الهام غالي شكري*
هدف هذه المقالة في غاياتها النهائية استخلاص فكرة أن السوسيولوجيا الخيالية أو السوسيولوجيا الأدمية الغربية في ربع القرن الأخير قد استعانت في تكوينها نفسه بالحضارات غير الغربية دون تشنج أو انفعال. فإذا كان الغرب في أحد اتجاهاته قد نظر نظرة استعلائية أو استعمارية من خلال عمل الاستشراف فإن البلورة المنهجية الفعلية لأحد علومه الاجتماعية الرئيسية (علم الاجتماع) قد تمت بالارتباط الوثيق والعضوي بمساهمات الحضارات التقليدية القديمة أو المعاصرة. من هنا قد يبدو عمل بعض المفكرين العرب والمصريين حول الطابع المتعالى والعدائي للاستشراق الغربي إزاء الشرق، قد يبدو إذن ذلك كله غير ذي جدوى قياسا بالتاريخ الفعلي لاسهامات بعض من أهم علماء الاجتماع المبدعين الغربيين المعاصرين ومن بينهم المفكر الفرنسي جيلبير دوران.
تعتمد هذه المقالة عرض تصور انثروبولوجيا الخيال لعالم الاجتماع الفرنسي المعاصر جيلبير دوران من حيث المنهج والاطار النظري. وتدعوني الى كتابة هذه المقالة مجموعة من الأسباب الأساسية: أولها أن منهج جيلبير دوران في الخيال يمتاز عن غيره من المناهج السوسيولوجية المعاصرة الأخرى بميزة غاية في الأهمية الا وهي أنه فيما يعيد الوعي للخيال الغربي يعيد في الوقت نفسه الحضور للجذور غير الغربية الخالصة للحضارة الأوروبية، فهو يعيد اذن الاعتبار للخيال في العقل الغربي الذي اعتاد أن يخفض قيمة الخيال الثقافية من منطلق أسبقية التصور الموضوعي أو العقلي الخالص للحقيقة. وينتهي جيلبير دوران – كما سنرى فيما بعد في المقالة – الى تخفيض قيمة الكلام والبلاغة مستلهما تصور عالم الاجتماع الفرنسي المعروف بيير بورديو حول رأس المال الرمزي، وذلك في إطار من تصور نوع آخر من الحقيقة يكون أقرب الى الحقيقة الخيالية التي هي حقيقة ملموسة على نحو من الانحاء. وهو المنهج الذي حطم على مدار ربع القرن الأخير الفكرة الشائعة في الفكر العقلاني الغربي السائد. كانت تلك الفكرة الشائعة تقود دوما الباحثين والدارسين في ميدان العلوم الاجتماعية والانسانية الى حصاد الخيال في قلعة الوعي الزائف. وأما تصور جيلبير دوران عن البنى الانثربولوجية للخيال والتي تشمل علم اجتماع الخيال فهو يمثل إعادة اعتبار جذري للقيمة المعرفية والعلمية للخيال. وهو تصور يقود الى الأخذ في عين الاعتبار مجموعة متنوعة ومختلفة من المناطق الروحية والنفسية والذهنية التي كانت معزولة في العقلانية الأوروبية الضيقة وذلك على سبيل المثال مناطق الأساطير والأفكار قبل المنطقية والخواطر البدائية. ومن هنا أخذ جيلبير دوران يقول أن ما سمي بالأخطاء الخيالية قد أصبح أكثر شيوعا وأكثر كونية وأكثر شمولية من الصحة أو الصواب الفكري الخالص. كذلك أصبحت الحقائق المتعينة في الزمان والمكان حقائق هشة. فهي الحقائق التي صنعتها العقلانية والحضارة الانسانية الواهنة. وقد هدانا جيلبير دوران – من خلال كتابيه “البنى الأنثروبولوجية للخيال” (1960) و “الخيال الرمزي” (1964) – الى نمطية مبدئية عامة هي عبارة عن كاتالوج اجرائي وكلي في الوقت نفسه يجمع بين لمختلف معالم الخيال في متحف متحرك من الصور والأحلام والرؤى وقد هدانا المنهج نفسه الى اعادة تقويم تصوراتنا الشائعة حول الحقيقة على ضوء تصور جديد أسماه دوران باسم الأكاذيب والأوهام الأكثر حيوية والأكثر صحة من الحقائق الرياضية والمنطقية الباردة أو الميتة.
وتمثل منهجية جيلبير دوران إعادة نظر جذري في صور الموضوعية العلمية في ميدان العلوم الاجتماعية لحما تمثل بالقدر نفسه مراجعة شاملة للتصور الشائع عن العلم والمادية والتفسير الحتمي والنزعة الوضعية أو التجريبية كما تجلت في فرنسا في بروز لم العلامات بعامة، وفي نقد رولان بارت بخاصة، ولا نعني هذه الاعادة.عيرا تاما للثوابت كافة، فدوران فيما يعيد النظر يعيد في الوقت نفسه تأسيس ني جديدة يسميها بنى الفعالية خيالية والأسطورية. وذلك دون أن يلغي تماما فعاليات اجتماعية أخرى. الأمر الأهم هو أن الأسطورة والخيال لم ينتهيا تماما. وأصبحا لا يقتصران على كونهما لحظة عابرة في تطور الروح البشري. إنهما يبنيان جانبا أساسيا من جوانب البنية التحتية للحكمة الانسانية والمعرفة الانسانية.
ويرى جيلبير دوران إنه من السطحي أن نقول إن القرن العشرين قد أظهر الى الوجود ما سمي بحضارة الصورة بحجة أن القرن العشرين شهد تقدما فنيا ضخما في مجال الانتاج المصور في التصوير والسينما والفيديو وارسال واستقبال الصورة عبر التليفزيون والفاكس والحاسب الآلي. فهناك اتجاه ما أو تصور جاهز عن الصورة وحضارة الصورة الحديثة كاد أن يزرع السقوط الكامل في فكرنا السائد. وهو يشير من خلال ذلك الى ظاهرة الطباعة والاتصال عن طريق الكتابة. وهي القوة الفنية بكل المترادفات والبلاغة والعمليات العقلانية حول الصورة العقلية. ويذكر دوران الصور التي تظهر في الأفق، والصور التذكارية، والخيال في الديكور بمعنى الأشكال المرسومة والزيتية والمنحوتة والفوتوغرافية.
كان التجديد في الحضارة الغربية قد أتاح الفرصة لاحصاء وتصنيف ما نسميه الخيال في متحف من الصور الممكنة أو الناتجة أو المساهمة في عملية الانتاج وبفضل هذا الشمول أصبح بالامكان دراسة وحصر عمليات انتاج الصورة واستقبالها. وقد ساهم ذلك كله في توليد أوفي التمهيد لتوليد ثورة ثقافية حقيقية – على غير النمط الصيني المعروف – في الفلسفة الكتابية الكلاسيكية العربية. وأما الحضارات الأخرى في العالم – وهذا ما يهمنا في اقتباس منهاجية جيلبير دوران التي لم تنفصل من حيث تشكلها وتكوينها الداخلي عن الحضارات غير الغربية – فهي لم تقطع قط بين عناصر المعرفة. لم تقطع الحضارات غير الأوروبية بين مختلف لحظات تشكل الحقيقة القادمة عن طريق الصورة وأنساق الكتابة المختلفة.
ويضرب جيلبير دوران مثلا بالحضارة الهيروغليفية القديمة وبالحروف الصينية القديمة. ويسجل أن الكتابات قبل اليونانية قد ارتبطت بأصل نحوي معين. وحملت الاشارة المكتوبة نوعا من الرسم أو أسلوبا ما. ولما تنتج فقط الاشارات الاصطلاحية والأبجدية،الأصوات اللغوية المعروفة في الكلام ولم تخلطها مع فعالية العلامات المصورة وقواعد النحو المجرد. ويضرب جيلبير دوران مثلا مماثلا بأمريكا وافريقيا السوداء. فهي بلاد لديها لغة ونسق غنى بالأشياء الرمزية. ولم تكن الحضارات قبل الغربية القديمة والواهنة قد استخدمت قط الكتابة. فهي بعيدة كل البعد عن تأسيس الواقع على مبدأ الحقيقة. وهي كذلك بعيدة كل البعد عن إقامة الواقع على النموذج الوحيد المطلق بل أقامت الحضارة الغربية عالم الانسان العقلي والاجتماعي في إطار من الأسس الواقعية على مختلف أشكالها وتجلياتها.
ويربط جيلبير دوران بين العلامة المكتوبة وبين التصور الوثني الديني وكأن استقبال الصور يرتبط بعبادة الأوثان والأصنام. فاللغة اليونانية القديمة تشتق كلمة الصورة من كلمة عبادة الوثن كما أن ارتباط الصورة بالتصور الوثني يعني أن الصورة تفترض الاختلاف والتباين والمشاركة دون الواحدية. أما الغرب – بمعنى الحضارة العربية كما صاغها التفسير السقراطي القديم وكما أسستها الديانة المسيحية في أحد جوانبها ومراحلها التاريخية – فقد اتخذ مقياسا واحدا وحيدا لحقيقة هي أيضا واحدة ووحيدة لا تشاركها حقائق الخيال والوهم. ولا يجد جيلبير دوران بدا من أن يحدد مدى التناقض الظاهري في الحضارة الغربية. من جهة تحمل الحضارة الغربية لعالم التقنيات والتقدم غير المتوقف في انتاج واعادة واتصال الصورة. ومن جهة أخرى أكد التصور الأساسي أو الأصلي التحدي الذي يمارسه عدو الايقونات بهدم الصور أو يشتبه فيها دائما. ويضيف دوران أن المفارقة المثيرة للبحث أنه قد يكون التحليل الجينيالوجي البعيد والسفلي هو نفسه التحليل الذي يؤكد عليه العهد الجديد والقديم أي الذي يؤكد عليه المتصور اليهودي والتصور المسيحي للصورة. فقد تحريم التصوير البند الثاني في شرع موسى كما هو معروف في اليهودية. وقد كان لذلك البند الثاني في الشرع الموسوي أبلغ التأثير فيما جاء بعد ذلك من تحريم توحيدي آخر مسيحي واسلامي. وقد سبق العداء الأيقوني الديني منهج الحقيقة الفكري السقراطي اليوناني القديم. وارتكز العداء الايقوني الفلسفي القديم على المنطق الثنائي في بلورة القضايا المفيدة، كان المنطق ومازال في بعض تياراته يمتلك قيمتين اثنتين وحسب وهما قيمة الصدق من جهة، وقيمة الكذب من جهة أخرى، وذلك دون ربط ممكن بين هاتين القيمتين. هذا هو المنطق الذي حكم سقراط وأفلاطون وأرسطو. وأصبح هو المعيار الوحيد الفعال في البحث عن الحقيقة. فمنذ أرسطو وبالتحديد القرن الرابع قبل ميلاد السيد المسيح ولعهود طويلة كان الطريق نحو الحقيقة يبدأ من الوقائع ومن اليقين المنطقي ثم ينتقل الى الحقيقة بواسطة التفسير الثنائي سالف الذكر. ويسمي جيلبير دوران المنطق الثنائي باسم الجدل. ويلعب للنهاية طبقا لمبدأ الثالث المرفوع ومبدأ إما.. أو. شم يقترح نتيجتين وحيدتين، واحدة حقيقة بشكل مطلق والأخرى كاذبة في شكل مطلق أيضا وهكذا فقد حكم الفكر الغربي فصل عنصري تام بين الصواب والخطأ. وأما دوران فيدعو الى رفض تحويل الصورة الى برهان شكلي يخضع في اجراءاته الى ثنائية الصدق والكذب. فالصورة في المنظور التقليدي عبارة عن تخفيض لشيء ما أو تأكيد على شيء غير مؤكد.
فالتخيل إذن في المنظور التقليدي أمر مشكوك فيه دوما. وظلت الصورة مقرونة بالخطأ الى ما لانهاية. وظلت تنفتح نحو الوصف أو التأمل بلا نهاية واحتبس الخيال نفسه في معطى النص الخاص بالجدل الشكلي. كانت الصورة تدعو الى رؤية واقع غير مرئي بينما كان المنطق الاوسطي يقضي – على طريقة وينيا ديكارت في التعبير – بمبدأ الوضوح والتمييز.
ولا ينسى جيلبير دوران الرسالة المسيحية التي انتشرت في اللغة الارسطية واليونانية. فالنحو اليوناني سمح بإطلاق المنطق عند أرسطو. وأما القديس بولس الرسول المؤسس الثاني للمسيحية فقد كان يهوديا واغريقيا في آن واحد. هكذا يقول النص الانجيلي الذي تلتاه الانسان في اللفة اليونانية في باديء الأمر. وقد كان الاكتشاف الكبير عن طريق الغرب في المسيحية في القرن الثالث عشر وفي المنطقة الاغريقية المسيحية لم تكن الكنيسة في الشرق البيزنطي – بحجة رفع الرأس نحو النقاء الايقوني وتحديات الاسلام الفاتح – فقد ساهم في هدم العصور المقدسة التي كان قد حفظها الرهان في اضطهاد هؤلاء الرهبان بحجة الوثنية. إلا أن جيلبير دوران لاحظ أن أنصار الصورة قد انتصروا في النهاية. وتمثل هذه المعركة بشكل أو آخر نموذجا للمعركة المستمرة حول الصورة الفنية والتحريم الديني على مدار التاريخ الانساني بعامة. والمرحلة الثانية التي يدعو جيلبير دوران لتسجيلها هي مرحلة العداء الفلسفي في العصور الوسطى المسيحية.
كان أعداء الأيقونة الغربية في العصور الوسطى يلجأ ون الى كتابات أرسطو. وكانت كتابات أرسطو قد اختفت اثر انقلاب مفاجيء في تاريخ الغرب. اختفت تلك الكتابات ثلاثة عشر قرنا، عاشت خلالها الحضارة اليونانية مراحل طويلة من فقدان التوازن وبخاصة في أثناء ولاية الامبراطور الأسكندر الأكبر ثم اضمحلال السلطة الرومانية ونشأة المسيحية وظهور الشيعة في بيزنطة وروما ثم ولادة الاسلام والغزوات. وقد تم غزو العالم الاسلامي نفسه في اسبانيا عبر الاسلام أي عبر آفيرووس دي كوردو الذي اكتشف وترجم كتابات الفيلسوف اليوناني الى اللغة العربية. وكانت الترجمات قد انتشرت بواسطة الفلاسفة وعلماء الدين المسيحي. وقد كان القديس توما الاكويني أشهر هؤلاء العلماء وأكثرهم تأثيرا في الفلسفة الرسمية الكنسية الوسيطة. كانت هناك محاولة كبرى لربط العقلانية الأرسطية بحقائق الايمان والدين الذي كان قد أصبح محور فكر النظام المدرسي الكلاسيكي. والمقصود بالمذهب المدرسي المؤسسات والهيئات العلمية التي كانت تحت رقابة وإدارة وتوجيه الكنيسة في القرنين الثامن والرابع عشر الميلاديين.
بعد ذلك قام عالم الطبيعة جاليليو وقام الفيلسوف الفرنسي رنيه ديكارت بتأسيس قواعد الطبيعة الحديثة. وهو ما يسميه دوران بالمرحلة الثالثة في تاريخ العداء للأيقونية الغربية. وهكذا تم تصحيح أخطاء أرسطو، بل تمت مغالطة في النظر لفلسفة أرسطو وخليفته القديس توما الأكويني. قيل أن العقل هو الوسيلة الوحيدة للعبور أو لتقنين العبور الى الحقيقة. أصبح التخيل في بدايات القرن السابع عشر الميلادي أكثر من أي وقت مضى بعيدا عن الصياغة العامة للعمليات الثقافية. تشبث الدارسون والباحثون بمنهج واحد في اكتشاف الحقيقة في العلوم، وأما الصورة فقد تم النظر اليها باعتبارها ظاهرة من ظواهر اختلال الخيال وقد تركت المخيلة للفنون والمبشرين والشعراء والرسامين دون أن يرتبط ذلك بقدر ما بجدارة الفنون أو محاولة اثبات حقيقة الخيال، بل أوحى العالم العقل ثم التجريب العلمي الطبيعي بطرق الاثبات على طريقة قانون سقوط الأجسام، أما النسق الجغرافي فقد تمت صياغته في الجغرافيا التحليلية وتعميمه في كل شكل وحركة. ويماثل كل موضوع فيزيقي محاولة جبرية لصياغته في قانون عام ميكانيكي. وأما الرؤية الشعرية فلم يكن لها أي موقع على خريطة رؤية العالم. وحلت الميكانيكا الموضوع لها المدروس – أي موضوع يوضع للدرس – في لعبة موحدة ومحاكاة وحيدة. وأصبحت الحتمية العلمية الصارمة هي التي تدير العالم الفكري وتقيسه بنموذج ضربات كرة البلياردو. وتنحى الرب في الاطار المسيحي الى وظيفة النفخة البدائية في النسق نفسه. هذا ما تم في تراث المسيحية على مدار خمسة قرون من العقلانية وحتى القرن الخامس عشر ثم عاد وأضاف القرن الثامن عشر الضلع الآخر في تراث أرسطو: التجريب الوظيفي بمعنى أن الواقع لا يقبل التجديد وانما أصبحت الظواهر – ديفيد هيوم واسحق نيوتن – مرتبطة ارتباطا امبريقيا. وهي بداية المرحلة الرابعة في تاريخ مقاومة الايقونية الغربية. ظهر الواقع الى جانب الدليل العقلاني كاعتراض جديد على خطأ التخيل المخلوط شيئا فشيئا مع الهذيان والحلم واللاعقلانية. أصبح الدارسون ينظرون الى الواقع من بعدين اثنين هما بعد الملاحظة والتجريب وقد يشير الواقع الى حديث وقد يشير الى واقع تاريخي. في الحالين يخضع الواقع الى مبدأ الملاحظة والتجريب. وربما لم يدفع عصر التنوير الأوروبي الحديث في القرن الثامن عشر الميلادي الدارسين والباحثين الى درجة العداء الهائج للصورة والخيال. فقد استطاع الفيلسوف الألماني الكبير عمانويل كانط أن يعطي للصورة حقها في منظومته النقدية تحت عنوان “التخطيطات الخيالية” فهذه التخطيطات تحل التناقض بين عالم الظواهر وعالم البواطن.
ويؤكد جيلبير دوران أن اتجاها قيما حول الصورة قد رافق العلم الغربي منذ سقراط وتطور العقلية الغربية الى الآن وهو الاتجاه الذي انحرف عن المذهب الثابت لارسطو. انتشرت السجالات واستقر الاستدلال الجدلي. ولم يكن افلاطون معلما لأرسطو لأسباب واهية إنما كان أفلاطون يعلم أن هناك حقائق تفلت بطبيعتها من التنظيم المنطقي المنهجي وتتعارض مع ضوابط العقل وقوانينه وتسير نحو التناقض ثم تكتشف الأسطورة عن اليونان العتيقة. ويعكس عمانوئيل كانط في عصر التنوير في القرن الثامن عشر فيما بعد توقع افلاطون طريقا الى حقائق لا تبرهن عليها الا لفة الخيال الأسطوري والروحي. وذلك كما هو واضح في أساطير الحب وما بعد الموت. وهذه هي الصورة الأسطورية التي تتحدث في صورة مباشرة عن الروح أينما كان الروح. وهذا التراث الافلاطوني النشط بشكل خاص منذ القرن الثالث عشر برز في أثناء المعركة الشهيرة مع أعداء الأيقونات حيث تم البرهان والبرهان المضاد على الايقونات. دافع جان دامسكان في القرن الثالث عشر بعد ميلاد السيد المسيح عن الصورة والصور في إطار الديانة المسيحية نفسها وان خرج على نوع معين من التجريد في علوم أصول الدين المسيحي. وانتقلت الصورة الى مكان آخر، الى تراث نقي هو تراث المثالية الافلاطونية حيث يذهب فيها العالم ويجيء بين التكوين والفساد. فالصورة تمثل النموذج الأصلي لصورة الآلهة المغروسة في الشخصية المرئية للابن يسوع المسيح وانعكست هذه الصورة وأعيد انتاجها عن القديسة فيرونيك الرئيفة التي مسحت وجه السيد المسيح وهو على الصليب. كان هذا تأسس بفضل تجسيد المسيح في مواجهة التراث القديم المعادي للصورة في بعض تفسيرات الديانة التوحيدية اليهودية وكان واحدا من أوائل رد اعتبار للصورة عند الغرب المسيحي. ولأن صورة السيد المسيح هو الشكل الملموس لقدسية الآلهة. وترتبط باحلال الصور جميع القديسين بحيث يصل المرء الى درجة من التقارب مع الرب. فكلمة أم السيد المسيح في اللغة اليونانية تيوتوكوس أي أم الرب السيدة العذراء مريم ثم القديس يوحنا المعمدان ثم الرهبان والقديسين كافة قد توازى ذلك كله مع تيار قوي من التيارات المضادة للايقونات العقلانية المبذورة في الديانة المسيحية نفسها.وكان الفن البيزنطي في الوقت نفسا قد جدد الصورة الدينية في أثناء عدة قرون من بعد ولادة الشيعة. وذلك من خلال عبادة السيدة العذراء والقديسين ثم من خلال عبادة أو تقديس الفضيلة والقداسة الالهية وملامسة التأله أو على الأقل ادخال الايمان بالتعددية الالهية مع توحيد حازم مستمد من اليهودية وقد ساهم التضرع أمام الايقونات في تكوين ممر مباشر الى مواجهة المقاومة البيزنطية وسقوط الصورة.
ويرى جيلبير دوران ضروريا أن يضيف أن القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر في تاريخ المسيحية الغربية قد شهدا ازدهارا للايقونية القوطية ونجاحا لنظام القديس فرا نسوا داسيس الذي أعقب محاربة الأيقونية وكان القديس برنار قد بشر به فيما بعد ذلك القرن الثاني عشر. أما زمن الكنائس والتزين الفني بالتماثيل والاضاءات فقد شهد الزحف التدريجي الى قلب المدينة وقسم الانفلاق الصارم للمعابد المعزولة. وكان الفرنسكان والرهبان قد ساهموا في الدعوة الى الحساسية الدينية الجديدة في إطار من اخراج الصور وتقديم جديد لأسرار الايمان في شكل العروض المسرحية السرية وغيرها من الأشكال الفنية والزخرفية الأخرى.
وهكذا فإننا إذ نعرض منهجية جيلبير دوران الشاملة لا نقدم نموذجا نظريا خارجيا عن حضاراتنا كما أننا لا نقدم نموذجا نظريا خارجا عن أسس التناول العلمي للخيال والصورة بعبارة أخرى لا تتشكل منهجية جيلبير دوران بمضمون غربي خالص كما أن علم اجتماع الخيال لا يتشكل في معزل عن الخيال نفسه.
أعمال جيلبير دوران في لغته الفرنسية الأصلية
1.
Gilbert Duran, L’imágination Symbolique, P.U.F. 3er edition, fierier 1993.
2.
G. Durand, les Structurs anthropologique deL’lmaginaire, 11er éd, Paris, Dunoel, 1992.
3.
Le Décor mytheque de la chartreuse de parme, les structures figurative du roman stendhalien (1969), 3er éd, Paris, José Corti, 1983.
4.
Les grands texts de la Sociologie moderne, (1969), 3er éd, Paris, P. Bordas, 1979.
5.
Science de L’homme of tradition (1975), éfuisé, rééditien en course, Allrin Michel.
6.
L’Ame tigrée, les fluriels de fryché, Denoél – Gronthier, 1980.
7.
La fore du Cordonnier, Denoél, 1984.
8.
Les fondements, de la créatien Littéaire, Encyclopedia Universalis, Suffl. 2: “Les, enjénsn”, 1984.
9.
Postmoldernisme et modernité de la traditien (Liluigue) Ed. “Perpectios e realidadesn/Lisbonne, 1987.
10.
Beaux arts et archotypes, la religion de L’art, P.U.F, 1989.
11.
Psychanalyse de la reige, in, Mercure du Frenuce n, Paris, aot 1953.
12.
L’hérorime á L’enress, in, Stendhal club n, avil 1959.
13.
Le Décor mythique de la chartreure de parme, Corti, 1961.
14.
les trios Niveaux de formation du Symbolisme, in, Caliers internationaux de symlolisme n, Bruxelles, 1962.
15.
L’occident iconoclaste, Contribution á l’llstoine du symbolisme, “Caliers int. de symbolisme n, Leruxelles, 1963.
*
الهام غالي شكري: باحثة و أكاديمية من مصر