الرومان:
إن للحلم دوره في تحديد أسلاف الرومان، فـ”لاتينوس” علم عن طريق حلم رآه أنه يجب أن يزف ابنته “لافينيا” لرجل من بلد أجنبي، وسوف يحكم أحفادهما العالم. وقد تزوج “إيناس” منها، وأصبح ولدهما “إيولوس” مؤسس “ألبا لونفا” فكانا جدي العرق الروماني.[1]
إستعار الرومان ممارساتهم وتفسيراتهم من الإغريق، إلا أن هذا لا يعني أن لا تأثير للحلم في حياتهم، فالقيصر أوغسطس مشى بين الناس يلتمس الإحسان والصدقة، لأنه أُمِرَ بذلك في أحد الأحلام.[2] وبناء على أمر صادر في الحلم، كتب “بلين” تاريخه عن الحروب الرومانية في ألمانيا.[3]
يمكن القول، بشكل عام، أنه كان ثمة خوف في روما من الحلم، فالإمبراطور “تيـبيريوس ” حظّر على رعاياه أن يستشيروا مفسـرًا لحلمهم على انفراد، إذ لا بد من وجود مخبر مكلف بمراقبة التفسيرات، بذلك يمكن لنا أن نفهم، لماذا لم يحرر الرومان كتابهم الخاص في تفسير الأحلام![4]
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
الزوني (Zuni)[5]:
يقل تعداد الزوني عن ثمانية آلاف نسمة، ويعيشون في قرى صغيرة في غواتيمالا، وينتسبون إلى جهة الأم. يعملون في زراعة الذرة، ويتصورون أنفسهم المركز في عالم رباعي الزوايا.
يزور كهنتهم بانتظام الينابيع والجبال المقدسة التي تحدد لهم توجيهات إرشادية، ويعتبر الأسلاف كائنات مركزية، محترمون ومهابون، ولا يذكر الزوني أسماء موتاهم إلا باستثناءات نادرة. وهم يصفون زياراتهم لهم في أحلامهم كتجارب مرعبة، ويتطلب ذلك بالتالي، علاجًا من خلال تأدية طقوس دينية معينة.
أثناء الحلم، تسافر قطعة من ذات الحالم خارج الجسد، حيث تخضع للتجارب في الماضي أو المستقبل زمانًا ومكانًا.
والأحلام هي أفعال بنفسها، وليست مجرد تعبيرات عن أفعال ممكنة، ولا تكتمل أفعال الأحلام حتى يأخذ نظيرها في اليقظة مكانه، فالأحلام ليست مجرد مصدرٍ للمَحات صدفية وعشوائية من أفعال مستقبلية، بل هي جزء ضروري من مجرى الأفعال الكلي.
يصنف الزوني أحلامهم بجيدة أو سيئة تبعًا للإنفعال الذي يشعرونه بعد استيقاظهم من النوم.
يتناقل الزوني وبشكل حصري الأحلام السيئة، بينما يتم الإحتفاظ بالأحلام الجيدة حتى عن الأقرباء، لأن الزوني غير مسـتعدين للتخلي عن حظهم بحديث متهور أو متبجح، فالأحلام الجيدة تناقش مع الآخرين، فقط عندما يتم تحقق الأمور التي تنبأ بها الحلم مسبقًا.
الأحلام السـيئة بما فيها الهلوسات التي يظهر فيها الأموات، يجب أن يتم الإخبار عنها، لأنه بخلاف “الجيدة”، يجب أن يتم منعها من التحقق أو الإكتمال.
إن أفضل طرق الشفاء من (أو منع اكتمال) الأحلام السيئة، هو أن يخبر الحالم حلمه أثناء تنشـقه لعطر صنوبر مشـتعل. وفي حالات أكثر جدية ، قد يتلقى الحالم (وأحيانًا المحلوم به) جلدًا إحتفاليًا بالسياط، فهم يعتقدون أن الجلد، ينزع الأفكار السيئة أو يقلب معناها ، مُطلِقًا بدلًا منها، الأفكار والحظ الجيد.
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
السامبيا (Sambia)[6]:
يفوق تعداد السامبيا الألفي نسمة، يعيشون في “باباو نيو غينيا” (Papua New Guinea) التي تقع في الجنوب الغربي من المحيط الهادئ على حدود أندونيسيا، ويعتمدون على الصيد والزراعة، ويسكنون في قرى صغيرة حوالي (50 – 150) قرية، تتوزع في أودية الأنهار ضمن الغابات المطيرة القاسية للمقاطعة النجدية الشرقية.
يتبادل السامبيا أحلامهم، وأكثر الأحلام التي يتم تناقلها هي الأحلام التي تسبب القلق بعد الإستيقاظ، ويعبّر السامبيا عن مثل هذه الأحلام بالقول ’’ثقيلة على المعدة‘‘ و’’تثقل على الكبد‘‘.
هذه التعابير التقليدية ترتبط بصور وأحاسيس فيزيقية، فالروح ترتبط مع الكبد الذي يعتبر مركز الجسد –لا القلب–، أما المشاعر المقلقة فتكون عادة من جراء أكل لحم الحيوان لذا تثقل على المعدة. إن مشاطرة مثل هذه الأحلام، يخفف من وطأتها، ويبعد ثقلها.
يتم تأويل الأحلام لأنه بذلك يتم الكشف عن النذر السيئة في الحوادث المستقبلية، كالحرب، الصيد، الولادة، الموت، الزراعة، المرض، والسفر.
إن النفس باجتيازها عالم الأرواح، تتصل بكائنات أو قوى من خلال الأحلام، التي تكشف لها عن القدر المرسوم للأحياء.
[يتبع]
الهوامش:
[1] ماكس شابيرو ورودا هندريكس، معجم الأساطير، ترجمة: حنا عبود، دمشق، دار علاء الدين، 1999، ص.ص 151، 152.
[2] محمد الجوهري، علم الفولكلور (الجزء الثاني –دراسة المعتقدات الشعبية–)، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990، ص.ص 293، 294.
[3] م. بونغراكز وج. سالتز، الأحلام عبر العصور (معجم تفسير الأحلام)، ترجمة: كميل داغر، بيروت، دار النهار للنشر، 1983، ص.ص 69، 70.
[4] م.ن.، ص.ص 71، 72.
[5] Barbara Tedlock, Zuni and Quiche (dream sharing and interpreting),In: Barbara Tedlock, Dreaming (Anthropological and Psychological Interpretations), Santa Fe/New Mexico, school of American Research Press, 1st Ed, 1992, p.p 106, 107, 113, 114, 116, 117, 118, 119.
[6] Gilbert Herdt, Selfhood and discourse in Sambia dream sharing, In: Ibid, p.p 56, 64, 65, 83.