موقع أرنتروبوس

الفلكلور

المصطلح :

يعتبر “وليم جون تومر William Jhon Thoms” أول من صاغ مصطلح “فولكلور” في رسالة بعث بها في مجلة “ذي اثنيون The Athenacum” في سنة 1846. وقد اعترفت جمعية الفولكلور الإنجليزية بهذا المصطلح عند تأسيس سنة 1877.
وقد جاء هذا الإصطلاح ليخلف عبارة “الآثار الشعبية القديمة (الأثريات) التي كانت تستخدم في دراسة المأثورات والعادات والتقاليد.
يتألف اصطلاح فولكلور من مقطعين Folk ويعني الناس وLore ويعني معرفة أو حكمة، وتعني الكلمة بذلك معارف الناس أو حكمة الشعب- وهناك من العلماء من يرى أن المصطلح هو ترجمة للكلمة الألمانية “فولكسكندة VOLKSKUNDE” التي عرفتها الدراسات الألمانية بداية القرن 19

المادة الفولكلورية :
لعل الإهتمام بالمادة الفولكلورية يعود إلى تلك الكتب التي كتبت حول بعض الأجناس البشرية أو الشعوب والأقوام مع نهاية العصور الوسطى مثل كتاب “جرمانيا” GERMANIA لتاسيتوس الذي نشر في القرن الخامس عشر (15) ولقي اهتماما كبيرا من طرف الدارسين الألمان وأعيد طبعه عدة مرات. وحذا الدارسون خذوه فظهرت عدة دراسات ترمي إلى وصف سكان بعض المناطق وتؤرخ لحياتهم مثل كتابات سبستيان فرانك SBASTIAN FRANK الذي توخى فيها، وصف الأحياء والمدن الألمانية في القرن السادس عشر وقد استمر الإهتمام بالمواد الفولكلورية في الفرون التالية. ونضج هذا الإهتمام في ألمانيا على يد الأخوين “ياكوب جريم” و”فلهلم جريم” في منتصف القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، واتسمت معالجاتهم للمادة الفولكلورية بالمنهجية العلمية فجمعها منظما وعملا على تحليلها وتصنيفها وشرحها. لقد يسر الأخوان جريم للناس الإطلاع على المادة الفولكلورية وقاما بتبسيطها لتكون في متناول الجميع ورغم أن علم الفولكلور اليوم لايسمح بإجراء تعديلات وتغييرات مشابهة لتلك التي أجراها الأخوان جريم على المادة الفولكلورية (إعادة الصياغة) فلا شك أن لهما فضل لفت الأنظار إلى أهمية هذه المادة وتقريبها إلى نفوس الناس وتخليدها في منشورات ظلت تلقى اقبالا كبيرا من طرف القراء إلى يومنا هذا. –لم يكتف الأخوان جريم بعملية الجمع والتنظيم والتصنيف بل تجاوزها إلى محاولة التنظير فقالا بانحدار الحكايات الأوروبية من التراث الهندو أوربي وأن الحكايات الموجودة في عصرهم ما هي إلا بقايا أساطير مندثرة وإذا كانت مثل هذه النظريات قد تجوزت الآن ولم تبق مقبولة، فإنه كان لها فضل إثارة نقاشات واسعة لاسيما بعد أن أنارت السبيل أمام الدارسين لإكتشاف نظريات مجدية في تحليل المادة الفولكلورية إلى جانب جهود الأخوين جريم أسهمت المجلات المحلية التي ازداد عددها في القرن التاسع عشر وراحت تتنافس في نشر التراث المحلي لأقاليم ألمانيا وخاصة تلك المأثورات القديمة التي تعود إلى فترات سابقة على العهد المسيحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تأصلت الإتجاهات العلمية المنهجية في مجال الدراسات الفولكلورية ويلاحظ أن الألمان في هذه الفترة وجهوا عنايتهم للثقافة المادية وما يتعلق بالتقاليد والأعراف وأهملوا إلى حد ما الأدب الشفاهي غير أن هذه الحركة العلمية سرعان ما اتسعت وغطت مختلف المجالات مع بداية القرن العشرين فظهرت دراسات “إريس شميدت Erich Smidt ” “وجون ماير John Meir” “وفلهلم بسلر Vilhelm Passler وأدولف شبامر Adolf Spamer الذين تناولوا تاريخ الفولكلور ووصفوا أنواعه ودرسوا المخطوطات القديمة وفسروا كثيرا من النماذج الفولكلورية وقد اهتم الألمان أساسا بوضع الموسوعات الفولكلورية وتجميع الأنماط المتشابهة والتعليق عليها ووضع الحواشي، ونجد “كورت رانكه Kurt Ranke” مؤسس الجمعية الدولية للقصص الشعبي يصدر موسوعة ابتداء من سنة 1950 للحكايات الشعبية وموسوعة ثانية للحكايات الخرافية بهدف تغطية مختلف أقطار العالم، كما يعتبر أرشيف الأغنية الشعبية الألمانية في “فرايبورخ Freiburg” المركز الرئيسي لدراسات الأغنية الشعبية وتتمتع فهرسته بشهرة عالمية كبيرة.
ويعد كتاب “فريدريش زايلر Friedrich Seiler” عن الأمثال الشعبية الألمانية من أفضل الدراسات في هذا المجال.
أما في فينلندا فقد كانت عملية جمع ملحمة الفاليفالا نقطة البداية في الإهتمام الجاد بالمواد الفولكلورية الفنلندية. قام “إلياس لونروث” بجمع مختلف الروايات الشفهية من قصص شعري يتداوله الناس غناء متنقلا من منطقة إلى أخرى رغم قساوة الطبيعة وعدم توفر طرق المواصلات، وقام بتنظيمها ثم نشرها لتصبح الملحمة الوطنية للشعب الفنلندي عملا وطنيا بالدرجة الأولى وقام الدارسون بتنظيم عملية الجمع والفهرسة والنشر، وأسسوا أرشيفا ومعهدا للدراسات الفولكلورية لازال إلى اليوم يعتبر المعاهد العالمية ادمامة، ويجب الا ننسى أن الدارسين الفلنديين هم الذين قدموا لنا “المنهج التاريخي الجغرافي” الذي اشتهر في القرن 19 ولا زالت له قيمة تاريخية حتى اليوم. ولعله من الجدير بالملاحظة أن نسجل بأن إهتمام الدارسين الفنلنديين يالمادة الأدبية الشفهية كان طاغيا.
وبعد مرحلة التركيز على “الكاليفالا” بتأثير العالم “الياس لونروث” إتسع مجال اهتمام الدارسين الفنلدنيين فراحوا يهتمون بمختلف أنواع المأثورات، ومن أبرز هؤلاء الدارسين “كارل كرون” الذي أصدر سنة 1886 الجزء الأول من كتابه “الحكايات الشعبية”فضمنه “حكايات الحيوان” ليلحق به بعد ذلك حكايات الملوك سنة 1893. وقد اكتملت المنهجية العلمية في عملية الجمع والتدوين عند هذا الدارس فوجدناه يعتمد على المادة التي أخذت من الناس مباشرة دون إجراء أي تعديل أو تغيير وقد توجت الأعمال العلمية لكارل كرون بحصوله على أول منصب أكاديمي لتدريس الفولكلور في جامعة هلنسكي سنة 1898. وهو بذلك يعد أول من شغل منصب الأستاذية في هذا العلم في العالم. أكد كارل كرون في مؤلفاته على الطبيعة الفنية للفولكلور كما أكد طبيعته العالمية. واصل الباحث الفنلندي الشهير “أنتي آرن” جهود كارل كرون وأغنى مكتبة التراث الشعبي العالمي بـ “فهرس أنماط الحكايات الشعبية” الذي نشره سنة 1910 وقام بتنقيحه الباحث الإنجليزي “ستيث تومسن” وأعيد نشره بالإنجليزية تحت عنوان Type indexe of folk tales. ويعد هذا الفهرس أساسا لمعظم الدراسات الفولكلورية تحتذيه فهارس الحكايات الشعبية في مختلف أرجاء العالم. وقد ظهرت في فنلندا عدة جمعيات فولكلورية من أهمها جمعية أصدقاء الفولكلور التي تأسست سنة 1907 وأصدرت سلسلة من الدوريات نشرت فيها مواد فولكلورية وأبحاثا وتعليقات حول هذه المادة.
ويحتوي أرشيف الفولكلور الفنلندي على ما يقرب مليونين ونصف مادة فولكلورية مسجلة على بطاقات وأشرطة بالإضافة إلى المخططات التي خلفها رواد الدراسات الشعبية في فنلندا. ويضم الأرشيف مكتبة ضخمة وقاعات للدراسة وقاعات للندوات والتسجيل الصوتي ويحتوي على أكبر قدر من الدراسات العالمية حول الفولكلور بجميع لغات العالم. ويجد فيه الزائر عددا كبيرا من الخبراء والمتخصصين في الفولكلور الذين يتقنون عددا من لغات العالم ويقومون بتسهيل مهمة الباحثين الذين يقصدون الأرشيف وإذا كنا قد أشرنا من قبل إلى الدافع الوطني الذي حذا بالباحثين الفنلنديين إلى جمع ملحمة الكاليفالا تجدر بالإشارة إلى أن هذه الملحمة تعتبر مصدر اللغة الفنلندية الحالية وركيزة الأدب الفنلندي وقد لعبت دورا مهما في توحيد هذه اللغة وهذا الأدب وشدت من تماسك الشعب الفنلندي بحيث أصبحت موجودة في كل بيت فنلندي إذ ينشأ الأطفال على سماعها وقد دخلت أشعارها في البرامج الدراسية في جميع مستويات التعليم وأصبحت دراستها جزءا رئيسيا في دراسة الأدب واللغة الفنلندية.
بدأ الإهتمام بالمادة الفولكلورية في بريطانيا متأخرا ويشير مؤرخي الدراسات في هذه البلد إلى بدايات الإهتمام بالمادة الفولكلورية البريطانية إلى كتاب “وليم كامدن William Kamdem” عن لندن 1605 غير أن الدراسات الفولكلورية البريطانية عرفت دفعا جديدا في منتصف القرن الثامن عشر مع انبعاثات الحركة الرومانسية وكان للألمان تأثير كبير في هذا المجال على الدارسين البريطانيين، وقد عرفت هذه الفترة أعمال الأسقف “توماس بيرسي Thomas Percy” كما قام “السير ولتر سكوت Sir Waltir Scott” بجمع مجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية القصصية BALLD والأشعار الشعبية، غير أنه كان كثيرا ما يعدل ويجري بعض التغييرات في الصياغة فقد كان شاعرا يقدم المادة الفولكلورية بأسلوب الشعري ولا يتروع عن إضافة أبيات من عنده. ونهج تلميده “روبرت شامبرز Robbert Chaumbers” نفس النهج فنشر سنة 1825 كتابا عن التقاليد السائدة في “أدنبرة” وكتابا آخر عن الأشعار الغنائية السائدة في اسكتلندا ويلاحظ على هؤلاء الدارسين الذين تشكلت أذواقهم واهتماماتهم في ظل الإتجاه الرومانسي ولعهم بالعناصر الفولكلورية التي تعود إلى عهود غابرة في التاريخ وفترات موغلة في القدم كما شغفوا بالمظاهر الشاذة والأشياء العجيبة والطريفة وخاصة منهم أولئك الدارسون المستكشفون الذين رحلوا إلى المناطق المستعمرة في إفريقيا وآسيا وسجلوا عادات الشعوب المستعمرة وتقاليدها وشيئا من تراثها.
وقد نشطت في هذه الفترة حركة الجمعيات المحلية التي كان يترأسها أفراد من الفئات الأرستقراطية في جمع مواد فولكلورية تتعلق بالأثريات الشعبية والعادات وبعض الصناعات القديمة وتقاليد الإحتفالات والأمثال والألعاب الشعبية واللهجات المحلية. كما أن المجلات والصحف البريطانية أصبحت تخصص صفحات لنشر المواد الفولكلورية، وقد ازدهرت هذه الجهود في منتصف القرن التاسع عشر وحل مصطلح “فولكلور” في بريطانيا كبديل لمصطلح “الأثريات الشعبية” بعد أن استعمله “وليم جون تومز” في مقالاته المنشورة بالمجلات.
وقد توجت هذه الجهود بتأسيس جمعية الفولكلور الإنجليزية سنة 1878 ونلاحظ أن الدارسين البريطانيين في القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن جعلوا من العادات والتقاليد المحور الأساسي الذي تقوم عليه الدراسات الفولكلورية، وقد دعا مجموعة من الباحثين وعلى رأسهم “جورج لورانس جوم Sir George L. Gomme” إلى تطوير مظاهر الحياة القديمة لتتأقلم مع ظروف حياة معاصريهم، غير أنهم سرعان ما تخلوا عن هذه الفكرة ليسعوا من أجل بناء حياة ما قبل التاريخ من خلال مخلفات هذه العهود الموغلة في القدم فركزوا اهتمامهم حول تراث البدائيين ومعتقداتهم وأنماط حياتهم وتعد كتابات أدوارد تايلور EDWARD TAYLOR من الأبحاث البارزة في هذا المجال خاصة كتابه “الإنسان البدائي” المنشور سنة 1871. ولا شك أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر يعد الفترة الأكثر ازدهارا في تاريخ الدراسات الشعبية البريطانيا إذ ظهرت فيها دراسات مجموعة من الباحثين كان لهم فضل كبير في تطوير الدراسات الفولكلورية ليس فقط على مستوى بريطانيا بل في العالم من أمثال “أدوين سيدن هارتلاند EDWIN SIDNY HARLAND” وأندرو لانج ANDREW LANG وألفريد نت ALFRED NUTT . وكان يمكن أن تؤتي هذه الجهود ثمارها في هذا القرن لو احتضنت الجامعات البريطانية الدراسات الفولكلورية وهو ما لم يحدث وما كان له أترسلبي على هذه الدراسات إذ بدأت تأفل مع أفول نجم الإمبراطورية البريطانية مع بدايات هذا القرن.
وقد عرفت الدول الأوربية الشرقية نفس الإهتمام بالمادة الفولكلورية في القرن التاسع عشر وازداد هذا الإهتمام بعد انتصار الثورات الإشتراكية فيها إذا أصبح لتراث الجماهير والشعب العامل حضوة خاصة واهتماما خاصا من طرف المؤسسات العلمية والجامعات.

Exit mobile version