موقع أرنتروبوس

ثقافة شعبية: أهازيج الأطفال ومشاكساتهم في العيد

فاخر الداغري

يهتم علم الانثروبولوجيا الانسان من حيث خصائصه ومقوماته البيولوجية والاجتماعية والثقافية بغض النظر عن كون الماضي موغلا في القدم او قريبا منه او في الوقت الحالي وعليه يشكل التراث الشعبي انعكاسا مباشرا لاختصاصات قريبة منه كعلم الاجماع وعلم التاريخ وعلم الآثار كونهما ذا صلة مباشرة بالتراث الشعبي حيث يشكل الماضي حيزا كبيرا في مصدر كتابته.
العيد مناسبة اجتماعية مهمة جدا في حياة الاطفال اذ يعرفون من خلاله مدى حبهم من الوالدين ومدى الاعتزاز بهم من خلال توفير الملابس الجديدة ودفع المصروف الكافي من”العيدية” مضافا لما يتلقونه من الاعمام والاخوال والاقارب واصدقاء العائلة.
في العيد يخرج الاطفال الى حيث ساحات نصب دواليب الهواء والاراجيح وتجمع العربات والخيول وقد غلف الفرح كياناتهم وصاروا في هرج ومرج وهم يهزجون باغان تغطي المناسبة وفي الوقت نفسه يتناولون الحلوى والكرزات والبيض والعنبة وشربت الازبري.
ففي دراسة مستفيضة للاستاذ فخري حميد القصاب نشرت في العدد الثالث للسنة التاسعة والعشرين عام 1998 من مجلة التراث الشعبي البغدادية باقة من الاغاني تحت عنون”اهازيج الصبية والاطفال ومشاكساتهم في العيد”.
نقتطف ما يلي:
“ باجر عيد ونعيد
ونشرب مركة اسعيد
واسعيد كرايبنه
ونذبحله دجاجتنه “
ولا تعرف شخصية سعيد هذا الا ان الراحل الشيخ جلال الحنفي يقول مرجحا”ان المقصود هنا هو سعيد باشا والي بغداد في العهد العثماني اذ كان سيئ الصيت والسمعة وقتله داود باشا الذي تسلم الولاية من بعده”.(لعب واغاني الاطفال في الجمهورية العراقية/ حسين قدوري/ بغداد 1988).
وحين يبلغ الفرح اشده عند الاطفال حين يتزاحمون على ركوب الدواليب ويبدأ الدولاب بالتهيؤ للوقوف لانتهاء تدويره اعلانا بنهاية الشوط يردد الاطفال:
“شوط… شوط عيده
وجفيه على المنخل
شنخل .. شنخل بالمنخل”.
وحين يقترب العيد من نهايته في عصر اليوم الاخير منه ينشد الاطفال مودعين:
“راح العيد وهلاله
وكلمن رد على جلاله”
اما اهازيج العربات فلها ايقاعها الخاص بها ومقاطعها الخاصة بما فيها السيارات الخشبية وكأن الاطفال يعرفون”ان لكل مقام مقال” فيهزجون مرددين:
“واي واي صب يا ولد
هي هاي سنه ذهب”
وحين يضرب الحوذي ظهور جياده بسوطه متفاعلا مع هتافات الصبية الصاخبة يهزج الاطفال مادحين لسائق العربة.
“هذا سايقنه الورد
هسه يوصلنه ويرد”
اما راكبو السيارات فانهم يهزجون قائلين
“سيارتنه المحبوبه
تتدعبل مثل الطوبه”
وسط هذه الاجواء العامرة بالفرح تنشد مجموعة اخرى من الاطفال:
“يا عيد يابو نمنمه
خذنه وياك للسينمه
يا عيد يا بو مرايه
خذنه وياك مشايه”
اما اهازيج المشاكسة فهي بدافع المداعبة والمزاح وخلق اجواء رومانسية كون واقع الحال في المجتمع هو الذي ينعكس على الاطفال وهو الذي يحدد طريقة سلوكهم وتصرفاتهم وتفكيرهم انطلاقا من كون الطفل يتفاعل مع ما يحيط به ويحسه ويراه فهو يقول ما يطفح على وجدانه حيث يتحرر من القيود والمؤثرات فيهزج ويغني في العيد بدون رقيب وكأنه ناقد ساخر، فحين تجتاز سيارة سيارة اخرى لتستفز هذه الحالة مشاعر الاطفال فينشدون شامتين:
“ديزور وانكسر سكانه”
او:
“هوب هوب طفي
كدامك الطسه
لوري وكع بالبير
محد سمع حسه”
واذا صادفوا رجلا قد اطلق لحيته يقولون:
“عفية تمر ما بيه نوه
الزم لحيتك لا يطيرها الهوه”
وحين يصادفون رجلا قد اعتمر كشيدة يهزجون:
“عمي يابو الكشيده
فلس ماكو بيده”
وفي من يعتمر عقالا يهزجون:
“عمي يابو عكال الصوف
يمشي وايلكط اكطوف”
وعندما تصادفهم ام الفستان الاحمر وقد ارتدى الجابي زيه الرسمي الموحد يرددون:
“شتلوكله كله للجابي
الاخلك كونيه
وهكذا يقضي الاطفال ايام اعيادهم في فرح وسرور وابتهاج وارتياح مستثمرين الامن والاستقرار في حينه حيزا كبيرا يقضون فيه اوقات مرحهم ومزحهم بعيدا عن كل المنغصات.
ولكن ماذا نقول في من يغتال الطفولة ويسرق الفرح منها ويلغي الابتسامة من على افواههم ويشيع الكآبة كبديل غير مشروع.
الاطفال هم عيال الله وهم رسل السلام ومبعث السعادة، هم الغرس الذي ينمو في ظلال الوطن ورعاية الوالدين او اولي الامر”فاولادنا اكبادنا التي تمشي على الارض”.

Exit mobile version