دراسة أنثروبولوجية في الزيبان وجنوب الأوراس
ملخص رسالة ماجستير في الأنثروبولوجيا بالمركز الجامعي خنشلة
تقديم :سليم درنوني*
إشراف: أ. د. بورايو عبد الحميد
المقـــــــــــــــــــــــــــدمة
إن ما يميز حياة البدو هو الحل والترحال وعدم الإستقرار بالمكان، ذلك أن الموارد التي يتعاملون معها في حياتهم ومعيشتهم تتحرك في الزمان والمكان، إنهم يتعاملون مع الحيوان الذي يتحرك وبتنقل في المكان، ومع النبات الذي يتحرك في الزمان، فتطلب ذلك مسكنا قابلا بدوره للحركة والإنتقال. وكانت الخيمة من بين الوسائل التي تحقق للبدو التكيف مع هذا النمط من الحياة، إنها أهم أداة تلائم حياة التنقل والترحال، ليس للبدو فقط بل لكل من يمارس حياة التنقل والترحال. تعتبر الخيمة إذن من بين الرموز التي ترمز إلى الرعي والترحال في البوادي، وركن هام من أركان الحياة البدوية، لها مراسيمها وطقوسها، كما تحمل قيما رمزية لها دلالاتها ومعانيها. وقد تشكلت حولها تقاليد وإنتاجات ثقافية وفنية ثرية ومتنوعة ، أصبحت حيزا رمزيا وفضاء للذاكرة وعلامة على مجموعة قيم سامية. في حاجة إلى الإستحضار والرصد والبحث والإكتشاف.
وتحتل الخيمة من الناحية الثقافية مكانة خاصة، ليس لأنها مذكورة في القرآن:) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (. بل ولما لها أيضا من ارتباط بتاريخ المجتمع المغاربي، فهي تعبر عن وجوده الحضاري، كما تعبر عن استمراريته وصيرورته، بل وفي بعض الأحيان تعتبر شكلا من أشكال التعبير عن الهوية.
إن الدراسة الأنثروبولوجية للخيمة ولقيمها الرمزية التي ترتبط بها تكشف لنا عن هذا الفضاء الثقافي المتنقل في المواسم، عبر المناطق الصحراوية والجبلية. كما يبين لنا هذا النوع من الدراسات أيضا العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الناشئة عن فضاء الخيمة، فهم وتفسير ظاهرة استمرار النسق القيمي البدوي داخل الفضاءات الحضرية.
الإشكالية:
إشكالية هذا البحث تثير السؤال: لماذا الدراسة الإثنولوجية لموضوع مثل الخيمة، وتحولاتها الحديثة؟ ولعل محاولة الإجابة تزودنا بالعناصر المعرفية حول المجتمع البدوي الحالي في الأوراس والزيبان وفهم التحولات الحديثة التي نلاحظها. للإجابة عن هذه التساؤل نؤثر أن نعرف أولا مجموعة من الضوابط المنهجية المسبقة.
أولا، سؤال التغير والإصطدام بين « التقليد» و « الحداثة» نراها ونفحصها بطريقتين. فمن جهة، هناك إمكان تفضيلها كوجهة نظر دياكرونيكية حول الخيمة والمجتمع البدوي الأوراسي والزابي، تمكن من القيام بانعطافات دائمة على التاريخ الحالي لمجتمعي الزاب والأوراس، عن طريق ملاحظة العادات والتقاليد الشفوية (التاريخ الشفاهي) التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية والتي نجمعها من الميدان، و التاريخ المكتوب في مختلف المصادر والمراجع المتاحة. وكثيرا ما نأخذ أيضا بعين الإعتبار الظروف الطبيعية والبيئية كجانب من التاريخ المفصل كنقطة تضيء التغير الإجتماعي. منطقيا هذا المدخل الدياكرونيكي سيكون بمثابة معلم البداية على الأقل من بداية النزوح الهلالي نحو شمال إفريقيا إلى غاية الإستقلال السياسي للمجتمعات المغاربية. وهو معلم أيضا للإتجاه نحو الحاضر حيث بدأت التغيرات الإجتماعية بسرعة فائقة نتيجة جهود التنمية التي تقوم بها حكومات البلدان المغاربية. لقد آثرنا هذا التقسيم الكرونولوجي لأن كل المجتمعات في تحول دائم ومستمر كما تبين لنا الكثير من الدراسات الإنسانية والإجتماعية. ولكن بالنسبة للمجتمعات التي نجري فيها دراستنا كانت في ظروف تاريخية جد خاصة إلى نهاية الفترة الكولونيالية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى آثرنا ذلك لأننا نجد أن هذه الدراسات الإجتماعية والإقتصادية التي تناولت الحياة المادية والثقافية للمجتمعات تناولتها من جهة التأثير المباشر للجوانب المادية على الجوانب الثقافية[1]، فأي تغير يحدث على مستوى الحياة المادية للمجتمع قد يؤدي إلى تغيرات أخرى لتشمل البناء الإجتماعي. وقد تلعب القيم الإستعمالية والتبادلية دورا مركزيا في ذلك كما بين «سيباستيان بولاي BOULAY Sébastien » في دارسته عن الخيمة في المجتمع الموريطاني[2]. هذا يدعونا إلى النظر مرة أخرى في ما مدى ثبوت ذلك ميدانيا، فالملاحظات الأولية توحي بأن الجوانب المادية – على الأقل في الحقل الذي نجري فيه الدراسة- في تحول مستمر وبسرعة فائقة، بينما جانب القيم والرموز حتى وإن كانت هنالك تغيرات إلا أنها تتم ببطء شديد. فتحليل شبكة من أشكال التغيرات المتزامنة في مجتمعين محليين متجاورين بينهما قواسم مشتركة على أكثر من صعيد قد تكون كفيلة بتدعيم هذا الإفتراض. ففي حقل الدراسة نجد مناطق مختلفة أكثر أو أقل عزلة، تعكس لنا مستويات متباينة ومختلفة من الحداثة والعصرنة، ولكن أيضا وعلى المستوى الإجتماعي نجد أن البعض لا زال محتفظا بنمط حياة البداوة في الكثير من الجوانب المادية للحياة الإجتماعية هذا فضلا عن القيم والرموز التي لازالت محتفظة بحيويتها الرمزية الأولى، والبعض الآخر وصلت إليه المؤثرات الثقافية العصرية بطريقة أو بأخرى مثل مختلف المناطق الحضرية: قرويون في مناطق عمرانية حضرية، بدو متحضرون أو هم ينتجعون قرب المناطق الحضرية، وبدو رحل وآخرون نصف رحل. كل هؤلاء لازالت قيمهم الرمزية البدوية تحتفظ بشحنتها وحرارتها على الأقل على مستوى الذاكرة الجماعية. لهذا وجب علينا أخذ عينات من كل هذه المستويات والقيام بتحقيقات ميدانية.
من هذا المنطلق نجد مجموعة من التساؤلات تفرض نفسها في هذا المجال، فرضتها مجموعة من العوامل: العامل الحاسم فيها يتعلق بإغفال الباحثين والدارسين الذين تناولوا حياة البداوة لعنصر الخيمة رغم مركزيته في الحياة البدوية. أما العوامل الأخرى فتتعلق بوظائف الخيمة ودورها التاريخي في حفظ الموروث الثقافي ومدى تمثيلها لنمط معيشة الإنسان البدوي. هذه التساؤلات الجزئية تنضوي تحت تساؤل مركزي وأساسي نعتبره بمثابة إشكالية (Problématique) وهو: ما هي الخيمة من حيث صناعتها وأدواتها؟ وما هو الإنتاج الثقافي المرتبط بها من حيث طبيعته؟
أما عن التساؤلات الجزئية والتي نعتبرها بمثابة مشكلات جزئية (Problèmes) تتضمنها الإشكالية المشار إليها فنبدؤها بالتساؤل التالي: إذا كانت الخيمة تعبر عن تكيف الإنسان البدوي مع الطبيعة، هل حافظت عبر الزمن على نفس الوظيفة والوسائل أم تغيرت؟ إذا كشف لنا الواقع التاريخي على أن أدوات الخيمة في تغير مستمـــر ودائم فكيف انعكس هذا التغير على الإنتاج الثقافي الذي رافق استعمالها مثل القيم الرمزية والفنون التعبيرية؟
الفرضيات:
بما أنه في ميدان الأنثروبولوجيا يندر القيام ببحث علمي أو دراسة ميدانية دون الإنطلاق من فروض نظرية، تستند إليها هذه الدراسات، لذلك تتأكد ضرورة تواجد الفرضية العلمية التي توجه البحث، وضرورة الأخذ بمناهج تعتمد على الفر ضية في كل دراسة ميدانية قبل القيام بعملية تسجيل الملاحظات والبيانات، وقبل مواجهة أي تجربة أو دراسة ميدانية، يتحتم قبل البدء في استخدام الملاحظة تحديد « ماذا يجب أن نلاحظ؟» و«ما هي موضوعات الملاحظة؟»[3].
اعتمدنا في هذه الدراسة على أربع فرضيات أساسية، حاولنا من خلال الفرضية الأولى الكشف عن العلاقة السببية التي تربط بين الجوانب المادية للخيمة وجوانبها الثقافية. أما عن العلاقة الوظيفية فتكشف لنا عنها الفرضية الثانية والثالثة، إذ أن الخيمة كنمط عمراني يضمن للبدو أو لغير البدو حرية التنقل والترحال من مكان إلى آخر والتحرك في فضاء واسع، الأمر الذي يتيح لهم اختيار المحل الذي تتوفر فيه الشروط الضرورية للحياة البدوية، أو الشروط التي تتطلبها الحياة الاجتماعية للمجتمعات التي تستعمل هذا النوع من المسكن. هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن فضاء الخيمة يرتبط ارتباطا وثيقا بالتنظيم الإجتماعي والعائلي؛ المخيم، وتقسيم الخيمة الواحدة إلى قسمين أو أكثر(الخوالف) كما يعبر عنها، وتأسيس خيمة جديدة أثناء كل زواج جديد…كلها دلالات تكشف عن الصلة الموجدة بين المجتمع والعائلة وفضاء الخيمة. والفرضية الرابعة نكشف من خلالها عن علاقة التلازم الموجودة بين فضاء الخيمة والمكتسبات الثقافية، فهذا الفضاء يعتبر إطارا لصنع التاريخ وحفظ الموروث الثقافي والتعبير عن الهوية.
لذلك كانت صياغتنا للفرضيات على النحو الآتي:
v سرعة تغير مكونات الخيمة وأدواتها، وبطء تحول المعاني والقيم الرمزية التي تحملها.
v تشابه الظروف الطبيعية والإجتماعية يؤدي إلى تشابه وسائل التكيف وتماثلها.
v فضاء الخيمة انعكاس للتنظيم الاجتماعي والعائلي للأسرة والقبيلة.
v الخيمة جزء هام من التاريخ وإطار لحفظ الموروث الثقافي.
وسائل جمع المعلومات:
المقابلة الحرة :
إذا كان من بين الأهداف الأنثروبولوجية لبحثنا استخلاص القيم الرمزية للخيمة في الحياة البدوية، وما تمثله هذه القيم في الذاكرة الجماعية للبدو المتحضرين، فإن المقابلة وسيلة أساسية في تحقيق هذا الهدف، فالحوار ضروري في هذه الحالة. وإذا كانت المقابلة يمكن أن تكون موجهة أو غير موجهة، فإن النوع الثاني هو الأنسب في هذه الحالة لأنه يشتمل على الحديث العادي وتوجيه أسئلة ذات نهايات مفتوحة تتيح للفرد أن يبدي رأيه في كل الموضوعات المطروحة، كما يمكن أن يأخذ الحوار في بعض مراحله صورة جديدة يوجه فيه الفرد أسئلة إلى الباحث الذي يرحب بها لأنه يجد دلالات أخرى ذات فائدة له. لقد أطلعتنا كتب المنهجية الخاصة بالأنثروبولوجيا على تجربة «مالينوفسكي» في جزر التروبرياند، عندما سأل أحد الإخباريين عن موضوع يتعلق بالأساطير، لكن الإخباري خرج عن الموضوع، وتحدث كثيرا عن عشيرته متغاضيا عن محاولاته العديدة لإعادته إلى صلب الموضوع، ولكن «مالينوفسكي» تحقق بعد ذلك من أن ما رواه له الإخباري أكثر أهمية من الإجابة التي كان ينتظرها على سؤاله له.[4] فمقابلة الباحث مع الإخباري كما ترى «فتيحة محمد ابراهيم»لا بد أن تتميز بالمرونة.
الملاحظة بالمعايشة :
إن المشكلة الرئيسية التي تواجه الباحث الحقلي المبتدئ في بدء دراسته هي كيفية الدخول إلى مجتمع البحث، وخاصة أن الباحث الأنثروبولوجي لابد أن يكشف عن دوره كباحث بالنسبة لأفراد المجتمع، ويجد الوسائل التي تجعلهم يقبلون هذا الدور ويعطونه ثقتهم، وهذا يتوقف على عدة جوانب بعضها يتصل بقدرات الباحث نفسه، وبعضها يتصل بطبيعة مجتمع الدراسة كدراسة مجتمع بدوي بالنسبة لباحث حضري، والبعض الآخر يتصل بطبيعة الموضوع.
ولكي تنجح الملاحظة بالمشاركة أو المعايشة وجب علينا أن نضع في حسباننا هذه الجوانب الثلاث: ففيما يخص القدرات الخاصة التي تحتاج إلى صقل وتكوين، آثرنا الإحتكاك بذوي السبق في ميدان البحث الأنثروبولوجي للإستفادة من خبرتهم وتجربتهم الميدانية، وبالنسبة لمجتمع الدراسة فلا سبيل لنا إلا الإندماج ضمن هذا المجتمع، والكشف عن دورنا كباحث منذ البداية، وبالنسبة لموضوع البحث وبغية ملاحظته ملاحظة تامة ولو بصورة نسبية، واقتناص كل جزئياته بما يتفق وعناصر الموضوع، كان لزاما علينا أن نضع في اعتبارنا أن كل وقت قادم سيحمل معه الكثير مما يستحق الإهتمام، وأن أهمية البيانات لا تتحدد وقت جمعها فقط وإنما عند تحليلها أيضا. تعتبر الملاحظة بالمشاركة أفضل وسيلة منهجية مفضلة في العلوم الإنسانية والإجتماعية خاصة علمي الأنثروبولوجيا و الإجتماع، يقول بواس: «إنه لفهم ثقافة المجتمع لا بد من العيش في المجتمع، ومعرفة لغة الأهالي»[5]، ومن تعريفها المنطقي تظهر على أنها تجربة مزدوجة: تجربة الآخرين وتجربة الذات. إنها خلق اصطناعي لوضع اجتماعي مؤقت لأول وهلة، حتى ولو وجب أن يكون طويل الأمد، حيث نتردد فيه على أناس ليس بيننا وبينهم أي علاقة مسبقة، وحتى ولو لم يطلبوا منا أن نأتي إليهم ونهتم بهم، ناهيك عن الإقامة بينهم بشكل ثابت. يجب على الإثنولوجي الميداني أن يخلق لنفسه دورا محليا أو خارجيا يجعل من سيئة التطفل حسنة واتصالا مرفوضا يهدف إلى الإندماج في علاقة عادية مع الجماعة.
التساؤل الشرعي الأول يرتكز على طبيعة الملاحظة بالمشاركة، وعلى حقيقة إقامة الإثنولوجي التجريبية واليومية والتقنية. إن الأنثروبولوجي «غريب وصديق» في الوقت نفسه، ربما يتعلق الأمر«بغريب محترف»، يقول «جان كوبان»: «من البداية لا يستطيع الإثنولوجي الميداني، رغم كل كفاءاته، أن يمحو عيبه الأساسي: هو أنه أجنبي وسيبقى أجنبيا».[6]
إذن من الطبيعي جدًّا أن يبدأ الباحث الحقلي بموقف الغريب عن المجتمع موضع البحث وأن يعامله أفراد المجتمع بهذه الصفة، ويتوقف عليه بعد ذلك التغلب على العوامل التي تمثل حاجزا بينه وبينهم. ولكن ماهي أنجع السبل التي تحقق لنا ذلك؟ نعم، إننا نجد كتب منهجية البحث الأنثروبولجي تطلعنا نظريا على مختلف الطرق التي تحقق للباحث خاصة المبتدئ الإندماج مع مجتمع الدراسة، كما وجدنا في تجارب كبار الأنثروبولوجيين سندا مهما استطعنا أن نحاكيه لأجل التكيف والمواءمة مع حقل الدراسة. ولكن، رغم اقتدائنا بخبرات كبار الأنثروبولوجيين التي يحتفظ بها الأدب الأنثروبولوجي، ورغم محاولة إلمامنا بلغة ذلك المجتمع، واكتسابنا لأسلوبه في الحياة اليومية…إلا أن أعضاء المجتمع وأفراده لا زالوا يعتبروننا غريبين ولا يعتبروننا شركاء في حياتهم، ولا أصدقاء لهم ؟
يصور «مالينوفسكي» موقف الإغتراب الذي يشعر به الباحث في بدء دراسته تصويرا جيدا في دراسته عن التروبرياند فيقول: «تخيل نفسك وقد وجدت أنك محاط فجأة بأمتعتك على الساحل بالقرب من إحدى قرى المناطق الحارة بينما يبتعد القارب الذي أقلك بعيدا عن أنظارك، وتخيل أكثر من ذلك أنك باحث مبتدئ ليس لديك خبرة سابقة، ومجرد من أي دليل يرشدك أو شخص يعينك، هذا بالضبط ما واجهته في محاولتي الأولى في العمل الحقلي على الساحل الجنوبي لغينيا الجديدة، ولا زلت أذكر جيدا الزيارات الطويلة التي كنت أقوم بها للقرى خلال الأسابيع الأولى، ومشاعر الإحباط واليأس من العديد من المحاولات العنيدة، والتي فشلت مع ذلك في أن تقربني من الأهالي أو تدفعهم لإمدادي بأي شيء».[7]
فالمشكلة الرئيسية التي واجهتنا ميدانيا أثناء بدء دراستنا هي كيفية الدخول إلى مجتمع البحث، خاصة وأننا سنكشف عن دورنا كباحثين بالنسبة لأفراد المجتمع، ربما يساعدنا هذا، لكن هل يثق الأهل فيما نصرح به خاصة وأن المجتمع مر بظروف وعوامل جعلته ينغلق على ذاته أكثر فأكثر؟ إننا نجد في المجتمع الجزائري مثالا لذلك، لقد جعلت منه الأحداث التي مر بها مجتمعا يتجه نحو الانغلاق والتشدد وعدم التسامح في أمور كثيرة خاصة تلك التي تتعلق بأمنه، فيرى في كل استجواب أو تحقيق تحديدا لحياته، فمهما كانت براعة الباحث في ابتكار الوسائل فإن المجتمع قد اتخذ قرارا مطلقا بأن لا يعطي ثقته لأحد، لقد اقتنع بالفكرة الديكارتية التي تقول: «من خدعك مرة يخدعك مرات ومرات».
إن جل الكتب التي تناولت منهجية البحث الأنثروبولوجي تتحدث على أن الثقة المتبادلة بين الباحث ومجتمع الدراسة، تتوقف على عدة جوانب بعضها يتصل بقدرات الباحث نفسه، وبعضها يتصل بطبيعة مجتمع الدراسة، وبعضها يتصل بطبيعة الموضوع؛ فإذا كان لزاما علينا من ناحية أننا متدربون ومبتدئون، صقل قدراتنا وبذل الجهد من أجل التكوين واكتساب الخبرة، فإن طبيعة مجتمع الدراسة كالمجتمع الجزائري قد لا تؤثر على سير عملية البحث فقط، بل قد يتعدى تأثيره حتى إلى إختيار الموضوع ذاته، إذ نجد الكثير من الموضوعات التي وضعت أمامها خطوط حمراء، لا يمكن حتى التفكير فيها، فكيف بتطبيق الملاحظة بالمشاركة أثناء دراستها؟ أما عن موضوع الدراسة أو البحث، فإن قدرة الباحث تتمثل في مدى استيعابه لأبعاده وأسلوب معالجته من خلال الوسائل المناسبة، وهنا يطرح السؤال التالي: ماهي الوسائل والأساليب المنهجية الملائمة لإجراء الدراسة وتحليل البيانات التي تم تجميعها من الميدان؟
ونظرا لأننا لا يمكن أن نكون في كل مكان وفي كل وقت، فإننا نتساءل: كيف ستكون ملاحظتنا والحالة هذه؟ بطبيعة الحال الجواب لايتعدى أن تكون الملاحظة إنتقائية إلى حد كبير، وهنا يتولد سؤال آخر: ماذا ننتقي وماذا نترك؟ إن بعض المواقف والأحداث تفرض نفسها علينا، وإذا فاتتنا ملاحظتها في وقتها فسوف تضيع منا فرصة يصعب أو يستحيل تعويضها، ربما نركز على الجوانب التي تهم موضوعنا أو لها صلة مباشرة بمجال الدراسة التي نجريها، ولكن أحيانا نشعر ونحن بصدد الإختيار والإنتقاء بالقلق والتوتر حول ما إذا كنا نقوم بالملاحظة المناسبة في الوقت المناسب أم لا؟ وأحيانا أخرى نشعر بالندم عندما نكتشف بعد فوات الأوان بأن ما لم يقع عليه اختيارنا من العناصر هو على قدر كبير من الأهمية؟ الحل صعب جدا أمام هذه الدوامة من التساؤلات التي تضعنا بين الحين والآخر ونحن في الميدان في حالة حرج.
الإخباريون:
بطبيعة الحال، إن نجاح الدراسة الحقلية يتوقف إلى حد بعيد على حسن اختيارنا للإخباريين والتعاون معهم، فهم يمثلون حلقة الاتصال بيننا والمجتمع طوال فترة الدراسة، ويعرف «جريك بايلي Garrick B» الإخباريين بالقول: « إن الأشخاص الذين يسمحون له بالقيام بملاحظة سلوكياتهم، يسمون الخبراء أو الإخباريين»[8]، أجل قد يقدم أحد الإخباريين عونا كبيرا لنا، ولكن هل يكون لكل إخباري يقع الإختيار عليه نفس الإهتمام بالموضوع الذي نقوم ميدانيا بدراسته؟ ألم تعرف النساء عن بعض الموضوعات أكثر مما يعرفه الرجال؟ والعكس صحيح بالطبع، ألم يكن كبار السن أكثر معرفة وإحاطة بالأساطير، والخرافات، والتاريخ، والمشايخ والعرف والعادات والتقاليد؟ لماذا يكون رجال الدين أكثر عرفانا وخبرة من غيرهم في مجال المعتقدات والأديان؟ لماذا يكون غير مسموح للآخرين في بعض الأحيان معرفة الكثير من المعلومات ذات الصلة بهذه المجالات؟
إذن من بين الأساسيات في البحث الأنثروبولوجي حسب كبار الأنثروبولوجيين يتمثل في استخدام إخباريين رئيسيين من هذا النوع كمصادر للمعلومات على ثقافتهم، فالناس يتمايزون فيما بينهم بالنسبة إلى معرفتهم، وتفسيراتهم لنظمهم الإجتماعية والثقافية، كما يختلف الناس في اهتماماتهم وقدراتهم على التعبير اللغوي، وبالتالي لا يجد الأنثروبولوجي إلا عددا قليلا من الأفراد يصلحون كإخباريين ملائمين، إن البعض من قدرات الإخباري يكتشفها الباحث ذاته، أثناء تدريبه على تصوير المعلومات الثقافية في الإطار المرجعي الذي يستخدمه الأنثروبولوجي.
يتعلم الإخباري بالتدرج قواعد السلوك في مواجهة الأنثروبولوجي، يقول «عبد الله عبد الغني غانم»: «لو طال التعامل بينهما فربما يستخدم المفاهيم النظرية الخاصة بالأنثروبولوجي في تحليل ثقافته الخاصة»[9]، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: إلى أي مدى يبقى الإخباري متفاعلا مع الأنثروبولوجي الذي لعب دورا كبيرا في تدريبه وتعليمه للقيام بدور الشارح لثقافته؟ ما هي طبيعة الموضوعات التي يتجاوب ويتفاعل معها الإخباري أكثر من غيرها؟
لقد قاما «فرانك وروث يونغ» بتحليل فاعلية الإخباري أثناء دراسة أجرياها في المكسيك، ووجدا أن الإخباريين كانوا على مستوى من الثقة والفاعلية في إعطاء معلومات عن موضوعات محددة مثل: هل يوجد مسجد بهذه البلدة؟ هل لديكم طبيب هنا؟ متى وصلت الكهرباء إلى تلك المدينة؟
إن الإخباري يتفاعل مع الموضوعات الخاصة بالجغرافيا الطبيعية والمباني العامة، النظم والأمور النظامية، ثم تواريخ الأحداث الهامة في المجتمع، لكنه يظهر اتفاقا أقل إذا تعلق الأمر بالأسئلة التقييمية مثل: هل ثمة أي تغير في التمسك بالدين في هذا المجتمع في العشر سنوات الأخيرة؟ أو ما نسبة الناس الذين يؤدون صلاة الصبح؟ عموما إن الثقة في الإخباريين مسألة احتمالية، ومعظم التأكيدات حول فعالية الإخباري انصبت على البحوث المسحية على المستوى الكبير، وليس في حالة المواقف التي تستخدم فيها المقابلة المركزة على مدى زمني كبير في مجتمعات صغيرة نسبيا.
ومن الطبيعي أن يميل الباحث إلى هذا الإخباري أو ذاك، ولكن عليه ألا يظهر ذلك وخاصة أمام الإخباريين الرئيسيين، لأن من شأن ذلك هدم كل الثقة التي تعب الباحث في بنائها بينه وبينهم، كما يجب عليه أن يعالج بحكمة وصبر المشكلات الناجمة من بعض الإخباريين، فقد يسيء أحدهم معاملة الأهالي أمام الباحث، أو يجب أن يظهر دائما أمام الآخرين أنه ذو صلة وثيقة بالباحث، أو يهتم بإنقاص قدر الإخباريين الآخرين وما يدلون به من بيانات، وقد يجد الباحث نفسه في بعض الأحيان مضطرا إلى إنهاء علاقته بإخباري معين يكون من شأن استمرار العلاقة معه الإساءة إلى عدد آخر من الإخباريين، وفي بعض الأحيان قد يتطوع الإخباري بالحديث باسم الباحث مع الأهالي وهذا خطأ على الباحث أن يلاحظ ذلك وأن يسارع إلى تنبيهه لعدم التكرار.[10]
الجهاز المفاهيمي:
مفهوم التناشز الإجتماعي:
من الناحية الإصطلاحية نجد أن «التناشز الإجتماعي» وهو التناقض والتقاطع الإجتماعي بين العاملين المادي والروحي أو المعنوي من حيث طبيعة المسار والأسلوب والهدف.[11] فعند تحول المجتمع حضاريا نلاحظ بأن سرعة تقدم العامل المادي تكون أكبر وأكثر زخما من سرعة تقدم العامل الروحي، وذلك لأن الإنسان يتقبل بسهولة تحول المظاهر الإقتصادية في المجتمع، ولكنه لا يتقبل تحول المظاهر القيمية والأخلاقية إلا بعد فترة طويلة تتخللها جهود مضنية في التربية والإرشاد والتوجيه وإعادة عملية التنشئة الإجتماعية. إن المد الحضاري يحدث تدريجيا وببطء شديد، فالناس اذا اعتادوا على قيم معينة فترة طويلة من الزمن صعب عليهم ان يتركوها دفعة واحدة بمجرد تغيير ظروفهم.
مفهوم الذاكرة:
الذاكرة الفردية هي وجهة نظر في الذاكرة الجمعية. الأطر الاجتماعية للذاكرة عبارة عن أبنية ديناميكية تعدل وتضبط نفسها بشكل مستمر وفقا للمعطيات الجديدة للحاضر. مثل هذا الضبط يستلزم عمليات فرز: عندما لاتتوافق الذاكرة ولا تتمتع بأي ملاءمة مع الحياة الراهنة للجماعة، تتلاشى وتختفى كليا أو جزئيا. تنسى الجماعة البشرية كل ذلك الذي لا يفيدها ولا ينفعها في شيء. هذه المرونة هي التي تسمح كذلك لأطر الذاكرة أن تمارس وظيفتها الأصلية في الزمن الحاضر: بالقدر الذي تقابل فيه عالما من الرموز والمعاني مطابقا للمرجعيات الراهنة للجماعة، تلجأ هذه الأطر إلى إعادة خلق مستمرة للذاكرة وفقا للمعطيات الجديدة التي يقدمها الحاضر. الحاضر لا يقطر كل الماضي خلفه: الحاضر ينتج الماضي.[12]
إن نستنتج بأن الذاكرة التاريخية هي غير التاريخ. والمقصود إنها غير وعي التاريخ بما هو بحث عقلاني في الماضي لدرس الكيفيات والأحوال والوقوف على الأسباب والمسارات كما دعا إلى ذلك ابن خلدون في الحضارة العربية أو كما دعت ومارست ذلك المدارس التاريخانية الحديثة بدءاً من القرن التاسع عشر. وهذا هو المعنى الذي سنعمل على مراعاته طيلة بحثنا.
مفهوم المخيال/المخيلة:
إنه لا يمكن الحديث عن الذاكرة -في بعدها الإجتماعي خاصة- دون الإشارة إلى المخيلة أو المخيال، فكلمة مخيال Imaginaire غير كلمة خيال Imagination، وإن كانتا تنتميان إلى نفس الجذر اللغوي.[13] فالمخيال يتشكل تاريخيا في الذاكرة الجماعية أو في الذهن، ويضرب بجذوره في أعماق اللاوعي عبر تشكله خلال مختلف المراحل التاريخية. هكذا نتحدث مثلا عن مخيال شعبي، أو مخيال أدبي… إن مخيال فرد ما أو فئة اجتماعية ما أو أمة ما يعني جملة التصورات المتجسدة في الثقافة الشعبية.
الحقيقة أن التخيل بشكليه الاستعادي والإبداعي لا يستغني في عمله عن الذاكرة، ومع ذلك فإن الفرق بَيِّنٌ، فعل التذكر والتخيل يظل قائماً، وهو يعود إلى الفرق في موقف الشعور من موضوعه في حالة التذكر. وموقفه في حالة التخيل، حيث يتصف باتجاهه نحو موضوعه، لا بوصفه ماثلاً هنا، والآن كما في الإدراك الحسي، ولا بوصفه ماضياً، كما في التذكر، وإنما بوصفه غير موجود في مجال الإدراك الحسي، لا في إطار الزمان ولا في إطار المكان، وإنما تم اختلاقه عبر تنظيم مخلَّفات الإدراك الحسي في الوعي بصورة جديدة. الملكة التي يستعيد بها الذهن الفكرة بحيويتها وكما تلقاها من الحواس هي الذاكرة، والملكة التي يفكر بها الذهن في الأفكار بعد أن تكون إحساساتها قد غابت عن الإدراك الحسي تسمى المخيلة.[14]
مفهوم الرمز:
فعند علماء النفس يرى فرويد أن الرمز أداة في يد اللا شعور أو المكبوت الجنســي« فأغلب الرموز في الحلم رموز جنسية»، فالرمز بمعناه الواسع في التحليل النفسي يمثل تصويرا غير مباشر للأفكار والرغبات اللا شعورية. كما أكد فرويد على ثبات العلاقة الموجودة بين الرمز والفكرة المرموز إليها، وهذا الثبات لا يلاحظ في الأحلام وحدها بل أيضا في أعراض اللا وعي الأخرى من مثل الأساطير والفلكلور والدين[15]…
أما « كارل يونغ » فقد تناول الرمز من جانب مستوى اللا شعور الجمعي، الذي هو المخزون الشامل لذكريات شخصية وصور بدائية موروثة من أجيال عديدة عن الســلف، فاللا شعور الجمعي الذي هو مكمن الموروث من تاريخ البنية العقلية البشرية بكل ما يمثله هذا الموروث من الأساطير البدائية والمكونات الدينية والخرافية، يتكون من وحدات يسميها «يونغ» بالأنماط الأولى (Arche types) وهي عبارة عــــن »صور كونية توجد منذ أزمنة بعيدة الغور، وتعود إلى حين كان الشعور الإنساني مرتبطا بالكون متوحدا فيه، عن طريق الترميز والأسطرة، وهذه الصور النمطية هي التي تصل الإنسان بجذوره الأولى فيظل مرتبطا بأرضه وجنسه وأسلافه«.[16]
أما في مجال السيمياء فقد حاولت الفلسفة الرمزية التي تزعمها «أرنست كاسيرر» Ernest Cassirer [1874 – 1945] في كتابه »فلسفة الأشكال الرمزية» أن تجد في الرمز مفتاحا لفهم طبيعة الإنسان من خلال اهتمامها بالأشكال اللغوية والفنية والميثولوجية التي تمثل وسيطا رمزيا يواجه به الإنسان الكون وما حوله، لتضحى هذه الأشكال عبر السنين نتاج تفاعل بين عالم الإنسان وعالم الواقع. صرح «كاسيرر» (أن الإنسان حيوان رمزي في لغاته وأساطيره وديانته وعلومه وفنونه).[17]
ويؤكد «سوسير» على هذه الخاصية قائلا: » فالرمز يتميز بكونه ليس دائما اعتباطيا تماما، فهو ليس خاويا، بل نجد فيه شيئا طفيفا من الربط بين الدال والمدلول، فلا يمكن أن نعوض رمز العدالة بما اتفق من الأشياء الأخرى كالدبابة مثلا[18]. «
أما « تودوروف » Tzvetan Todorov [ 1939- ] فقد منح الرمز مدلولا شاملا يتضمن كل أشكال المجاز بحيث يكون للكلمة مدلول آخر غير معناها المعجمي، فكلمة لهيب مثلا إذا وظفت توظيفا استعاريا قد ترمز إلى الحب.
نجد بيرس يميز بين ثلاثة أنماط وأنواع من العلامات، فهناك العلامة الأيقونية التي تدل على موضوعها من حيث أنها ترسمه أو تحاكيه بفضل صفات تملكها مثل الصور الفوتوغرافية، وهناك العلامة الإشارية التي تدل على الشيء الذي تشير إليه بفضل ارتباط سببيتها بمرجعيتها مثل الدخان الذي يشير إلى الحريق. أما العلامة الرمزية فهي تحيل إلى الشيء الذي تشير إليه بفضل قانون غالبا ما يعتمد على التداعي بين أفكار عامة، فهي حسب «بيرس» أكثر العلامات تجريدا كون العلاقة بين الدال والمدلول غير عرفية وغير معللة.[19]
مفهوم البداوة:
فالمسألة تتعلق إذن بمدى مساعدة العوامل البيئية والجغرافية على استمرار حياة البداوة أو انحصارها؟
تطلق على قوم من الناس يصنفون ضمن تنظيم قبلي أو عشائري، ولهم طقوس وأعراف وأنماط سلوكية تميزهم عن غيرهم من التجمعات البشرية، وذلك ضمن تراتبية اجتماعية خاضعة لنظام القبيلة، أو العشيرة.[20] بل هي ظاهرة إنسانية مركبة اتخذت أشكال تحول كثيرة عبر التاريخ، ولذلك فهي قابلة للتكيف مع كل تغير جديد شريطة ألا يمس هذا التغير الجوهر، أي الهوية والخصوصية المحلية. من هنا يبرز الحس الثقافي للإنسان البدوي.[21]
مفهوم الفضاء:
فعندما نترجم كلمة espace إلى العربية فالمعنى الذي تحتمله هذه اللفظة لغويا هو «المحل» lieu. أما عندما نضع هذه الكلمة كمقابل لـ «الزمان»، فاللفظ المناسب هو «المكان». وعبارة «المكان والزمان» لا تنقل بالضبط مقابلها في اللغات الأجنبية l’espace et le temps. فـ «المكان» في القواميس العربية هو كما قلنا: «الـموضع» و«المحل». في حين أن معنى espace هنا أقرب إلى ما يستفاد من كلمة «المكان المطلق» بلغة الفيلسوف الألماني «إمانويل كانط Kant Emmanuel» [1724-1804]، وهي أقرب إلى مفهوم الخلاءle vide . ولكن «الخلاء» في اللغة العربية هو: المكان «إِذا لـم يكن فـيه أَحد ولا شيء فـيه». والـخَلاءُ من الأَرض: قَرارٌ خالٍ… ولا شيء من هذا كله يعبر عن مفهوم espace سواء تعلق الأمر بمعناه العام كقولنا «الفضاء الكوني» أو الكوسمولوجي أو بمعناه المقيد بمجال خاص: الفضاء الجغرافي، الفضاء الاقتصادي، الفضاء الرياضي… وأيضا الفضاء الذِّهني espace mental.[22] فبهذا المعنى المقيد نستعمل هنا كلمة « الفضاء » في عبارة: « الفضاء الثقافي». وقد فضلنا هذه اللفظة على ألفاظ أخرى مثل المجال والحقل، لأنه – أعني «الفضاء»- أوسع وأرحب، وبالتالي أنسب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فبما أننا نعتبر «الثقافة» مظهرا من مظاهر الحضارة، مظهرها الروحي الفكري الفني.[23]
إننا نبحث عن المقاربة التي لا تقصي الفاعل عن موضوع فعله ولا تموقع موضوع الفعل خارج فاعله أي خارج الإستعمال الذي يمثّل في منظورنا وحدة التحليل الأساسية والضرورية لفهم الفضاءات البدوية والريفية ومشكلة التغيّر والمقاومة والرفض وكلّ المشكلات في بوادي وأرياف اليوم التي تشهد تداخل أو حضور التقليدي ضمن الحديث والحديث ضمن التقليدي.[24]
تعطي مقولة الإستعمال شرعية لحضور البعد الرمزي للفضاء وبالتالي المخيال والذاكرة الجماعية، لا تتأكّد إلاّ مع إستدعاء أو موضعة ضرورية للتحليل ضمن سوسيولوجيا المعيش اليومي. من هذا المنطلق، وجهة التحليل السيميائي هي دراسة الفضاء لا عبر هذه الممارسات التي تتمّ داخل الفضاء بل أساسا عبر التمثّلات والمعاش. معنى ذلك أنّ دلالة علامات الفضاء لا تتأتّى من إستعمال الفاعلين الإجتماعيين للفضاءات التي يشغلونها ويتحرّكون ويتصرّفون ضمنها وعبرها داخل البادية والريف وبالتالي مع ذواتهم والآخرين في منظورنا ولا تتأتّى أيضا من المعنى اللفظي، بل هي بالأساس تعبيريّة.[25]
مفهوم المكان:
قال «د.عبد الرحمن موساوي»: «المكان جزء من الفضاء…فهذا الجزء من الفضاء، ليس إلا قاعدة وظرف أين يتجذر المكان ليأخذ أساسه».[26] يضيف عبد الرحمن موساوي قائلا: «المكان بالمرة، موقع رمزي، موقع للذاكرة، وموقع مقدس».[27] وفي نفس الإطار يذكر «عباس خلف علي» نقلا عن «ابن خلدون»: أن الأمكنة لا تصنعها الأزمنة بل يولدها الوجدان، لأنها سرًّا من أسراره، وخاصية من خواصه، ومتعة من متعه الحسية والنفسية والأجتماعية والأخلاقية.
لا توجد في المجتمع الإنساني علاقات بين الناس فقط، بل هناك علاقات الإنسان بالطبيعة، وبالمكان الذي يحيط به وعلى هذا فإن « كوندراتينكو» Nikolai Ignatovich Kondratenko [ 1940- 2003 ] يطلق على علاقة الإنسان بالمكان والطبيعة تسمية (العلاقة الفردية الاجتماعية)، التي بواسطتها يجري الإنسان تقييماً للأشياء المحيطة به، كأن يسبغ على بعض الأشياء ـ والأمكنة صفة القداسة، وما يصاحبها من شعور جمالي. ليس النفع والجمال، والقداسة، صفات في الشيء أو في المكان، بل هي نتيجة تقييم نوعي للأشياء والظواهر، تقييماً لقدرتها على تلبية الحاجات النفعية، والجمالية والقدسية الدينية، «لقد كانت الرهبة والتعبد، على الأرجح، مصاحبة للعلاقة الدينية أو للتقييم الديني، في حين كان الإعجاب تعبيراً عن العلاقة الجمالية».[28]
يرى «بول كلافال» Paul Claval [ 1932- ] أنّ المكان بالنسبة لقاطنيه يشكّل رمزاً للأمان، ومصدراً للاعتزاز و التعلّق. يقول: « المكان هو أحد الدعائم المفضّلة للنشاط النموذجيّ، ينظر إليه من يسكنونه أو من يعطونه قيمة، و ذلك بطرق مختلفة، يُضاف إلى الامتداد الذي يشغلونه، ويتجوّلون فيه و يستعملونه، في فكرهم، امتداد يعرفونه و يحبّونه و الذي هو بالنسبة إليهم، رمز أمان، باعث عزّة، أو مصـــدر تعلّق«.[29]
لقد أخذ الاهتمام بالمكان يكتسب طابعه العلمي، حين غدا امتدادا للجسد عند المفكرين الاجتماعيين و النفسانيين على حد سواء. فقد: قارن علماء الاجتماع هذا الحيز ( بالفقاعة التي يعيش الفرد بداخلها، ويحملها أينما ذهب) وهو فضاء تتعدد وظائفه ومعانيه بالنسبة لصاحبه وللآخرين. وكل اعتداء على جزء منه قد يولد ثورة واحتجاجا. وقد يكون في صورة أخرى دلالة على التقرب والمحبة. وهي معان لا تنشأ من «المكان» أصالة بقدر ما تنشأ عن الظواهر المصاحبة له. وقد تكشف الدراسات عن معان أخرى يمتلكها المكان الجغرافي، كإكساب «القيم« الاجتماعية نعوتا مكانية للدلالة على سموها ومكانتها و جدارتها. ف«الشريف» و« الوضيع » و«العالي» و«الدني» و« المنيع » و «الصغير» و«الكبير» أوصاف يجسدها البصري، ويحدّ حدودها شكلا ومضمونا. ولجلالها آثر الإنسان- في لحظة من تاريخه- استعارة معانيها لقيمه الاجتماعية. ذلك أن : إضفاء صفات مكانية على الأفكار المجردة، يساعد على تجسيدها. وتستخدم التعبيرات المكانية بالتبادل مع المجرد مما يقربه إلى الأفهام. وينطبق هذا التجسيد المكاني على العديد من المنظومات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، والأخلاقية، والزمنية. بل إن هذا التبادل بين الصور الذهنية والمكانية امتدّ إلى اتصاف معان أخلاقية بالإحداثيات المكانية النابعة من حضارة المجتمع وثقافته.
لقد حاول كثير من البدويين الذين يجوبون البوادي، وهم يصفون المكان: بيوتا، ومخيمات أو منتجعات، قلع ومداشر.. وغيرها التوقف عند الحياة المنبعثة منها، وكأنها «كائنات» لها من الخصوصية ما يجعلها وهي تلامس الوافد عليها تملؤه، وتخالطه، وتتخلله، بما لديها من مشاعر، وأحاسيس. ألا ينتابنا كثير من الضيق والاختناق ونحن ندخل بعض البيوت ؟ أو نعبر بعض الشوارع؟ أو نجلس في بعض الأمكنة؟ وقد تسري في أجسادنا قشعريرة الخوف الغامض، والتقزز المحرج كذلك، ونحن ندخل أماكن تواجهنا أول مرة بما يملأ صدورنا توجسا وخشية. كما أننا قد نشعر بالعظمة والهيبة وضآلة النفس في مواطن يعمرها الجلال والجمال؟
منهج الدراسة:
تعبر كلمة منهج عن مجموعة القواعد التي تقود خطوات التفكير العقلي في سعيه نحو الكشف عن نتيجة أو نتائج معينة، فالمنهج ضروري في أي مجال علمي، وتختلف قواعده باختلاف هذه المجالات، ففي مجال الأنثروبولوجيا كغيرها من العلوم نجد تعددا في المناهج بحسب التعدد في هذه المجموعات من قواعد البحث، ولكن تجمعها في نهاية الأمر كما ترى «د. فتيحة محمد ابراهيم»: «الطريقة الأنثروبولوجية في البحث»[30] والتي تمثل السمات العامة الأساسية لهذه الإتجاهات المنهجية، وتحتاج كل دراسة حقلية إلى المنهج أو المناهج الملائمة لموضوعها والنتائج التي تسعى إلى الكشف عنها، والنجاح في اختيار المنهج المناسب هو نجاح في سلوك الطريق المناسب.
بناء على هذا يمكن لنا المواءمة بين العديد من الإتجاهات المنهجية في دراستنا هذه وذلك بالقدر الذي يخدم أهداف الدراسة والبحث. وهي:
الإتجاه التاريخي:
إن التغير الثقافي لا يتم إلا من خلال إعادة بناء الماضي، ولا نعني بذلك أي شيئ آخر غير تتبع المسارات التاريخية لعنصر ثقافي معين( الخيمة )، وفي منطقة محددة (مجال إجراء الدراسة)، بمعنى أننا سنأخذ بالبعدين الزمني والمكاني لموضوع البحث والدراسة، فأهمية هذا المدخل تتمثل في الرجوع إلى الماضي للتعرف على الخصائص الثقافية الماضية ومقارنتها بما هو قائم حاليا، أو رصد المتغيرات الحالية ومحاولة التعرف على الأوضاع السابقة التي تحمل بذور هذه المتغيرات. لذلك نجد أن كتب التاريخ الجيدة على حد تعبير «كلود لـــيفي ستروس» Claude Lévi-Strauss [ 1908- ] تكون مشربة بالإثنولوجيا، وقد عبر عن عدم التعارض بين الدراسة الإثنولوجية لظاهرة من الظواهر وتناول هذه الظاهرة تاريخيا فكل ما هنالك : « لا يصح القول، إذا، أن المؤرخ والإثنولوجي يسيران في اتجاهين متعاكسين على طريق معرفة الإنسان التي تتراوح بين دراسة المضامين الواعية ودراسة الأشكال غير الواعية. بل يسيران في اتجاه واحد، وأن يظهر الإنتقال الذي يقومان به معا، في أوضاع مختلفة لكل منهما- انتقال من الواضح إلى المضمر في نظر المؤرخ، ومن الخاص إلى العام في نظر الإثنولوجي- فهو أمر لا يبدل شيئا من المنهج الأساسي. ولكن، على طريق يقطعون عليها مسافة واحدة، في اتجاه واحد، يختلف اتجاه نظرهما وحده: فالإثنولوجي يسير إلى الأمام، ساعيا إلى أن يبلغ دائما مزيدا من لاشعور يتجه نحوه، وذلك من خلال شعور لا يجهله أبدا، فيما يتقدم المؤرخ القهقرى، إن صح القول، مثبتا نظره على النشاطات الواقعية والخاصة، التي لا يبتعد عنها إلا ليتأمل فيها من أفق أغنى وأكمل. إنهما عبارة عن جانوس حقيقي بجهتين، وعلى أية حال، إن تضامن العلمين هو الذي يتيح مراقبة المسافة كلها».[31]
إذا كنا قد أشرنا إلى أننا سنعود إلى الخصائص الثقافية الماضية للظاهرة موضوع الدراسة ومقارنتها بما هو قائم حاليا، فلا يعني ذلك أننا سنعتمد في دراستنا كلية على الوثائق المكتوبة، لأننا نجد أنفسنا حتما أمام ثقافة في كثير من جوانبها ثقافة شفوية. هنا نأخذ بقول «كلود ليفي ستروس»: «إن الإثنولوجي يهتم اهتماما خاصا بما هو غير مكتوب، لأن ما يهتم به يختلف عن كل ما يفكر الناس عادة في تثبيته على الحجر أو الورق».[32] لذلك كان لزاما علينا حسب ما يقتضيه المنهج العلمي أن نركز اهتماماتنا وبحوثنا على المحتويات الثقافية والإنسانية التي تحافظ عليها الذاكرة، إما الشخصية وإما الجماعية، هنا وجب الإهتمام بالأبعاد أو الروابط الاجتماعية، هذه الروابط لها محتوى ثقافي لغوي يتعلق بالتقاليد كما لها محتوى يتعلق بالأحداث التاريخية التي عاشتها الجماعة الاجتماعية، ولذلك وجب علينا أن نبحث عن الأحداث التاريخية التي كونت الذاكرة ونتساءل كيف تتكون تاريخيا الذاكرة الجماعية؟ بطبيعة الحال تتكون بالأحداث المهمة التي تحافظ عليها، ولكن هناك أحداثا تنساها الذاكرة أيضا، والمؤرخ يهتم بما نسي كما يهتم بما حافظت عليه الذاكرة.
أيضا هناك بعد آخر، هو أن البحث عن محتويات الذاكرة يعتمد على اللهجة التي يستعملها أعضاء الجماعة ولا يمكن الاعتماد على ما كتب عن الذاكرة، فما يكتبه العلماء الباحثون عن الذاكرة يعتمد على المكتوب لا على الشفاهي اليومي، في حين أن الشفاهي اليومي حامل لألفاظ تعيدنا إلى تاريخ الذاكرة الجماعية الحقيقية كما يرى الأستاذ «محمد أركون». [33]
للعلم الذي يدرس الذاكرة الشفاهية اسمان: علم الاثنوغرافيا الذي يعتني بالوصف الدقيق لجميع مظاهر الحياة اليومية للجماعة، فهو يعتني بالتقاليد والعادات والمعتقدت والطقوس القديمة التي ترجع إلى الماضي، والاثنوغرافي يكتشف هذه التقاليد في تاريخها البعيد، وهذا يوضح حرص كل ذاكرة جماعية على المحافظة على هذه التقاليد والعقائد كما تعيشها وتدركها هي،( فماضيها يصبح بعض حاضرها)[34]. فالذاكرة الجماعية لا تدرك ذلك لأنها لم تتمكن من البحث الحفري عن هذه التقاليد والعقائد التي نرجع إليها عندما نلم بالمعجم الخاص بكل ذاكرة جماعية.
والخطوة الاثنوغرافية في البحث عن الذاكرة الجماعية يكملها ويتبعها البحث الانثروبولجي عن الذاكرات الجماعية المختلفة (المتساكنة) في مجتمع من المجتمعات حتى ندرك كيف تفاعلت بينها أثناء تاريخها وأثناء الصراعات التي وقعت في مجتمع بين الذاكرات المختلفة، وهذا يمكننا من أن نتحرر مما يتلقاه المخيال الاجتماعي أثناء الصراعات السياسية ليدافع عن هوية كل ذاكرة دون أن يهتم بالرجوع إلى القاعدة الثقافية والتقليدية التي تشترك فيها الذاكرات.
إن الذاكرات الجماعية الموجودة في حقل الدراسة ومجتمع البحث تتكلم إلى الآن الأمازيغية وتتكلم في نفس الوقت العربية. هذه الذاكرات الجماعية تشارك في ذاكرتين: الذاكرة المبنية على اللغة والثقافة الأمازيغية، والذاكرة التي تستعمل اللغة العربية، والبحث الاثنوغرافي والانتروبولوجي يكشف هذين المستويين من الذاكرات المختلفة المتواجدة في المغرب الكبير، فالشفاهي يشكل ذاكرتها الحية، والبحث الاثنوغرافي والانتروبولوجي يمكننا من إلتماس الذاكرة الحية والهوية الحقيقية اعتمادا على الأنثروبولوجيا التاريخية . [35]
الاتجاه المقارن:
معروف أن المقارنة تمكن من تحديد الشبه والاختلاف بين الأشياء والمواضيع وهي مقدمة رئيسة للتعميم. والمنهج المقارن عموما يعتمد على بحث وتفسير الظواهر الثقافية والاجتماعية والمعرفية انطلاقا من إبراز الأصول المشتركة أو القرابة التكوينية بين الظواهر.
يكاد يتفق علماء الاجتماع أمثال «دوركايم» و«مارسال موسMarcel Mauss » وكبار الأنثروبولجيين «إيفانز بريتشارد Edward Evan Evans-Pritchard» على أن المقارنات التي تجرى في نطاق ضيق أكثر جدوى من تلك التي تجرى في نطاق واسع، ومهما كانت الاختلافات بين وجهات النظر بالنسبة لاستخدام الإتجاه المقارن في الأنثروبولوجيا فإنه من الممكن القول بأنها تدور حول محاور ثلاث هي: أولا نوع الوحدات التي تجرى المقارنة بينها، وثانيا الهدف من إجراء هذه المقارنة، وثالثا الكيفية التي تتم بها المقارنة، فمن الناحية الأولى يمكن لنا إجراء المقارنة بين الخيمة النايلية والخيمة الشاوية أو الأوراسية، وذلك من حيث: نسيجها، أجزائها، شكلها، مستلزماتها، تسميات أجزائها…
وبالنسبة للهدف الثاني من المقارنة فنرى أنه لا يمكن لنا التنقيب عن أي شيء آخر سوى توضيح التطور التاريخي لهذا العنصر الثقافي الذي يظن كل مجتمع من المجتمعات المحلية موضوع المقارنة بأنه ينتسب إليه، بينما في الحقيقة نجد أن أوجه استعمالاته تدل على استعماله لنفس الأغراض في هذه البيئة أو تلك.
وبالنسبة لأسلوب المقارنة نلاحظ أن كثيرا من الدراسات تقوم المقارنة فيها على أساس ذكر الشواهد التي تؤيد القضايا التي يوردها الباحث في معالجته للموضوع، غير أننا نرى أنه من الأجدى الأخذ بما يستلزمه نطاق البحث، فهو يستلزم منا المقارنة بين العنصر الثقافي الذي هو مدار البحث والدراسة في مجتمع الزيبان الذي كان يعتمد على الترحال الدوري، ومجتمع الأوراس الذي كان يعتمد على الترحال الموسمي.
المنهج البنيوي:
المنهج البنيوي يستند على معطيات الملاحظة بالمعايشة في جمع المعلومات من ميدان الدراسة. ويهتم هذا المنهج بالمواضيع التي تغطي قطاعات واسعة من مجتمع الدراسة وليس الجزئية منه فقط. فالمنهج البنيوي كغيره من المناهج العلمية يقوم على جملة من الخطوات والقواعد التي يعتمد عليها في تحليل الموضوعات، ومن هذه الخطوات على المستوى الأنثروبولوجي القيام بالملاحظة والتجريب ثم التجريب على النماذج المستقاة من الملاحظات، وذلك بغية الوصول إلى البنية والكشف عنها، ولدراسة بنية الموضوع يجب تطبيق جملة من المبادئ منها:
1 ـ أسبقية الكل على الجزء: وهو يفترض النظرة الكلية إلى الموضوع والكلية ما هي إلا نسق من الوحدات لذلك فإنها تتساوى والنسق .
2 ـ أسبقية العلاقة على الأجزاء : ما يهم المنهج البنيوي ليس الأحداث ولا الكلمات بمفردها ولكن العلاقة التي تقوم بين تلك الأحداث أو الكلمات، والبنيوية كمنهج هي قبل كل شيء التحليل الواقعي للظواهر بغية اكتشاف العلاقات بين العناصر المكونة لهذه الظواهر .
3 ـ مبدأ المحايثة : إن اللغة عند «دي سوسير» نسق مغلق ، نسق لا يعرف إلا قانونه الخاص ومبدأ المحايثة في اللسانيات يقتضي دراسة النسق اللغوي في ذاته من دون العودة إلى تاريخه، ولا إلى علاقته بمحيطه، ومهمة الطريقة البنيوية أن تعطي الدراسة الذاتية نوعاً من معقولية الفهم، الذي يقوم مقام معقولية الشرح، الذي يبحث عن الأسباب، لذا تتنافى المنهجية البنيوية مع كل منهجية تاريخية ليتفق المنهج البنيوي مع المنهج الوضعي.
4 ـ مبدأ المعقولية: إن المبادئ سالفة الذكر تؤدي إلى هدف أساسي هو اكتشاف البنية ذلك أن طبيعة البنية لا شعورية، أي ذات طبيعة عقلية ولا توجد على السطح أو على ظاهرة الأشياء، ويرى «ليفي ستروس» أن الخطوة الحاسمة في المنهج البنيوي هو أنه من أجل تعيين الواقع يجب حذف ما يدرك مباشرة على المستوى الظواهري، أما ما يجب الاحتفاظ به فهو الواقع لأن في الواقع تكمن البنية لذا يجب اعتماد مبدأ المعقولية من أجل الكشف عن هذه البنية .
5 ـ مبدأ التزامن والتعاقب: التعاقبي والتزامني يتعارضان وذلك لأن الأول يهتم بأصل الأنساق في حين أن الثاني يهتم بالمنطق الداخلي للشيء ، فالتعاقبي هو الدراسة التاريخية، القائمة على البحث في أصل الأشياء، ومكنوناتها في حين أن التزامني هو البحث في بنية الشيء أي الطبيعة المنطقية للشيء، وليفي ستروس يعي مشكلة التعارض على المستوى المعرفي والمنهجي وهو يقترح إقامة تاريخ بنيوي تزول فيه أسباب التعارض بين التزامن والتعاقب، وقد لاق هذا المبدأ انتقادات كثيرة، لأن كل نظام تزامني يتضمن ماضيه ومستقبله اللذين هما عنصراه البنيويان الملازمان فالظاهرة لا تخرج عن تاريخها وعن ظروفها وتكونها بل أن الظاهرة هي جزء من تلك التاريخية.
النتائـــــــــــج:
النتائج المستخلصة من البحث بشكل عام:
كانت البداوة والترحال وسيلة من وسائل استغلال المكان والفضاءات الواسعة مثل الصحراء. وأصبحت الظاهرة منذ ستينيات القرن الماضي منحصرة في الزيبان وجنوب الأوراس، وفي عموم الجزائر وشمال إفريقيا.
كانت البداوة نمطا من أنماط الحياة الإقتصادية والإجتماعية المتكاملة: نمط الرعي داخل الأراضي السهبية والزراعية، ونمط الإقامة في القرى والأرياف (البدو المستقرين)، ونمط ممارسة العمل الوظيفي وممارسة الزراعة والحرف السائدة. وأصبحت اليوم مرحلة ثقافية من مراحل تطور المجتمعات المغاربية، تماما مثل مراحل الصيد والجمع والإلتقاط التي تخطاها التطور البشري.
كانت البداوة والترحال تعتمد السكن المتنقل والخفيف المحمل مثل الخيمة. وأصبح بقايا البدو يعتمدون على الخيم الإصطناعية (القيطون)، والمساكن القارة في الواحات وقرب المزارع.
النتائج التفصيلية للدراسة الحقليــــة:
العلاقة الطردية بين المتغيرات: سرعة تغير مكونات الخيمة وأدواتها، وبطء تحول المعاني والقيم الرمزية التي تحملها.
1. بالنسبة للعلاقة الطردية بين الجوانب المادية والثقافية لفضاء الخيمة، وجدنا ميدانيا أن أدوات الخيمة قد تغيرت كثيرا وبوتيرة سريعة، بينما قيمها الرمزية لا زالت كما هي، حتى وإن كان هنالك تغير إلا أنه يسير ببطء شديد.
2. تأثير هذه القيم الرمزية لا يقتصر فقط على الفضاءات التي لازال بقايا البدو الرحل أو نصف الرحل يتواجدون فيها، بل إن الملاحظات الميدانية تؤكد انتقال تأثيره إلى الفضاءات الحضرية أو شبه الحضرية.
3. هكذا نجد أن بعض نواحي الثقافة في مجتمع الدراسة تميل إلى التغير أكثر من نواحي أخرى، وهذا راجع إلى طابع البناء الإجتماعي ونمط الثقافة السائدة.
العلاقة الوظيفية بين المتغيرات: تشابه الظروف الطبيعية والإجتماعية يؤدي إلى تشابه وسائل التكيف وتماثلها.
1. إن هذا النمط من المسكن أو المأوى، لا يقتصر استعماله على البدو الرحل في بيئة دون أخرى، أو تتميز به جماعة دون أخرى. بل إننا نجده لدى كل الجماعات التي تجد نفسها أمام ظروف معينة تفرض عليها تغيير مكان الإقامة، أو المكوث بالمكان فترة من الزمن والرحيل أو الإنتقال إلى مكان آخر لتقيم فيه فترة أخرى.
2. وهكذا نجد أن الخيمة مكنت كل من مجتمع الزيبان ومجتمع جنوب الأوراس، من استغلال فضاءات المرعى، وذلك ليس لتشابه الظروف الطبيعية والمناخية فقط، بل ولتشابه الظروف الإجتماعية أيضا.
3. وربما يعود سرعة التمازج واندماج المجتمعين مع بعضهما البعض إلى تشابه الظروف الطبيعية والإجتماعية.
العلاقة السببية بين المتغيرات: فضاء الخيمة انعكاس للتنظيم الاجتماعي والعائلي للأسرة والعشيرة.
1. يعكس لنا فضاء الخيمة العلاقات الإجتماعية والعائلية والأسرية داخل المجتمع البدوي، وارتباط استعمالات هذا الفضاء بمظاهر ثقافية وأخرى طبيعية.
2. يعكس لنا فضاء الخيمة دور المرأة داخله ودور الرجل خارجه، والخيمة كسكن مفتوح هو نوع من الانفتاح يجعل المجال الداخلي الذي يحتضن العائلة في استمرارية وفي تواصل مع المجال الخارجي ( الدوار أو السماط).
3. القيم الرمزية التي كانت تحكم فضاء الخيمة وتوجهه في الماضي لا زالت هي نفسها التي توجهه حاضرا.
علاقة التلازم بين المتغيرات: الخيمة جزء هام من التاريخ وإطار لحفظ الموروث الثقافي.
1. القيم الرمزية للخيمة رغم غيابها المادي إلا أنها لازالت حاضرة من خلال الذاكرة الجماعية، فهي موجودة كقيم رمزية تعمل بها الجماعة الإجتماعية في الزيبان والأوراس، ببواديها وحواضرها
2. يشكل الأدب الشفوي أهم رافد يمكن لنا من خلاله استقاء الثقافة والقيم البدوية بصورة عامة، وقيم فضاء الخيمة ورموزها بصورة خاصة.
آفاق البحث:
لقد حاولنا من خلال هذا العمل المتواضع الكشف عن حياة الجماعات البدوية في جزء هام من القطر الجزائري، الأمر الذي يفتح آفاق استثمار نتائج البحث من خلال دراسات مستقبلية يتم من خلالها مسح عناصر الثقافة البدوية مسحا شاملا في الجزائر والبلاد المغاربة.
كما يمكننا العمل التتبعي لمسار التنمية في بوادي وأرياف الجزائر والبلاد المغاربية وقراها، فهم وتفسير ظاهرة استمرار النسق القيمي البدوي داخل الفضاءات الحضرية. ذلك أن النظرة السائدة غالبا ما تضع خطا فاصلا بين البادية والمدينة خاصة على مستوى القيم.
وعلى هذا فلابد من دراسة التفاعل بين الإنسان والبيئة من ناحية، وبين النظم والأنساق الإجتماعية من ناحية أخرى. ويتطلب ذلك التعرف على الظروف الجغرافية والطبيعية السائدة. والتكيف الذي يتم بين الإنسان وتلك الظروف ونوع العلاقة بين النسق الإيكولوجي وبقية الأنساق الإجتماعية.
الخاتمة:
إذن تشغل الخيمة باعتبارها فضاء مشبعا بالقيم الرمزية مساحة واسعة في الذاكرة الثقافية الجماعية للمجتمعات المغاربية والعربية. فهي تمثل شهادة حية على هوية الجماعة البدوية التي شكلت مكونا أساسيا من مكونات التاريخ العربي منذ بداياته. إنه من خلال هذا الفضاء وبالاستعانة بكل ما يتعلق به؛ من تقاليد وعادات ومعارف وإبداعات مادية وشفهية ومعتقدات ومخيال وأشكال تعبيرية وحياة يومية، يمكن التعرف على جزء هام من الذات ، وعلى كيان ثقافي متعدد الأوجه ما يزال موشوما في الذاكرة الجماعية يسم تصورات الإنسان المغاربي وسلوكاته.
وتمثل الخيمة مرحلة ثقافية نمت فيها الملكة الفكرية للإنسان، وتعمقت خبرته الإجتماعية، فاستعان بالطقوس والشعائر لتأطير سلوكه وسد احتياجاته الروحية، وقد مثل التعبير الفني والخلق الشعري صورة بارزة من صور ممارساته اليومية، ونجد جزءا من كبيرا من هذا الموروث الفني والثقافي يتعلق بالخيمة والتي أصبحت حيزا رمزيا وفضاء للذاكرة وعلامة على مجموعة قيم سامية تتمثل في الشجاعة والكرم والنبل والشرف، وهي قيم إنسانية تستحق العناية والتثمين.
مراجع البحث
المراجع العربية:
1. محمد السويدي: “مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري” دراسة سوسيولوجية لأهم مظاهر التغيير في المجتمع الجزائري المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر، 1990.
2. موريس أنجرس: ” منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية (تدريبات عملية)”، ترجمة بوزيد صحراوي وآخرون، الإشراف والمراجعة مصطفى ماضي، دار القصبة للنشر- الجزائر، سنة2004.
3. باشلار غاستون: “جماليات المكان“، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر بيروت، ط2، 1984.
4. كلود لبفي ستروس، “الأنثروبولوجيا البنيوية” ترجمة د. مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق، 1977.
5. محمد الهادي الجويلي: “مجتمعات للذاكرة مجتمعات للنسيان“، تقديم محمد نجيب بوطالب، سراس للنشر، تونس، سنة 1994.
6. عبد الله عبد الغني غانم، ” طرق البحث الأنثروبولوجي“، المكتب الجامعي الحديث- الإسكندرية- مصر، الطبعة 01، سنة 2004.
7. جان كوبان، “المسح الإثنولوجي الميداني“، ترجمة جهيدة لاوند، معهد الدراسات الإستراتيجية، بغداد- أربيل- بيروت، الطبعة 01، سنة 2007.
8. سيقموند فرويد: ” نظرية الأحلام”، تر جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت- لبنان، 1980.
9. جان لابلانش، ب بونتاليس: معجم التحليل النفسي، تر مصطفى حجازي، ط 2، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان، 1987.
10. مبارك حنون: ” دروس في السيميائيات”، ط 1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، سنة1987.
11. فرديناند دي سوسير: “دروس في الألسنية العامة”، تعريب صالح القرمادي، محمد الشاوش، الدار العربية للكتاب، طرابلس- ليبيا، 1998،
12. شمس الدين الكيلاني: ” رمزية القدس الروحية (قداسة المكان)” دراسة، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق – سوريا، 2005.
13. عبد الأمير إبراهيم شمس الدين: “المكان و السلطة “، ترجمة المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى 1990م،.
14. كلود لبفي ستروس: “الأنثروبولوجيا البنيوية” ترجمة د. مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق، سنة1977.
15. إديث كيروزيل: ” عصر البنيوية من ليفي ستراوس إلى فوكو“، ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء- المغرب.
المراجع الأجنبية:
1. BOULAY Sébastien: « La tente dans la société maure(Mauritanie) entre passé et présent», ethnologie d’une culture matérielle bédouine en mutations, Thèse de doctorat du Muséum national d’histoire naturelle, vol 01+2, Paris, 2003.
2. Morleau-ponty: « Phénoménologie de la perception », Ed. Gallimard, 1945.
3. Marc cote : « L’Algerie ou l’espace retourné », Media-plus, Algerie,1993.
4. Maurice HALBWACHS (1925) :« LES CADRES SOCIAUX DE LA MÉMOIRE », Un document produit en version numérique par Jean-Marie Tremblay, professeur de sociologie au Cégep de Chicoutimi Courriel: jmt_sociologue@videotron.ca Site web: http://pages.infinit.net/sociojmt Dans le cadre de la collection: “Les classiques des sciences sociales” Site web: http://www.uqac.uquebec.ca/zone30/Classiques_des_sciences_sociales/index.html.
5. Pierre Bourdieu : « Sociologie de l’algérie », 3eme édition mise a jour, colliction « que sais-je ? » N°802, Presses universitaires de France, Paris- France, 1970.
6. Henri Lefebvre: »La production de l’espace«, éd Anthropos , 1974.
7. Ferrier Jean-Paul: «Semiotique de l’éspace» , paris Denoel gouthier , 1979.
8. Abderrahmane MOUSSAOUI : « Espace et sacré au Sahara, Ksour et oasis du sud-ouest algérien », CNRS Éditions, Paris, 2002.
المعاجم:
9. بيار بونت وميشال إيزار: “معجم الإثنولوجيا والأنتروبولوجيا“، ترجمة مصباح الصمد، المعهد العالي العربي للترجمة- الجزائر ومجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت، ط 01، سنة 2006.
10. ابن منظور: ” لسان العرب“، المجلد الثاني، دار المعارف، بيروت – لبنان.
11. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: “القاموس المحيط“، الجزء الرابع، الطبعة الثانية، ملتزم الطبع والنشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمضر، 1371هـ 1952م.
12. احسان محمد الحسن: “موسوعة علم الإجتماع“، الدار العربية للموسوعات، بيروت – لبنان، ط (01)، سنة 1999.
13. عبد الرحمن بدوي: “موسوعة الفلسفة“، الجزء الثاني، مادة ديفيد هيوم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984.
14. OSWALD DUCROT, TZVETAN TODOROV: “Dictionnaire Encyclopédique des Sciences du Langage“, Edition du Seuil, 1972, Page 135.
المقالات:
1. شهاب اليحياوي: ” سيميائية الفضاء وتعقّل المشكلات المدينية “، شبكة النبأ المعلوماتية، http://www.annabaa .org/nbanews/61/506.htm يوم: 23/01/2008.
2. [1]محمود عابد الجابري: ” الفضاء الحضاري.. وتسويق السلع اليبانية“، http://www.aljabriabed.net/textes.htm، يوم: 05/10/2007.
3. جريدة السفير(لبنان)، حوار مع محمد أركون، حاوره وسام سعادة، الجمعة 12أفريل 2002.
4. الرازي نجاة: ” الجسد الأنثوي مقال (المرأة والعلاقة بالجسد)“، سلسلة بإشراف عائشة بلعربي، ص48.
5. Dominique Casajus: « La tente tourée vers le couchant », L’homme 183, 2007, pp, 163 à 184.
6. Therese Riviere : « L’Habitation Chez les Ouled Abderrahman Chaouia de l’Aures »,
Africa: Journal of the International African Institute, Vol. 11, No. 3 (Jul., 1938), pp. 294-311.
7. A. Bernard : « L’évolution du nomadisme en Algérie » , N. Lacroix , Annales de Géographie , Année 1906 , Volume 15 , Numéro 80 , pp. 152-165. http://www.persee.fr Le : 04/02/2008.
8. Michel Sivignon : « L’évolution du nomadisme dans les hautes plaines de l’Ouest Algérien », Revue de géographie de Lyon ,Année 1963 , Volume 38 , Numéro 38-3 , pp. 205-223. http://www.persee.fr Le : 04/02/2008.
[1] محمد السويدي: “مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري” دراسة سوسيولوجية لأهم مظاهر التغيير في المجتمع الجزائري المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر، 1990، ص 11.
[2] BOULAY Sébastien: « La tente dans la société maure(Mauritanie) entre passé et présent», ethnologie d’une culture matérielle bédouine en mutations, Thèse de doctorat du Muséum national d’histoire naturelle, vol 01, Paris, 2003, p 18.
[3] موريس أنجرس: ” منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية (تدريبات عملية)”، ترجمة بوزيد صحراوي وآخرون، الإشراف والمراجعة مصطفى ماضي، دار القصبة للنشر- الجزائر، سنة2004، ص 184.
[4] فتيحة محمد ابراهيم ومصطفى حمدي نشواني: ” مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) “، ص 190.
[5] عبد الله عبد الغني غانم، ” طرق البحث الأنثروبولوجي“، المكتب الجامعي الحديث- الإسكندرية- مصر، الطبعة 01، سنة 2004، ص103.
[6] جان كوبان، “المسح الإثنولوجي الميداني“، ترجمة جهيدة لاوند، معهد الدراسات الإستراتيجية، بغداد- أربيل- بيروت، الطبعة 01، سنة 2007، ص58.
[7] فتيحة محمد ابراهيم ومصطفى حمدي نشواني، ” مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان“(الأنثروبولوجيا)، ص 176.
[8] عبد الله عبد الغني غانم، ” طرق البحث الأنثروبولوجي“، ص117.
[9] نفس المرجع، ص118.
[10] د. فتيحة محمد ابراهيم ومصطفى حمدي نشواني، ” مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان“(الأنثروبولوجيا)، ص 178.
[11] احسان محمد الحسن: “موسوعة علم الإجتماع“، الدار العربية للموسوعات، بيروت – لبنان، ط (01)، سنة 1999، ص171.
[12] Maurice HALBWACHS (1925) :« LES CADRES SOCIAUX DE LA MÉMOIRE », Un document produit en version numérique par Jean-Marie Tremblay, professeur de sociologie au Cégep de Chicoutimi Courriel: jmt_sociologue@videotron.ca Site web: http://pages.infinit.net/sociojmt Dans le cadre de la collection: “Les classiques des sciences sociales” Site web: http://www.uqac.uquebec.ca/zone30/Classiques_des_sciences_sociales/index.html, P 78.
[13] جميل صليبا: ” المعجم الفلسفي “، المجلد الأول، دار الكتاب اللبناني، بيروت- لبنان، سنة 1978، ص 546.
[14] عبد الرحمن بدوي: “موسوعة الفلسفة“، الجزء الثاني، مادة ديفيد هيوم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984. ص611-612.
[15] سيقموند فرويد: ” نظرية الأحلام”، تر جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت- لبنان، 1980، ص .92
[16] جان لابلانش، ب بونتاليس: معجم التحليل النفسي، تر مصطفى حجازي، ط 2، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان، 1987، ص 271.
[17] مبارك حنون: ” دروس في السيميائيات”، ط 1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، سنة1987، ص 56.
[18] فرديناند دي سوسير: “دروس في الألسنية العامة”، تعريب صالح القرمادي، محمد الشاوش، الدار العربية للكتاب، طرابلس- ليبيا، 1998، ص 113.
[19] OSWALD DUCROT, TZVETAN TODOROV: “Dictionnaire Encyclopédique des Sciences du Langage“, Edition du Seuil, 1972, Page 135.
[20] Pierre Bourdieu : « Sociologie de l’algérie », 3eme édition mise a jour, colliction « que sais-je ? » N°802, Presses universitaires de France, Paris- France, 1970, P58.
[21] A. Bernard : « L’évolution du nomadisme en Algérie » , N. Lacroix , Annales de Géographie , Année 1906 , Volume 15 , Numéro 80 , p 152.
[22]محمود عابد الجابري: ” الفضاء الحضاري.. وتسويق السلع اليبانية“، http://www.aljabriabed.net/textes.htm، يوم: 05/10/2007.
[23] Henri Lefebvre: »La production de l’espace«, éd Anthropos , 1974 , p 14.
[24]Ferrier Jean-Paul: «Semiotique de l’éspace» , paris Denoel gouthier , 1979 , p 213
[25] شهاب اليحياوي: ” سيميائية الفضاء وتعقّل المشكلات المدينية “، شبكة النبأ المعلوماتية، http://www.annabaa .org/nbanews/61/506.htm يوم: 23/01/2008.
[26] Abderrahmane MOUSSAOUI : « Espace et sacré au Sahara, Ksour et oasis du sud-ouest algérien », CNRS Éditions, Paris, 2002, P18.
[27] Ibid, P 20.
[28] شمس الدين الكيلاني: ” رمزية القدس الروحية (قداسة المكان)” دراسة، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق – سوريا، 2005، ص 11.
[29] عبد الأمير إبراهيم شمس الدين: “المكان و السلطة “، ترجمة المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى 1990م، ص 24.
[30] فتيحة محمد ابراهيم ومصطفى حمدي نشواني: “ مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان“(الأنثروبولوجيا)، ص110.
[31] كلود لبفي ستروس: “الأنثروبولوجيا البنيوية” ترجمة د. مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق، سنة1977، ص 44.
[32] المصدر نفسه، ص 45.
[33] جريدة السفير(لبنان)، حوار مع محمد أركون، حاوره وسام سعادة، الجمعة 12أفريل 2002.
[34] إديث كيروزيل: ” عصر البنيوية من ليفي ستراوس إلى فوكو“، ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء- المغرب، ص 35.
[35] جريدة السفير(لبنان): حوار مع محمد أركون، حاوره وسام سعادة، الجمعة 12أفريل 2002.
* أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة الشيخ العربي التبسي
يمكنكم قراءة المزيد من مقالات الأستاذ على موقعه الإلكتروني : www.dernounisalim.com