موقع أرنتروبوس

المقابلة – تقنية في البحث الأنثربولوجي

heather

بقلم: سوسان جرجس

يرى “بنغهام ومور” (Bingham et Moore) بأنّ المقابلة (the interview – l’entretien) هي حوارٌ متّزن، لا بل عملية تواصل تسعى نحو هدفٍ محدد[1]. وتعتبر المقابلة من الطرق/التقنيات الرئيسية لجمع المعلومات في البحث النوعي. فعن طريق المقابلة يستطيع الباحث الأنتربولوجي أن يتعرف إلى أفكار ومشاعر ووجهات نظر الآخرين، كما تمكّنه من إعادة بناء الأحداث الإجتماعية التي لم تلاحظ مباشرة.

يستلزم إجراء المقابلة في البحث الأنتربولوجي تنبّه الباحث الى ثلاث نقاط أساسية ألا وهي:

بناءً عليه فلإجراء المقابلة سمات منهجية لا بدّ من توفّرها، ومن ذلك ضرورة التحفيز المستمر لمن تجري المقابلة معه وذلك بهدف الحصول على أكبر قدر من المعلومات، كما يُفترض بالباحث أن يغيّر أسلوب مقابلته حسب تغيّر شخصية من يقابله، بمعنى آخر فإن عليه دائمًا أن يخلق جوًا طبيعيًا يشجّع على الثقة والصراحة ويخّفف من حدّة المسافة النفسية  – الإقتصادية – الإجتماعية بين الباحث و”المبحوث”، أي أنّ العلاقة بين الإثنين يفترض ألّا توسم بأي شكل من أشكال السلطة أو التراتبية الإجتماعية أو الطبقية، فذلك قد يؤدي إما الى الإمتناع عن تقديم المعلومات أو تقديمها مشوهة (أحيانًا كثيرة متطابقة مع آراء الباحث ووجهة نظره).

من حيث التقنين يمكن تصنيف المقابلة إلى ثلاثة أنواع:

إنّ أغلب المقابلات التي يجريها الباحث الأنتربولوجي عادة هي مقابلات فردية، ففي الكثير من المواضيع قد لا يرغب المتكلم في الإفصاح عن آرائه وأخباره أمام الآخرين. بل يفضل الإدلاء بها أمام باحث (غريب) عوضًا عن أن يطّلع عليها المقرّبون فيصبح عرضة للمراقبة والنقد. وهذا النوع من المقابلات يحتاج لإعداد مسبق من قبل الباحث بعد اتخاذ موعد مع المستجوب.

ولكن في بعض الحالات قد يعمد الباحث لإجراء مقابلات جماعية وهذه إما أن تكون:

وإذا كان من حسنات المقابلة الفردية أن الشخص يقول ما يشعر به وما يقوم به شخصيًا دون مسايرة أو تأثر بشخص آخر، فإنّ فائدة المقابلة الجماعية هي أنه في حال توقف أو تردد “المبحوث” عن الكلام، يدفعه أحد المشاركين إلى الاستمرار مما يغني البحث بالمعلومات.

قد تعترض المقابلة بعض الصعوبات المرتبطة إما بمن تُجرى معه المقابلة وإما بالباحث نفسه. فقد يفرط المتكلّم في تقدير نفسه للتأثير على الباحث وقد يُظهر صعوبات في الفهم وأحيانًا يحيد في كلامه عن هدف المقابلة. وقد يكون الباحث نفسه سببًا لبعض الصعوبات كعدم التمرّس والتدريب أو عدم “الموضوعية” أو عدم الجهوزية الكاملة للمقابلة…..

وللتخلص من هذه الصعوبات يفترض بالباحث تبني إستراتيجية منهجية تحفّز المتكلّم على عدم التكتم وتقديم المعلومات بصدق وأمانة معتمدًا بذلك على:

ويفترض بالباحث أن يُقرِن المقابلة بالملاحظة، فيُلاحظ كل ما هو ذو دلالة سواء لجهة التعابير اللغوية والمفاهيم المستخدمة أو لجهة حركات الجسم واليدين وتعابير الوجه؛ ومن حسن إدارة الباحث للمقابلة أن يحسن إختيار المكان والزمان الملائمين وتحديد دقيق للمدة الزمنية التي تستغرقها المقابلة.

واذا كان “روجرز” (C. Rogers) قد أكّد على أن استكشاف “مسألية” البحث في المقابلات  يكون بالإنتقال تدريجيًا من “السطحي” و”البسيط” إلى “العميق” و”المعقد”، إلّا أنّه يجب التنبه إلى ما قاله “كوفمان” (Jean Claude Kaufmann) وهو أنّ الأحاديث المجمّعة من المقابلات لا تَستَوجِب إعتبارها حقيقة مطلقة ولا تشويه منظّم لهذه الحقيقة. إنّها أحاديث معقّدة ، غالبًا ما تكون متناقضة، غير أنّ فيها غنى غير منظور؛ وهذا ما يسمح – عبر تناقضاتها – بتحليل نسق الهوية، وهو ما يقدم أيضًا منطلقات من أجل ملاحظة الأنساق الإجتماعية الغامضة[6].

 تجدر الإشارة إلى أهمية إستخدام تقنيات تسجيل المقابلة شرط الموافقة المؤكدة للأمانة “العلمية”، ذلك أنّ التسجيل يساعد الباحث على إعادة النظر في المعلومات التي قيلت ويسمح بتأمُلها مرة أخرى قبل تفريغها في نص مكتوب.




كاتبة المقال : سوسان جرجس : كاتبة وباحثة في مجال الأنثروبولوجيا من لبنان. تركز اهتماماتها على الدراسات الجندرية. تهوى الكتب والمطالعة وكتابة الشعر والقصة القصيرة. تكتب في بعض المواقع الإلكترونية العربية مثل مجلة معارج الفكر ومجلة صدى الفصول الشعرية.




الهوامش:

[1] Voir: Rodolphe Ghiglione et Benjamin Matalon, Les enquêtes sociologiques: Théories et pratiques, Paris, A, Colin, 1991, p. 11.

[2]Hygin Kakal, Contribution à la recherche qualitative, cadre méthodologie de rédaction de mémoire, Université de Franche – Comité, Février 2008.

[3] عبد الباسط عبد المعطي، البحث الاجتماعي-  محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه وإبعاده ، دار المعرفة الجامعية، ص.281.

[4] عاطف وصفي، الانتربولوجية الاجتماعية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر،1981،ص.169.

[5] محمد عبده محجوب، طرق ومناهج البحث السوسيوأنثربولوجي , دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية، 2005, ص. ص 55- 56.

[6] Jean Claude Kaufmann, corps de femmes. Regards d’hommes sociologie des seins nus.op.cit, p268.

Exit mobile version