الدكتور محمد جحاح
أستاذ السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة المولى إسماعيل مكناس
تقديــــــم
تعد الانقسامية بحق، من بين النظريات التي مارست إغراء كبيرا على الباحثين، خاصة المهتمين منهم بمجال المجتمع القروي بالمغرب(1) وشمال إفريقيا. وقد تبدو أهمية هذه النظرية وجاذبيتها أيضا، في طابعها التبسيطي، وفيما تقدمه من قدرة على استيعاب مختلف أشكال ومستويات الحياة الاجتماعية والسياسية، ضمن مقولات أكثر بداهة وأولية من قبيل: مقولة “النسب”. هذه الأخيرة التي تشكل البنية الارتكازية لأي تحليل انقسامي، والمفهوم الذي تتحدد من خلاله وعبره كافة مستويات التنظيم الاجتماعي والسياسي “الانقسامي”؛ بدءا من أصغر وحدة (العائلة)، وانتهاءا بأكبرها وهي (القبيلة).
قد تبدو هذه النظرية إذن، وفي تركيزها الشديد هذا على مفهوم النسب، أقرب إلى نظرية ابن خلدون حول “العصبية القبلية”، لدرجة “يصبح ابن خلدون عندها أب التجزيئين (…. ) خاصة لما يعالج (… ) علاقة الدولة بالمجتمع ومسألة اللاتمركز عند المغاربيين”(2). وهنا بالذات تكمن إحدى أسس الطرح الانقسامي التي لم تأخذ حقها بما يكفي من الدراسة والتحليل.
في الواقع، لا يمكن نفي ذلك التأثير القوي الذي مارسته النظرية الخلدونية هذه حول “العصبية”، ليس فقط على الانقساميين وحدهم، بل أكثر من ذلك على من سبقهم من مؤرخي وإثنوغرافيي الإدارة الكولونيالية الفرنسية. لكن الذي يمكن قوله بخصوص هؤلاء قد ينطبق – إلى حد بعيد – على الانقساميين: فالكل انطلق من “نصوص خلدونية مفصولة عن سياقاتها، أو دون أخرى تعدلها وتنقحها”(3). علاوة على ذلك، نضيف بأن ابن خلدون نفسه – ورغم موضوعيته – قد ظل سجين تطلع سياسي نحو دولة إمبراطورية وسلطة مركزية، وهذا ما لم يتحقق في إطار تجربة الدولة الموحدية ولا المرينية التي خلفتها؛ مما جعله يضخم من واقع التجزئة و”الانقسام” الذي حال دون هذا التطلع(4). ومن هنا أصل رؤيته الانقسامية، التي جعلت (إرنست كلنر) يصفه بالمؤسس الفعلي للخطاب الانقسامي حول المجتمعات المغاربية.
لكن، إذا كانت إحدى أصول الأطروحة الانقسامية تمتد، بشكل أو بآخر، إلى حدود ابن خلدون ونظريته تلك حول “العصبية والدولة” كما صاغها في مقدمته الشهيرة(5)، فإن الأساس النظري والإبستمولوجي – بالمعنى الدقيق للمفهوم – والذي يؤسس لهذه الأطروحة، قد يعود بأصوله إلى السوسيولوجيا الوضعية Sociologie positive خاصة مع إميل دوركهايم E. Durkheim . ونستحضر هنا بالتحديد، ما كتبه هذا الأخير حول المجتمع “القبائلي” بالجزائر، ضمن كتابه الشهير “حول تقسيم العمل الاجتماعي”(6) باعتباره عملا مرجعيا في هذا الإطار. فقد غذى كثيرا تلك النزعة “الانقسامية” التي سرعان ما تم احتضانها ضمن مشروع الأنثروبولوجيا الاجتماعية الأنجلو – سكسونية، خاصة مع الباحث الإنجليزي (إيفانس برتشارد)(7).
إذا كان الباحث الأنثروبولوجي (إيفانس بريتشارد) هو أول من طبق إذن مبادئ التحليل الانقسامي، في إطار دراسات ميدانية حول قبائل “النوير” (Newer) السودانية وقبائل البدو الموالية للزاوية السنوسية بصحراء “برقة” الليبية، فكيف يمكن تقييم محاولات من سبقوه في هذا التوجه الانقسامي: خاصة (إميل دوركايم) و (روبير مونطاني) R.Montagne ، وقبلهم ابن خلدون بالطبع؟ وما مدى مساهماتهم في تشكيل عناصر اقتصاد مفاهيمي، سوف يشكل رأسمالا تأسيسيا للبناء النظري الانقسامي؟ أو بشكل أدق: كيف، وإلى أي حد يمكن الحديث عن نوع من الاستمرارية والتقاطع بين الخطابين “الخلدوني” و “الوضعي” من جهة وبين “الخطاب الانقسامي” حول المجتمعات المغاربية؟ وفي نفس السياق أيضا، ما هي أهم الموضوعات والقضايا التي تركزت حولها اهتمامات الباحثين الانقساميين؟ وما هي أهم الانتقادات التي يمكننا توجيهها لهم في هذا الإطار؟
-Iابن خلدون والتأسيس للخطاب الانقسامي حول المجتمعات المغاربية.
في مقال له تحت عنوان “العرب والبربر في مختبر التاريخ الاستعماري”، شدد الأستاذ (بنسالم حميش) كثيرا على ما اعتبره – بشكل من الأشكال- علاقة تأسيسية بين كل من الأطروحتين: الكولونيالية “الفرنسية”، والانقسامية “الأنجلو-سكسونية” من جهة، وبين نظرية ابن خلدون حول “العصبية والدولة” من جهة ثانية(8). فقد كان تعاطي هؤلاء مع المتن الخلدوني تعاطيا انتقائيا، بحيث تم التركيز على عناصر من داخل النظرية ومفاهيم دون غيرها؛ كما تم اعتماد نصوص مبتورة من سياقاتها العامة أو دون نصوص وشواهد أخرى تكملها وتعدلها(9). ولعل هذا ما يفسر سوء الفهم الذي ميز تعاطي هؤلاء مع النظرية الخلدونية، التي استحالت معهم إلى مجرد نظرية حول العنف والعنف المضاد.
بل أكثر من ذلك، لا يقف الأمر هنا عند حدود (مسألة سوء فهم) فقط، إنما نعتقد جازمين بأن التعبير الأنسب لتوصيف هذا الوضع هو: (أنه كانت هناك سوء نية) وجهت علاقة هؤلاء مع المتن الخلدوني – كعلاقة انتقائية – . وهذا ربما يحيلنا، بشكل أو بآخر، على واحدة من أهم خصائص الخطاب الاستشراقي؛ من حيث نزوعه الانتقائي ذاك، أو ما اصطلح عليه الأستاذ (إدوارد سعيد) بالطبيعة “الاقتباسية” للاستشراق(10).
إذن، فاختيار نص دون آخر، والتركيز على جوانب دون غيرها، أو زوايا نظر دون أخرى لاستجلاء معالم هذا النص واستنطاقه، هي سياسة مدروسة بدقة؛ (ولا بأس أن نتحدث هنا عن نوع من الاقتصاد السياسي للمعنى). فالنص، أي نص، لا يحمل بداهته في ذاته، إنه عملية بناء وهدم مستمرة من أجل توليد المعنى: (وهذا ما يقتضيه منطق التأويل)؛ أو بتعبير اقتصادي: إنه مادة خام يمكن تشكيلها عن طريق صهرها أولا (وهذا ما نعنيه بالتحويل).
وفق هذين المنطقين المتكاملين إذن: منطق “التأويل” ومنطق “التحويل”، اشتغل إثنوغرافيو ومؤرخو الإدارة الاستعمارية على المتن الخلدوني: (هانوتو – ما سينيون- ج. دراك- هنري طيراس- دوتي- ميشو بيلير … )، لتكتمل الصورة بشكل أوضح مع من أعقبهم من أنثروبولوجيي المدرسة الأنجلو-سكسونية ذات التوجه البنائي – الوظيفي، والتي أصبحت تعرف بالمدرسة الانقسامية: (إيفانس بريتشارد- إرنست كلنر- د. هارت- ر. جاموس – جون واتربوري… ).
لقد شكل النص الخلدوني إذن، لدى هؤلاء- (خاصة الانقساميين)، تلك الأرضية المهيأة والمعدة سلفا لبناء نظري أشمل وأدق، وهو ما ستتمخض عنه النظرية الانقسامية لاحقا؛ وكأن ابن خلدون توقف بمجهوده عند حدود تمهيد الأرض ووضع الأسس والدعامات. لعل هذا ما عبر عنه صراحة أحد أقطاب المدرسة الانقسامية، والأمر يتعلق هنا بإرنست كلنر حين اعتبر بأن نظرية العصبية عند ابن خلدون، ظلت صالحة لفهم وتحليل التاريخ الاجتماعي والسياسي للمجتمعات المغاربية إلى حدود الدخول الاستعماري للمنطقة. بل أكثر من ذلك، كل ما حدث هو تطوير هذه النظرية والارتقاء بها من “نظرية العصبية” إلى “نظرية الانقسام والتجزيء”(11)؛ وليس هناك أبلغ من هذا الاعتراف -من قبل إرنست كلنر- الذي يعتبر فيه بأن ابن خلدون كان انقساميا في تحليلاته للمجتمعات المغاربية، من دون أن تكون لديه مفاهيم انقسامية(12). وهنا إقرار بالأصل – كمصدر للاقتباس- لدرجة يصبح معها الخطاب الانقسامي بمثابة خطاب للمجتمعات المغاربية والعربية حول نفسها، عبر وسيط هو ما تقدمه الكتابة الأنثروبولوجية في قالب نظري واضح ودقيق. بمثل ما أصبح الاستشراق ذلك التشكيل الخطابي والجمالي، الذي يتحدث من خلاله وعبره ذلك “الشرق المتوحش” عن نفسه، عبر وسيط هو عين الغرب المتقدم وعقله المدرك تمام الإدراك كيف تصنع الحقيقة وتروج بلا غيا؛ من داخل النص وعبره.
ألم يكن الاستشراق وفيما بعد الأنثروبولوجيا، ولا يزالان، عناصر حاسمة ضمن أخرى في إطار استراتيجية الهيمنة الشاملة للغرب الإمبريالي على باقي العالم؟! هنا بالذات تفتح مسارات أخرى للبحث هذا ليس مجالها.
لنعد إذن إلى موضوعنا، ونرى كيف أثرت نظرية “العصبية القبلية” لابن خلدون على الأطروحة الانقسامية، من خلال بعض الأمثلة.
من الأمور التي لفتت انتباه الدارسين أكثر من غيرها، بخصوص ابن خلدون وفكره الاجتماعي، ارتباط اسم هذا الأخير بعلم جديد حقق قفزة نوعية في مجال المعرفة الاجتماعية لذلك الوقت – (من دون أن يعني ذلك طبعا إنجاز قطيعة إبستمولوجية مع كل ما كان سائدا من أنماط معرفية سابقة)- . والأمر يتعلق هنا بعلم العمران البشري، الذي اعتبره صاحبه بمثابة علم جديد، ذي قانون خاص به وموضوع ومنهج متميزان. وقد عرفه بما يلي: “وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني، وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد الأخرى. وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا”(13).
ليس هدفنا هنا هو مناقشة هذا العلم الجديد، والتعريف به وبحدوده، وهل يستحق ابن خلدون من خلاله أن يسمى المؤسس الفعلي لعلم الاجتماع كما يذهب البعض(14). بل ما يهمنا أكثر – (وارتباطا دائما بالإشكالية التي تطرحها هذه المقالة)- هو كيف قسم ابن خلدون موضوع علمه الجديد هذا إلى نوعين: “عمران بدوي” و “عمران حضري”؟ وكيف تصور طبيعة العلاقة الممكنة بين المستويين؟ لأنه في صلب إشكالية العلاقة هذه، وفي الطريقة التي يعالجها بها أيضا، تبرز ملامح وعناصر الخطاب “الانقسامي” الخلدوني. كيف ذلك؟
لقد درس ابن خلدون علاقات البدو بالحضر كنمطين مختلفين من العمران البشري، معتبرا إياها السبب المحرك لما يسجله التاريخ من وقائع وأحداث حربية، سياسية، اقتصادية وثقافية. وقد شكل المجتمع المغاربي إبان الحقبة التي عاشها (أواخر الدولة المرينية: القرن 8هـ/ 14م) ميدانا لملاحظاته وتفكيره، لينتقل إلى دراسة الممالك البربرية السابقة على هذه المرحلة (مرابطين و موحدين)، مطورا بذلك نوعا من المنهج المقارن في دراسة تاريخ الدول الإسلامية في المغرب والمشرق(15). ويعرف ابن خلدون علم التاريخ بأنه علم يهتم بأحوال الاجتماع الإنساني، وهو يقول في هذا النص بأن: “… حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش، والتأنس، والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها… “(16).
ما يهمنا من كل هذا إذن، هو كيف تصور ابن خلدون حركة التاريخ؟ وما هي القوة المحركة له؟ وما هو أفق هذه الحركة وطبيعتها؟!
في الواقع، إن حركة التاريخ عند ابن خلدون هي حركة انتقال دؤوبة من طور البداوة إلى طور الحضارة، وفي عملية الانتقال تلك، تلعب الدولة دورا أساسياباعتبارها أفقا ومقياسا لهذه الحركة. فمتى كثر العمران وزادت كثافته كانت الحضارة أكمل لأنها غايته، وفي نفس الوقت نهايته. هذه النهاية التي لن تكون سوى نهاية الدولة، بحكم فسادها الناتج عن سيادة قيم الترف والركون إلى الدعة التي هي إضعاف لشوكة العصبية إلى حد التلاشي. هكذا – وفي إطار نظرية الزمن الدائري التي يعتمدها ابن خلدون في تفسير التاريخ – فما دامت الدولة تسعى للانتقال دوما من حالة البداوة إلى حالة الحضارة، فهي محكومة بنفس القانون: أن تسقط وتنهار، لأن بلوغ غاية العمران القصوى، – أي الحضارة – هي إيذان بسقوطه. والنتيجة دائما هي نفسها، سقوط عصبية قبلية وصعود عصبية أخرى محلها، بحكم أنها هي الأقوى لأنها لا زالت تحتفظ بشروط تجذرها (أي البداوة). بهذا الشكل إذن، يستحيل تاريخ المجتمعات المغاربية إلى تاريخ عصبيات ودول، الواحدة تسقط والأخرى تخلفها؛ ومحور الصراع دائما هما البدو والحضر(17)، أو بلغة الانقساميين (القبيلة والدولة). هنا بالذات سيجد الخطاب الانقسامي إحدى أهم تخريجاته التي بنى على أساسها نموذجا خاصا في الرؤية والتحليل: (النموذج التجزيئي أو الانقسامي)Le paradigme segmentaire ، كما سنعرض له فيما يأتي.
إن حركة التاريخ إذن، هي حركة دائرية المحرك الأساس فيها هي العصبية القبلية، الأكثر قوة وبروزا لدى البدو. وبالفعل، فإن العصبية كتضامن اجتماعي دموي، لا توجد بشكل “خالص” إلا في إطار النظام القبلي الأكثر توحشا(18)، على اعتبار أن العصبية باعتبارها “وازعا” هي ظاهرة خاصة بالبدو، موجهة أساسا لدفع العدوان الخارجي وتفعيل آليات الدفاع المشترك(19). وإذا كان أساس أية عصبية هو “النسب” المشترك (كالانتماء إلى جد مشترك)، فإن ابن خلدون كان واضحا في هذه النقطة حينما نبه إلى أن حاجة البدو إلى آلية قوية ومستمرة للدفاع المشترك، هي ما يفسر تشبثهم القوي بتلك العصبة أو (الوحدة الدموية)؛ وهو تشبث إيديولوجي بالأساس. وابن خلدون نفسه يؤكد على أن الانتماء إلى جد مشترك، أمر وهمي لا حقيقة له، فليس هناك في نظره ما يضمن أو يؤكد انتقال دماء صافية من السلف إلى الخلف، بل إن اختلاط الأنساب هو الظاهرة السائدة. ولهذا فوازع دفع العدوان (في إطار دفاع مشترك)، هو الذي يفسر لجوء البدو إلى النسب واحتمائهم بالجينيا لوجيا؛ كإيديولوجيا لصياغة وإعادة صياغة النظام الاجتماعي وتدعيم لحمة الجماعة وتعاضدها(20). لعل هذه نقطة جوهرية في نظرية ابن خلدون حول العصبية، لم يوليها الانقساميون حق الاهتمام: (إنهم لم يفرقوا بين الواقعي والإيديولوجي، أو بلغة علم التاريخ بين الحدث وتمثلات الحدث). ملاحظة أخرى جوهرية في هذا الصدد، فإذا كانت العصبية ظاهرة بدوية بامتياز، فإن ابن خلدون ميز هنا بين صنفين من البدو: صنف يشتغل بالزراعة أساسا ويطغى عليه الاستقرار، وهذا ما يصفه ابن خلدون بـ “الظعن المقيمون”، وصنف آخر يعتمد في معاشه على الرعي وهم البدو الرحل، وهؤلاء يصفهم بـ “الظعن الخلص”؛ وهم من كان معاشهم من الإبل وهم الأقوى عصبية. هذه الفئة تتميز – حسب ابن خلدون – بنمط عيش جد قاس، بما يطبعه من ضيق اقتصادي كبير، وهنا نجد ابن خلدون يؤسس لنوع من الترابط بين نمط العيش والنظام الإيديولوجي الذي يناسبه؛ في إطار ما يمكن أن نصطلح عليه هنا بنوع من “الحتمية المعاشية”(21).
لعل هذا ما يؤكده الأستاذ عبد الكبير الخطيبي، من خلال النص التالي: “… إلا أن هذا الضيق الاقتصادي الشديد، تلازمه عصبية قوية ونظام قوي للدفاع عن الذات، وإذن هناك تشابه بين الضيق الاقتصادي الشديد وثقافة مرتكزة على قيم قوية، فهذه الأخيرة تعوض الأولى وتحدث التوازن داخل النظام الاجتماعي لرعاة الإبل. بهذا الشكل لا يكون لهذا المجتمع تأريخية، بل يحتاج إلى إيديولوجية وإلى دين يكون وحده قادرا على تحويل هذه الهوية المتوحشة إلى رسالة كونية”(22).
إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها هنا: هي ضرورة التمييز – في نظرية ابن خلدون حول العصبية – بين مستوى الواقع المادي للمجتمع البدوي – القبلي، (بما يعنيه من ظروف اقتصادية، اجتماعية ومجالية صعبة)، وبين تصورات الناس وتمثلاتهم حول ظروف وشروط حياتهم الاجتماعية تلك. والصورة قد تبدو واضحة أكثر لو اعتمدنا التمييز الماركسي بين الواقعي والإيديولوجي. بل أبعد من ذلك، لو أخذنا بالتعريف الذي يقترحه (كلود ليفي ستروس) لمفهوم الإيديولوجيا، باعتبارها ذلك “الإسمنت” الذي يلحم ويعضد مكونات البناء الاجتماعي ويساهم في ضمان استمرار البنيات القائمة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا – وبإلحاح – هو: لماذا ركز الانقساميون كثيرا على مقولة “النسب”، واعتبروها حقيقة تاريخية وسوسيولوجية، بنوا على أساسها تحليلاتهم للبنيات الاجتماعية والسياسية للقبيلة المغربية؟ مع العلم أن ابن خلدون كان واضحا بهذا الخصوص.
إن الصراع العصبي إذن، وفي المنظور الجلدوني نفسه، لم يكن “صراعا بين الدماء ولا راجعا إلى مجرد الاعتداد بالأنساب، بل هو صراع من أجل البقاء، صراع من أجل لقمة العيش”(23). وهناك عوامل متداخلة يمكن أن نفسر بها لماذا لم يتخذ هذا الصراع مظهرا اقتصاديا واضحا: بعضها ثقافي وبعضها اقتصادي مرتبط بعلاقات الإنتاج التي لم تكن تتعد، في الغالب، نطاق الأسرة أو العائلة، مما جعل منها علاقات تعاون ومشاركة لا علاقات استغلال(24). وقد زاد من توطيد هذه العلاقات، أيام ابن خلدون، انغلاق وحدات المجتمع القبلي على نفسها. والنتيجة الطبيعية لهذا الانغلاق هي ذلك الارتباط القوي من قبل الجماعة أو القبيلة بالأرض كمصدر للعيش. وبناء عليه، فإن كل محاولة من جانب أي غريب- (سواء كان فردا أو جماعة)- تستهدف هذه الأرض؛ تعتبر في نظر العصبة أو القبيلة عدوانا صريحا يجب دفعه(25). وفي هذا السياق بالذات تفسر الحاجة إلى سلاح الجينيالوجيا ممثلا في العصبية، بهدف التعبئة من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، فهما معا محورا التاريخ القبلي كتاريخ عنف وعنف مضاد(26)، عن طريق الغزو والثأر وهكذا دواليك. وهو ذاته نفس السياق الذي يفسر علاقات البدو بالحضر كصراع من أجل التغلب والملك، ما دامت ماهية التاريخ عند ابن خلدون وأفقه ينتهيان عند حدود عتبة الدولة والحضارة. فما أن تنشأ الدولة كتجسيد للحضارة، حتى يؤذن بنهايتها وزوالها باسم الحضارة نفسها، وهذا هو قانون الدورة العصبية: (نشأة، ازدهار ثم انهيار)؛ بما يتضمنه من مفارقات.
يبدو أن الأستاذ عبد الله العروي قد وصف بشكل دقيق هذه المفارقات، حين اعتبر بأن ابن خلدون يقف دوما فوق الحد الفاصل بين التاريخ واللاتاريخ، ولا يفارق إلا قليلا اللاتاريخ، كما لا يتوغل طويلا في نطاق التاريخ(27). وربما هذا ما دفع إلى الانجذاب نحو نظريته هذه، من طرف مؤرخي الإدارة الكولونيالية ومن قبل الباحثين الأنثروبولوجيين ” الانقساميين”. فبتركيزه الشديد على الجوانب اللاتاريخية، قد أعطى تعليلا مقنعا لتعثر المنطقة الدائم في أحضان اللاتاريخ(28)، ولعل هذا ما عمل على ترديده كثيرا الخطاب الانقسامي، انسجاما مع رؤيته البنائية – الوظيفية السكونية. وبهذا الخصوص يقول عبد الله العروي في هذا النص: “من لجأ إلى النمط التعليلي الخلدوني لتفسير كل حادثة من تاريخ المغرب، فإنه يتولى بالتبعية الفكرة القائلة إن المغرب يجد نفسه باستمرار على الخط الفاصل بين التاريخ واللاتاريخ؛ وأن دراسة المجتمع المغربي هي في العمق دراسة أنثروبولوجية”(29).
وإذا حاولنا أن نبحث في أشكال التقارب والارتباط بين النظرية الانقسامية والخلدونية، نجد هناك ارتباطا منهجيا واضحا بين الإثنين؛ ولعل هذا ما أكد عليه (إرنست كلنر – E. Gelner ) نفسه. بل أبعد من ذلك، قد يكون هناك ارتباط تاريخي أيضا: فنحن نعلم أن المدرسة الإنجليزية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية – (خاصة مع إيفانس بريتشارد)- قد استلهمت كلمة ” انقسامية” من (دوركايم)، كما أن هذا الأخير قد بنى تحليلاته بخصوص المجتمع “القبائلي” بالجزائر – (في إطار دراسته حول تقسيم العمل)- على التقارير الإثنوغرافية لكل من (هانوتو ولوتورنو). وهنا بالذات قد لا نستبعد – مع الأستاذ العروي – أن تكون هذه التقارير وما تحمله من أوصاف، هي نفسها متأثرة بما تضمنته مقدمة ابن خلدون التي تمت ترجمتها إلى الفرنسية منذ أواسط القرن 19(30).
فابن خلدون يحدثنا عن “العصبات” كأساس للانتظام الاجتماعي، و الانقساميون يحدثوننا عن “القسمات” أو “الأجزاء” (Les segments )؛ والقاعدة الأساس هنا هي قاعدة النسب (La généalogie ). كما أن ابن خلدون يشرح لنا كيف يستحيل تاريخ الدول والمجتمعات المغاربية إلى صراع عصبي، بمثل ما يشرح لنا الانقساميون أيضا منطق هذا التاريخ على أساس لعبة التعارضات المتوازنة بين القسمات، وفق آليتي: (الانشطار والانصهار أو الصراع والاتحاد). إذن لا مكان في قاموس كل من المنظومتين لمفاهيم التغير والتحول والتجدد، أي لا مكان للتاريخ، لأن كل مستجد يتم استدماجه ضمن المرجعية الانقسامية؛ ليتم تأويله وتثبيته في نطاق البنية الأصلية القائمة على قاعدة: (الثبات والتوازن والاستمرارية).
علاوة على ذلك، نجد الانقساميين قد بالغوا في تضخيم عوامل الصراع والتنازع بين نظامين اجتماعيين وسياسيين متناقضين: هما “القبيلة” و “الدولة” بالمجتمعات المغاربية، كمجتمعات “انقسامية”. بحيث ينحل تاريخ هذه المجتمعات في إطار سيرورة صدامية بين قبائل “بربرية” متحصنة بالجبال، ومخزن “عربي” يتم إدراكه دائما كغاز محتل؛ استباح أرضهم وأعراضهم باسم الدين. لهذه القناعة إذن، تراهم دوما رافضين الانصياع لسلطته، معتبرين إياها سلطة غير شرعية. بل أبعد من ذلك، تسعى القبيلة إلى منافسة المخزن حتى في بعض أهم رموز سيادته ومشروعيته السياسية، خاصة لما تعلن ارتباطها بزاوية قوية: (الزاوية الشرادية – زاوية أحنصالة- الزاوية الدرقاوية… ). فشيخ الزاوية هنا، هو قبل كل شيء “شريف” تربطه – على غرار السلطان – قرابة دموية بنبي الأمة، مع ما يعنيه ذلك من حضور “للبركة” كرأسمال رمزي حاسم في تأسيس أية سلطة سياسية. هذا علاوة على المظهر الديني الواضح الذي تضفيه الزاوية على كتلتها القبلية، مدخلة إياها في نطاق “الشرع” الذي غالبا ما حاول المخزن العربي نزعه عن القبيلة، مستبيحا بذلك أرضها. ويبدو واضحا هنا بالطبع، كيف عمل الخطاب الانقسامي على إعادة إنتاج – وبشكل متقدم – لعدد من الثنائيات التي كان قد أنتجها من قبل، باحثون ومخبرون فرنسيون (في إطار ما يعرف بالأطروحة الكولونيالية)؛ من قبيل: (عرب / بربر)، (شرع/ عرف)، (سيبا/ مخزن)،…
إن الصراع إذن، بين “البربر” و “العرب”، بين “القبيلة” و “المخزن” هو صراع “وجود” أكثر منه صراع “حدود”؛ مادام منطق الصراع ذاته – كما تصوره هؤلاء – يتوقف عند حدود الجدل السالب “النفي”(31). وقد عبر ابن خلدون عن ذلك بوضوح في تصوره لصراع “البدو” ضد “الحضر”، كصراع عصبي محكوم برغبة الملك، التي هي في الأصل رغبة مدفوعة بمبدإ النفي والإزاحة: نفي عصبية لعصبية أخرى وهكذا دواليك.
هذه باختصار شديد أهم العناصر من داخل النظرية الخلدونية حول العصبية، والتي وجد فيها الانقساميون ضالتهم وبنوا على أساسها نظرية أنثروبولوجية / سياسية، يمكن أن نعرفها هنا بـ “نظرية العنف المهيكل” أو “نظرية الفوضى المنظمة”. فما طبيعة التأثير الذي مارسته السوسيولوجيا الوضعية في اتجاه تبلور النظرية الانقسامية؟
-IIإيميل دوركهايم والتصور الانقسامي للمجتمعات التقليدية.
لقد انطلق دوركهايم في أطروحته الشهيرة “حول تقسيم العمل الاجتماعي”، من سؤال مركزي وهو: “كيف يقيم جمع من الأفراد مجتمعا؟ وكيف ينجزون الشرط الضروري – أي الوعي – لوجودهم الاجتماعي؟”(32). وللإجابة عمد عالم الاجتماع الفرنسي إلى إقامة تمييز واضح وصارم بين نمطين مختلفين من التضامن، هما: (التضامن الآلي = mécanique ) و (التضامن العضوي = Organique ). ففي النمط الأول يكون الأفراد متشابهين في مشاعرهم وأحاسيسهم، ويشتركون في نفس القيم، كما أنهم متفقون على نفس المبادئ والأشياء المقدسة؛ ويطغى عليهم – نتيجة ذلك – التجانس لأنهم لم يتباينوا ولم يتغايروا بعد. لكن، وبفعل عوامل الكثافة الاجتماعية وأنماط الاتصال والتقسيم الاجتماعي للعمل، يحدث ذلك الانتقال من النمط الأول أو الحالة الآلية إلى حالة أكثر تطورا وتعقيدا، وهي الحالة العضوية أو ما يصطلح عليه دوركايم بـ “التضامن العضوي الذي يأتي تضامن الأفراد وتماسكهم فيه، نتاجا لتباينهم وتعبيرا عن هذا التباين في نفس الوقت”(33).
لقد كان دوركايم إذن، هو أول من صاغ مفهوم الانقسامLa segmentation أو “النسق الانقسامي”؛ معتبرا بأن المجتمع “القبائلي” بالجزائر يقدم النموذج الأرقى لهذا النمط من التنظيم. فهو مجتمع تقليدي، قبلي، يجهل أي شكل من أشكال السلطة المنظمة، وهذا ما يمنحه خاصية المجتمعات ذات التضامن الآلي، أو ما يمكن تلخيصه في مقولة “النسق الانقسامي”. وقد حدد بذلك إحدى أهم شروط هذا النسق في مقولتي: (التشابه) و (التباين) أو (الاتحاد) و (التعارض): “فلكي يكون التنظيم الانقسامي ممكنا، لابد من أن تتشابه الأقسام، وبدون هذا التشابه لا يمكن أن تتحد و أن تتباين، وبدون هذا التباين والخلاف سيضيع بعضها في بعض، وتنتهي إلى التلاشي”(34).
لقد وجد الانقساميون بالطبع ضالتهم في هذا التمييز، حيث أسقطوا النموذج الآلي على مجتمعات قبلية إفريقية، رأوا فيها النقيض التاريخي والسوسيولوجي لمجتمعات أوربا “العضوية” أو (الطبقية)؛ مستندين في ذلك على منهج في المقاربة والتحليل يقوم على أساس الدمج بين الوظيفية Fonctionnalisme والبنيوية Structuralisme (35). وكانت البداية طبعا، مع الأنثربولوجي الإنجليزي (إ. بريتشارد) الذي يعتبر بحق أول من طبق النموذج الانقسامي على مستوى ميداني، وذلك في إطار دراساته الميدانية حول قبائل “النوير” السودانية وقبائل “بدو برقة” الليبية. فقد استطاع هذا الأخير – وبشكل ذكي – أن يوضح قواعد وأبعاد اللعبة السياسية في المجتمع الانقسامي، والتي صورها على شكل (لعبة الشطرنج). وكان من بين أهم نتائج أبحاثه تلك – حول قبائل النوير السودانية – هو أن القبائل تكون وحدة سياسية، وهي منبثقة من جماعات متعددة (عشائر)، كما أن القبائل المتعددة تشكل بدورها اتحادا قبليا أو تحالفا، وهذا هو أرقى مجتمع سياسي يعرفه هؤلاء القبليون(36). كما حاول إبراز كيفية اشتغال آليتي “التعارض” و “التحالف”، كما صاغهما دوركايم من داخل النسق الانقسامي، لتصبح القبيلة أو البناء القبلي على شكل “نظام وظيفي” تحكمه “بنيات القرابة والنسب”، في إطار اللعبة الانقسامية التي تتحدد من خلال القسمات المتعارضة والمتوازنة أيضا. فكلما تم الانتقال إلى مستويات أعلى، كلما اختفت عوامل الصراع والتعارض، بدءا من خط النسب وانتهاء بالقبيلة، ثم الاتحاد القبلي(37).
في مجتمع كهذا إذن، تحكمه آليات الانشطار والانصهار التي تخضع بدورها لمنطق النسب، لا وجود لأي نوع من التراتب الاجتماعي(38)، لأن أساس المجتمع الانقسامي هو وحدة النسب(39)؛ مع ما تفرضه هذه الوحدة من مساواة بين كل مكونات النسق. وهذا يعني من بين ما يعنيه: غياب أي احتكار للعنف المشروع (السلطة)؛ لأن “البنية الانقسامية تحول ضد تمركز السلطة في أية هيأة أو جهاز خاص”(40)، والنتيجة طبعا غياب الدولة في الأصل.
قبل الانتقال إذن إلى عرض وتحليل أهم نتائج الطرح الانقسامي، وذلك من خلال بعض النماذج من الأبحاث والدراسات الأنثروبولوجية حول المغرب، يبقى من الضروري الوقوف – ولو بإيجاز – على الإسهام النظري الهام الذي قدمه (روبير مونطاني) من خلال أطروحته الشهيرة حول “البرابرة والمخزن بالجنوب المغربي”(41). هذه الأطروحة التي شكلت، حسب أحد الباحثين، (42) منطلقا مرجعيا بالنسبة لإرنست كلنر E.Gelner و دافيد هارت D.Hart في دراستهما لمناطق أخرى من المغرب، غير منطقة سوس بالجنوب.
لقد قام (R.Montagne ) بتوصيف وتحليل طبيعة النظام السياسي بالقبائل البربرية السوسية، كنظام أصبح يفقد تدريجيا أصالته مع الزمن؛ لتكتمل الصورة بشكل أوضح وأفضع مع مرحلة “حكم المخزن”، الذي تعتبره هذه القبائل كيانا استعماريا بالأساس. وهكذا، فقد مر النظام السياسي بالقبائل البربرية بأربعة مراحل أساسية هي على التوالي: (حكم جمهوري ديموقراطي وأوليغارشي، حكم “الإمغارن” أو الشيوخ، حكم القواد الكبار؛ ثم أخيرا حكم المخزن)، هذا الأخير الذي يعتبره (روبير مونطاني) بمثابة ضربة قاضية للديموقراطية “البربرية”، ونيلا من واقع استقلالية الشخصية القبلية لدى “البربر”(43).
ولتوضيح الصورة أكثر حول هول “الكارثة” يعود بنا الباحث، وبكثير من التفصيل، إلى عرض وتحليل لأهم مكونات البناء الاجتماعي والسياسي للقبائل البربرية؛ قبل تعرضها لهذا الاكتساح المخزني(44). فهذه الأخيرة عنده “عبارة عن جمهوريات بربرية، تشبه في تشكيلتها الجمهوريات ذات الطابع الديموقراطي العسكري”(45). ويوكل أمر البث في الشأن السياسي لهذه الجمهوريات، إلى “الجماعة” باعتبارها هيأة سياسية منتخبة بشكل ديموقراطي ويعين على رأسها شيخ (أمغار). وباختصار يمكن رصد أهم مكونات البناء القبلي لهذه “الجمهوريات البربرية”، حسب روبير مونطاني، فيما يلي:
1- الدوار، ويضم من 20 إلى 30 كانونا.
2- الفخذة أو العظم، وتضم ثلاثة إلى أربعة دواوير.
3- الفرقة أو الخمس، وتضم من ثلاثة إلى خمسة أفخاذ. وهي تمتاز بكونها وحدة سياسية، مما جعل (روبير مونطاني) يعتبرها بمثابة جمهورية مستقلة، في إطار النظام السياسي الجمهوري / البربري.
4- القبيلة، وتتكون من ثلاث إلى إثنى عشرة فرقة؛ وتمتاز باسم خاص بها يستمد غالبا من جد مشترك، أكان هذا الأخير حقيقيا أو وهميا. كما أنها تحتل مجالا جغرافيا محددا، ولها عاداتها وتقاليدها ومؤسساتها السياسية، وبالمثل فهي تتوفر على أسواق ومواسم خاصة بها(46).
5- اللف، وهو تحالف حربي بالأساس يجمع عدة قبائل، في إطار اتفاقية الدفاع المشترك؛ وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على على الطبيعة الانقسامية للبناء القبلي.
إن أهم ما استفاده “كلنر” و”د.هارت” من أطروحة “ر.مونطاني” هذه، هو تأكيدها على الطبيعة الصدامية بين القبائل البربرية والدولة المغربية: ممثلة في (المخزن العربي/الإسلامي). ولعل هذا ما صاغه مونطاني في إطار مقولة: (السيبا) المعروفة جدا في الأدبيات الكولنيالية، والتي تترجم سوسيولوجيا إلى وجود فصل تام بين المخزن الذي يستوطن المدن والسهول، وبين البربر المتحصنين بالجبال والرافضين لهذا الكيان “الدخيل” الذي لا تجمعهم به إلا علاقة صدام وحرب.
مسألة أخرى ركز عليها ر.مونطاني، وشكلت منطلقا أيضا بالنسبة للإنقساميين، ويتعلق الأمر بالتضخيم من واقع الصراعات والحروب القبلية؛ لدرجة يستحيل معها تاريخ القبائل بالمغرب إلى تاريخ عنف وأحلاف حربية مدمرة (لفوف). ولعل ذلك يجد تفسيره لدى هؤلاء في غياب سلطة سياسية مركزية، وفي هيمنة المنطق الانقسامي/ النسبي.
بعد هذا العرض الموجز والمركز، حول ما يمكن أن نصطلح عليه هنا بـ (جوانب من العلاقة التأسيسية بين كل من الخلدونية والسوسيولوجيا الوضعية من جهة وبين الأطروحة الانقسامية)؛ ننتقل إلى طرح السؤال التالي: ما هي أهم نتائج هذه الأطروحة على مستوى النظرية والتطبيق الميداني؟ خاصة فيما يتعلق بمفهوم “النسب” ودلالاته السوسيولوجية من داخل النسق الانقسامي، ثم مفهوم التراتب الاجتماعي الذي يحيلنا بدوره على مفهوم السلطة، وأشكال ومستويات انتظام البناء الاجتماعي – السياسي للقبيلة.
-IIIأهم نتائج الطرح الانقسامي بخصوص القبيلة المغربية.
بحكم تركيبتها الاجتماعية المتميزة، وطبيعة نظمها الثقافية، السياسية والسوسيو- مجالية؛ اعتبرت القبيلة بالمغرب نموذجا لنسق انقسامي قائم الذات. ولعل هذا ما تمخضت عنه مجموعة من الأبحاث والدراسات أنجزها بعض رواد البحث الأنثروبولوجي الأنجلو سكسون، حول عدد من قبائل المغرب.
لقد بدأ اهتمام هؤلاء بالمغرب منذ الحرب العالمية الثانية، غير أن نشاطهم تعزز أكثر، وأصبح ملحوظا خلال الستينات من القرن العشرين(47). ويمكن تفسير ذلك في إطار انشغال جيو-استراتيجي لبعض الدول الرأسمالية: كإنجلترا والولايات المتحدة تحديدا؛ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لقد كان الهدف الأساس هو مراقبة، وعن كثب، مجمل التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد(48)، والهدف طبعا هو تيسير السبل الكفيلة بدمج المغرب – وعلى غرار باقي بلدان المنطقة- في منظومة السوق الرأسمالية – الإمبريالية.
في هذا الإطار إذن، تأتي دراسة (إرنست كلنر) حول قبائل الأطلس الكبير – الأوسط الموالية لزاوية أحنصال(49)، وقبله (د.هارت) الذي يعتبر أول من درس واقع القبائل المغربية من خلال نموذج التحليل الانقسامي؛ حيث قام بدراسة ثلاثة قبائل هي: (آيت عطا) بالأطلس، (دكالة) بالجنوب و (بني ورياغل) بالريف الأوسط(50). وأخيرا (رايمون جاموس) الذي ركز دراسته الشهيرة حول “العرض والبركة”، على إحدى قبائل الريف الشرقي، والأمر يتعلق بقبيلة “قلعية”(51).
على الرغم إذن من اختلاف أمكنة وأزمنة هذه الأبحاث والدراسات، فإن ما يوحد بينها جميعا هو كونها تتأطر ضمن ما يعرف بـ “الأطروحة الانقسامية”. فما هي إذن أهم نتائج هذه الأطروحة حول القبيلة المغربية؟!
يتكون المجتمع الانقسامي من فئات متداخلة فيما بينها(52)، وعبر مستويات التداخل هذه، تتحدد مختلف مكونات النسق الانقسامي ووحداته: فكل قبيلة تنقسم إلى فروع، وهذه تنقسم بدورها إلى أجزاء، إلى أن تصل إلى مستوى الوحدات العائلية(53).
ويبقى عامل النسب هو المهيمن من داخل هذا المجتمع، بحيث اقترح (كلنر) حصر مفهوم الانقسامية واستعماله فقط، بالنسبة للمجتمعات التي تعتمد على النسب وحده لتقعيد العلاقات بين القسمات(54) – كعلاقات اجتماعية وسياسية أيضا – (ويبدو تأثير ابن خلدون واضحا هنا). فالنظام الاجتماعي والسياسي الانقسامي، يستمد رمزيته وأسسه إذن من نسق القرابة، أو بالأحرى من خط النسب الأبوي (Le patrilignage ). هكذا تبدو القبيلة – إذا ما نظرنا إليها ككل- شبيهة ببنية الشجرة(55)، التي يمثل كل فرع من فروعها مستوى معين من الانقسام، وتمتد هذه الفروع من القمة لتتفرع أكثر فأكثر نحو القاعدة؛ بحيث تنحدر فروع جديدة وصولا إلى أدنى مستوى في القاعدة، وهذا ما تجسده الأسرة(56). أما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر الفرد، نجد هذه البنية تتحدد على شكل دوائر متحدة المركز، بداء من الفرد وانتهاءا بأوسع دائرة: أي القبيلة ثم الحلف القبلي.
هناك إذن عملية توالد مستمرة للفروع، تتكامل فيما بينها عبر سلسلة من الأجداد وصولا إلى الجد الأعلى المشترك، الذي تتخذ منه القبيلة أو الحلف القبلي اسما موحدا؛ كما أن هذه العملية- وبحكم منطق النسب ذاته – تخضع في سيرورتها لعاملي “الانشطار” و “الانصهار”. فعامل الانشطار يفهم حين يصبح الجيل الواحد مصدرا لأجزاء جديدة: (أبناء)، وهؤلاء بدورهم – كل على حدة – يشكل (وحدة سلالية) جديدة، تتفرع عنها هي الأخرى وحدات سلالية جديدة، وهكذا دواليك. أما عامل الانصهار، فيبدو حين يصبح هذا الانشطار ذاته مصدرا لتعيين “أجزاء” أو “أقسام” جديدة من داخل النسق الانقسامي(57). بهذا الشكل إذن، يصبح كل جيل من الأجداد يجسد مستوى من الانقسام والتداخل: فالمستوى الأول هو القبيلة، والثاني هو القسمة أو الفرع القبلي (ويصطلح عليه د.هارت: “الخمس”1/5)، والثالث هو الوحدة السلالية؛ وصولا إلى أدنى مستوى حيث الوحدة العائلية ثم الفرد(58).
لكن، يبقى السؤال المطروح هو: كيف تشتغل كل من آليتي “الانشطار” و “الانصهار” هاتين (سوسيولوجيا)؟ وكيف تعملان على بنينة (Structuration ) مستويات وأشكال الحياة الاجتماعية والسياسية من داخل المجتمع الانقسامي؟ أو بمعنى أدق، كيف يعمل النسق الانقسامي وفق هاتين الآليتين على إنتاج وإعادة إنتاج ذاته، رغم عوامل الصراع والتوتر التي تتهدده؟
هنا بالذات يقدم الانقساميون مقولتي (التعارض) و (التحالف) كنموذج للتحليل، وكقاعدة تؤسس للنسق الانقسامي وتمده بشروط الاستمرارية. فإذا كانت الصراعات وأشكال النزاع التي يشهدها المجتمع الانقسامي- عبر مختلف مستوياته البنائية – تمثل واقعا مرتبطا أشد الارتباط ببنيات ذلك المجتمع، وتناقضاته الداخلية – كما يؤكد الانقساميون طبعا(59)- فإن ذلك لا ينفي وجود أشكال من التماسك والاتحاد أيضا. فالصراع في مستويات أدنى، لا ينفي أبدا وجود أشكال من التعاون والتحالف في مستويات أعلى، وبصورة تلقائية(60). فقد تكون هناك مجموعات متعارضة داخل نفس خط النسب (Lignage )، لكن سرعان ما تتحد فيما بينها في حالة وجود خصوم من خط نسب مجاور، وبالمثل فقد تنزع خطوط النسب المتصارعة في نطاق الفرقة إلى التكتل فيما بينها قصد التصدي لعداء فرقة مجاورة. كما أن هذه الفرق المتعارضة نفسها، قد تضطر إلى التضامن أمام تهديدات من نفس المستوى(61). وفي إطار نفس اللعبة الانقسامية هذه، قد لا تمنع العداوة الموجودة بين عشريتين داخل قبيلة واحدة تضامنهما ضد قبيلة أخرى(62).
هنا بالذات يكتسي المثل العربي الشائع دلالاته السوسيولوجية لدى الانقساميين: “أنا ضد إخوتي، أنا وإخوتي ضد أبناء عمي، أنا وإخوتي وأبناء عمي ضد العالم”. ولعل هذا ما حذا بأحد الباحثين إلى تلخيص النظرية الانقسامية في مضمون هذا المثل(63).
إن القبيلة إذن، ومن منظور انقسامي، تتشكل من “وحدة متعارضة”، تتحكم فيها أجزاء متشابهة يمكن أن تتحد عند الضرورة، كما أن هذه الأجزاء ذاتها، تنشأ فيما بينها خلافات تحافظ على استمراريتها كي لا يضيع بعضها في بعض. ذلك لأن التعارض الذي يسيطر على حياتها المعيشية في مستوى أدنى، يمكن أن يتحول إلى تحالف ودفاع مشترك في مستوى أعلى(64).
في إطار لعبة التوازنات الانقسامية هذه إذن، وما يطبعها من تعارض وتكامل كمبدإ أو حد للتنظيم والتسيير(65)، تبرز واحدة من أهم إواليات النسق الانقسامي، والمرتبطة أساسا بوضع الحروب والنزاعات القبلية: الأمر يتعلق هنا بظاهرة “اللف”. فهو إطار لتحالف حربي، يتم بين أقسام القبيلة وأقسام من قبائل أخرى، للحفاظ على توازن القوى بين “اللفين” أو “الحزبين” المتعارضين(66) – على حد تعبير (د. هارت). ويعتبر هذا النظام من التحالفات، هو الأوسع والأكثر انتشارا في مجتمعات تجهل وجود سلطة سياسية ممركزة، فهذه الأخيرة “لا يمكن أن تتحقق إلا إذا استطاع شخص من بين أفراد القبيلة التميز عن الآخرين، وتركيم وسائل العنف والقهر”(67)؛ وهذا ما لا يسمح به النسق الانقسامي. باختصار شديد، فالبنية الانقسامية تحول ضد أي تمركز للسلطة، وفي أية هيئة أو جهاز خاص(68).
أمام هذا الوضع إذن، يبقى السؤال الجوهري لدى الانقساميين هو: كيف يتم الحفاظ على الأمن والنظام، في ظل غياب سلطة سياسية مركزية؟! والإجابة تكمن – حسب هؤلاء – في طبيعة النسق الانقسامي ذاته. أو بصيغة أدق، عن طريق التعارض المتوازن لمختلف المجموعات الانقسامية، في مستويات مختلفة من التنظيم الاجتماعي – السياسي(69)، أو ما يصطلح عليه (إرنست كلنر) بـ “توازن العنف” أو “معادلة الخوف”؛ كخوف جزء اجتماعي من جزء أو قسم آخر لتواجد إمكانية تعميم الحرب(70). هذا علاوة على الدور التحكيمي والتسكيني الذي تضطلع به المجموعات الدينية، خاصة “الصلحاء” و “شيوخ الزوايا”، لما يتمتع به هؤلاء من اعتدال وحياد(71)؛ فهم من يمد قبائل “العوام” بالاستمرارية وبالهيكل القار الذي يفتقر إليه نظامها السياسي(72). أليست القبيلة هنا نظاما سياسيا قائما بذاته، مستقلا عن الدولة؛ أو بتعبير أدق: ضد الدولة ؟!
خاتمة: الانقسامية بين قوة النموذج ونموذج القوة.
هذه إذن بإيجاز، بعض أهم خلاصات ونتائج الأبحاث والدراسات الانقسامية حول القبيلة المغربية والشمال – إفريقية بشكل عام. وعلى الرغم طبعا من الانتقادات التي يمكن توجيهها للأطروحة الانقسامية، لابد من الاعتراف – وبكل موضوعية – بأن معظم الأبحاث التي تندرج في إطار هذه الأطروحة، قد تشكل بالنسبة إلينا اليوم – وبعد إخضاعها لمقتضيات النقد العلمي الرصين – مرجعا لا غنى عنه في دراسة تاريخنا الاجتماعي والسياسي. فهي تقدم لنا كأداة وكنموذج نظري، وبعيدا عن خلفياتها الإيديولوجية، إمكانات هامة على مستوى الرؤية والتحليل(73)، وأيضا معطيات إثنوغرافية دقيقة حول موضوعات ظلت إلى عهد قريب من قبيل الطابوهات التي لا يمكن للباحثين الوطنيين الخوض فيها دون مشاكل: من قبيل موضوع “المؤسسة الملكية”، مع كل من “ريمي لوفو” و “جون واتربوري”(74)؛ وموضوعات أخرى ذات حساسية دينية وسياسية أيضا. هذا دون أن ننسى أو نتناسى بأن هناك – وعلى مستوى الواقع- استمرارية ما وبشكل من الأشكال، لبعض البنيات الانقسامية التي ما تزال توجه في العمق وتحكم حقل ممارساتنا السياسية والاجتماعية. ولعل قراءة متأنية لبعض مكونات الحقل السياسي المغربي اليوم، من حيث آليات وميكانيزمات اشتغاله وبعض السلوكات السياسية المرتبطة به، لتؤكد بشكل لا يقبل الشك بأن الثقافة السياسية السائدة اليوم، ما تزال تحتفظ بنوع من العلاقة الملتبسة والمتحايلة أيضا، مع بعض مفردات ومضامين من “القاموس الانقسامي”: (القرابة، القبيلة، الزبونية، اللف، العائلة، العار،… )؛ وهذا في حد ذاته يستدعي أكثر من قراءة وتأويل في هذا الإطار. ولعل هذا ما يعزز أكثر مصداقية وقوة هذا النموذج النظري الانقسامي، في تقاطع وتكامل مع نماذج نظرية أخرى بالطبع، في تعميق وترشيد فهمنا لواقعنا الراهن، كواقع لا زال يتأرجح بين سيرورة التحديث ومقاومات التقليد، بين ثقل التاريخ وإكراهات “الهنا والآن” بكل أبعادها وتجلياتها الاجتماعية، السياسية، الثقافية والاقتصادية.
بطبيعة الحال، كل ذلك سوف لن يعفينا من توجيه بعض الانتقادات لهذا النموذج النظري، الذي نرى فيه نموذجا تأسيسيا وتأصيليا لنوع من علاقة القوة والسيطرة بين الغرب الامبريالي وباقي بلدان العالم؛ خاصة منها النامية.
في الواقع، تبقى الانتقادات بخصوص الأطروحة الانقسامية كثيرة، غير أننا سنركز على الأهم منها في هذا الإطار. فكما هو معروف، فقد أثارت هذه الأخيرة وما تزال العديد من التساؤلات والانتقادات، سواء تعلق الأمر بالجوانب المنهجية لهذه الأطروحة، أو ببنائها النظري، أو الفرضيات التي انطلقت منها في دراسة البناء الاجتماعي والسياسي للمجتمعات المغاربية. ناهيك طبعا عن الخلفيات الإيديولوجية المحركة لمثل هذا النوع من الخطابات الأنثروبولوجية كما رأينا من قبل. فحسب الباحثة الأنثروبولوجية (ليلى أبو اللغد)، فقد “استدعى الإطار الوظيفي – البنائي للنظرية الانقسامية نوعا من الرفض الصارم من قبل اتجاه الأنثروبولوجيا التأويلية أو الثقافية”(75). وتمثل هذا الموقف بوضوح في آراء كل من (روزن وهلدريد غيرتز)(76) ، ونضيف هنا أيضا كلا من (كليفورد غيرتز) في دراسته حول “السوق كنسق ثقافي بالمغرب”(77)، و (ديل إيكلمان) في دراسته الرائدة حول: “الإسلام بالمغرب”(78)، من دون أن ننسى طبعا دراسة الأستاذ (عبد الله حمودي) المتميزة، حول النسق الثقافي للسلطة بالمجتمعات العربية، ونعني هنا أطروحة “الشيخ والمريد”(79).
فهؤلاء جميعهم، “كانت ردة فعلهم ضد رؤية المجتمع المغربي كمجتمع انقسامي، توازي رفضا نظريا لافتراضات وتأكيدات المنهج البنائي الاجتماعي في التنظير الأنثروبولوجي، لصالح منهج ثقافي وتأويلي”(80). وفي هذا الإطار سعت الباحثة الأمريكية (هلدرد غرتز)، من خلال أبحاثها حول المغرب – خاصة في البحث الذي خصته لـ “معاني القرابة في المجتمع المغربي”(81)- إلى التأكيد على أن نظرية “النسب الانقسامي” تظل قاصرة، بل عاجزة عن سبر أغوار البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي. ففي نظرها، حتى وإن استخدم المغاربة أحيانا “الانقسامية” كمصطلح، فإن مفاهيمهم الأساسية، وتصوراتهم للعلاقات القرابية والجماعية هي في الواقع مختلفة. وفي نفس السياق، فقد سعى الباحث الأنثربولوجي (روزن) إلى تطوير عدد من المفاهيم كبديل عن مفهوم “النسب”؛ معتبرا إياها بمثابة أطر مرجعية لتشكيل الهوية الاجتماعية والثقافية بالنسبة للإنسان المغربي. وقد اقترح في هذا الصدد مفاهيم: (الأصل، الإقامة والقرابة = La parenté ) باعتبارها أسسا مرجعية يمكن للأفراد أن يبحثوا على أساسها عن العلاقات الممكنة، وذلك عندما يشرعون في بناء شبكة من العلاقات الشخصية. وربما في نفس الاتجاه ينبغي أن نفهم دراسة (د. إيكلمان) حول “الزاوية الشرقاوية”(82)، حيث اقترح هذا الباحث مفاهيم ومقولات أخرى بديلة عن مفهوم “العصبية القبلية” لدى ابن خلدون، أو “النسب الانقسامي”. وهذه المفاهيم تشكل في نظره مفاتيح لفهم سلوك وتصرفات المغاربة، اتجاه وضعيات اجتماعية وسياسية مختلفة؛ ويجمل أهمها في: (العار، الحق والحشومة = La pudeur ).
في نفس الاتجاه الأنثروبولوجي دائما، لسنا في حاجة إلى كثير من التفصيل في النقد الذي وجهه الأستاذ عبد الله حمودي للأطروحة الانقسامية، وذلك سواء في أطروحته السالفة الذكر: “الشيخ والمريد” – والتي تؤكد عمق تجذره النظري والمنهجي من داخل “المدرسة التأويلية في الأنثربولوجيا”– أو قبل ذلك، في مقاله الشهير: ” الانقسامية، التراتب الاجتماعي، السلطة السياسية و القداسة”(83). إن ما نستخلصه من كل هذا، هو ذلك الرفض الجذري الذي أبداه (عبد الله حمودي) إزاء نموذج التحليل الانقسامي، خاصة عند (إرنست كلنر) في دراسته الأنثروبولوجية حول قبائل “آيت عطا” وعلاقاتها بـ “زاوية أحنصالة”(84). لقد انتقد (حمودي) أهم استنتاجات (إرنسنت كلنر)، خاصة فيما يتعلق بمبدإ “المساوات الانقسامية” و”الطبيعة المسالمة والمحايدة” للصلحاء وشيوخ الزوايا، كما أكد رفضه التام لفكرة “انفصال القبيلة عن مجال الدولة” – والتي عبر عنها الانقساميون من خلال مقولة “السيبا”، وصراع البربر ضد العرب في شخص المخزن-. وبطبيعة الحال، لا يخفى أن هذه الأطروحة في الأصل، كان قد روج لها – وكما رأينا من قبل – الخطاب الكولونيالي الفرنسي، وذلك في إطار استراتيجية استعمارية معروفة.
لقد حاول (إرنست كلنر) إذن، وحسب (حمودي) دائما، فرض نظريته البسيطة على حالة سوسيو-تاريخية مركبة، مضيفا أنه كان بالإمكان لهذه النظرية أن تلاقي بعض الحظ من النجاح، لو كان الناس في المجتمع المدروس أنفسهم يتمسكون بالإيديولوجية الانقسامية التي يروجون لها ويعيشونها كواقع. لكن، وكما تؤكد الوثائق التاريخية ومعطيات الواقع المعيش، يخلص (عبد الله حمودي) إلى أنه “لا إيديولوجية شيوخ القبائل، ولا النظرية الانقسامية الموازية تصف واقعا فعليا”(85).
لعل هذا ما سبق وأكد عليه الباحث المغربي (بول باسكون P.Pascon )، حين اعتبر بأن القبيلة بالمغرب تشكل “جمعية سياسية مبنية على عوامل اقتصادية، جغرافية، أي علاقات الإنسان بالأرض والطاقة البشرية والثروة الطبيعية لفضاء ما، في مستوى تكنولوجي معين”(86)؛ وليست الأنساب هنا سوى تعبيرا عن إيديولوجيا. أو كما يضيف الأستاذ (عبد الكبير الخطيبي): فمن ارتباط أو تفكك هذه الأنساب، تنبعث حركة للسيطرة متخفية وراء إيديولوجية نسبية، ووراء مساواة مفترضة بين الأجزاء”(87). وبالعودة إلى (بول باسكون)، يمكن أن نستحضر هذا النص الذي يلخص – في اعتقادنا – أهم عناصر نقده للنظرية الانقسامية: “أعتقد أن القبيلة في شمال إفريقيا الحديث (ق. 19 و 20)، ليست تجزيئية إلا حين ننسى وجود عائلات وأنساب في الأسفل، ووجود سلطة المخزن في الأعلى. وهي ليست تجزيئية، لا في المجتمع الصغير micro- société ولا في المجتمع الكبير macro- société . فالتجزيئية في الواقع شكل للهروب أمام مشكل الاستيلاء على السلطة القايدية، فهي وسيط بين النسب والدولة الممركزة”(88).
لقد كان هدف النظرية الانقسامية واضحا إذن، وهو الإيهام بأن المغرب لم يكن قط دولة ممركزة وموحدة، – (وهو نفسه الموقف الذي عبر عنه، صراحة، ابن خلدون من قبل )- وإنما كان عبارة عن مجتمع انقسامي، يقاوم سلطة المخزن ككيان غريب عن جسم هذا المجتمع القبلي / البربري.
لقد ظل الانقساميون بذلك، أوفياء لأطروحة (R. Montagne ) حول “البرابرة والمخزن”(89). بل أكثر من ذلك، قد شكل (ابن خلدون) المرجع الأساس دائما بالنسبة إليهم جميعا: سواء بتأكيده على أهمية “النسب” في تقعيد العلاقات الاجتماعية والسياسية أو في تضخيمه لعوامل “الصراع العصبي”، كصراع بين “البدو” و”الحضر” أو بين “القبيلة” و”الدولة”، أو بنزعه صفة التاريخية (L’historicité) عن المجتمعات المغاربية. ولا شيء يدعو للغرابة أو الاستغراب هنا، أمام الشهادة التي أدلى بها (إرنست كلنر) في حق “معلمه الأول” ابن خلدون، والذي لا يتردد في نعته بالأب المؤسس للخطاب الانقسامي.
في الختام، بقي أن نثير مسألة نراها جوهرية في هذا الإطار، ويتعلق الأمر طبعا بالبعد الإمبريالي الذي قد تفصح عنه بعض مضمرات هذا الخطاب الانقسامي. وقد يبدو ذلك في تأكيد هذا الأخير على أن المغرب – وكما تقدم – لم يكن قط دولة ممركزة، أو كما عبر عن ذلك (د. هارت): كان هناك دائما انفصال بين الدولة والمجتمع، مما يؤكد واقع “السيبا” كتعبير سياسي عن رفض القبائل البربرية للمخزن العربي.
لا شك إذن، أن في هذا التأكيد استمرارية قوية لنفس مسلمات واستنتاجات الطرح “الكولونيالي الفرنسي” بهذا الخصوص. ألم يكن منظرو الإدارة الاستعمارية الفرنسية يسعون – وبكل الوسائل المعرفية المتاحة – إلى تفكيك وحدة الصف الوطني، بضربهم الأسس التاريخية، الاجتماعية والثقافية لهذه الوحدة؟ وإلا كيف يمكن أن نفسر – وفي نفس السياق دائما – إصرارهم على تفجير ذلك “اللغم الإثني” الخطير: (عرب + بربر = الانفجار)؟ إن حتمية الانفجار هنا، كانفجار سياسي بالأساس، هي ما تغذيها وتؤكدها تلك العداوة المتوهمة (في مخيلة الكولونياليين) بين عرقين متعارضين ومتنافرين: “البربر” من جهة (وهم الأهالي/ الأصلاء)، و”العرب” في الجهة المقابلة (وهم غزاة/دخلاء). لقد كان موقع فرنسا بين هذين الكيانين المتعارضين – وكما هيأت لـه نتائج الأبحاث الكولونيالية – هو “المركز” الذي سيلعب دور الوسيط/الحكم بين طرفي الصراع، لتنقلب الصورة رأسا على عقب، ويتحول “الحكم”L’arbitre إلى “حاكم” و “متحكم”. لعل هذا ما يجسده بعمق، المثل العربي الشائع: “فرق تسد”؛ إنه المنطق ذاته الذي وجه تعامل الفرنسيين في إطار سياستهم الاستعمارية للمغرب.
باختصار شديد، قد لا تختلف “الأطروحة الانقسامية” كثيرا – (في إثارتها للمسألة الإثنية)- عن سابقتها (نعني “الأطروحة الكولونيالية”). فإذا كانت رهانات الفرنسيين الكولونيالية، قد تمت في إطار المفهوم التقليدي للاستعمار، فإن رهانات أمريكا الاستراتيجية – ومن خلال سياسة البحث الأنثروبولوجي “الانقسامي” وسياسات أخرى موازية- قد لا تخفي نزوعا إمبرياليا محموما، في إطار استعمار ثقافي، اقتصادي وسياسي أيضا؛ ولعل مسلسل العولمة اليوم –(وبالشكل الذي يكرس فيه للتفوق والهيمنة الأمريكيين)- ليس إلا غطاء لهذا النمط الجديد من الاستعمار(90) .
إذن، وبالرجوع إلى حالة المغرب وبعض بلدان شمال إفريقيا، كيف يمكن تفسير تلك العودة، وبكل قوة، إلى الورقة الإثنية: (عرب/بربر)، إن لم تكن هنالك إرادة سياسية موجهة نحو تمزيق وتفتيت وحدة البلاد ثقافيا، لغويا، اجتماعيا وسياسيا؟ بل أكثر من ذلك، كيف نفسر استمرار بعض القوى العظمى في دعمها، أو على الأقل تزكيتها بشكل من الأشكال لواقع “الإنفصال”؛ الذي لن يزيد الوضع إلا تجزئة وانقساما بين الأعراق والثقافات والشعوب بالمنطقة المغاربية؟ ونحن نطرح هذا السؤال العريض، يجب أن نتنبه إلى الأهمية الجيوستراتيجية للمغرب: موقعا، ثروات طبيعية وإمكانات ومؤهلات واعدة. ألم تنجح الإمبريالية الأمريكية في سياستها الهيمنية من خلال تحريك هذه الورقة الإثنية، خاصة في العراق: (عرب/أكراد، سنة/ شيعة، مسلمون / مسيحيون… ) ؟ ألم يكن رهان هذه الأخيرة ولا يزال، هو صنع كيانات انفصالية هنا وهناك؛ والهدف طبعا هو خلق “بؤر توتر” لإضفاء شرعية أكبر على عمليات تدخلها المباشر في شؤون الدول والشعوب؟ بل أكثر من ذلك، ألا يعني ذلك من بين ما يعنيه خلق أسواق جديدة لتجارة السلاح والدمار؟ وعلى مستوى آخر من التحليل، ألم يقترن نعت “قبلي” و”انقسامي” في الكتابات الأنثروبولوجية، وفي الصحافة الأمريكية بصفة “الإرهاب”؟ أليس “العربي” – وبحكم تجذره “القبلي”، وثقافته “الانقسامية”- يبقى مرشحا أكثر من غيره لحمل هذه الصفة: (الإرهاب) وتصديرها لباقي العالم؟! لعل هذا ما دافعت عنه، ولا تزال، بعض الأطروحات “الانقسامية” المتطرفة في مجال “البحث الأنثروبولوجي الأمريكي” المعاصر(91)؛ مما قد يجد له صدى واسعا من داخل الخطاب السياسي الرسمي، خاصة منه المحسوب على أوساط ما أصبح يعرف بالمحافضين الجدد.
لائحة المراجع والإحالات:
– (1) عبد الله حمودي: “الانقسامية والتراتب الاجتماعي والسلطة السياسية والقداسة”، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق؛ مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية-الرباط، عدد(11) 1985، ص 193.
– (2) محمد المباركي: “بعض المعطيات حول الدولة والمجتمع خلال المغرب القديم”، ضمن كتاب “جدلية الدولة والمجتمع بالمغرب”- مشترك. دار إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى 1992، ص 121.
– (3) بنسالم حميش: “العرب والبربر في مختبر التاريخ الاستعماري”، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 13 أكتوبر، 1995، ص 4.
– (4) محمد المباركي، مرجع سابق، ص 123.
– (5) عبد الرحمان ابن خلدون: “المقدمة”، الطبعة الثانية، القاهرة، 1975.
-(6) E. Durkheim : « De la division du travail social » ; Editions PUF, Paris 1955.
– (7) جون واتربوري: “الملكية والنخبة السياسية في المغرب”، ترجمة ماجد نعمة وعبود عطية، دار الوحدة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان 1982، ص7.
– (8) بنسالم حميش، مرجع سابق.
– (9) نفسه، ص 4.
– (10) ليلى أبو اللغد: “المجالات النظرية في أنثروبولوجيا العالم العربي”، ترجمة أبو بكر باقادر، مجلة منبر الحوار، العددان (32-33) ربيع وصيف 1994، ص 26.
– (11) المختار الهراس: “التحليل الانقسامي للبنيات الاجتماعية في المغرب العربي: حصيلة نقدية”، ضمن كتاب: “نحو علم اجتماع عربي”، جماعي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 1986، ص 277.
– (12) نفس المرجع، ص 277.
– (13) مقدمة ابن خلدون، الطبعة الثانية، القاهرة، 1965، ص 413.
– (14) راجع بهذا الخصوص، عبد الباسط عبد المعطي: “اتجاهات نظرية في علم الاجتماع”، سلسلة كتب عالم المعرفة، الكويت 1981، ص ص(75-85).
– (15) مقدمة ابن خلدون، م.س. ويمكن الإحالة هنا على الدراسة القيمة للأستاذ:
-الحبيب الجنحاني: “المجتمع العربي الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية”، سلسلة كتب عالم المعرفة، الكويت،2005؛ خاصة (الفصل السابع من القسم الثالث)، تحت عنوان: “ابن خلدون والتطور العمراني في المغرب العربي الإسلامي” ص ص(253-264)
– (16) مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول، ص 407.
– (17) نفسه، راجع الجزء الثاني، ص.658 فما فوق.
– (18) عبد الكبير الخطيبي: “النقد المزدوج”، دار العودة، بيروت. ص 175.
– (19) يقدم الأستاذ محمد عابد الجابري تحليلا وافيا للمفهوم/الظاهرة: (العصبية) كما تصورها ابن خلدون، راجع بهذا الخصوص:
-محمد عابد الجابري: “فكر ابن خلدون، العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي”، الطبعة السابعة، مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت 2001. ص ص (163-178).
– (20) نفسه، ص 172. وللتفصيل راجع، ص ص (170-178).
– (21) محمود الذوادي: “مقارنة فكرية لظاهرة التغير الاجتماعي عند ابن خلدون ورواد علم الاجتماع الغربي”، مجلة الكلمة، عدد 38، السنة العاشرة شتاء 2003. ص ص (59-60).
– (22) عبد الكبير الخطيبي، مرجع سابق، ص 175.
– (23) محمد عابد الجابري، مرجع سابق، ص 174.
– (24) نفسه، ص 174.
– (25) نفسه، ص ص (174-175).
-(26) Voir à ce propos, Raymond Jamouss : « Honneur et Baraka : les structures sociales traditionnelles dans le Rif », Ed. la maison des sciences de l’homme ; Paris 1981.
– (27) عبد الله العروي: “ثقافتنا في ضوء التاريخ”، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، بيروت-البيضاء 1992. ص 40.
– (28) نفسه، ص ص (40-41).
– (29) العروي، نفسه، ص 41.
– (30) نفسه، ص 41، الهامش رقم (7).
– (31) لو تصورنا منطق هذا الصراع في ظوء المنهج المادي الجدلي “الماركسي”، لخلصنا إلى القول بأنه منطق يتوقف عند حدود النفي أو السلب (الأطروحة ونقيض الأطروحة)، دون المرور إلى المرحلة الحاسمة والأهم في التصور الماركسي؛ ألا وهي مرحلة التركيب الجدلي La synthèse .
– (32) عبد الباسط عبد المعطي، مرجع سابق، ص ص (117-118). ولمزيد من التفصيل، يمكن الرجوع إلى أطروحة إيميل دوركهايم حول تقسيم العمل:
– E. Durkheim : « De la division du travail social » ; op.cité.
– (33) عبد الباسط عبد المعطي، نفسه، ص 118.
– (34) جون واتربوري، مرجع سابق، ص 34.
– (35) محمد المباركي، مرجع سابق، ص 118.
– (36) جون واتربوري، نفسه، ص 7.
– (37) المختار الهراس، مرجع سابق، ص 98.
– (38) عبد الله حمودي، مرجع سابق، ص 197.
– (39) عبد اللطيف أكنوش: “السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الأمس واليوم”، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر، الدار البيضاء 1988، ص 31.
– (40) عبد الله حمودي، نفسه، ص 198.
-(41) Robert Montagne : « Les Berbères et le Makhzen dans le sud du Maroc- essai sur la transformation politique des Berbères sedentaires (groupe cheluh) » ; Ed Alcan, Paris 1930.
– (42) عبد الجليل حليم: “البحث السوسيولوجي بالمغرب”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس عدد (6)، السنة 1982-1983، ص 23.
-(43) voir Robert Montgne ; ibid.
-(44) ibid.
– (45) محمد المباركي، م.س، ص 115.
-(46) R.Montagne ; op.cité, p 159.
– (47) محمد المباركي، نفسه، ص 119.
– (48) عبد الجليل حليم، مرجع سابق، ص 28.
-(49) Erneste Gelner : « the Saints of Atlas » ; London, Weindefeld and Nicolson, 1969.
– (50) عبد الله حمودي، م.س، ص 194.
– (51) أهم هذه الدراسات والأبحاث الانقسامية حول المغرب:
– Raymond Jamouss : « Honneur et Baraka : les structures sociales traditionnelles dans le Rif » ; Ed la maison des eciences de l’homme, Paris 1981.
– D.M. Hart : « the Ait Waryaghar of the Moroccan Rif, in Ethnography and history » ; Vicking fund publication in Anthropology, Tucson University of Arizona press, 1976.
– Erneste Gelner : « the Saints of Atlas » ; op.cité.
– Rémy Levau : « Le fellah Marocain défenseur du Trone » ; (P.E.N.S.P), Paris 1976.
– (52) عبد الله حمودي، نفسه، ص 195.
– (53) إرنست كلنر: “السلطة السياسية والوظيفة الدينية في البوادي المغربية”، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية؛ عدد (11) الرباط 1985، ص ص (175-176).
– (54) عبد الله حمودي، نفسه، ص 196.
– (55) إرنست كلنر، نفسه، ص 175.
– (56) عبد الله حمودي، نفسه، ص 196.
– (57) عبد اللطيف أكنوش، مرجع سابق، ص 32.
– (58) عبد الله حمودي، نفسه، ص 196؛ إرنست كلنر، نفسه، ص ص (175-176)؛ وعبد اللطيف أكنوش، نفسه، ص 32.
-(59) R. Jamouss ; op.cité, p 182.
– (60) إرنست كلنر، نفسه، ص 176؛ عبد الله حمودي، نفسه، ص 197.
– (61) المختار الهراس، م.س، ص ص (98-99)؛ عبد الله حمودي، نفسه، ص 197؛ وأيضا إرنست كلنر، نفسه، ص 176.
– (62) إرنست كلنر، نفسه، ص 176.
– (63) عبد الجليل حليم، مرجع سابق، ص ص(23-24).
– (64) جون واتربوري، مرجع سابق، ص 7؛ وانظر أيضا: المختار الهراس، نفسه، ص ص(97-98).
– (65) عبد الله حمودي، نفسه، ص 197.
-(66) D.M.Hart : « Clan, lignage et communauté locale dans une tribu Rifaine » ; in (RGM) n° 8, 1965 ; P 31.
– (67) محمد ضريف: “مؤسسة الزوايا بالمغرب”، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى- الرباط 1992؛ ص 75.
– (68) عبد الله حمودي، نفسه، ص 198؛ أنظر أيضا:
– R.Jamouss : « Honneur et Baraka… » ; op.cité ; p 181.
– (69) ليلى أبو اللغد، مرجع سابق، ص 36.
– (70) عبد الله حمودي، نفسه، ص 198؛ وعبد اللطيف أكنوش، م.س، ص 33.
– (71) دافيد هارت: “من الريفوبليك إلى الريبوبليك، المؤسسات الاجتماعية-السياسية الريفية وإصلاحات عبد الكريم”، مجلة أمل، عدد (12) السنة (4) 1997، ص 48؛ وانظر أيضا: عبد الله حمودي، نفسه، ص 198.
– (72) إرنست كلنر، م.س، ص 180؛ وأيضا عبد الله حمودي، نفسه، ص ص (198-199).
– (73) على الرغم من الطابع السكوني/السانكروني في الغالب، والذي يميز طبيعة (التصور البنائي- الوظيفي) المستلهم من قبل الإنقساميين، والمتجلي أساسا في استبعاد وتبخيس كل مظاهر الصراع والتغير الاجتماعيين؛ فإن النموذج الإنقسامي مع ذلك يقدم لنا، وعلى مستوى ميكرو –سوسيولوجي، أداة لا غنى عنها في التشخيص والتحليل الدقيقين لبنياتنا الاجتماعية والسياسية التقليدية.
– (74) يمكن أن نكتفي هنا بالإحالة على كل من: ريمي لوفو في دراسته الشهيرة حول: ” الفلاح المغربي مدافعا عن العرش”، (مرجع سابق)؛ و جون واتربوري في: “الملكية والنخبة السياسية بالمغرب”، مرجع سابق أيضا.
– (75) ليلى أبو اللغد: “المجالات النظرية في أنثروبولوجيا العالم العربي”، مرجع سابق، ص ص 37.
– (76) نفسه، ص ص ( 37-42)؛ لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى الكتاب المشترك بين كل من (كليفورد غيرتز، هيلدريد غيرتز ولورانس روزن): ” المعنى والنظام بالمجتمع المغربي”؛
– Clifford Geertz ; Hildred Geertz and Lawrence Rosen : « Meaning and order in Moroccan society: Three essays in cultural analysis » ; Cambridge University Press, 1979.
-(77) Ibid ; PP (123-310).
– (78) ديل إيكلمان: ” الإسلام في المغرب”، ترجمة محمد أعفيف، دار توبقال للطباعة والنشر، الطبعة الأولى-الدار البيضاء 1989.
– (79) عبد الله حمودي: ” الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة”، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى- الدار البيضاء 2000.
– (80) ليلى أبو اللغد، مرجع سابق، ص 37.
-(81) Hildred Geertz ; op.cité.
– (82) ديل إيكلمان: “الإسلام في المغرب”، مرجع سابق.
– (83) عبد الله حمودي: “الانقسامية، التراتب الاجتماعي…”، مرجع سابق.
-(84) Erneste Gelner : « The Saints of Atlas » ; op.cité.
– (85) ليلى أبو اللغد، مرجع سابق، ص 38؛ وللإطلاع بتفصيل على النقد الذي وجهه عبد الله حمودي للأطروحة الانقسامية في شخص (إرنست كلنر)، يمكن الرجوع إلى مقال الباحث حول: “الانقسامية، التراتب الاجتماعي، السلطة السياسية والقداسة”، مرجع سابق.
– (86) راجع عبد الكبير الخطيبي: “النقد المزدوج”، مرجع سابق، ص 196.
– (87) نفسه، ص 196.
– (88) نفسه، ص 196.
-(89) R.Montagne : « Les Berbères et le Makhzen… » ; op.cité.
– (90) يعبر اليوم عن “العولمة” (La Mondialisation ) من طرف مناهضيها، بمفاهيم تؤكد مدى التلازم الحاصل بينها وبين “الأمركة” (L’Américanisation ) من قبيل:
.(La Cocalisation ; La Macdonaldisation ;…)
– (91) راجع بهذا الخصوص: ليلى أبو اللغد، مرجع سابق، ص ص (41-42)؛ “…إلا أن الإساءات المتداولة المقصودة للنظرية الانقسامية لأغراض التحليل السياسي مزعجة. ففي إحدى افتتاحيات جريدة النيويورك تايمز، التي كتبها أكاديميون، استخدمت القبيلة كوسيلة شرح (للإرهاب) الشرق أوسطي” ، نفسه؛ ص 41.
*يمكنكم الإطلاع على المزيد من مقالات الأستاذ من خلال الرابط التالي:
http://www.bhamdaoui.com/accueil.htm
** يعود الفضل للتنبيه لأهمية هذه المقالة للأستاذ درنوني سليم فجزاه الله خيرا