ادوارد برنت تايلور (1832-1917)
أنثروبولوجي بريطاني أصبح أستاذاً للأنثروبولوجيا في جامعة أكسفورد منذ عام 1896 وظل بها حتى تقاعده في عام 1913.
أسهم إسهاماً كبيراً في دراسة الثقافة وكان أحد رواد الاتجاه التطوري، وقال بالنظرية البيولوجية، وأسهم في تطوير الدراسات المقارنة للأديان.
يرى تايلور أن الثقافة تطورت من الشكل غير المعقد إلى الأشكال المعقدة مبدياً اتفاقه مع مورغان بشأن مراحل التتابع الثقافي من الوحشية إلى البربرية فالمدنية. وكان كتابه “أبحاث في التاريخ المبكر للبشرية وتطور المدنية” في عام 1869 والذي أعقبه كتابه”المجتمع البدائي” في عام 1871 قد انطلقا من وجهة نظر تطورية.
ويرجع الفضل إلى تايلور في ابتكار مصطلح الثقافة مفهوماً أنثروبولوجياً بحسبانه “كل ما يفهم من العلم والعقيدة، والفن والأخلاق، والتقاليد والأعراف، وأية قدرات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع”.
يرى تايلور أن الثقافة تطورت من الشكل غير المعقد إلى الأشكال المعقدة مبدياً اتفاقه مع مورغان بشأن مراحل التتابع الثقافي من الوحشية إلى البربرية فالمدنية. وكان كتابه “أبحاث في التاريخ المبكر للبشرية وتطور المدنية” في عام 1869 والذي أعقبه كتابه”المجتمع البدائي” في عام 1871 قد انطلقا من وجهة نظر تطورية.
ويرجع الفضل إلى تايلور في ابتكار مصطلح الثقافة مفهوماً أنثروبولوجياً بحسبانه “كل ما يفهم من العلم والعقيدة، والفن والأخلاق، والتقاليد والأعراف، وأية قدرات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع”.
وقد عُدَّ تعريف تايلور للثقافة في حينه أحد أهم التعريفات لكنه ومع تقدم المناهج العلمية وتوسع الأبحاث والدراسات الميدانية لم يعد هذا التعريف مناسباً. تبدو محدودية هذا التعريف في كونه اعتمد على الدراسات الاثنوغرافية الوصفية التي سجلها الرحالة ولم يتجاوز مجرد كونه سرداً وصفي لعناصر الثقافة ومحتواها.
عدَّ تايلور الثقافة عنصراً مساعداً لفهم تاريخ بني الإنسان طالما أن الثقافة ظاهرة تاريخية تميز بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى، ويكتسبها الإنسان بالتعلم من مجتمعه الذى يعيش فيه. بهذا الفهم يرى تايلور أن الثقافة تكون دوماً ثقافة جماعة – مجتمع. لكنه في الوقت نفسه لا يهمل دراسة العمليات العقلية للفرد بحسبان الثقافة حصيلة أعمال فردية كثيرة.
عدَّ تايلور الثقافة عنصراً مساعداً لفهم تاريخ بني الإنسان طالما أن الثقافة ظاهرة تاريخية تميز بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى، ويكتسبها الإنسان بالتعلم من مجتمعه الذى يعيش فيه. بهذا الفهم يرى تايلور أن الثقافة تكون دوماً ثقافة جماعة – مجتمع. لكنه في الوقت نفسه لا يهمل دراسة العمليات العقلية للفرد بحسبان الثقافة حصيلة أعمال فردية كثيرة.
هكذا يفترض تايلور أن دراسة الثقافة هي دراسة تاريخ تطور الفرد في المجتمع بحسبانها العملية التاريخية العقلية لتطور عادات الإنسان وتقاليده من حالتها غير المعقدة إلى حالتها المعقدة فالأكثر تعقيداً. لكن يلاحظ أن تايلور، خلافاً لمورغان، لا يصر على عد مراحل تطور الثقافة من الوحشية إلى البربرية فالمدنية بمثابة حتمية ملزمة محتفظاً في الوقت نفسه بمبدأ التقدم التطوري من الأدنى إلى الأعلى حقيقة وضعية.
وكان تايلور أول من درس طرق إشعال النار عند البدائيين، وطريقة الطهي بالحجارة الساخنة عند الجماعات التي لم تتعرف على صناعة الفخار. كما انه درس بعناية نظام الزواج الاغترابي المحلي، ونظام الزواج مع أنساب الأم (ابن الخال أو الخالة). وقد اتفق تايلور مع فرضية أدولف باستيان التي ترى في التفسيرات النفسانية للنمو الثقافي. ويقول تايلور أن الثقافة، مثلها مثل النباتات، تتصف بالانتشار أكثر من كونها تتطور، ويرى بأن الناس أخذوا من جيرانهم أكثر مما اخترعوا أو اكتشفوا بأنفسهم. ويرى بأن هناك عدداً من الاكتشافات التي نشأت في مكان واحد وانتشرت منه إلى أماكن أخرى: مثال ذلك الفخار الذى يرى بأنه انتشر في أمريكا من المكسيك، والقوس والسهم والشطرنج الذى نشأ في الهند وانتشر في العالم الجديد عبر المحيط الهادي إلى المكسيك.
تؤلف هذه الآراء تناقضاً في كتابات تايلور التطورية التي تنبع من اعتقاده بوحدة النفس البشرية والتي تصبح انعكاساتها متشابهة في الظروف المتماثلة في أي مكان. لكنه ورغم تجلي بعض مثل تلك الأقوال بشأن الانتشار الثقافي لبعض المظاهر فإن تايلور، بالنظر لمجمل أفكاره، تطوري النزعة، ومن دعاة التطور البسيط من الأسفل إلى الأعلى، من غير المعقد إلى المعقد، من اللا معقول إلى المعقول. ومع أنه أرخَّ للنظم الثقافية تاريخاً تطورياً فإنه اعترف في الوقت نفسه بوجود حالات من الركود والارتداد الثقافي دون أن يمثل ذلك تحولاً جذرياً في الصورة العامة للتطور من أسفل إلى أعلى. فالنظام الأمومي أقدم من النظام الأبوي، وطقوس الكوفادة مرحلة وسطية بين النظامين يختلط فيهما النظام الأمومي بالنظام الأبوي حيث تمثل طقوس الكوفادة “بقايا ثقافية” تشير إلى وجود الشكل السابق في أحشاء الشكل القائم.
وقدم تايلور، في مجال دراسة المعتقدات، مفهوم الأنيمية (الأرواحية) نظرية لتفسير الديانة وتطورها العالمي. فقد استنتج من دراسته الميدانية لقبائل الهنود الأمريكيين من شعب البويبلو بجنوب غربي الولايات المتحدة أن جميع العقائد الدينية ظهرت نتيجة للتفسير الخاطئ لبعض الظواهر التي يتعرض لها الإنسان مثل الأحلام والأمراض والنوم والموت. ويرى أن ظاهرة الأحلام وظاهرة الموت كان لهما الأثر الأكبر في توجيه الفكر الاعتقادي لدى الإنسان. فالأحلام هي التي أوحت للإنسان بفكرة الروح والجسد ذلك أن البدائي يتخيل نفسه متنقلاً من مكان إلى آخر وهو نائم، بل وقد يرى نفسه وهو يؤدي أعمالاً يعجز عن القيام بها وهو في حالة اليقظة. ومن ثم نشأت لديه اعتقادات بأن الروح تفارق الجسد أثناء النوم مبتعدة إلى عوالم أخرى ثم تعود مرتدة إليه عند اليقظة. ويعني عدم رجوع الروح إلى الجسد الموت. واكتشف تايلور أن تلك الأفكار ارتبطت بالطقوس والعادات كما ارتبطت أيضاً بعادة تقديم القرابين لأرواح الأجداد. ومن هنا طرح مصطلحه الأنيمية (الأرواحية) أي الاعتقاد بوجود الأرواح والآلهة والجن والشياطين وغيرها من الصور اللا منظورة التي عدها تايلور الأصل الثقافي للمعتقدات الدينية على اختلاف أنواعها والتى تطورت إلى فكرة الإله العالي في مرحلة المدنية.
وإذا كان علماء القرن الثامن عشر قد نظروا إلىالممارسات الطقوسية المرتبطة بالمعتقدات عند الأوروبين بحسبانها غيبيات، فإن تايلور قد نظر إليها بحسبانها شعائر ثقافية لابدَّ من فهمها انطلاقا من معناها الداخلي وبمقارنتها مع مجمل درجات التقدم. وقد عبر تايلور عن ذلك “أنه ليس لمرحلة قانون البقاء أية دلالة علمية، ذلك أن أكثر ما نسميه معتقدات غيبية إنما ينتمي لهذا القطاع بحيث يمكن إعطاء تفسير عقلي لها”. فإذا لم تكن الممارسات والشعائر ذات الطابع الغيبي شيئاً آخراً سوى بقايا مرحلة تطور سالفة، فعلينا أن نتساءل عما تعبر عنه هذه البقايا”.
يقول تايلور أن بعض الممارسات يجب أن تعد بقايا، أن لها سبباً علمياً، أو أنها تخدم، على الأقل ، شعائر لها صلتها بمكان نشأتها وزمانها، وهي إن بدت عبثية فذلك لاستعمالها في ظروف مجتمعية جديدة، بذلك تبدو كأنها فقدت معناها … بتفسير من هذا النوع، أى بالعودة إلى دلالة منسية، يمكن توضيح معظم الشعائر التي لا يمكن القول عنها سوى انها حماقات أو ممارسات نادرة.
لا يشك تايلور في تفوق هذا التحليل الوضعي الذى يؤدى إلى فهم حقيقي فبمساعدة هذه الطريقة يعاد اكتشاف “دلالات منسية” أو ضائعة كانت تعد إلى وقت طويل ممارسات غيبية لا معنى لها. فمع هذا التحليل الوضعي تحول الكهنة في المجتمعات البدائية/ طبقاً لتايلور، إلى سحرة يعلمون شيئاً ما، لكن علمهم هذا، رغم ما يبدو منه، لا يساوى في الواقع شيئاً. ومن ثم يكتب تايلور قائلاً: “إن السحر لا يعود في أصوله إلى الشعوذة والاحتيال، ولم يمارس في البداية من هذه المنطلقات. يتعلم الساحر مهنته في العادة بروح طيبة، ويحافظ على هذه الروحية في ممارسته لعلمه من البداية حتى النهاية. إنه مثل الخادع والمخدوع في آن واحد ، يضيف طاقة المؤمن إلى حيلة المنافق. وإذا كانت العلوم السرية قد وجدت منذ البداية من أجل الخداع، فإن بعض الأشياء العبثية قد تكفي لذلك، لكن ما نجده بالفعل هو بمثابة علم خاطئ تطور بشكل منهجي كامل. إنه عبارة عن فلسفة صادقة، لكنها خاطئة، طورها الذهن الإنساني بطريقة يمكننا إدراكها إلى حد كبير، وتعود في أصلها إلى تركيبة الإنسان الذهنية”.
تختفي في مثل هذا المفهوم القدرة العقلية الكامنة في كل فرد، كما تختفي إمكانية إدراك ممارساته ومعتقداته، حين لا ينتبه إلى لعبة الكهنة يسود بدلاً عن ذلك الزعم بصعوبة إدراك لغة البدائي أو فهم تصرفاته، كما ويسود الزعم بانغلاق مكانته الذهنية. بالمقابل، تعد ميزة الانغلاق هذه بالنسبة للنظرية الأنثروبولوجية المدخل والشرط لفهم “الخرافة” وتفسيرها..هكذا يوضح تايلور..”فمعنى الخرافة لا يمكن حصره بالحدود التي اقترحها منظرو القرن الثامن عشر والذين رأوا فيها مجرد دلالة خلقية ساذجة ومسطحة، أو علم سرى منظم لأن قوانين الخرافة ليست سوى قوانين اللغة وقوانين المخيلة وهى قوانين منطقية وتشكل نظاماً له دلالته”.
يرى تايلور بأن معنى الممارسات بالنسبة للبدائيين، كما هو الأمر بالنسبة لكهنتهم، ليست ناتجاً عن التأثير الذي تمارسه اللغة على العقل الإنساني. فقط في العلم الوضعي يصبح ممكناً فهم اللغة وعدها موصلة إليه. ومن ثم فإن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة، في رأى تايلور، القادرة على تقديم علم يتعلق بالمحتوى الذهني للخرافة، وعلى فهم الثقافات غير الغربية بشكل عام. إنها في الواقع ثمرة “التمحور التاريخي والمعرفي” الفريدة: “هنالك نوع من الحدود يجب أن تكون إلى جانبها من جهة التفاعل مع الخرافة ولنتخطاها من الجهة الثانية ليتسنى لنا فهمها. ومن حسن الحظ أننا إلى جانب هذه الحدود، وإنه يمكننا اجتيازها أيضاً بإرادتنا”، هكذا يصرح تايلور. والأمر بهذا القدر من الوضوح فإن تايلور يصل إلى أن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة “المعقلنة” من هذه الزاوية، لا الثقافة البدائية بحد ذاتها.
وكان تايلور أول من درس طرق إشعال النار عند البدائيين، وطريقة الطهي بالحجارة الساخنة عند الجماعات التي لم تتعرف على صناعة الفخار. كما انه درس بعناية نظام الزواج الاغترابي المحلي، ونظام الزواج مع أنساب الأم (ابن الخال أو الخالة). وقد اتفق تايلور مع فرضية أدولف باستيان التي ترى في التفسيرات النفسانية للنمو الثقافي. ويقول تايلور أن الثقافة، مثلها مثل النباتات، تتصف بالانتشار أكثر من كونها تتطور، ويرى بأن الناس أخذوا من جيرانهم أكثر مما اخترعوا أو اكتشفوا بأنفسهم. ويرى بأن هناك عدداً من الاكتشافات التي نشأت في مكان واحد وانتشرت منه إلى أماكن أخرى: مثال ذلك الفخار الذى يرى بأنه انتشر في أمريكا من المكسيك، والقوس والسهم والشطرنج الذى نشأ في الهند وانتشر في العالم الجديد عبر المحيط الهادي إلى المكسيك.
تؤلف هذه الآراء تناقضاً في كتابات تايلور التطورية التي تنبع من اعتقاده بوحدة النفس البشرية والتي تصبح انعكاساتها متشابهة في الظروف المتماثلة في أي مكان. لكنه ورغم تجلي بعض مثل تلك الأقوال بشأن الانتشار الثقافي لبعض المظاهر فإن تايلور، بالنظر لمجمل أفكاره، تطوري النزعة، ومن دعاة التطور البسيط من الأسفل إلى الأعلى، من غير المعقد إلى المعقد، من اللا معقول إلى المعقول. ومع أنه أرخَّ للنظم الثقافية تاريخاً تطورياً فإنه اعترف في الوقت نفسه بوجود حالات من الركود والارتداد الثقافي دون أن يمثل ذلك تحولاً جذرياً في الصورة العامة للتطور من أسفل إلى أعلى. فالنظام الأمومي أقدم من النظام الأبوي، وطقوس الكوفادة مرحلة وسطية بين النظامين يختلط فيهما النظام الأمومي بالنظام الأبوي حيث تمثل طقوس الكوفادة “بقايا ثقافية” تشير إلى وجود الشكل السابق في أحشاء الشكل القائم.
وقدم تايلور، في مجال دراسة المعتقدات، مفهوم الأنيمية (الأرواحية) نظرية لتفسير الديانة وتطورها العالمي. فقد استنتج من دراسته الميدانية لقبائل الهنود الأمريكيين من شعب البويبلو بجنوب غربي الولايات المتحدة أن جميع العقائد الدينية ظهرت نتيجة للتفسير الخاطئ لبعض الظواهر التي يتعرض لها الإنسان مثل الأحلام والأمراض والنوم والموت. ويرى أن ظاهرة الأحلام وظاهرة الموت كان لهما الأثر الأكبر في توجيه الفكر الاعتقادي لدى الإنسان. فالأحلام هي التي أوحت للإنسان بفكرة الروح والجسد ذلك أن البدائي يتخيل نفسه متنقلاً من مكان إلى آخر وهو نائم، بل وقد يرى نفسه وهو يؤدي أعمالاً يعجز عن القيام بها وهو في حالة اليقظة. ومن ثم نشأت لديه اعتقادات بأن الروح تفارق الجسد أثناء النوم مبتعدة إلى عوالم أخرى ثم تعود مرتدة إليه عند اليقظة. ويعني عدم رجوع الروح إلى الجسد الموت. واكتشف تايلور أن تلك الأفكار ارتبطت بالطقوس والعادات كما ارتبطت أيضاً بعادة تقديم القرابين لأرواح الأجداد. ومن هنا طرح مصطلحه الأنيمية (الأرواحية) أي الاعتقاد بوجود الأرواح والآلهة والجن والشياطين وغيرها من الصور اللا منظورة التي عدها تايلور الأصل الثقافي للمعتقدات الدينية على اختلاف أنواعها والتى تطورت إلى فكرة الإله العالي في مرحلة المدنية.
وإذا كان علماء القرن الثامن عشر قد نظروا إلىالممارسات الطقوسية المرتبطة بالمعتقدات عند الأوروبين بحسبانها غيبيات، فإن تايلور قد نظر إليها بحسبانها شعائر ثقافية لابدَّ من فهمها انطلاقا من معناها الداخلي وبمقارنتها مع مجمل درجات التقدم. وقد عبر تايلور عن ذلك “أنه ليس لمرحلة قانون البقاء أية دلالة علمية، ذلك أن أكثر ما نسميه معتقدات غيبية إنما ينتمي لهذا القطاع بحيث يمكن إعطاء تفسير عقلي لها”. فإذا لم تكن الممارسات والشعائر ذات الطابع الغيبي شيئاً آخراً سوى بقايا مرحلة تطور سالفة، فعلينا أن نتساءل عما تعبر عنه هذه البقايا”.
يقول تايلور أن بعض الممارسات يجب أن تعد بقايا، أن لها سبباً علمياً، أو أنها تخدم، على الأقل ، شعائر لها صلتها بمكان نشأتها وزمانها، وهي إن بدت عبثية فذلك لاستعمالها في ظروف مجتمعية جديدة، بذلك تبدو كأنها فقدت معناها … بتفسير من هذا النوع، أى بالعودة إلى دلالة منسية، يمكن توضيح معظم الشعائر التي لا يمكن القول عنها سوى انها حماقات أو ممارسات نادرة.
لا يشك تايلور في تفوق هذا التحليل الوضعي الذى يؤدى إلى فهم حقيقي فبمساعدة هذه الطريقة يعاد اكتشاف “دلالات منسية” أو ضائعة كانت تعد إلى وقت طويل ممارسات غيبية لا معنى لها. فمع هذا التحليل الوضعي تحول الكهنة في المجتمعات البدائية/ طبقاً لتايلور، إلى سحرة يعلمون شيئاً ما، لكن علمهم هذا، رغم ما يبدو منه، لا يساوى في الواقع شيئاً. ومن ثم يكتب تايلور قائلاً: “إن السحر لا يعود في أصوله إلى الشعوذة والاحتيال، ولم يمارس في البداية من هذه المنطلقات. يتعلم الساحر مهنته في العادة بروح طيبة، ويحافظ على هذه الروحية في ممارسته لعلمه من البداية حتى النهاية. إنه مثل الخادع والمخدوع في آن واحد ، يضيف طاقة المؤمن إلى حيلة المنافق. وإذا كانت العلوم السرية قد وجدت منذ البداية من أجل الخداع، فإن بعض الأشياء العبثية قد تكفي لذلك، لكن ما نجده بالفعل هو بمثابة علم خاطئ تطور بشكل منهجي كامل. إنه عبارة عن فلسفة صادقة، لكنها خاطئة، طورها الذهن الإنساني بطريقة يمكننا إدراكها إلى حد كبير، وتعود في أصلها إلى تركيبة الإنسان الذهنية”.
تختفي في مثل هذا المفهوم القدرة العقلية الكامنة في كل فرد، كما تختفي إمكانية إدراك ممارساته ومعتقداته، حين لا ينتبه إلى لعبة الكهنة يسود بدلاً عن ذلك الزعم بصعوبة إدراك لغة البدائي أو فهم تصرفاته، كما ويسود الزعم بانغلاق مكانته الذهنية. بالمقابل، تعد ميزة الانغلاق هذه بالنسبة للنظرية الأنثروبولوجية المدخل والشرط لفهم “الخرافة” وتفسيرها..هكذا يوضح تايلور..”فمعنى الخرافة لا يمكن حصره بالحدود التي اقترحها منظرو القرن الثامن عشر والذين رأوا فيها مجرد دلالة خلقية ساذجة ومسطحة، أو علم سرى منظم لأن قوانين الخرافة ليست سوى قوانين اللغة وقوانين المخيلة وهى قوانين منطقية وتشكل نظاماً له دلالته”.
يرى تايلور بأن معنى الممارسات بالنسبة للبدائيين، كما هو الأمر بالنسبة لكهنتهم، ليست ناتجاً عن التأثير الذي تمارسه اللغة على العقل الإنساني. فقط في العلم الوضعي يصبح ممكناً فهم اللغة وعدها موصلة إليه. ومن ثم فإن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة، في رأى تايلور، القادرة على تقديم علم يتعلق بالمحتوى الذهني للخرافة، وعلى فهم الثقافات غير الغربية بشكل عام. إنها في الواقع ثمرة “التمحور التاريخي والمعرفي” الفريدة: “هنالك نوع من الحدود يجب أن تكون إلى جانبها من جهة التفاعل مع الخرافة ولنتخطاها من الجهة الثانية ليتسنى لنا فهمها. ومن حسن الحظ أننا إلى جانب هذه الحدود، وإنه يمكننا اجتيازها أيضاً بإرادتنا”، هكذا يصرح تايلور. والأمر بهذا القدر من الوضوح فإن تايلور يصل إلى أن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة “المعقلنة” من هذه الزاوية، لا الثقافة البدائية بحد ذاتها.
تذوب الثقافات البدائية في التحليل التايلوري، بحسبانها بقايا أو عقلنة ميتة، ومن ثم يجب أن تختفي من الممارسة ومن الحياة العملية. عليها أن تزول، وذلك كما يقول “بسبب ترابطها مع المراحل المتدنية من تاريخ العالم العقلي”.