موقع أرنتروبوس

الأنثروبولوجيا التطبيقية – ملاحظات

الأنثروبولوجيا التطبيقية هي في إنتقال الباحث من النظرية إلى الفعل، ربما من الأصح القول، من التنظير إلى الممارسة، وليس المقصود بالطبع المعايشة الحقلية، إذ لا تستقيم أنثروبولوجيا من دونها! هي شعيرة مرور لا بد منها، وبدونها ستبقى هناك فجوة معرفية عملانية، بتأهيل الأنثروبولوجي.

سيقول البعض أن الأنثروبولوجيا بنشأتها لم تكن كذلك (ولذا أُطلِق عليها أنثروبولوجيا الأرائك الوثيرة)، هذا صحيح، في البدايات!

وكما كل البدايات، لا يبقى منها سوى التأريخ!

الأنثروبولوجيا، ومع تداخل حقلها حدّ التطابق مع السوسيولوجيا، لا يمكنها أن تركن إلى فرضيات مسبقة، أو مقابلات مفتوحة! فهذا يعني زوالها كإختصاص!!

بعد أن يعايش الباحث حقله، يمكن له أن يفهم أزماته، وبالتالي يمكن له أن يقترح حلولًا!

إن الإنطلاق من مسبقات، قد يوقع الباحث في وهم حلول خارجة عن الثقافة المحلية، عبر إسقاطات نظرية خاضعة لسياقات العولمة!

إن تطبيق المعرفة الأنثروبولوجية (فهم بنية المجتمع المحلي ودينامياته) التي تم إستخراجها عبر المعايشة، لإستخدامها في حل مشاكل المجتمع المحلي هو مجال الأنثروبولوجيا التطبيقية.

وهذا يعني تحول الباحث إلى ناشط ثوري، هدفه تغيير الأمر الواقع، لا تأبيده!

هنا تبرز مجموعة إشكاليات:

أوضحت – ضمن أكثر من مقال – أنها خارج مدار الأنثروبولوجيا، وأن إعتمادها يمنع الباحث من معايشة المجتمع المحلي!

نعم هناك من يعتمدها، بل ويعتبرها أساسًا وأصلًا، وهذا ما أوصله (وأوصلنا) إلى تأبيد المآزم، والإمتناع عن حلها!

إن البراديغم الوضعي (positivism) ما زال مسيطرًا، ويحاول السيستام إستبقاؤه لأنه يحافظ على مصالحه! إلا أن ماكس فيبر كان أول من أشار إلى عُقْمه، عندما أكّد ضرورة أن يضع الباحث نفسه مكان من يحاول فهمهم، وأن يفهمهم من خلالهم لا من خلال إسقاطات ثقافية أو فرضيات معرفية مسبقة! فالمنطلق هو من الجهل إلى المعرفة! وإلا إمتنع الفهم، وأضحت الثقافة التي تُدرَس ممسوخة مشوّهة!

المصطلح الذي إستخدمه ماكس فيبر هو (verstehen) وهو يعني: أن نحاول أن نفهم المعنى/الحقيقة كما يعبّر عنها الناس من خلال أعينهم وفهمهم لها.

هذا التوجه/الفهم أسّس لقفزة معرفية، التي أنتجت لاحقًا البراديغم التفاعلي الرمزي مع ميد (George Herbert Mead) وكولي (Charles Cooley)، وأدى إلى تعميق الفهم بالأنثروبولوجيا ودورها.

الحيادية هي في دقة نقل المعطى، وتوصيف الأزمة، وهذا أساس التشخيص السليم، الذي يمكن أن ينبني عليه حل عملي ما.

النسبية الثقافية، تحولت إلى تأبيد الواقع بحجة الحفاظ على الخصوصية، كانت ضرورة لمراعاة الإختلاف والتعدّدية، لكنها تحوّلت إلى وسيلة بيد الإستعمار لإبقاء المستعمرات خارج “الجنّة الحضاريّة”، فالتطوير مسموح له ممنوع على غيره! [مثلًا: أمريكا للآن لم توقع على معاهدة الحد من إنبعاث الغازات المسبّبة لظاهرة الدفيئة، وتطالب الدول “النامية” بتوقيعها – ما يعني إيقاف عجلة النمو –!]

هل يمكن للتطبيقيين التزام الموضوعية والنسبية الثقافية؟

لا!

إن التشخيص والتطبيق يتطلب حيادية، وهي تنطلق من وعي ذاتي – مجتمعي بالحاجات والمشاكل وتهدف لتحقيق تنمية عادلة، مما يعني ارتباطًا عضويًا بين الأنثروبولوجيا والسياسة، أي أن التطبيقية تؤسس لسياسات، وهذا حديث له تتمة!




ملاحظة: نشرتها مسبقًا على مدونتي على هذا الرابط

Exit mobile version