أ. مقدمة
ب. محاولة للتعريف
ج. الهوية اللبنانية – محدّدات
د. الهوية اللبنانية الرقمية
ه . الهوية الجندرية (دراسة حالة) :
لدراسة الحالة ، سأعتمد على أسس المدرسة التفاعلية – الرمزية التي تشدّد على طبيعة الحوار ذاته في إستشفاف وفهم الواقع الذاتي الذي يحيا فيه كل طرف وإسقاطات هذا الواقع على الموضوعي .
هناك فهمي الخاص والذاتي للحقيقة الموضوعية (المفترضة خارجية) ، فالمجتمع الواقعي في هذه الحالة غير مهم ، قدر أهمية تصوري عنه ، ومدى تأثير هذا التصور على رؤيتي للآخر ، وقدرتي على التقارب أو التنافر .
هذا الفهم الخاص ، معطوفاً على تصوراتي عن فهم الآخرين له (وضمن ذات النص) ، يقدم لنا صورة إفتراضية عن الواقع ، فكيف إذا كان هذا الإفتراضي ضمن فضاء رقمي ، يمكن زيارته دوماً ، وتأكيده مراراً ، والتفاعل معه على بعد نقرة من الهاتف الذكي ! وكأنني أحمل عالمي معي ، فالمجال العام أضحى خاصاً ، كما أن ما أقوله ضمن هذا الفضاء هو عام بقدر ما أسمح له [1].
ه- 1 : مفهوم الجندر :
إن هناك إختلافاً بين الجنس (Sex – Sexe) والجندر (Gender – Genre) ، حيثُ شُكِّلَ مفهوم الجندر إجتماعياً في مقابل إختزال الفروقات بين الرجل/المرأة إلى حالةِ جنسٍ مدركَة كفارق تشريحي بيولوجي فقط[2] . فالجندر يستخدم “للإشارة إلى الفروق بن الذكور والإناث الراجعة إلى عمليات تنميط إجتماعي وثقافي ونفسي”[3] .
ليس الجندر ثابتاً . فهو ، وبعكس الجنس البيولوجي الذي يؤسس للجندر ، متغيّر . ومن بداهة القول ، أن الوظائف والمميزات البيولوجية لكل واحد من الجنسين لم تتغير عبر التاريخ ولن تتغير في المستقبل القريب . وعلى العكس من الجنس ، فإنّ الجندر متحرّك ومتقلّب . فالمحدّدات الإجتماعية والثقافية للإنتماء لواحد من الجنسين تبدّلت عبر التاريخ ، وتختلف في الزمن الواحد عبر المجتمعات ، وفي البلد الواحد تتغير بحسب الطبقات والثقافات الفرعية والطوائف والمناطق وما إليها من المتغيرات .[4]
إن الجندر هو تصنيف ثقافي وإجتماعي محدّد بالمعاني المعطاة للإختلافات البيولوجية بين الجنسين . والأدوار الجندرية هي المهارات الإجتماعية ، القدرات، وطرق الفعل التي تعتبر مناسبة للأفراد في المجتمع إعتماداً على جنسهم .[5]
إن الأساليب التي يتم بها تمييز أجساد الذكور من الإناث ، الأدوار التي يلعبانها في التناسل ، الفهم الشائع حول أسس الإختلاف البيولوجي ، السمات الثقافية التي تميز الذكورة والأنوثة ، والأهمية المرتبطة بهذه الإختلافات ، تتفاوت من ثقافة إلى أخرى . هذه الإختلافات الثقافية (والبيثقافية) كما التعبير الرمزي عنها هي ما تنطبق عليه دراسة الجندر .[6]
ه – 2 : مناقشة الطروحات :
قبل أن أستخلص المفهوم المعتمد ، سأناقش الطروحات التي ذكرتها :
- النقطة الأولى المتفق عليها ، أن الجنس هو التمايزات البيولوجية والفيزيولوجية بين الذكر والأنثى ، أما الجندر (وأحياناً يتم ترجمة الكلمة “النوع”) فهو التمايز الثقافي الذي يعتمد على التمايز البيولوجي .
- النقطة الثانية ، الجنس ثابت ستاتيكي ، بينما الجندر متغير دينامي . وإذا كان الأول متغيراً ، فلا معنى للحديث عن الجندر ! ثبات الأولى ضرورة لوجود الثانية ، وثباتها مَنَعها أن تكون خاضعة لأي تغيّر ، هي مستقلة بذاتها عن الخارج ، وإن كانت خاضعة لبنية ذاتية كامنة فيها! والطفرات فيها ممكنة لكنها إستثنائية (وجود عضوَيْ الذكورة والأنوثة معاً) . في هذه الحالة الإستثنائية ، لن يمنع هذا ، التوصيف الجندري الخاضع للثقافة والمجتمع ! والجندر (بالحالة العامة) مرتبط بالفارق التشريحي ، لكنه ليس إرتباطاً أحادياً ، صحيح أنه على هذا الفارق تبنى الأدوار الجندرية ، ومنه تستمد سمات وخصائص ثقافية خاصة بكل جنس ! لكن إختلافها بين الثقافات يؤكد إعتماديتها على عوامل أكثر من مجرد سمة تشريحية !
- وهنا نصل إلى النقطة الثالثة ، وهي إرتباط الجندر بالمخيال الإجتماعي، المبني بدوره على الذاكرة والتاريخ والدين (إذا أردنا أن نحدّد أركانه الأساسية) ، يتم التعبير عنه برموز ثقافية ، وكله سنجد له مصداقاً فيما سيلي .
الجندر ، إذن ، هو المحمولات الثقافية والرمزية التي يحمّلها المجتمع للإختلاف الفيزيولوجي بين جنس الذكورة وجنس الأنوثة ! هذه المحمولات الرمزية تختلف بإختلاف الثقافات والمجتمعات ، تكون بارزة في إحداها ، وكامنة في أخرى ، علنية وصريحة أو تتسرب عبر زلات لسان حاملها !
والهوية الجندرية في هذا المقام ، هي الجزء الذي يبرز من الهوية الثقافية ، عندما يتخلل الحوار بين الجنسين (أو ضمن الجنس الواحد) ، موضوعات خلافية أو حتى مشتركة تناغمية بينهما .
[يتبع الأسبوع القادم]
الهوامش :
[1] شروط الخصوصية على الفيسبوك مثلاً ، تسمح لك بتحديد من يرى منشوراتك (عام للجميع ، للأصدقاء ، لأصدقاء الأصدقاء ، لأصدقاء تختارهم أنت أو لك فقط) !
[2] Christine Guionet et Erik Neveu. (2004). Féminins /Masculins- Sociologie de genre, éd. Armand Colin, p 5.
[3] شارلوت سيمور-شميث ، (1998) ، موسوعة علم الإنسان ، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، ط 1 ، (المشروع القومي للترجمة ، عدد 61) ، ص 520
[4] عزة بيضون ، (2012) ، الجندر ماذا تقولين؟: الشائع والواقع في أحوال النساء، دار الساقي، بيروت ، ط 1، ص 20 .
[5] H. James Birx (editor). (2006). Encyclopedia of anthropology, Sage Publications, California, VIII, P 1031.
أنظر أيضاً :
David Matsumoto (editor). (2009). The Cambridge Dictionary of Psychology, Cambridge University Press, New York, p 216.
Steve Bruce and Steven Yearley, (2006), The Sage Dictionary of Sociology, SAGE Publications, California, 1st Ed, p 120.
Edgar F. Borgatta (editor), (2000), Encyclopedia of Sociology, Gale Group, USA, 2nd Ed, V II, p.p 1057 – 1064.
[6] Alan Barnard & Jonathan Spencer (editors), (2002), Encyclopedia of Social and Cultural Anthropology, Routledge, USA, p 385.
ملاحظة :
تم نشر هذه الورقة ضمن فعاليات المؤتمر الرقمي الأول للإنسانيات والعلوم الإجتماعية – والذي صدرت أعماله لاحقاً ضمن كتاب – (يمكن تحميله مجاناً)