البابليون:
كان البابليون يعتقدون أن الشياطين وأرواح الموتى هي التي تؤثر بشكل سـيء على الأحلام عند البشر، و”مامو” هي إلهة الأحلام عندهم.[1]
إن الأحلام تشكل بمضمونها المشوش والمتنوع وغير المفهوم رسائل قادمة من مملكة الأرواح، فهي تجارب مباشرة محملة بالإنفعال، تكتسب أهمية فائقة، ولم يكن بوسع أحد أن يزدري أحلامه مخافة أن يسيء إلى مشيئة الآلهة.
إن تقليد تفسير الأحلام يعود إلى سبع وأربعين ألف عام، هذا ما يقوله الكهنة البابليون، كما تعود إمكانية تحويل حلم مشؤوم إلى نقيضه بواسطة صيغ تعزيم ملائمة إلى ذات التاريخ. ونجد أثر الأحلام في أكثر من مجال، فهي السبب في بناء هيكل ” سِـنْ ” [إله القمر] في حران، إذ أوعزت الآلهة في الحلم إلى الملك “نبونايد” ببنائه.[2]
كما تم عن طريقها الإيعاز إلى أوتنا بشتم [أو نوح البابلي] ببناء السفينة لإنقاذ الحياة على الأرض.[3]
يذكر مؤلف أسطورة “إله الطاعون البابلي إيرا”، أن الإله “مردوخ” ظهر له في الحلم وأملى عليه القصيدة، ولما استيقظ دوّنها دون أن يضيف إليها أو ينقص منها شيئًا.
وفي ملحمة “جلجامش”، والتي تعتبر أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات، نجد أن للأحلام مكانة وأهمية، إذ يرى جلجاميش عن طريقها إنكيدو قبل معرفته في الواقع، وفيها يتعرف على المؤاخاة والصداقة التي ستجمعه به.[4]
كما عن طريق الأحلام، يعرف جلجامش بشرى فوزه على العملاق خمبابا قبل حدوثه فعلا، ويعرف أيضًا بموت أنكيدو عن طريقها، ويشير البيتين التاليين، إلى نظرة البابليين إلى التقارب بين الموت والنوم، إذ يقول الخالد “أوتنا بشتم” لجلجامش، ’’ويا ما أعظم الشبه بين النائم والميت / ألا تبدو عليهما هيئة الموت؟‘‘.[5]
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
البارينتنتن (Parintintin)[6]:
يتكلم هذا الشـعب لغة التوبي (Tupi)، وعددهم حوالي مائة وخمسـون نسـمة، يعيشون في قرى صغيرة في الغابة الإستوائية على نهر ماديرا (Madeira) أحد روافد نهر الأمازون في البرازيل.
وهم جزء من مجموعات قرابية يطلقون على أنفسهم تسمية “كاجواهيف” (Kagwahiv). ومع أنهم اندمجوا في المجتمع البرازيلي إلا أنهم يحافظون على العديد من مظاهر ثقافتهم التقليدية. وأشهرها رواية الأساطير والحكايا، والتداول اليومي للأحلام.
فالأحلام كالأساطير، يجب أن تروى، ويمكن سماع شخص يستيقظ في منتصف الليل ليروي حلمه لآخرين. وعندما يأتي أحد ما للزيارة بعد غياب طويل، يعلن المضيف أنه حلم بوصول الضيف قبل مجيئه!
تتحدد مشاركة الأحلام، تبعًا لقواعد معينة مستقاة من طبيعتها التنبؤية. فالحلم الشؤم يخبر بسرعة حول النار لإلغاء تنبؤاته. بينما الحلم الفأل (إذا تمت مشاركته) فيخبر بعيدًا عن النار، لكي يتم ضمان نجاح وتحقق فأله.
إن كل من يحلم يملك “إيباجي” (ipaji) أي قوة الشامان، وبالتالي يمكن له أن يستفيد مما تتيحه له هذه القدرة أثناء الحلم.
تتوقع الأحلام المستقبل مباشرة أو عبر رموز واستعارات، وأرواح الأقارب تعلن رحيلها عن العالم عبر حلم. والأحلام كما الأساطير، تعتبر مصادر لمعلومات هامة عن طبيعة العالم، والكائنات الروحيـة فيه، ولذا يجب أن يتم تبادلها، وفكّ رموزها، لفهمها.
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
الراراموري (Raramuri)[7]:
يفوق عددهم خمسين ألف نسمة، يعيشون في قرى صغيرة موزعة عبر عشرين ألف ميل مربع ما بين سلسلة الجبال المثلمة “سييرّا مَدْرِ” (Sierra Madre) ووادٍ ضيق في الجنوب الغربي لـ”تشيهوهو” (Chihuahua) في المكسيك. وتقع معظم القرى قرب الجداول، حيث يزرعون الذرة والقمح والفاصولياء، إضافة إلى تربيتهم لقطعان الماشية.
إن كل شخص مؤلف من جسد واحد، والعديد من الأرواح، الكبيرة والصغيرة، والموزعة على الجسد، بشكل أن توجد روح واحدة، على الأقل، في كل جزء منه ذي حركـة. إن الأرواح الأصغر موجودة في مفاصل الأصابع[8]، بينما الأكـبر في الصدر والرأس.
ينام الناس عندما تنام أرواحهم، ويستيقظون عندما تستيقظ كافة أرواحهم، أما الحلم فهو نشاط روح الشخص الرئيسية أثناء نومه. وإذا تمت أذية الأرواح بواسطة كائنات شريرة، فسيعاني الحالم من مرض خطير عندما يستيقظ.
يقدِّر الراراموري الأحلام كثيرًا، إذ بالنسبة لهم هي أحداث وليست أشياء. ومن خلالها يتم الإتصال مع الآلهة، وتشخيص الأمراض، وتحصيل المعلومات حول المستقبل.
[يتبع]
الهوامش:
[1] محمد الجوهري، علم الفولكلور (الجزء الثاني – دراسة المعتقدات الشعبية – )، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990، ص 285.
[2] م. بونغراكز وج. سالتز، الأحلام عبر العصور (معجم تفسير الأحلام)، ترجمة: كميل داغر، بيروت، دار النهار للنشر، 1983، ص.ص 36، 38، 40 (بتصرف).
[3] يوسف الحوراني، البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي الآسيوي القديم، بيروت، دار النهار للنشر، ط 2، 1992، ص.ص 203، 204.
[4] طه باق، ملحمة كلكامش (وقصص أخرى عن كلكامش والطوفان)، دمشق، دار المدى للثقافة والنشر، طبعة خاصة، 2001، ص.ص 25، 41، 86، 87، 88 (بتصرف).
[5] م. ن.، ص.ص 107، 108، 121، 126، 128، 150.
[6] Waud Kracke, Myths in Dreams, thought in images: an Amazonian contribution to the psychoanalytic theory of primary process, In: Barbara Tedlock (ed), Dreaming (Anthropological and Psychological Interpretations), Santa Fe/New Mexico, school of American Research Press, 1st ed, 1992, p.p. 31,32,33,34.
[7] William Merrill, The Raramuri stereotype of dreams, In: Ibid, p.p 194,195,197,199.
[8] هناك تعبير شعبي لبناني مشابه هو”روح المفاصل” ، ويدل على مرض يصيب المفاصل.