موقع أرنتروبوس

الرموز السوسيوثقافية المؤثرة في الرعي والترحال بالجبال المغربية

لحسن ايت الفقيه
aitelfakih_lahcen@yahoo.com

يرتبط استمرار النشاط الاقتصادي بالبادية المغربية بالأسس الثقافية . ودون الخوض في جدلية التأسيس والأسبقية بين الثقافي والاقتصادي , نسجل أن هناك رموزا ثقافية كثيرة تؤسس للاقتصاد, أعني أن هاجس المر دودية والربح لايصمد أمام الإكراه الثقافي في الأوساط الاجتماعية الهشة. فالقيمة الرمزية هي المسيطرة على معظم أنشطة البادية التقليدية بالمناطق المغربيةالأمازيغية. ومن الرموز المؤثرة نجد رمز النار وما له من قوة في درء المفسدة وجلب المنفعة الكامنة في خصوبة المرعى والمزرعة والمرأة. والنار وسيلة من وسائل التطهير لدى المغاربة عامة ولا تحمل بالإطلاق ما يو حي إلى التخريب. صحيح أن الإنسان في معظم النقط العمرانية بالبادية المغربية يخرب بيته بأيده خدمة للثقافة, لكنه في المقابل يعمل على حماية البيئة . وبين التخريب والبناء تتدخل عوامل أخرى لم تكن في الحسبان.


1- الرعي بين البيئي والاجتماعي
من المفيد الوقوف مليا عند كلمة الرعي بالأمازيغية وما تحمله من دلالة مرتبطة بالأمن أكثر من الانتجاع . وتعني كلمة الحماية , يقول الشاعر:
Guezd a ye’mlal
Atewght amas n °tuga awa
Awa ywa awa awid awa wa
Awa ywa awa ywa awa iksayach
Sidi rebbi d’ muhamadine awa
Awa ywa awa ywa awid awid awa wa
تفسير ذلك:
انزل هنا أيها الغزال
لترعى وسط العشب
رعاك الله والنبي محمد
يتضمن هذا المقطع الشعري كلمتين و < إوغ > .الأولى تعني الرعاية والحماية والثانية تفيد الانتجاع . ونشير أن الكلمة الأولى أكثر استعمالا من الثانية بفعل ارتباطها بالأمن . وبالطبع فالرعي مرتبط بأمن المجال الوظيفي الذي يحوي المحطب والمرعى والمزرعة . وفي الأمازيغية كلمة أكثر دقة من تاكسا وهي أكدال أي المحمية أو المرعى الخاص المحروس . ولهذه الكلمة انتشار واسع في مختلف أنحاء المغرب, نلمسها بكثرة في ضواحي المدن القديمة مكناس , الرباط, مراكش ,حيث توجد مراع مخزنية محروسة للخيول الموظفة في المعارك وبالأحرى < الحركات > المنظمة من طرف سلاطين المغرب . والمرعى مفهوم سوسيولوجي وبيئي . إنه مجال مرتبط إثنوغرافيا بالعشيرة والقبيلة تقام فيه حلقات <<تقرفيت>> أوالحب البارد بين الفتيان والفتيات في فصل الربيع, وتعقدفي بساطه عدة اتفاقيات صلح بين القبائل . وهناك من يفضل تنظيم الأعراس في المرعى الخصب كما هو حال رحل ايت عيسى يزم وايت مسروح وايت موسى وايت بوبكربإقليم الرشيدية, نظرا للتماثل بين خصوبة المراعي وخصوبة النساء . ونسجل أن المراعي كانت فيما مضى من الزمان ميدانا للدفن سيما إن كان بالمرعى مورد ماء أ ويجاور شريط غابوي مثل المدافن القريبة من بحيرة ضاية عوا(مقبرة قرب مدرسة ايت مزيان مثلا) ومدافن بحيرة تيزليت.
والمرعى أيضا وسط إيكولوجي حيث يحدد جغرافيا بمجاري المياه والنقط الطافحــــة Les points versants . وللمراعي أسماء مرتبطة بالماء ( إيزلان ) نسبة إلى بحيرة تيزليت وإزلي, ( إجيج ) وتعني السد بمنطقة إملشيل, تونا تيوراغين أي العيون الصفراء بجبل العياشي, ( تاردة ) أي المغسلغرب الرشيدية, امان إليلا أي ماء شجرة الدفلة بالأطلس الكبير الشرقي.
2 الرموز الثقافية المخربة للمراعي
يعد المغاربة من الشعوب التي تؤمن بتطهير الأرض بواسطة الدم أوالملح أو النار.لذلك نلمس آثار الحرائق في معظم النقط العمرانية . وتنبغي الإشارة إلى أن التطهير بالنار أسلوب يسبق استيطان الأرض.ولذلك فإنه من الصعب القيام بمسح شامل للأراضي المحروقة أوبالأحرى الأراضي المطهرة . والغريب ، أن كثيرا من المؤرخين يربطون الحريق بالعدوان مما يبعد الأسس الثقافية لعلاقة الإنسان بالأرض من ذلك مثلا آثار الحرائق بوليلي. ومن سوء الحظ أن عادة التطهير بالنار لم تنقرض بعد وما يزال الرحل يحرقون الأرض التي يبتغون السكن فوقها بعض الوقت. وبالأطلس الكبير الشرقي أسماء أماكن تحمل في معناها الاحتراق :
-جبل(أسامر ن تمغوست) بجماعة امزيزل وتعني (تمغوست) المحروقة أما( أسامر) فهو المكان المشمس من الأرض .
– واد أسيف ملول وهو واد تعرض محيطه للاحتراق قبيل استقرار ايت حديدو فيه ولما نزل الغيث اختلط الرماد والحمم بالماء فاسود الواد وأطلق عليه (أسيف بخوشن) أي الواد الأسود. ولما كان المغاربة يتطيرون باللون الأسود أضحى الواد يعرف بأسيف بخوشن .
– قرية( تديغوست) بالانكسار الجنوبي الأطلسي بواد غريس شمال مركز : وتتركب الكلمة من (تاداغ) و( تغوس) أي هذه القرية أحرقت وإن شئت فهي قرية مطهرة .
3- الرعي والتحالفات القبلية بالأطلس الكبير الشرقي
لئن كان للرعي دور في النزاع بين القبائل فإنه محور التحالفات أيضا أعني أن للرعي بعدا سوسيولوجيا وإثنوغرافيا . وللإشارة فالرعي كان وراء تأسيس كونفدرالية ايت يتاف المان با لأطلس الكبير الشرقي وكونفدرالية ايت عطا بالأطلس الصغير وما يحيط بها من سهول وهضاب وحمدات. ويتأثر الرعي بالقرابة الدموية والوظيفية . وعلى سبيل المثال لم يجد رحل ايت عيسى يزم أي مانع في انتجاع مراع ايت يزدك ولا جناح عليهم إذااقتحموا أي مرعى ينحدر أهله من صنهاجة الكبرى . وللرعي أيضا بعد وظيفي حيث يملك السكان المستقرين بجنبات الأودية حق تحديد حزام يحمي مزارعهم من ماشية الرحل ويوفر لهم شريطا رعويا يضمن غذاء الذبائح الضرورية للأسرة كل سنة ,العقيقة , الأضحية , الأعراس , الختان . ويكمن البعد السوسيولوجي للرعي في العلاقات التي يفرزها تسويق الماشية بأسواق المراكز المجاورة للمراعي الجبلية مثلا :غريس وقصر السوق ( الرشيدية) وأوطاط آيت يزدكو بومية وأميسور وأبركان وأزرو وتازة وفاس وخنيفرة وبني ملا ل ومراكش.
4-الرعي بين التدهور البيئي ومحاولة الانقاد
يمكن القول إن أسلوب الاحتراق لم يؤثر كثيرا على التدهور البيئي بالمراعي المغربية لأن الطبيعة تعالج الجرح بسرعة, إن كانت السنة ممطرة أو على الأقل كانت ذات معدلات عادية في الحرارة والرطوبة. صحيح أن منطقة أسيف ملول لحقها الخراب الكلي بفعل الاحتراق الذي شاهدته في القرن السادس عشر الميلادي حيث بات من المتعذر تجديد الشريط الغابوي الذي نما قبل دخول مالانقناخ الأرض مرحلة انتقال ,تعود بدايتها إلى حوالي 10 ألاف قبل ميلاد عيسى مريم .وصحيح أنه من المتعذر إنقاذ الوضع لأن ما تنبته الأرض يستهلكه الكانون في حينه ,لكن وجبت الإشارة بالمقابل إلى أن أسلوب المحميات كأرقى أسلوب في الأنثربولوجيا البيئية نجح في إنقاذ الكثير من المراعي بالأطلس الكبير الشرقي التي لا تزال تحافظ على العرف. و للأسف ظهرت عدة عوامل عملت على إفساد العرف الذي يقضي في إحدى فصوله تغريم كل من اعتدى على محمية أكدال,فوق أن هناك صراع حول المراعي المحمية بمنطقة إملشيل نذكر على سبيل الحصر الصراع حول المرعى الخاص إجيج بين عشائرملوانة إحدى بطون صنهاجة, والصراع حول المرعى مرشيط غرب إملشيل, والفوضى المتكررة بمراعي إزلان. ويسجل ايت حديدو في إحدى الدورات التحسيسية التي نظمتها جمعية أدرار في إطار إنقاذ المحيط البيئي ببحيرة تيزليت أن العرف معطلبالمرة. ونضيف أن العادات الايجابية لن تصمد أمام القانون المدون . وإلى جانب تعطيل العرف يأتي الجفاف ليقضي على معظم المراعي الحية بالجبال المغربية . ومحصل ,إذا كان الترحال نشاطا معتمدا لدى المغاربة منذ فجر التاريخ فإن اختفاءه القسري لا يشرف المسؤولين والمهتمين بالشأن العام وكيفما كانت الكارثة لابد من الاعتناء بثقافة الانتجاج وتدوينها .

Exit mobile version