التحليلات توصلنا إلى سوسيولوجية التفاوض القائمة بين السلطة والجماعات الإسلامية وركزنا على المرحلة الأخيرة من مراحل التفاوض الممثلة في المصالحة الوطنية، وانطلاقا من هذه القناعة فقد تم التطرق لأسس المعالجة المنهجية للدراسة ضمن ثلاثة أبعاد مترابطة وهي البعد النظري الذي يكشف عن موقع الدراسة ضمن نظريات وفروع علم الاجتماع وعن الاعتبارات الناشئة عن ذلك ومتطلبات الجانب المرجعي للدراسة والبعد الإبستيمولوجي الذي يحدد الموقف النظري للدراسة وموقفها من مختلف الاتجاهات الفكرية في علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع العقاب وعلم الاجتماع الثقافي والتربوي وأخيرا البعد المنهجي للدراسة الذي يتعلق بالجانب التحليلي والتركيبي للدراسة والذي خصص للكشف عن وحدات التحليل وكذا المقاربة المنهجية للدراسة.
وفي الختام يمكن القول أن التجربة الجزائرية في حل الأزمة الوطنية تعتبر مادة أساسية في دروس و علوم المصالحة الغنية بالعبر و الدلالات و المبنية أساسا على منطلق التفاوض الذي يبدأ عادة ” عندما ينشأ صراع بين مواقف طرفين و في حالة المساومة التقليدية … و لكي تصل في النهاية إلى اتفاق يرضي الطرفين … عليك أن تبدأ بتحديد مصالح كل من هذين الطرفين “(1).
هذا ما خلصنا إليه وحاولنا قدر المستطاع أن نظهر كل العوامل و الأسباب الـدافعـة لقضية المصالحة الوطنية و تشخيص الخلفيات التاريخية و الأبعاد السوسيولوجية للأزمة الجزائرية ، فنأمل أن نكـون قد فتحنا باب من الأبواب الواسعة أو فتحة من المجالات الشاسعة في ميدان السوسيولوجيا بصفة عامة والجانب الثقافي التربوي على وجه الخصوص ونكون بذلك قد وضعنا نقطـة الانطـلاق لبحـوث ودراسات كبرى في مجال التفاوض، هذا فإن أكن أصبت فذاك الذي أردت وإن تكن الأخرى فحسبي أن ذلك جهدي و طاقتي و معرفتي والنمل يعذر في القدر .
الهوامش
) مجلة الفكر البرلماني متخصصة في القضايا و الوثائق البرلمانية يصدرها مجلس الأمة الجرائر العدد) 11 ( جانفي2006 ص ص 85 – 84 بتصرف.
2) مركز البحوث و الدارسات العربية، نفس المرجع، ص63
) رماني إبراهيم نفس المرجع، ص777.
* قانون الوئام المدني le loi de la corde civile رقم99 /08 المؤرخ في 1999/07/13
و المصادق عليه من البرلمان بغرفتيه )المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة( و الذي باركه الشعب الجزائري و زكاة بأغلبية ساحقة في استفتاء 1999/09/16
) -انظر الملحق رقم ) 1 ( الخاص لمشرع الميثاق من أجل السلم و المصالحة .
1)أسبوعية الحدث. العدد الثاني من 15إلي 2005الموافق ل 04الي 10 ذي الحجة 1425 ص 3 بتصرف
2) مجموعة سانت ايجيديو هي مبارده سياسة قامت بها مجموعة من الأحزاب التي عارضت فكرة النخبة الخاتمة في إجراء انتخابات رئاسية بدعوة من مجموعة سانت ايجيديو الكاثوليكية الايطالية و الشخصيات السياسية الجزائرية انعقد اللقاء بروما الايطالية من 10الي 13 جانفي 1994 وتم الإعلان من ما يعرف بعقد روما الذي تضمن عدة توصيات منبثقة عن اللقاء الرباعي المنعقد بالجزائر في 04 جويلية 1994 وضم رؤوسا الأحزاب الستة عشر )مهري.- نحناح – خالد بن إسماعيل و عبد الله جاب الله(0
ومن بين أهم الشخصيات التي حضرت عقد روما نذكر أحمد بن بلة .سعد عبد الله جاب الله 0حسين أيت أحمد عبد الحميد مهري لويزة حنون نورا الدين بوكروح و محفوظ نحناح هذين الأخيرين انسحبا من اللقاء لأسباب مختلفة
1) أسبوعية الحدث. العدد الثاني من 15إلي 2005الموافق ل 04الي 10 ذي الحجة 1425 ص 3 بتصرف 2)زمام نور الدين, السلطة و إشكالية التنمية في الدول النامية, (أطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع), الجزائر, 2002,ص )أنظر موقع الجماعة على الانترنيت
2) رماني إبراهيم , نفس المرجع , ص, 781
(*) أنظر صورة الرئيس بوتفليقة التي تتوسط الدعوة إلى الاستفتاء على مشروع المصالحة .
(1) بدوي محمد ، المجتمع و المشكلات الاجتماعية ، الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1988 ، ص 195.
(2) الحضر ساطع ، دراسات عن مقدمة ابن خلدون ، بيروت ، دار الكتاب العربية ، الطبعة ( الثالثة) معمل السنة ، ص 45.
(3) رماني ابراهيم ، نفس المرجع ، ص 773.
(1) لمزيد من التفصيل أنظر : خطاب رئيس الحكومة السيد اسماعيل حمداني من كتاب : المجلس الشعبي الوطني ، المناقشة العامة لمشروع قانون استعادة الوئام المدني ، مطبوعات المجلس الشعبي الوطني ، الجزائر ، يوليو 1999 ، الجزء الأول ، ص 10.
(2) جريدة الخبر, ليوم 18 مارس, 2006.
(3) جريدة الشروق اليومي ,ليوم 04 سبتمبر, 2002.
(1) Jones ® Méthodes de Recherche en sciences humaines, Trd : Nathalie Burry et Olivoier Servais, Bauxelles, ed Debnek Université , 2000, P 17..
(2) مركز دراسات الوحدة العربية ، الأزمة الجزائرية ، الخلفيات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية ، مجموعة من الأساتذة بيروت 1996 – ص 420.
(3) ابن خلدون عبد الرحمان ، المرجع السابق ص 130.
(4) GALLISOT ® « Octobre 88 en Algérie il n’y a pas de révolution d’octobre « Revue N° (11) ALXAL , cahiers d’études herbêtres , Paris , 1990 ; P 11.
(*) Friedricks (l), Sociology of Sociology ( New York, M.S.R 1970 : مفهوم استعرناه من
(1) مقتطف من خطاب رئيس الجمهورية في منتدى الصداقة بين الشعوب 23 أوت 1999 بريميني ( ايطاليا ) أنظر رئاسة الجمهورية ، نفس المرجع ، ( ص 195 ، 196).
(*) مفهوم استعرناه من كتاب : الجويلي محمد ، المرجع السابق ص 77.
(1) أنظر الملحق رقم ( …) الخاص بهذا الحوار .
(1) المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي ، مشروع التقرير التمهيدي حول الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية لبرنامج التعديل الهيكلي ، الجزائر ، الدورة الثامنة عشر ، نوفمبر 1988 ، ص 4.
(2) المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي ، مشروع تقرير حول الظروف الاقتصادية و الاجتماعية ، الجزائر ، الدورة العامة الخامسة عشر ماي 2000 ، ص 96.
(3) Khalfi ® « Emploi et chômage dans les pays du Maghreb » Revue du CENEAP Panorama des économies Maghrebine contemporaines.
(4) Messaoudi (A) Chômage et solitude familiales, Alger vers l’état islamique peuple méditerranéene, N° 52, Juillet , Décembre 1990, P 198.
(5) ONS, « Prospective 1962 -1991 » revue statistique N° 35, P 18.
(2) Gorz( A) « croissance économique et exclusion sociale « revue Galilée , Nov 1992 in Rivai ( N), le chômage et le chômeur de longue durée , L’harmattan , Paris , 1996, P 32.
(3) Schanpper ( D) l’épreuve du chômage, Paris, édition Gallimard , 1994, P 76.
(1) Temmar (H) , Stratégie de développement indépendant, le cas de l’Algérie : un bilan, édition publisud, Paris, 1983 ; P32.
(1 المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي ، نفس المرجع ص 16.
(2 مركز دراسات الوحدة العربية ، نفس المرجع ، ص 331.
– مركز دراسات الوحدة العربية، نفس المرجع، ص: 403.
1- الأشرف مصطفى، الجزائر الأمة والمجتمع، ترجمة: حنفي بن عيسى، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1983.
– الخبر، السبت 16 جانفي 1999، ص: 6.
– زمام نور الدين، نفس المرجع، ص: 362.
– الجولي محمد، نفس المرجع، ص: 79.
– جريدة الحوار، الإثنين 22 أوت 1994، ص: 7.
– TALHA (L) « Economie de guerre en Algérie « Le monde dioplomatique ( juin à spt 1997 ) CD ROM. SNV.
– جريدة الحوار، نفس المرجع، ص: 9.
– أنظر: هامش مركز دراسات الوحدة العربية، المرجع السابق، ص: 156.
(1) اوري وليام المرجع السابق ، ص 31.