موقع أرنتروبوس

المعتقدات الشعبية في العالم العربي

التراث الشعبي الفلسطيني كحلقة وصل

أ.د.يحيى جبر                 أ. عبير حمد

تلعب المعتقدات الشعبية دورا خطيرا في توجيه سلوك أفراد المجتمع، حتى ليبلغ إيمانهم بصحة هذه المعتقدات حدا يجعلهم يخالفون العلم وحتى الدين الصحيح في سبيل تطبيق ما تدعو إليه هذه المعتقدات. حيث تعمل في المجتمع عمل السحر فيتبعها الأفراد دون أي إعمال لعقولهم أو محاكمة لمدى صحتها أو خطئها. وفيما يلي سنتعرض لبعض المعتقدات الشعبية الشائعة في فلسطين والوطن العربي.

أولا: معتقدات متعلقة بالعقم والإنجاب

قديما،وقبل الستينيات كان المجتمع المحسي لا يعرف سوى الوسائل التقليدية للوقوف على أي من الزوجين مسئول عن العقم، وكانت تنحصر هذه الوسائل في اللجوء إلى الأولياء (الفقرا)، سواء داخل المنطقة أو خارجها، واستعمال وصفات الطب البلدي أو الشعبي، فضلا عن وسائل وأساليب فك الكبسة أو علاجها واستشارة ضارب الودع (الرمالي) (وباللغة المحلية جوجوش موجى). هذا وكانت هذه الوسائل التي تهدف تحقيق الإنجاب.

ونظرا لأهمية الإنجاب، ولأن العقم يمثل خطرا كبيرا على الحياة الزوجية، ويهدد استمرارها، فإن هناك عدة احتياطات وإجراءات يتخذها أفراد مجتمع المحس للوقاية من العقم والتهيؤ للحمل، وللمحافظة على خصوبة من تملكها بالفعل، لذا يتخذ ذلك بالنسبة لمن لم تنجب، أو أنجبت عددا من الأولاد، ويدور أغلب هذه الاحتياطات حول المشاهرة التي تمثل الفعل المضاد للكبسة، أو وسيلة الوقاية منها، ومنها:

*ضرورة ربط “الجرتق وعمل الضريرة” في الختان والزواج حتى لا تحدث الكبسة للمراد ختانهن وزواجهن.

*ضرورة تجديد الحنة للعروس حتى لا تصير قديمة وبالتالي قد تصيبها الكبسة إذا دخلت عليها امرأة ذات حنة جديدة.

*ضرورة تحنية الواضعة قبل الوضع، حتى لا تحدث لها كبسة إذا دخلت عليها امرأة متحنية.

*ضرورة ارتداء العروس حلى ذهبية جديدة حتى لا تحدث لها الكبسة إذا دخلت عليها امرأة مرتدية حليا ذهبية جديدة.

*منع دخول عروس حديثة الزواج على عروس مثلها قبل الأربعين.

*منع دخول الشخص الذي رأى هلال الشهر العربي على العروس قبل أن تراه هي. (30)

إذا كانت احتياطات وإجراءات الوقاية من العقم تدور حول كل من المرأة والرجل، وإذا كانت تخص المرأة أكثر من الرجل، فإن الممارسات التقليدية التي تهدف تحقيق الإنجاب وعلاج العقم تتركز حول المرأة ….. وسنورد فيما يلي أكثر هذه الطرق انتشارا، فضلا عن وسائل العلاج الأخرى والمتبعة في علاج العقم وإكساب الخصوبة للمرأة العاقر بمجتمع المحس:

*تستعمل العقيم الصابونة التي تكون قد غسلت بها الجنازة، في الاستحمام وهي عادة ما تسرق لها،دون علم أهل الميت، وذلك لأنه يعتقد في فاعليتها لفك الكبسة. (31)

*أيضا إذا تسبب في العقم عارض ( الجان أو الأرواح الشريرة) فتذهب العقيم إلى “الفقير” حيث يكتب لها آيات قرآنية إما على طبق  أبيض أو أوراق، وتقوم العقيم بغسلها بالماء وشرب مائها. (32). وغني عن القول أن كثيرا من هذه المعتقدات هي ذاتها شائعة في كثير من الدول العربية. وإن كانت بدأت تتراجع تحت وطأة ضربات العلم والثقافة التي عرفت طريقها إلى المدن والقرى العربية.

ثانيا: معتقدات خاصة بالموت

الموت، ذلك الحدث الرهيب، الذي يحسب له الناس ألف حساب، فكان من الطبيعي أن يأخذ نصيبه من معتقداتهم حيث نجد أن هناك رموزا “تشير إلى موت الحالم ذاته، ومن ذلك الجمل والنعش. فيجمع الإخباريون على انه إذا حلم شخص ما بأنه يركب جملا فهذا الرمز يدل على قرب وفاته ….. وتفسر الإخبارية ذلك بأن رمز الجمل في الحلم هو النعش

كما تتفق الرموز الدالة على وفاة الأزواج والآباء في الأحلام، وذلك لكون الدور الاجتماعي والاقتصادي الذي يلعبه كلاهما في حياة الحالم متشابها، إذ أن كليهما رب أسرة وحاميها، ومصدر رزقها، فهو الركن الأساسي في تكوين الأسرة، وعندما ترمز الأحلام لموت واحد منهما يكون الرمز الدال أن البيت قد تهدم، أو أن أحد جدرانه قد سقط، أو أن العمود الذي يحمل سقفه وقع، أو أن “العريشة” التي تحمي صحن الدار من لهيب الشمس قد سقطت،وكلها رموز تشير بشكل مباشر إلى أهمية المتوفى في حياة الأسرة.” (33)

“وتلعب الجماعات الدينية بالقرية، دورا هاما * في محاولة التعامل مع هذه المعتقدات، حيث توجه أفرادها وتحاول التأثير في بقية أفراد المجتمع من حيث أداء بعض الممارسات التي تكفل عدم تحقق الحلم الذي ينبئ بالموت، ومن ذلك أن يقوم الحالم من نومه فيبصق على يساره ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويصلي ركعتين لله وينام، ولا يحكي حلمه لأحد. وبهذا يكون صرف الشيطان عن التنفيذ، الأمر الذي يوعز بأن مبعث تلك الأحلام المنذرة بالموت، هو الشيطان الذي يطلب من الحالم أن يبصق عليه، ويكون موجودا دائما على يسار الحالم. وتختلف درجة الاعتقاد في حتمية تحقق تلك الرموز، تبعا لعدة مؤثرات، منها التقدم في العمر، والنوع، وعمليات التنشئة الاجتماعية، والحصول على بعض الدرجات العلمية” (34)

رابعا: معتقدات خاصة بالأعداد.

يشكل العدد أحد أبعاد التراث الشعبي، وذلك لما تتمتع به الأعداد من ظلال نفسية تتعدى قيمتها الحقيقية، ومصدر هذه المكانة والقدسية متنوعة، فقد تكون مجرد مصادفة وقد يكون السبب ورودها في نصوص شرعية بشكل لافت للنظر.

والجدير بالذكر أن العدد ذاته قد تكون له دلالة إيجابية عند بعض الناس أو في بعض المناطق، في حين تكون  للعدد ذاته دلالة سلبية في مناطق أخرى. وسنتحدث فيما يلي عن العددين 7 و 40.

العدد 7:

لقد قسم الشرقيون الأقدمون العداد كغيرهم إلى قسمين: فردية وزوجية “هذا وغننا نجد كتابات مثيرة في الأساطير الصينية يتضح فيها أن العداد الفردية ترمز إلى اللون الأبيض والنهار والحرارة والشمس والنار، والأعداد الزوجية ترمز إلى اللون الأسود والليل والبرودة والمادة والماء والأرض” (35)

وقد اختص العدد 7 بشهرة أوسع من باقي الأعداد الفردية لأسباب عدة، فقد زعموا أن الله لما خلق العالم، رسم في كل أقسامه العدد المقدس (سبعة) ولذلك كانت الكواكب المشهورة أي السيارات (سبعا) وأيام الأسبوع سبعة، وأبواب الهواء سبعا والسيوف سبعة وأيام خلق العالم سبعة وبين الخليقة والطوفان 7 (مائة سنة).

وقد فضل الله هذا العدد على سائر الأعداد، وعلى ذلك جعل للقدس سبعة أبواب، وأدخل نوح إلى السفينة سبعة أزواج من الحيوانات، ورؤساء الملائكة سبعة، وأعمدة الحكمة سبعة. (36)

أما العرب والمسلمون، فقد كان للعدد 7 عندهم من المنزلة مثل ما كان له عند الأمم الأخرى، وذلك راجع لتأثرهم بمن سبقهم، كما أنه يرجع أيضا إلى بعض العقائد المتأصلة لدى العرب في الجاهلية، وكذلك بعض الشعائر الإسلامية، وأهمها الطواف حول الكعبة سبعة أشواط، والسعي بين الصفا والمروة 7 أشواط كذلك ، وأيضا رمي الجمرات سبع مرات في الحج.

هذا إضافة إلى عدد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي كثر ذكر العدد سبعة فيها. ومنها قوله تعالى: “قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم” (37) وقوله تعالى: “سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما” (38) وأيضا قوله تعالى: “كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة” (39) وغير ذلك كثير.

وكذلك الأمر في الأحاديث النبوية الشريفة ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” عليكم بهذا العود الهندي (يعني الكست) فإن فيه سبعة أشفية” وأيضا: “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه كلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب” وقوله (ص) “المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء” وكذلك قوله (ص): “اجتنبوا السبع الموبقات” وأيضا ” اجتنبوا السبع الموبقات” (40)

وهكذا نلاحظ بكل وضوح تكرار ورود العدد 7 في التراث القديم وفي القرآن الكريم وكذلك السنة الشريفة، ومن هنا فلا عجب إن كان للرقم سبعة من المكانة التي تميزه عن غيره من الأعداد.

ولما كانت الأمة العربية هي إحدى الأمم الشرقية، والشعب الفلسطيني هو أحد الشعوب العربية، فقد تمتع العدد سبعة في التراث الشعبي الفلسطيني بمكانة خاصة، تبرز في كثير من نواحي الحياة الشعبية ومن ذلك ورود العدد سبعة بكثرة في القصص الشعبي ومن ذلك قصة النساء السبع المطلقات (41)  وكذلك في “قصة (الأخوة الثلاثة) أنهم ساروا سبعة أيام. وفي قصة بنات عم الملك السبعة، أن الأفراح دامت سبعة أيام. بينما نجد أن سيف الدين عطل عمله للعزاء (في قصة الحمل الأزرق) عطل عمله سبعة أيام.” (42). وغير ذلك كثير

أما في الأغاني الشعبية الفلسطينية والعربية، فنجد حضورا لافتا للعدد سبعة من ذلك:

درج الحمام يا عروسة ع قميصك

ريتك سبع بركات ع عريسك

درج الحمام يا عرروسة ع عباتك

ريتك سبع بركات ع حماتك

وتخاطب النساء العروس قائلات:

رشي ع حالك سبع قناني

واخذت (فلان) سبع الرجال

والمقصود هنا سبع زجاجات عطر زيادة في التطيب.(43)

“وفي المهاهاة التالية نلمح رغبة الأم أو الأخت أن يكون أولادها أو إخوتها سبعة جريا على ما ورد في الحدوتة الشعبية، كما انه قد يكون القصد الكثرة:

اولادك يا فلانة يا رب خليهم

بتزاركوا ببارودهم جوا علاليهم

طلعت يا فلانة من الشباك تناغيهم

قالت اخوتي السبعة يا رب خليهم” (44)

وكذلك في أغاني الطفولة حيث ردد الأطفال قولهم ” الثعلب فات فات، وف ذيله سبع لفات”  وغير ذلك كثير مما لا نجد متسعا لذكره هنا، حيث إننا لا نكاد نجد ذكر لغير العدد 7 في الأغاني الشعبية.

أما في الألعاب الشعبية فنجد لعبة (السبع جور) وكذلك لعبة (السبع شحفات)

كما أننا نجد حضورا للعدد سبعة في الحزازير الشعبية ومن ذلك ” سبع قيقان ع سبع حيطان وكل واحد مقابل للثاني. (المزاريب). سبع مطارق لوز يهوزن هوز يصلن مصر قبل العصر (البرق) (45)

وكذلك الأمر في العادات والتقاليد الشعبية في فلسطين والوطن العربي ومن ذلك، احتفالات السبوع للطفل المولود وكذلك إحياء ذكرى للمتوفى بعد أسبوع من وفاته وتوزيع شيء من اللحوم أو الطعام صدقة عنه، وكذلك إقامة الأفراح سبع ليال في مناسبات الزواج والأفراح، وزيارة الأهل لابنتهم بعد أسبوع من زواجها، وغير ذلك مما لا يزال كثير منه شائع إلى يومنا هذا.

وأما في الطب الشعبي والمعتقدات والخرافات، فنجد للعدد سبعة، نصيب الأسد فيها ومن ذلك أنه “إذا أراد شخص التفرقة بين حبيبين، فإنه يأخذ ترابا من بيت نمل، ويقرأ عليه من سورة زلزلت إلى قوله أشتاتا يكررها سبع مرات، ويقول كذلك، شتت فلان ابن فلان ويرمي التراب في المكان، فإنهما يتفرقان” (46)

“عند الحجامة، يقرأ الحاجم قبل أن يشطب المحجوم، يقرأ الفاتحة سبع مرات، فإنه يحفظ الحاجم والمحجوم” (47)

وفي الأمثال الشعبية الفلسطينية والعربية، نجد حضورا لافتا للعدد سبعة ومن ذلك قولهم: عيلة السبعة ما الهاش شبعة، وكذلك والله سبع عجانات وسبع خبازات ما يلاحقن عليكو. ويقولون لكثير الأكل أبو سبع بطون، ويقولون في حسن الجيرة: النبي وصى على الجار وجار الجار حتى سابع جار. ويقولون للشخص المحتال أو المرائي : يلعب ع السبع حبال، ويقولون للمذنب: والله سبع بحور ما بطهرنك. كما يقولون للفتاة غير المؤدبة: والله لو وراك سبع فوارس غير تسوى اللي بدك اياه. ويقولون في مجال المجاملات: والله والسبع تنعام. وغير ذلك كثير من الأمثال المتداولة

ولكن الغريب أننا ورغم كل هذه القدسية التي تكتنف العدد سبعة، إلا أننا نجد عكس ذلك تماما في بعض المناطق، حيث يتشاءمون  بالعدد سبعة، وإن كان لا بد من ذكره فهم يبلون العين حاء فيقولون سمحة،ويروي أحدهم قصة حدثت معه وهو صغير فيقول: جئت إلى والدي وهو على البيدر يكيل القمح ويقول الله واحد، ما له ثاني، ثلاثة … وعند السبعة يقول سمحة، فسألت والدي ليش بابا بتقولش سبعة، فلم ينتبه إلي ولم يهتم لكلامي، فكررت عليه السؤال، فقال لي (سبعك) (48) انصرف، فقلت له: يا والدي ليس انصرف شو غلطت أنا، فقال والدي لا بس تذكرش هذا العدد وأنا أكيل وهنا أردت أن أداعب والدي فقلت بصوت عال: سبعة، سبعة، سبعة …. فما كان من والدي إلا أن طردني عن البيدر ولحقني وهو يسب علي ويشتمني.” (49)

وهكذا فقد رأينا تداخل المعتقدات وتشابهها ليس بين الأقطار العربية فحسب بل وأيضا غير العربية ولا غرو في ذلك لأن الأفكار والكلمات لا تستطيع الحواجز المصطنعة أن تقف في وجه زحفها وغزوها.

العدد 40

لقد لعبت الأعداد دورا بارزا في حياة الإنسان، فعقد عليها كثيرا من آماله، وبنى عليها العديد من أحكامه، فالسحر والتنجيم والفلسفة والميثولوجيا، كان العدد منطلقها في نتاجاتها التي وصلتنا عبر القرون.

وحرف الميم في الأبجدية، الذي يقابله العدد 40 ورد في فواتح 16 سورة من أصل 26، أي بنسبة 62% . ومن هنا تبرز أهمية العدد 40 لدى المسلمين. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى من أهمها الصدفة، فمثلا اكتشف أسلافنا “أن الخل من أجل أن تتكامل مقوماته، لا بد أن يبقى مخمرا في “بستوكَة” لمدة أربعين يوما، فيكون صالحا للاستعمال” (50)

إلا أن أبرز العوامل التي طبعت العدد 40 بطابع القدسية، هي  وروده في النصوص الشرعية من قرآن كريم وحديث شريف، ومن المواضع التي ورد فيها العدد 40 في القرآن الكريم قوله تعالى: “وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين” (51)  وكذلك قوله تعالى: “حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضه وأصلح لي ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين.” (52) وهنا نلاحظ اقتران بلوغ الأشد ببلوغ الأربعين مما ساهم في ترسيخ هذه السمة الخاصة للرقم 40.

وأما في الحديث الشريف، فقد ورد الرقم 40 كثيرا جدا ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” من أذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء والدنيا” وكذلك قوله (ص) ” من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى قوله: ” ويعلم ما تكسبون” وكل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة” وقولك أيضا: “من حفظ على أمتي أربعين حديثا في ما ينفعهم في أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة من العلماء”. وقوله: “شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما وإن مات في الأربعين مات كافرا” (53) كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر لأن المقام لا يتسع لذكرها كلها. ومن هنا فلا عجب أن يكون الرقم 40 رمزا للقدسية والمبالغة والتهويل.

وفي الأمثال الشعبية الفلسطينية والعربية نجد العدد 40 حاضرا كذلك، ومن ذلك قولهم  “اشتغل الشيطان بكل شغلة يوم واشتغل بالكدية أربعين يوم” وقولهم ” الله أقل صبره أربعين سنة” وكذلك “العربي أخذ ثاره بعد أربعين سنة وكَال استعجلت” وكذلك: ” وجب الزاد ولو أربعين لقمة” وقولهم: ” من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم” وأيضا: ” أربعين شاركوا بزبيبة” وغير ذلك كثير. وهكذا نجد أن العدد 40 يستخدم هنا للدلالة على الكثرة والمبالغة.

وفي الحكايات الشعبية لا نستطيع إغفال ورود العدد 40 دونا عن غيره من الأعداد ومن ذلك قصة “علي بابا والأربعين حرامي” الوارد في كتاب ألف ليلة وليلة وكذلك قصة “أبو أربعين مرة” (54) .

وفي العادات والتقاليد الشعبية في مختلف البلاد العربية، نلاحظ أن العدد 40 له مكانة خاصة في توقيت إقامة الاحتفالات أو الطقوس المختلفة. ومن ذلك إقامة الحفلة للأم والمولود بعد انقضاء أربعين يوما على وضعه في كثير من الدول العربية، وكذلك إقامة حفل تأبين للميت بعد مرور أربعين يوما على موته ” وربما يعود سبب تحديد فترة التأبين بأربعين يوما إلى ذلك العصر، أو إلى الاعتقاد السائد لدى العامة من جميع الأديان، بأن الأرواح تزور جثتها بعد أربعين يوما من الوفاة، لذلك نرى أن طقوس الأربعين في التأبين لم تقتصر على شعب دون آخر، أو على امة أو دين دون سواها، فاليهود والمسيحيون والمسلمون وقبلهم الفراعنة، وربما السومريون والبابليون جميعهم، كانوا يؤبنون موتاهم بعد مرور أربعين يوما من وفاتهم، كل حسب طرائقه الخاصة” (55) ومن المعتقدات الشعبية التي يسيطر العدد 40 عليها ومن ذلك ما يلي:

*  يعتقدون أن القصاب إذا باع اللحم لمدة أربعين يوما بإخلاص فهو (نغل) لقناعتهم بأن القصابين لا بد أن يغشوا في مهنتهم.

* يقرؤون بعض الأدعية والسور القرآنية للحصول على مطالبهم أربعين مرة لأربعين ليلة.

* يعتقدون أن من صلى وصام فإن الله يبارك بأربعين من جيرانه ويدفع البلاء عنهم. ولذلك نسمعهم يقولون لمن يعرف بالتقوى والعبادة ( الله ينفعنا ببركاتك).

* وثمة اعتقاد بأن المطر ظل ينهمر على الأرض بعد خلقها أربعين يوما بلياليها.

* ويعتقدون أن المرأة النفساء إذا ماتت قبل أن تتم أربعين يوما بعد الولادة محا الله ذنوبها وأدخلها الجنة لتكون من الحور العين.

* ويعتقدون أن الكبش الذي فدى الله به إسماعيل إنما سمي عظيما لأنه رعى في الجنة أربعين عاما.

* ويعتقدون أن الطفل الأزرق العينين، إذا رضع من لبن الجارية أربعين يوما اسودت عيناه.(56) هذه بعض معتقداتهم المتعلقة بالعدد 40 وهي على سبيل المثال لا الحصر أيضا، لأن موضوع العدد في التراث الشعبي يحتاج لبحث مستقل وإنما نورده هنا لعلاقته ببحثنا هذا.

خاتمة:

وبعد، فقد حاولنا في هذا البحث لملمة أطراف موضوع شائك وشائق في الوقت ذاته، فكل محور في هذا البحث يحتاج لإفراد بحث مستقل له وربما كتاب لنوفيه حقه من الدراسة والتحليل، وإنما اكتفينا هنا بالإشارات السريعة، التي نرجو أن تكون دالة.

وكما لاحظنا، فإن عناصر التراث الشعبي العربي وصوره المختلفة لا يزال كثير منها ينبض بالحياة في أكثر من قطر عربي، لأن الروح التي تسري في هذه المأثورات الشعبية هي ذاتها وإن وجدت الحدود المصطنعة والحواجز الزائفة، فاللغة واحدة والمعتقدات واحدة وكذلك التاريخ والذوق متقارب إلى حد التطابق أحيانا، وكثيرا ما يجد الدارس عناء في نسبة شيء من عناصر التراث الشعبي لقطر عربي دون غيره وذلك لما بينها من تشابه وتداخل، وهذا مما يثلج الصدور ويسعد النفوس، ولكن علينا أن نعمل جاهدين لإحياء هذه العناصر الناصعة من صور تراثنا الشعبي لتكون عامل وحدة وبناء في وجه المحاولات الشرسة لزرع بذور الفرقة والخصام.

الهوامش:

Exit mobile version