موقع أرنتروبوس

بيير بورديو . . . الفلاح الفرنسي الفصيح

بيير بورديو . . . الفلاح الفرنسي الفصيح

حسني إبراهيم عبد العظيم

يمثل “بيير بورديو” Pierre Bourdieu (2002-1930) الرمز الأهم في مجال علم الاجتماع في العقود الأخيرة ، فلقد طرح ما يمكن أن نطلق عليه المشروع الفكري الأكثر شمولاً ورونقا elegance منذ “تالكوت بارسونز” لقد قدم بإتقان نظرياته الاجتماعية المتميزة على مدار حياته الحافلة المليئة بالأحداث ، وعكست هذه النظريات التزامه الدائم نحو العلم ، وبناء المؤسسات الفكرية، وتحقيق العدل الاجتماعي، وقد امتلك اتجاهاً سوسيولوجياً وأكاديمياً لا نظير له ، وحسب تعبير”ريمون آرون” R. Aron كان بورديو استثناء لقوانين انتقال رأس المال الثقافي التي صاغها في كتاباته المبكرة، فمن نشأته كابن وحفيد لمزارعين في منطقة هامشية في فرنسا، إلى متربع على قمة الهرم الثقافي الفرنسي باعتباره واحداً من أهم علماء الاجتماع في العالم.
فقد ولد بورديو في أغسطس عام 1930 في منطقة BEARN، وهي منطقة ريفية في جنوب غرب فرنسا محصورة في سفح جبال البرانس ، في قرية صغيرة ذات لهجة مميزة، وقد قضى أيامه في المدارس الابتدائية بين أبناء الفلاحين وعمال المصانع، وأصحاب المحال التجارية الصغيرة في القرية والقرى الأخرى المجاورة لها، والتي تتسم بانعزالها نسبيا واختلاف لهجتها الفرنسية عن اللهجة الباريسية.
وعند وفاته في 20 يناير 2002 كان بورديو هو عالم الاجتماع الأكثر بروزاً وشهرة على مستوى العالم، فنظرا لكونه منتجاً للعديد من الأعمال الكلاسيكية الرصينة، أصبح مرجعاً ضرورياً في العديد من التخصصات كالتربية والثقافة وعلم اجتماع المعرفة، وحاز كذلك على مكانة أكاديمية متميزة في الأنثروبولوجيا الثقافية نتيجة دراساته حول مجتمع القبائل أثناء حرب التحرير الجزائرية وما بعدها، وقد زاد نجمه سطوعاً أثناء تسعينات القرن الماضي عندما أصبح مشاركاً بقوة في الصراع السياسي ومعارضاً عنيداً لليبرالية الجديدة المتطرفة التي سيطرت على الخطاب السياسي في القارة الأوربية.
والحقيقة أن تأثير بورديو لا يرجع فقط إلى إبداعاته المتميزة والمدهشة ، وإنما أيضاً لأن أعماله تمثل مرجعاً مستمراً ومقبولاً لدى طائفة كبيرة من المفكرين، ومع أن أعماله الأولى تدخل في إطار الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع إلا أنه وسع مشروعه الفكري ليتضمن الفلسفة وعلم النفس والنقد الثقافي Cultural Criticism ودراسات النوع gender وعلم اللغة والاقتصاد، كما أنه انشغل خلال العقدين الأخيرين من حياته بالمجال السياسي، واشتهر بتقديم جملة من المفاهيم السـوسيولوجية الهامة التي حازت مشروعية علمية واسعة.
والواقع أن سوسيولوجيا برديو كانت ترمي إلى الاسهام في تجاوز أزمة علم الاجتماع التي عايشها خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، فحتى هذه الفترة كانت النظرية السوسيولوجية تسير في اتجاهين منفصلين: اتجاه يركز على المستوى المجتمعي والعلاقات القائمة بين أجزاء المجتمع المختلفة (أي التركيز على مفهوم البناء) واتجاه يهتم بمستوى الأفراد الفاعلين (أي الاهتمام بالفعل) ولقد حاول برديو تجاوز تلك المشكلة من خلال تأسيس نظرية وسطى تعمل على التغلب على الثنائية المتعسفة بين الفرد (النزعة الذاتية) والمجتمع (النزعة الموضوعية) ، ومن أجل تحقيق ذلك أبدع العديد من المفاهيم المهمة كالهابيتوس والحقل وغيرهما.
والحقيقة أن الإنتاج الفكري لبورديو قد غطى مناطق بحثية واسعة ومتنوعة تضمنت مثلاً التربية والعمل والقرابة والتطور الاقتصادي وفلسفة اللغة والأدب والتصوير والمتاحف والجامعات والقانون والدين وعلم النفس والنقد الثقافي Cultural Criticism ودراسات النوع Gender وغير ذلك من المجالات.
وسوف نعرض في هذا المقال لأحد إسهاماته وأطروحاته المتميزة، وهو تصوره لمفهوم رأس المال، حيث قدم تحليلا عميقا لهذا المفهوم، تجاوز من خلاله الطرح الماركسي التقليدي، وأبرز أبعادا جديدة أسهمت في تعميق المفهوم وإثرائه.

رأس المال بين ماركس وبورديو:
يمثل مفهوم رأس المال مفهوماً مركزياً آخر في المشروع النظري لبرديو ، والمفهوم مستمد أساساً – كما هو معروف – من علم الاقتصاد الكلاسيكي ، ويعني الثروة المتراكمة ، ويستخدم في النظرية الماركسية للإشارة إلى العلاقة بين مالكي وسائل الانتاج وبائعي قوة العمل . أما بورديو فقد وسع فكرة رأس المال المطروحة في علم الاقتصاد وفي النظرية الماركسية ، بحيث أصبح يتضمن رأس المال النقدي وغير النقدي ، كما يشتمل على الصور المادية الملموسة أو الصور اللامادية (غير الملموسة) .
إن استخدام بورديو لمفهوم رأس المال لا يقتصر فقط على البعد الاقتصادي “الكلاسيكي” وإنما يتجاوز ذلك الى أبعاد أخرى متنوعة فهناك عدة صور لرأس المال مثل رأس المال الثقافي ورأس المال الاجتماعي ورأس المال الرمزي ، وتعكس تلك الرؤية لرأس المال تفسيرا متعدد الأبعاد للظواهر الاجتماعية ، فهو يرى أن العالم الاجتماعي يمكن ادراكه كفضاء متعدد الأبعاد multi dimensional space يتشكل واقعياً من خلال الهيمنة على الأشكال المتنوعة لرأس المال .إن رأس المال الاقتصادي يرتبط مباشرة بالثروة ، أما الأشكال الأخرى لرأس المال فتمثل صورة من صور القوة في المجتمع.
وعلى الرغم من أن هذه الأشكال من رأس المال تعد أقل وضوحاً من رأس المال الاقتصادي ، إلا انها تشترك معه في العديد من السمات ، فهي تمثل قيمة لحامليها، وتتصف بالتراكمية ، ويمكن – وهذا هو الأهم – أن تستثمر بحيث يمكن أن تنتج منافع أو مزايا أخرى.ويرى بورديو أن الصور غير الاقتصادية لرأس المال تلفت الانتباه الى أشكال أخرى خفية من إعادة انتاج التفاوت الاجتماعي social inequality
يميز بورديو إذن بين عدة أشكال لرأس المال – مغايرة لرأس المال الاقتصادي وهي :-

* رأس المال الثقافي :

يعبر مفهوم رأس المال الثقافي cultural capital عن مجموعة من الرموز والمهارات والقدرات competences الثقافية واللغوية والمعاني التي تمثل الثقافة السائدة ، والتي اختيرت لكونها جديرة بإعادة انتاجها ، واستمرارها ونقلها خلال العملية التربوية، ويركز هذا المفهوم على أشكال المعرفة الثقافية والاستعدادات التي تعبر عن رموز داخلية مستدمجة تعمل على إعداد الفرد للتفاعل بإيجابية مع مواقف التنافس وتفسير العلاقات والاحداث الثقافية.
ويقرر بورديو أن رأس المال الثقافي يتشكل من خلال الإلمام والاعتياد على الثقافة السائدة في المجتمع وخاصة القدرة على فهم واستخدام لغة راقية educated language ويؤكد على أن امتلاك رأس المال الثقافي يختلف باختلاف الطبقات ، ولهذا، فإن النظام التعليمي يدعم امتلاك هذا النمط من رأس المال، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان على معظم أفراد الطبقة الدنيا النجــــــاح في هذا النظـام
ويوجد رأس المال الثقافي في أشكال متنوعة ، حيث يشمل الميول والنزعات الراسخة والعادات المكتسبة من عمليات التنشئة الاجتماعية ، كما يمثل إمبيريقياً في أشكال موضوعية مثل الكتب والأعمال الفنية والأدبية ، والشهادات العلمية ، وفي مجموعة من الممارسات الثقافية مثل زيارة المتاحف ، وارتياد المسارح ، وحضور الندوات ، وغير ذلك من ممارسات مختلفة في مجال الثقافة ، ومن ثم ينتج رأس المال الثقافي ويوزع ويستهلك في مجال خاص به ، وهو مجال الثقافة ، وهو مجال فكري متخصص له منطقة الخاص وعملياته المميزة ، وله مؤسساته الخاصة ، مثل النظم التعليمية ، والجمعيات العلمية ، والدوريات، وله هويته وأيديولوجيته في التبعية والاستقلال عن المجالات الاجتماعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة.
ويذهب بورديو إلى أن رأس المال الثقافي ينقسم الى قسمين ، الأول رأس المال الثقافي المكتسب على أساس المؤهل التعليمي ، وعدد سنوات الدراسة، والثاني رأس المال المورث من وضع العائلة وعلاقاتها بالمجالات الثقافية المختلفة ، ويحقق الشكل الأخير أرباحاً مباشرة في المحل الأول داخل النظام التعليمي، كما أنه يحقق تلك الأرباح في أماكن أخرى مثل سوق العمل، بالاضافة الى انه يحقق مكاسب التميز للفرد في كافة المجالات.
ويتشكل رأس المال الثقافي المورث من خلال منح العائلات لأبنائها مجموعة من أنماط الحياة المتميزة، وشبكة من العلاقات الاجتماعية القوية، والتي تصبح شكلاً من التميز تستفيد منه الأجيال التالية.إن ثمة اتجاه لدى هذه العائلات نحو صياغة سلوك أفرادها ، وتشكيل قيمهم على مدار الأجيال ، ويتم ذلك من خلال بعض الممارسات مثل نمط التعامل الراقي ، التأهيل العلمي والأخلاقي ، تدعيم عادات فردية معينة ، تشكيل نمط حياة مختلفة ، ومستوى معيشي مغاير ، ويسهم كل ذلك في تعميق الاختلافات الطبقية للمجتمع .
أما رأس المال الثقافي المكتسب فيتوقف اكتسابه على بعض العوامل مثل الفترة الزمنية ، طبيعة المجتمع ، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد بالاضافة الى القدرات الذاتية ، والسمات الجسدية للفرد ، وثمة ترابط بين رأس المال الثقافي المورث والمكتسب ، حيث يمكن للفرد أن يطور رأس المال الثقافي المورث من خلال قدراته العضوية .
يتضح مما سبق أن رأس المال الثقافي لدى بورديو يعبر عن القدرات والمهارات العقلية والجسدية ، وكل أشكال المعرفة والخبرات التي يتحصل عليها الفرد إما نتيجة انتسابه لعائلة أو جماعة معينة أو نتيجة لمؤهلاته الذاتية وتنميتها وتطويرها.

رأس المال الاجتماعي:

يعني رأس المال الاجتماعي social capital – بصورة عامة – أن العلاقات التي يكونها الأفراد تمثل مصدراً قوياً للحصول على منافع وأرباح، ولذلك فإن هذا النمط من رأس المال يتشكل من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والأسر والجماعات ، بحيث تتيح هذه العلاقات الفرصة للوصول الى فوائد أو موارد قيمة
يعرف بورديو رأس المال الاجتماعي بأنه كم الموارد الواقعية أو المحتملة التي يتم الحصول عليها من خلال امتلاك شبكة من العلاقات الدائمة المرتكزة على الفهم والوعي المتبادل ، وذلك في إطار الانطواء تحت لواء جماعة معينة ، فالانتماء لجماعة ما يمنح كل عضو من أعضائها سنداً backing من الثقة والأمان الجماعي.
ويعتمد حجم رأس المال الاجتماعي الذي يتحصل عليه فاعل معين على حجم شبكة العلاقات التي يمكنه إدارتها بكفاءة ، ويعتمد كذلك على كم رؤوس الأموال الأخرى كرأس المال الثقافي والرمزي والاقتصادي التي يمتلكها الفاعلون الآخرون المشاركون في شبكة العلاقات.
وتستلزم عملية إعادة إنتـــاج رأس المـال الاجتماعي حداً أدنى من التجانس الموضـــوعي a minimum of objective homogeneity بين أعضاء الجماعة، كما تستلزم جهداً متواصلاً للحفاظ على تماسك الجماعة وتضامنها، وتستلزم كذلك مزيداً من الادراك والوعي المتبادل بين أعضاء الجماعة أيا كان شكلها (أسرة – أمة – جماعة أو حزبا سياسياً)
يتضح إذن أن برديو يؤكد على أن مفهوم رأس المال الاجتماعي يشير الى الموارد resources التي يمتلكها الأفراد سواء أكانت موارد كمية أو كيفية ، والتي يمكن أن تستخدم بطريقة إستراتيجية للحصول على مزايا وموارد أخرى- إقتصادية على وجه الخصوص _ ولذلك فإن رأس المال الاجتماعي يمثل قوة Power تساعد على خلق وترسيخ مزايا اجتماعية للفاعلين
ولقد أسهمت رؤية برديو لرأس المال الاجتماعي في إثارة العديد من الأفكار والأطروحات حوله ، وأصبح آداة منهجية يستخدمها الباحثون في مختلف العلوم الاجتماعية، فيرى وليم والترز أن علماء الاجتماع يستخدمون هذا المصطلح بصورة نمطية للإشارة الى قدرة الفاعلين actors على الحصول على منافع benefits بموجب عضويتهم في الشبكات الاجتماعية Social networks أو أية كيانات اجتماعية أخرى، ويستخدم علماء السياسة المفهوم بطريقة مغايرة _ وإن كانت تتفق بشكل عام مع تصور برديو _ إذ أنهم يعتبرون رأس المال الاجتماعي سمة للمجتمعات والأمم وليس للأفراد فقط ، بمعنى أن رأس المال الاجتماعي يشير الى السمات الموجودة في التنظيم الاجتماعي كالثقة Trust والمعيارية ، والترابط ، والتي تيسر الفعل الاجتماعي وتنظمه ، مما يسهم في رفع كفاءة البناء الاجتماعي.
ويوجد الآن العديد من الاتجاهات المثمرة للبحث الأمبيريقي التي استوحت أو على الأقل تأثرت بنموذج بورديو في رأس المال الاجتماعي، أحد هذه الاتجاهات قدم دليلاً قوياً على الارتباط بين رأس المال الاجتماعي والحصول على وظائف أفضل والترقي المهني المبكر والأرباح العالية والرعاية الصحية العضوية والنفسية، وكشف اتجاه آخر من هذه البحوث عن أن نقص رأس المال الاجتماعي قد فاقم مشكلات الفقراء.إن الإقصاء الاجتماعي وهو أحد أشكال نقص رأس المال الاجتماعي يؤدي بالافراد والأسر وكل الجماعات غير المستفيدة من الامتيازات الاجتماعية إلى السقوط في دائرة الفقر، وأخيراً يمكن القول أن رؤية بورديو تقدم فهماً أفضل لفوائد شبكة العلاقات والاتصالات بمالكي رأس المال الاجتماعي في الحصول على فوائد مهمة في مواقع اجتماعية متنوعة خاصة عملية التوظيف.

رأس المال الرمزي:

يقصد برأس المال الرمزي symbolic capital الموارد المتاحة للفرد نتيجة امتلاكه سمات محددة كالشرف Honor والهيبة Prestige والسمعة الطيبة renown والسيرة الحسنة reputation والتي يتم إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع.
ويرى بورديو أن رأس المال الرمزي هو مثل أي ملكية أو أي نوع من رأس المال – طبيعي ، اقتصادي، ثقافي ، اجتماعي – يكون مدركاً من جانب فاعلين اجتماعيين تسمح لهم مقولات إدراكهم بمعرفتها والإقرار بها ، ومنحها قيمة (مثال الشرف في مجتمعات البحر المتوسط هو صيغة نمطية من رأس المال الرمزي ، لاتوجد الا عبر السمعة أي التمثيل الذي يقوم به الآخرون في حالة اشتراكهم في مجموعة معتقدات خاصة تجعلهم يدركون ويقيمون خصائص معينة، وأنواعاً من السلوك إذا كانت شريفة أو مخلة بالشرف).
ويدخل رأس المال الرمزي مختلف الحقول والمجالات ومختلف أشكال السلطة والهيمنة وفي مختلف أشكال العلاقات الاجتماعية ، فكل علاقة اجتماعية هي علاقة سلطة _ بشكل ما _ تتضمن رأس المال الرمزي ، فخاصية الشرف – التي ذكرناها منذ قليل – تحمل معاني أخلاقية محددة ، بحيث أن من يملك خصائص الشرف – كالقيم والمعتقدات والتصرفات – يعد شريفاً ، ومن لا يملكها لا يعد كذلك ، ويكون الشخص الشريف موضع احترام وثقة وتقدير تبعاً لما يملكه من رأس مال رمزي ، ومن ثم يرتبط رأس المال الرمزي بأهمية الموقع الذي يشغله الفرد في الفضاء الاجتماعي من جهة ، وبالقيمة التي يضفيها الناس عليه من جهة أخرى، وتتعلق هذه القيمة بأنظمة استعدادات الأشخاص وتصوراتهم المتوافقة مع البنى الموضوعية القائمة.
ويرتكز رأس المال الرمزي على الذيوع والانتشار Publicity والاستحسان appreciation إنه يرتبط بالهيبة والسمعة والشرف ، التي تلاقي تقديراً من الآخرين، إن رأس المال الرمزي يمكن اعتباره رأس مال من الشرف والهيبة Capital of Honor and Prestige ويتطلب تراكم هذا الشكل من رأس المال جهداً متواصلاً من أجل الحفاظ على العلاقات التي تؤدي الى الاستثمار المادي والرمزي له.
لقد طور بورديو مفهوم رأس المال الرمزي باعتباره يمثل شكلاً خاصاً من رأس المال يتجاوز من خلاله المفهوم الماركسي لرأس المال ، ففي حين ركزت الماركسية على أهمية العوامل الاقتصادية باعتبارها محددات للممارسات الاجتماعية ، حاول بورديو إبراز البعد الرمزي في فهم إدراك السلوك الإنساني ، وخاصة في دراساته في شمال إفريقيا ، حيث يكون البعد الرمزي أكثر أهمية ، ويؤكد بورديو أنه لا يوجد شئ يخلو من رمزي . .
إن أهم ما يميز تصور بورديو عن الأشكال “الأصولية” orthodox forms للماركسية هو أنه لم يختزل كل صور الحياة الاجتماعية في البعد الاقتصادي ، إنه يرى أن هناك تسانداً وتفاعلاً بين الأبعاد السياسية والرمزية والثقافية والاقتصادية، ويعتقد أننا إذا سلمنا بوجود استقلال كامل بين هذه المجالات ، فسوف ننتج نظرة ثنائية حادة وخاطئة لكل أنظمة المجتمع، وبالتالي يقترح برديو أنه ينبغي التخلي نهائياً عن تلك الثنائية الكلاسيكية: اقتصادي _ غير اقتصادي.
ـــــــــــ
(*)هذا المقال جزء من بحث منشور للكاتب ( بتصرف يسير) في المرجع التالي:
– حسني إبراهيم عبد العظيم، الجسد والطبقة ورأس المال الثقافي: قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو، مجلة إضافات( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد 15 صيف 2011.

لمزيد من المعلومات حول بيير بورديو يمكن الرجوع إلى:
– أحمد موسى بدوي، ما بين الفعل والبناء الاجتماعي: بحث في نظرية الممارسة لدى بيير بورديو، مجلة إضافات( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد الثامن خريف 2009.
– بيير بورديو، أسباب عملية : إعادة النظر للفلسفة ، تعريب أنور مغيث ، دار الأزمنة الحديثة ، بيروت،1998
– عبد الله عبد الرحمن يتيم، بيير بورديو أنثروبولوجيا، مجلة إضافات ( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد 14 ربيع 2011.
– عصام العدوني،السوسيولوجيا والمجتمع لدى آلان تورين وبيير بورديو، مجلة إضافات( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد 12، خريف 2010.
– Loïc Wacquant, The Sociological Life of Pierre Bourdieu,
International Sociology , December 2002,Vol 17(4

المصدر:  الحوار المتمدن – العدد: 3503 – 2011 / 10 / 1 – 09:09

Exit mobile version