موقع أرنتروبوس

بعض البدايات المبكرة للدراسة الحقلية

هندي من قبائل الايريكواز

.

أخذ الرواد الأوائل للأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر في دراستهم للنظم الاجتماعية والثقافية بفكرتي التطور والتقدم تماشيا منهم مع المناخ الفكري السائد في ذلك الوقت .وتأثرا بما أحرزه مبدأ التطور من نجاح في مجال العلوم البيولوجية ، ولهذا غلب الطابع التاريخي على دراساتهم ، وأصبحت مهمتها الأساسية البحث في تطور الثقافة الإنسانية وأصول النظم الاجتماعية ، وكانت الشواهد الخاصة بالمجتمعات البسيطة تستخدم في دعم الفروض والنظريات دون حاجة من الباحثين إلى زيارة هذه المجتمعات ، مكتفين بما يصلهم عنها من كتابات الرحالة و المبشرين والتجار والموظفين الرسميين وغيرهم ، إلى حد أن جيمس فريزر صاحب (الغصن الذهبي) رد على من اقترح عليه هذه الزيارة بقوله:” أعوذ بالله”.h
وجدير بالذكر أن جيمس فريزر كتب بعد ذلك مقدمة لدراسة مالينوفسكي عن سكان التروبرياند عام 1922م ، أوضح فيها تقديره للقيمة العلمية للدراسة الحقلية التي أتاحت لمالينوفسكي فرصة الاتصال المباشر بالمجتمع موضع البحث ،ومن ذلك قوله :”لقد أقام  د. مالينوفسكي كواحد من الأهالي شهورا عديدة يلاحظهم بصورة يومية خلال عملهم ولهوهم ومتحدثا معهم بلغتهم ، ومستمدا كل معلوماته من مصادره المؤكدة ، واعني بذالك الملاحظات الشخصية والبيانات التي كانوا يدلون بها إليه بلغتهم الأصلية دون تدخل من أي مترجم ، وبهذه الطريقة تمكن من جمع قدر هائل من مادة ذات قيمة علمية عالية تتصل بالحياة الاجتماعية والدينية و الاقتصادية والتكنولوجية لسكان جزر التروبرياند “.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت الدراسات الحقلية وكان لها أثر واضح في سرعة تطور الأنثروبولوجيا كعلم ، وتحول الاهتمام فيها من المحاولات الظنية لإعادة بناء التاريخ إلى الدراسة المركزة لمجتمعات محددة في إطار نظريات أو فروض معينة ، وعلى الرغم من أن لويس مورجان اشتهر كواحد من الرواد التطوريين الأوائل ، وكانت له محاولة في إعادة بناء تاريخ الثقافة الإنسانية ، إلا أنه تميز عن غيره برحلاته بين بعض قبائل الهنود الحمر ، وقد عرف عنه انه اختلط منذ عهد مبكر في حياته ببعض أفراد من قبائل ايروكوا ،وكان يدافع كمحام عن حقوق الهنود الحمر في وجه اعتداءات البيض عليهم ، وفي عام 1851م أصدر كتابا عن تراث الايروكوا وصف فيه عاداتهم ورقصاتهم ومعتقداتهم الدينية وتنظيمهم السياسي ، كما اهتم بعلاقاتهم القرابية التي تربط بين العشائر المختلفة داخل القبيلة الواحدة ن وأيضا بين القبائل فيما بينها لتجعل منها كلها أسرة كبيرة تربط بين أعضائها شبكة من الالتزامات المتبادلة.
وفي حين يعتبر مارفن هاريس أن هذه الدراسة لا تعتبر تجربة حقلية بالمعايير الحديثة لأنها لم تتضمن الاحتكاك المستمر لفترة كافية بالنظام اليومي لحياة الأهالي فإن ليزلى هوايت الذي تزعم اتجاه التطورية الجديدة في الأنثروبولوجيا الأمريكية كان له رأي آخر يوضحه في قوله :” في الحقيقة أن مورجان الذي قيل عنه أنه أحد الفلاسفة أصحاب المقاعد الوثيرة كان رائدا عظيما من رواد البحث الحقلي في الأنثروبولوجيا ، فقد أنجز دراسة شاملة عن قبائل الايروكوا من خلال العمل الحقلي ، وتشر خلاصة كافية عن ثقافتهم قبل أن يولد فرانز بواس بعدة بعدة سنوات ، فهو إذن صاحب دراسة حقلية مركزة ودقيقة… ولقد استخلص مورجان نظريته عن تطور العائلة من خلال محاولته تفسير الأنساق المختلفة لمصطلحات القرابة التي اكتشفها وجمعها عن طريق البحث الحقلي ، فنظريته إذن كانت نتيجة مباشرة للعمل الحقلي ، ونت ثم فإن القول بأن البحث الحقلي قد قضى على النظرية التطورية قول ضعيف ولا أساس له”.

Exit mobile version