موقع أرنتروبوس

الدولة السعودية الأولى وإرادة التأسيس

عبدالرحمن بن عبدالله الشقير

قيل الكثير عن نشأة الدولة السعودية الأولى، وأرجعتها الفرضيات إلى أسباب مادية مثل زيادة عدد العلماء أو ازدهار التجارة، أو تفكك القبيلة أو ازدياد عدد السكان. لكنني أرى أنها كانت مشروعًا سياسيًا مدفوعًا بقوة إرادة تأسيس قائمة على رؤية متكاملة لصياغة نظام سياسي يوحد الجزيرة العربية تحت سلطة مركزية.

وأعتمد في ذلك على البعد الفلسفي الجديد الذي لم يدرس بعمق، ويتمثل في الإرادة السياسية والاجتماعية، ونحاول الكشف عن الأبعاد النفسية والاجتماعية التي جعلت إرادة التأسيس عنصرًا حاسمًا في قيام الدولة السعودية على مدى ثلاثة قرون.

يؤكد هذه الفرضية بأن الأحداث كانت تسير وفق رؤية منضبطة لدى الأسرة السعودية المالكة لتحقيق مشروع متكامل لإرادة التأسيس، إلا أن الإمام محمد بن سعود أدرك أن السر يكمن في تحويل الدولة إلى مؤسسات إلى رموز سياسية مكونة من العمارة والدعوة السلفية والعمارة والفنون والعلوم… بحيث يجسد كل شيء الهوية الرمزية للدولة.

إرادة التأسيس والقوى السياسية في الجزيرة العربية

إرادة التأسيس: هي حالة قصدية لديها القدرة على تجاوز العقبات الاجتماعية والسياسية، مدعومة بتنظيم سياسي وإداري قادر على تنفيذها، وتحمل تحدياتها، وفرض رؤية جديدة وواضحة للدولة.

وقد كان في مختلف مناطق الجزيرة العربية إمارات قوية وكثيرة العدد، ولكنها تفتقد إلى إرادة التأسيس القصدي، وما يميز الدولة السعودية الأولى أنها استطاعت بناء هيكل سياسي متماسك، يتضمن حسًا سياسيًا منظمًا وإدارة فعالة للبلدان التي ضمتها، وربط القبائل تحت مظلة سلطة واحدة، رغم الظروف المتغيرة، وبالتالي فهي ليست رغبة في الحكم، بل التزام تاريخي مستمر يتجسد في القرارات المصيرية التي حافظت على الدولة عبر ثلاثة قرون.

ولمفهوم الإرادة عند الفلاسفة معانٍ متعددة، ويسميها الفيلسوف ابن رشد “شوق الفاعل إلى الفعل”، فإذا فعله كف الشوق وحصل المراد، والإرادة مركبة من رغبة وقوة وأمل[1].

ويرى بعض الفلاسفة مثل شوبنهاور أن الإرادة هي جوهر الوجود والمحرك الأساسي للحياة، وأكد على فلسفة “إرادة البقاء”، ولكنه جعلها عمياء وغير عقلانية، بينما يرفض نيتشه هذه الأطروحة، ويستبدلها بإرادة القوة، ويجعلها عقلانية.

بالعودة إلى زمن تأسيس الدولة السعودية، يتضح أن في نجد والجزيرة العربية عامة مجموعة من القوى المؤهلة لتأسيس دولة قوية، ولكنها إما محكومة من خارج المنطقة مثل تبعية أشراف مكة للعثمانيين، وتبعية العيينة للأحساء، أو إمارات بلا طموحات توسعية مثل إمارة الأحساء وأمير الرياض، مما يؤكد على أن إرادة تأسيس الدولة تتطلب الاستجابة الفعالة للمخاطر والتوسع وقوة التنظيم الإداري والعسكري، بينما كانت طموحات الآخرين تقتصر على المقاومة من أجل البقاء فقط.

برز الإمام محمد بن سعود من بين هذه القوى مدفوعًا بإرادة تأسيس الدولة منذ توليه إمارة الدرعية عام 1139هـ/ 1727م، وقد جاءت نتيجة تجارب سياسية عميقة لدى الأسرة السعودية ولديه شخصيًا[2]، وهي إرادة منضبطة ومحكومة بتعاليم الدين الإسلامي ومراعية لقيم المجتمع وعاداته، فكانت فكرة تأسيس دولة لها منطق اجتماعي وسياسي.

تلك الإرادة التي حولت الدرعية من بلدة حبيسة واديها إلى دولة قوية حكمت معظم الجزيرة العربية، ووصل صداها إلى أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا.

المجتمع والاستجابة لإرادة التأسيس

كان المجتمع قبل ظهور الدولة السعودية يعيش حالة من التنافس الشديد؛ حيث كانت البلدان تتصارع على النفوذ داخل الأقاليم، والقبائل تتصارع على المراعي وموارد المياه، دون أن تكون هناك قوة توحدها.

أوجد هذا الوضع فراغًا سياسيًا بقي لعدة قرون يستنزف طاقة المجتمع ويشتت جهوده، ويقسمه إلى هويات متعددة رغم وحدة الهوية الدينية والاجتماعية والثقافية، مما تطلب إرادة قوية وقادرة على توحيد المجتمع تحت قيم مشتركة وسلطة مركزية واحدة.

وتكمن أهمية المجتمع في أنه يمثل القاعدة التي بنيت عليها الدولة، وأن تأسيس الدولة كان مشروعًا مجتمعيًا حظي بقبول واسع، وبالتالي بدأ مشروع الهوية الرمزية لمؤسسات الدولة، كما يلي:

الدرعية: حين تصبح العمارة لغة للسلطة والشرعية

أدرك الإمام محمد بن سعود بفطرته القيادية ضرورة صناعة رموز معمارية ومكانية تعبر عن إرادة الدولة، ووجود حي سياسي يحمل معاني رمزية السيادة وإبراز فكرة الإرادة بالعمارة، فأصبح حي الطريف الحي السياسي للدرعية، مما يعكس قوة الحكم ومركزية السلطة، بينما كان حي البجيري، المقابل له، الحي الديني، مما يعكس البعد الروحي والرمزية الدينية، بكثرة مساجده وسكن العلماء وطلبة العلم فيه.

وقد تحدث ماكس فيبر عن أنواع السلطة التي لاحظها عبر التاريخ، وأشار إلى شيوع السلطة التقليدية، وهي المستمدة من الدين والشرعية الثقافية، والتي يمثلها هنا حي البجيري، والسلطة القانونية والعقلانية، التي تجسدها المؤسسة السياسية، ويمثلها هنا حي الطريف.

وهذا ما يؤكد “الإرادة بالعمارة” وأن المباني كانت أدوات سياسية لترسيخ السلطة وإبراز السيادة، وجزءًا من المشروع التكاملي، ويؤكد مارتن هايدغر في محاضرة “البناء والسكن والتفكير” على أننا نسكن المعاني التي تحملها المباني، مما يؤيد أن كل مباني وقصور الطريف والبجيري، كانت هندسة للشرعية وبيانًا سياسيًا.

ولم يكن هذا التوزيع عشوائيًا، بل كان نوعًا من الهندسة السياسية والرمزية؛ حيث تتكامل القوة مع القيم.

إرادة التأسيس والدعوة السلفية

قبيل تأسيس الدولة وبسبب توالي العصور وتباعد البلدان، شاعت بعض البدع والخرافات، وكان التدين الشعبي هو السائد في العالم العربي والإسلامي، مع وجود نخب علمية دينية، في بيئة يتخللها خرافات وبدع.

ولذلك شهد القرن الثامن عشر الميلادي قيام العديد من الدعوات الدينية في مختلف العالم العربي والإسلامي، مثل: دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1703- 1792م) في نجد، ودعوة ولي الله الدهلوي (1703- 1762م) في الهند، وأحمد عرفان بريلوي (1786- 1831م) في الهند أيضًا، ودعوة ابن الأمير الصنعاني (1687- 1768م) في اليمن، والدعوة المهدية في السودان التي دعا إليها محمد أحمد المهدي (1844- 1885م)، ودعوة الشيخ مصطفى البكري الخلوتي (1688- 1749م) في مصر والشام الذي دعا إلى العودة للتصوف الصحيح القائم على الزهد، ودعوة الشيخ عثمان بن محمد فودي (1754- 1817م) في نيجيريا، وقد أسست دولة ولكنها سقطت بسرعة.

وكثير من هذه الدعوات الدينية تحالفت مع الدولة التي نشأت فيها، وقاومت العثمانيين أو الاستعمار، ولم ينجح منها شيء منها، مما يؤكد على أن البعد السياسي التنظيمي وإرادة تأسيس الدولة، عامل حاسم استطاع تنظيم الدعوة السلفية والمجتمع والقبائل الذين أسهموا بفعالية في بناء الدولة، وأصبحوا جزءًا من مشروعها.

ووفقًا لهذه الفلسفة كان تأسيس الدولة السعودية ضمن مشروع متكامل ضرورة تاريخية جاء في سياق تغيرات سياسية ودينية في العالم العربي والإسلامي، مما يعكس إرادة تأسيس الدولة رغم المعاناة والصراعات التي صاحبها.

الفنون والعلوم كأداة لدعم الهوية السياسية

في سياق الدولة السعودية الأولى كانت الفنون الشعبية وعلوم الأدب واللغة والشريعة جزءًا من المشروع السياسي وأدوات لتشكيل الوعي الجمعي وتعزيز الهوية الثقافية والسياسية، مما يؤكد على أن تأسيس الدولة كان مشروعًا حضاريًا متكاملًا، شمل البعد الثقافي والاجتماعي.

وكانت هذه الوسائل رموز ثقافية وتاريخية لتعزيز الشعور بالهوية والانتماء؛ حيث كان للشعر والأنساب وتلك العلوم دور كبير في توحيد القبائل تحت راية الدولة.

وعند تحليل الشعر والمؤلفات والمراسلات في الدولة السعودية الأولى نجد أنها تعد منتجًا فكريًا يعبر عن قيم إرادة الدولة المتمثلة في قيم الشجاعة والمبادرة ورفع المعنويات والثبات على المبدأ، ومضمر بداخلها ملحمة بطولية وإضفاء الشرعية على الحكم، وليست صراعا ماديا دنيويا.

ركزت الدولة على أصول الدين ونشر الشريعة وفق ما ثبت في الكتاب والسنة بالتركيز على التوحيد الخالص والتخلص من البدع والخرافات، فكانت دراسة العقيدة في المساجد ومنازل العلماء ورسائل أئمة الدولة شكلًا تأمليًا جديدًا منح الشعور باليقين والطمأنينة في عالم مليء بالمهددات الأمنية.

بينما زاد الاهتمام بالأنساب وتماسك القبائل واستقرار البلدان، وحظي الناس بشعور الأمان وتبديد المخاوف من بعضهم البعض؛ حيث كانت حروب القبائل مادية مؤقتة، إلا أن فكر الدولة الجديد وحّد القبائل ومنحهم الشعور بالمصير المشترك والإيمان بفكرة خالدة.

وازدهار الشعر والعلوم والفنون لا يتحقق إلا في بيئة مستقرة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا؛ ولذلك مثّلت الدولة السعودية الأولى نقلة نوعية في إيقاف غموض تلك القرون التي أسميها “التاريخ الشبحي” في الجزيرة العربية؛ إذ إن المؤرخين نصوا على وجود خمسة قرون غامضة في تاريخ نجد، بسبب قلة التأليف والحياة الثقافية والحضارية آنذاك بسبب عدم الانضواء تحت دولة واحدة.

الصراع والتحديات: الحتمية التاريخية

كان تأسيس الدولة مليئًا بالمعارك والصراعات، مما يعني أن كل إرادة تحقق هدفا معينا وتؤدي للتوسع، تقتضي صراعا ومعاناة وتحديات جديدة؛ وذلك لأن من سمات الإرادة أنها مفعمة بالحياة لا تهدأ.

وقد واجهت الدولة في بداية نشأتها معارضات قوية من بلدان نجد المجاورة ومن القبائل البدوية، تطلبت خوض عشرات الحروب، وتبادل المراسلات الفكرية مع علماء مختلف مناطق المملكة والعالم العربي والإسلامي، ومع ذلك لم تتوقف عن التوسع، لأنها كانت مدفوعة بقوة واعية أدركت بفهم عميق طبيعة الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة العربية، ومدفوعة برغبة أكيدة في بسط النفوذ.

وتظهر الأطالس التاريخية للدولة السعودية الأولى أنها خاضت معارك كثيرة لا تكاد تتوقف في تسعين عامًا[3]. لكن التحول الرئيس فيها أنها معارك استراتيجية، مثَّلت توسع الدولة وبسط النفوذ وإبعاد ما من شأنه التأثير في النسيج الوطني.

الصدام مع العثمانيين: صراع الإرادات

في البداية لم تستهدف الدولة السعودية العثمانيين، بل كانت مشروعًا فكريًا واجتماعيًا يعكس إرادة الاستقلال عن مركزية العثمانيين، وإعادة تعريف مفهوم السلطة والسيادة وفق رؤية أكثر محلية وارتباطا بالمجتمع.

كانت التبعية السياسية والفكرية تقيد الإرادة، وكان تأسيس الدولة السعودية أمام محك سياسي خطير في مجابهة الدولة العثمانية، فكانت إرادة التأسيس وإعلان قيام الدولة بمثابة خيار حتمي لإنهاء هذه التبعية وتحقيق الاستقلال المطلق عن المركزية التركية، وهو ما مثل إعلانًا قويًا لإعادة تعريف مفهوم السلطة والسيادة بعيدًا عن هذه المركزية.

كانت لحظة المواجهة بين الدولة السعودية والدولة العثمانية صداما بين رؤيتين مختلفتين، الأولى ترى في العثمانيين الوضع الذي نشأوا عليه؛ أو وفق مفاهيم القيادة: عدم الرغبة في التغيير، والثانية تسعى لإعادة السيادة إلى نطاقها العربي، مما جعل الصراع يتجاوز الجغرافيا ليصبح جدلًا تاريخيًا لمفهوم الحكم الإسلامي، وفق مبدأ الديالكتيك، التي تؤكد على أن حركة التاريخ ما هو إلا تصادم فكرة جديدة مع فكرة قديمة، ثم سقوطهما وظهور فكرة جديدة مؤلفة من الفكرتين.

لقد ترهلت الدولة العثمانية وتكالبت عليها القوى داخليًا وخارجيًا، ولم تعد تحقق لكثير من البلاد ما تطمح إليه من ازدهار واستقرار، فبرز قادة سياسيون جمعوا من الخبرات السياسية والاجتماعية، وفوق ذلك الإرادة القوية ما خول لهم الرغبة في تأسيس دولة لها نفوذ.

ويؤيد سلامة هذا السياق التاريخي الجديد رؤية كارل شميت أن جوهر السيادة يكمن في القدرة على تحديد العدو، وتسهم هذه الفكرة في فهم ديناميكيات الصراع[4]؛ حيث خاضت الدولة السعودية الأولى حروبًا داخلية مع البلدان والقبائل، ثم خاضت حروبًا مع قوى أكثر خبرة وتماسكًا مثل آل عريعر حكام الأحساء وسليمان باشا وثويني في العراق والشريف غالب، واليمن وعسير وعمان[5]، ولكنها وجدت جوهر السيادة في تحديد العدو القوي الملائم لمستوى مشروع الدولة الجديدة، المتمثل في الدولة العثمانية ذاتها، التي فرضت اتخاذ قرارات مصيرية، شملت تشويه السمعة والوصم بالخوارج[6] ثم الحرب العسكرية، ولكنها كانت اختبارات أسهمت في تعزيز الهوية السعودية.

شنت الدولة العثمانية عبر قوات محمد علي باشا حملات عسكرية طويلة انتهت بسقوط الدرعية وتدمير الطريف، الحي السياسي، والبجيري، الحي الديني، مع سلامة بقية الأحياء والمزارع، التي كانت بعيدة عن هذين الحيين، إلا أنها تسببت في هجرات الأهالي للرياض ولمختلف مناطق نجد والجزيرة العربية.

بقيت قوات إبراهيم باشا قرابة سنة، وغادرت ومعها آلاف الأسرى من الشخصيات السياسية والدينية وأسرهم، ثم عادت الدولة بقيادة الإمام تركي بن عبدالله عام 1239هـ، وعادت القوات التركية في عهد الإمام فيصل بن تركي، وبعد معارك معه نقلته إلى سجن في مصر خمس سنوات (1254- 1259هـ) وسيطر الأتراك على منطقة نجد في هذه المدة، ثم عاد الإمام فيصل للحكم، ثم تمركزت قوة صغيرة من العثمانيين في الأحساء حتى طردها الملك عبدالعزيز نهائيًا عام 1333هـ.

كان سقوط الدولة السعودية الأولى شكليًا، ولكن لم يكن نهاية الفكرة، بل كان جزءًا من رحلة الصراع الطويل التي تعتبر من شروط إرادة التأسيس؛ لذلك بقيت الروح الاستقلالية في وجدان المجتمع، مما أدى إلى عودة الدولة السعودية الثانية، بينما استمر تراجع الدولة العثمانية؛ حيث فقدت شرعيتها تدريجيًا لتراكم الظروف الخارجية والداخلية عليها.

الإرادة لا تهدأ: نموذج استثنائي في التاريخ السياسي

من أهم شروط الإرادة أنها ديناميكية لا تهدأ، فعندما سقطت الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ/ 1818م كان يمكن لهذا السقوط أن ينهي المشروع السعودي، وفقًا لمنطق التاريخ التقليدي، إذ إن سقوط الدول عادة يعني قيام غيرها، ولكن ما حدث مع الدولة السعودية كان انعكاسًا لقانون آخر، قانون الإرادة المتجددة التي تعيد تشكيل ذاتها كقوة تاريخية متحركة.

من “شوارد التاريخ”[7] أن تسقط الدولة، ثم تعود بأقوى مما كانت عليه، فهذه شاردة تاريخية لا يجود بها الزمان كثيرًا، ولم يكن الفراغ السياسي الذي تركته مؤقتًا متاحًا للزعامات المحلية والإقليمية؛ لأن الدولة كانت فكرة متجذرة في المجتمع.

هذه الأحداث تعكس إرادة معاكسة تمامًا لقوانين التاريخ، فقد كادت الدولة من جديد بعد سبع سنوات، مما يؤكد على أن الفكرة المتمثلة في إرادة تأسيس الدولة تعيد إنتاج ذاتها باستمرار.

وهذا يؤكد فلسفة الإرادة التي لا تتوقف ولا تهدأ، بل تعيد تشكيل ذاتها باستمرار.

ختام

إن تأسيس الدولة السعودية جاء وفق فلسفة سياسية رصينة وإرادة سياسية عميقة، مكونة من أجزاء مكملة لمشروع الدولة شملت المجتمع والدعوة السلفية والعمارة والفنون والعلوم؛ يفسر ذلك الدافع الذي حرّك نحو تأسيس الدولة، واختيار اللحظة التاريخية المناسبة لذلك، الأمر الذي غيّر موازين القوى في المنطقة، وحطّم تقاليد وأنظمة بالية، وأعلن عن قيام كيان جديد يعرف خصومه جيدا، ويملك الآليات المناسبة لمواجهتهم.

إن تحليل تأسيس الدولة السعودية الأولى فلسفيًا، يبرز زوايا جديدة تؤكد على أن تجسيد الإرادة سمة أساسية في الدولة السعودية، فقد كانت القوة الدافعة إرادة تاريخية تتجلى في شخصية الإمام محمد بن سعود.

وكانت الصراعات التي واجهتها الدولة تعكس الفكرة الفلسفية التي تؤكد أن المعاناة جزء من الطموح السياسي، وأن الإرادة تسبق الأسباب، وأن الفرص تبدو حينًا وتختفي أحيانًا، ولا يلتقطها إلا القائد المؤهل للإفادة منها.

[1] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ج 1 ص 57، 58.

[2] انظر تاريخ الدرعية قبل عام 1139هـ ضمن السوابق في، عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد.

[3] دارة الملك عبدالعزيز، الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية، 2000م، ص 46- 103. وقد تشرفت بالعمل في هذا الأطلس مع اللجان العلمية.

[4] كارل شميت، مفهوم السياسي، ترجمة سومر المير محمود، ص 75، 77.

[5] خالد بن محمد الفرج، الخبر والعيان في تاريخ نجد، تحقيق عبدالرحمن بن عبدالله الشقير، ص 184- 249.

[6] عبدالرحمن بن عبدالله الشقير، المذهب الحنبلي في نجد، مجلة الدارة، 2003،

[7] عبدالرحمن بن عبدالله الشقير، الأحداث الشوارد في التاريخ، نشر ضمن الكتاب التكريمي للدكتور خالد البكر، الرياض: جامعة الملك سعود، 2024.

Exit mobile version