ابراهيم محمد عياش
تمهيد:
يعتبر العلم من ابرز نشاطات الإنسان بوصفه كائنا عاقلا فهو من ابرز أشكال الحضارة البشرية ايجابية بل و أشدها حضورا وتمثلا في الواقع بدا قبل بداية التاريخ نفسه بل يعلق وجوده بوجود الإنسان – النيودرتال -في العالم أي منذ العصر الحجري قبل بداية الحضارة الإنسانية و تاريخها المكتوب. حيث لم يكن ممكن الاطلاع على ما احتوته الحقب الزمنية السحيقة من تاريخ وجود الإنسان في العالم بالدراسة والبحث لولا مناهج البحث و أساليب و أدوات تطورت في القرن 20 فقط ،بل أكثر من ذلك يمكن القول ان ظهور تخصصات علمية إنسانية أدت بشكل أو بأخر إلى الفهم العلمي لتطور حياة الإنسان الاجتماعية. غير أن هذا الفهم العلمي اخذ عدة اتجاهات و من بينها النظرية التطورية في الأنثروبولوجيا التي سوف نتناولها فيما سيأتي .
نشأتها:
كان الفلاسفة يعتقدون منذ القرن 17 وخاصة في القرن 18 إن البشرية تتطور باتجاه التقدم الدائم و أن المجتمعات تنحوا إلى الانتقال من حالة البساطة النسبية في تنظيمها إلى حالة أكثر تعقيدا وتمايزا فاعتبر باسكال* أن البشرية هي بمثابة إنسان واحد بالذات يبقى دائما على قيد الوجود ويتعلم باستمرار و طرح تورغو* نظريته حول مراحل النمو المجتمعات يتوالى بموجبها القنا صون الرحل أولا ثم مربون المواشي وأخيرا المزارعون و تمتاز هذه المراحل بمؤسسات ومعتقدات مختلفة.
و إلى فترة لاحقة استندت هذه الآراء إلى أعمال علماء الطبيعة وأولهم لمارك* الذي وصف أشكال التطور الحيوي –الفيزيولوجي- و بين أن الوسط السائد يساهم في تغير الكائنات الحية وتحويلها إذ تتبدل بنيتها الحيوانية عبر تكيفها مع الوسط المذكور لكن داروين* استكمل هذه النظريات التحولية ذهب هو الأخر إلى أن عملية التكيف هذه هي ضرورية للبقاء على قيد الحياة , تدفع الجنس الحيواني الواحد إلى التطور باتجاه أشكال اعقد فاعقد وذلك خلافا للنظرية التوراتية .
إن الاتجاه التطوري هو أقدم و أول المدارس الانتربولوجية ،إذ ساد على روادها الطابع النظري المحض الذي لا يرافقه البحث الميداني في البحث الانتربولوجي و إذا ما حاولنا تقصي الإرهاصات الأولى التي سبقت تلك المدرسة يمكننا ذكر كتابات هامة ذات طابع انثربولوجي مهدت لنشأة تلك المدرسة فمنذ القرن 18 جاءنا منتسيكو* بإصدار كتاب – الشرائع و روح القوانين – الذي يعتبر أول بحيث قام بدراسة انتربولوجية تعتمد المقارنة بين الشعوب حسب موقعها الجغرافي و المناخي آخذا بعين الاعتبار عادات و تقاليد الموروثة في الجماعة .لأن هذه عادات و تقاليد تتطور و تتجدد .
و تشكل دراسات جون جاك روسو* ركيزة هامة في تاريخ الانثربولوجيا نظرا لما تتضمنه من تناول المادة الانثربولوجية على وصف الشعوب المكتشفة في إطار مقارنة بينها و بين المجتمعات الأوربية حيث استطاع أن لا يتحيز لثقافة مجتمعه اثناء وصف تلك المجتمعات البدائية .
وفي القرن 19 ظهرت الانثربولوجيا كعلم مستقل مع كتاب أمثال: كوندرسيه* ,تورغو ثم سان سيمون و اوغيست كونت و في كتابات هؤلاء نجد الأسس النظرية الأولى علم الانثربولوجيا حيث طغى على روادها الأوائل الجانب النظري الذي مثلته المدرسة التطورية التي صاغها مجموعة كبيرة من الباحثين و الذين نشروا كتبهم في كل من فرنسا وانجلترا و المانيا وامريكا.
– France فرنسا ظهر دي كولين فوستيل بكاتبه ” المدينة القديمة” 1864.
-GERMANY المانيا ظهر كتاب “أصل العائلة و “الملكية الخاصة و الدولة”
لفريدريك انجلز وكارل ماركس 1884 .
– ENGLANDانجلترا ظهر مؤلف “الثقافة البدائية” لإدوارد تايلور عام 1871، و كتاب “الغصن الذهبي” لجيمس فريزر عام 1890 .
– USA أمريكا ظهر مؤلف* المجتمع القديم * للويس مورغان 1877.
وتظهر هذه المؤلفات اهتماما مركزا حول اتجاه فكري معين ساد إبان هذه الفترة ودفع بالانثربولوجيا أن تخوض في مفهوم التطورية الثقافية كمرادف لمفهوم التطورية الطبيعية التي جاء بها داروين في كتابه الشهير “أصل الأنواع” و بالتالي فان الفكرة الأساسية للمدرسة التطورية تقوم على أساس مفهوم التطور الثقافي حيث أن تاريخ البشر واحد على أساس وحدة الفكر الإنساني أما الفروقات الثقافية فهي وليدة ظروف تاريخية معينة و عليه تكونت المجتمعات وقد وجدت وجودا متجانسا ومتواصلا مؤلفا من طبقات تطورية وأقسام متوازية يسير فيها التطور كحتمية وفق خط مستقيم لابد على المجتمعات إن تمر به وهو ينتقل وفق درجات متتالية للتطور و بدورها تساهم في تشكيل حلقة من تاريخ فيما بعد ، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه كيف كانت البداية؟
الرواد:
وضع Lamarck, Jean-Baptiste باتيست لامارك* أول نظرية عامة عن التطور الميكانيكي تعرف بنظرية وراثة الصفات المكتسبة أي البيئة توثر في اكتساب صفات جديدة لم تكن في الأسلاف تتلخص نظرية لامارك في ما يلي :
* تتجه الكائنات الحية و مكوناتها نحو الازدياد في الجسم
* إذا استخدم عضو من الأعضاء بشكل مستمر ينتج عن ذلك زيادة في
حجم ذلك العضو بينما يؤدي عدم استعمال عضو ما إلى ضموره في النهاية.
* إن تكوين عضو جديد إنما يعبر عن حاجة حيوية جديدة لهذا العضو.
* التحولات التي تحدث للأعضاء يورثها الآباء للأبناء و ينتج عن ذلك تغير
في أشكال الذرية مع مرور الزمن و توالي الأجيال.
كان SPENCER, HERBERT سبنسر هاربرت* (1820ـ 1903) السباق في طرح فكرة تطور المادة عبر انتقالها من مرحلة متجانسة إلى مرحلة غير متجانسة و بالتالي يتضح عامل التقدم عنده قائما على التمايز و التفاضل و يصح تطبيق هذا العامل على المؤسسات البشرية .
تحاول التطورية إعطاء تفسيرا تاريخيا لمختلف المراحل التي مرت بها البشرية عبر اكتشاف القوانين التي أتاحت الانتقال من مرحلة إلى أخرى .
منهج البحث:
وتعتمد النظرية التطورية كمنهج للدراسة على التاريخ لكنه تخميني
أي افتراضي ( لا يعتمد على الوثائق ) المكتوبة.
لذا نجد الباحث التطوري يفترض تحركات معينة لقوم معينين أدت الى ولادة هذا الشعب أو ذاك أو نجده يتخيل أنماطا من السلوك أو من المعتقدات انطلاقا من مؤثرات واهية إذ كثيرا ما تكون المؤثرات المذكورة عبارة عن رواسب لبعض العادات و الأعراف المعتبرة بمثابة الذخائر المتبقية من مرحلة سابقة , هذه هي نقطة الضعف في المنهج التطوري .
إن المقارنة التاريخية في الدراسة لفرض دراسة الظاهرة التي تحتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى بحيث تؤدي هذه الحتمية التاريخية إلى تفسير سببي فمثلا:
مرحلة القنص أتبعتها مرحلة تربية الماشية ثم مرحلة اكتشاف الزراعة حيث نتج عن هذا النشاط الجديد الاحتفاظ بفائض الإنتاج مما أدى إلى ارتفاع عدد القطعان المواشي أد بدوره إلى ظهور فورقات اجتماعية ـ أدت إلى ظهور النشاط تجاري (مقايضة)، الفائض الإنتاجي يقضي على التبادل ألحصري
( امرأة بامرأة ) و اصبح التبادل رؤوس ماشية مقابل امرأة كمهر .
موضوعها:
ترى التطورية إن التطور يأخذ مسيرة خطية واحدة للمجتمعات عبر الزمن وبان كل مجتمع لا بد له من الانتقال من مرحلة الى أخرى دون إن يكون بوسعها مواجهة شكل أخر من أشكال التطور كما ظهرت اختلافات في تحديد وتيرة التطور فرأى البعض انه كان تطورا بطيئا و متدرجا , بينما رأى البعض الأخر أن هنالك احتمالا بان يكون التقدم قد تم بوتائر مختلفة .
بعد سعي التطوريين الى الإحاطة بجميع الثقافات و مقارنتها فيما بينها واضعين نصب أعينهم المجتمع الغربي الذي اعتبروه قمة التطور لأنه يشتمل على ارفع الأشكال التي بلغتها مختلف المؤسسات من سياسة، عائلية و دينية .
يرى SPENCER, HERBERT أن ننظر الى المجتمع بوصفه جهازا عضويا لسببين :
1ـ نموه المتواصل مثل ما ينمو جسم الإنسان.
2ـ تقسيم العمل في المجتمع يشبه عمل الأعضاء داخل الجسم كل عضو يؤدي وظيفة معينة
3ـ تكوين الجسم و المجتمع في البداية يكون بسيطا ثم يأخذ في التعقيد نتيجة تمايز الأجزاء و تكاملها .
تعريف سبنسر للتطور : هو تكامل للمادة وتشتت مصاحب للحركة حيث تتحول المادة من تجانس غير محدود و مفكك إلى لا تجانس مترابط و محدد وتمر الحركة الباقية بتحول موازي من خلاله أيضا.
1ـ التطور لا يغير اتجاهه العام و يستمر في الخطوط المرسومة.
2ـ التطور يسير في خطين:
1ـ الحركة تتم من المجتمعات البسيطة إلى المجتمعات المركبة :
المجتمع البسيط ـ المجتمع المركب ومركب المركب عن المركب ،
اسرة ـ عشائر ـ قبائل ـ مجتمعات ـ أمم ـ دول.
2ـ التحول من مجتمع عسكري من سماته التعاون إجباري إلى مجتمع صناعي من سماته التعاون اختياري .
أهم الملاحظات التي لاحظها العلماء في التماثل بين الإنسان و الحيوان
1ـ تأثير الكتلة في السلوك زيادة فرد ـ النشاط ـ الضمير الجمعي
2ـ تقديم الزعيم ـ سير القطيع وراء الكبير
3ـ التنظيم الاجتماعي ـ خلية النحل
4ـ الظواهر النفسية الاجتماعية عند الفقريات ـ العدوان ـ الدفاع عن المخابئ.
5ـ ظاهرة المراتب الاجتماعية.الأب يأكل أولا عند الأسود .
6ـ وجود حركات غريزية ذات مغزى اجتماعي كرفع الأطراف الخلفية عند التبول عند الكلاب تعبير عن البلوغ الجنسي .
اوغيست كونت 1798 ـ1818
علم الاجتمـاع : ـ الاجتماع الساكن ـ شروط ودور المجتمع ـ النظام
الاجتماع المتحرك ـ قوانين نمو المجتمع
فهم الكل يمكن الوصول إليه من خلال الأجزاء ـ أي بالتقدم العقلي
قانون الحالات الثلاث :
المستوى الفكري: المرحلة اللاهوتية -الميتافزيقية -الوضعية
المستوى المادي: المرحلة العسكرية -التشريعية -الصناعية.
الوحدة الاجتماعية: السرة – الدولة – – الجنسية.
نموذج النظام : منزلي – جماعي- – عالمي.
نموذج المشاعر : المحبة والتعلق –الاحترام والتقليد –الإحسان و الخير .
لويس هنري مرغان و درجات الحضارة:
1- مرحلة التوحش الدنيا: يرى فيها مورغان طفولة البشرية حيث عاش الإنسان فى مرحلة أشبه بالحيوانية هائماً على وجهه متغذياً بجذور النباتات وبعض الثمار البرية … جامعاً وملتقطاً.
2- مرحلة التوحش الوسطى: مرحلة تقدم فيها الإنسان قليلاً عما كان عليه فى المرحلة السابقة باهتدائه إلى اكتشاف النار واستخدامها في طهو الطعام وإضاءة الكهوف. نتج عن ذلك تعرف الإنسان على أنواع جديدة من الأطعمة بخاصة اللحوم والأسماك.
3- مرحلة التوحش العليا: اكتشف فيها الإنسان القوس والسهم مما ساعده على تغيير غذائه واقتصاده بشكل عام، أصبح الإنسان فى هذه المرحلة صائداً للحيوانات يعتمد على لحومها، أى أنَّ الإنسان بدأ فى هذه المرحلة فى تحقيق الانتقال من جامع للطعام وملتقط له إلى منتج لطعامه. ويفترض مورغان ارتباط هذا التقدم في الاقتصاد بتقدم مماثل في شكل التنظيم الإجتماعى والديني.
4- مرحلة البربرية الدنيا: تتميز بوصول الإنسان إلى إبداعات جديدة أهمها صناعة الفخار، وبخروج الإنسان من عزلته الضيقة وانتشاره فى مناطق أكثر اتساعا، وبداية نشوء جماعات اجتماعية.
5- مرحلة البربرية الوسطى: تمكن فيها الإنسان من صهر المعادن وصناعة الأدوات والآلات المعدنية، و كانت بداية اكتشاف الكتابة الصورية.
ويرى مورغان أنه وبعد إجتياز هذه المراحل توصل الإنسان إلى مرحلة المدنية التي تتميز باختراع الحروف الهجائية والكتابة، وهي المرحلة التي لا زالت ممتدة حتى الوقت الراهن
مورغان و درجات الحضارة :
الوحشية ـ الوحشية تملك ما هو جاهز في الطبيعة.
البربرية ـ البربرية تربية المواشي و الزراعة ـ تربية المواشي.
الحضارة ـ الحضارة تحويل المنتجات.
المراجع:
– أسامة. النور عبد الرحمان، د. أبو بكر. شلابى،(الأنثروبولوجيا العامة: فروعها
واتجاهاتها النظرية وطرق بحثها) المركز القومي للدراسات والأبحاث، طرابلس 2002)
– د. أسامة عبدا لرحمن النور و د. أبو بكر يوسف شلابي. مجلة الأنثروبولوجيا العدد الأول/
أغسطس 2001 -1- الأنثروبولوجيا النظرية.
– رالف ،لينتون.الأنثروبولوجيا و أزمة العالم الحديث.المكتبة العصرية،بيروت:1968.
المصدر : الحوار المتمدن