عبدالرحمن بن عبدالله الشقير
كلما تقدم المجتمع في جانب فإنه بالضرورة يتراجع في جانب آخر، فإذا تقدم العلم مثلًا تتراجع القبيلة، وإذا تقدمت وسائل الاتصال والتواصل الرقمية تتراجع الروح الجماعية، ولكن يوجد بداخل هذه القاعدة الاجتماعية هويات كبرى مشتتة وهويات صغرى من المراهقين والشباب تعاني أزمات تحديد موقفها من الهويات الكبرى.
وبرز في السنوات الأخيرة ظاهرة ترميز القبائل بأرقام، وهي تحديد ثلاثة أرقام كرمز لهوية القبيلة، وهي تشكل تحولًا كبيرًا في مفهوم القبيلة بين أوساط أجيال ما بعد الألفية، فالتحولات الكبرى أصبحت تحت هيمنة المؤثرات الصغيرة التي تزرع بذورها، ولا يظهر أثرها إلا بعد أجيال.
إن ظاهرة أرقام القبائل تحمل معها بذور رسوخها، وهي لا تشبه مكونات التعريف بالقبيلة الأخرى كالمشجرات والشيلات والمجلات وحسابات التواصل الاجتماعي؛ لأنها تأتي في سياق معولم يضمن تحويل المعاني الراسخة إلى رموز سيميائية، لها دلالات متعارف عليها لدى فئات عمرية تواجه أزمات هوية خاصة بها.
وانتشرت بشكل كبير، وأصبحت تكتب على الجدران وخلفيات السيارات والجوالات الشخصية، وصارت جزءًا من معرفات حسابات التواصل والإيميلات، وظهرت عناية باختيار أرقام لوحات السيارات لتطابق أرقام القبائل، وبروزها ضمن الكتابة على المقتنيات الشخصية مثل: طاولات الطلاب والمقررات المدرسية والكمبيوترات وخلفيات الأجهزة الكفية والمحمولة (الجوالات)، وقد كان في أول الأمر يكتب اسم القبيلة ويتبعه الرقم المميز لها، ثم صار الرقم دالًا على القبيلة دون ذكر اسمها، مما يؤكد على تحولها إلى هوية ثقافية جديدة.
أزمة الهويات
عندما هيمنت التقنية ووسائل الاتصال والتواصل في العالم سمي هذا العصر بعصر انبعاث الهويات المغيبة. فبعد أن كان الإعلام والاتصال في سيطرة الحكومات أصبحت الجماعات والثقافات والهويات الفرعية قادرة على التعريف بذاتها، وأن يكون لديها جماهير ومؤيدون.
وبعد ذلك بسنوات قليلة زاد توغل تطبيقات التواصل بشكل مفرط، وأصبحت الهويات الرئيسية والفرعية مهددة بالتشتت وظهور هويات بديلة أو مكونات جديدة لهويات قائمة، بما فيها هويات القبائل والمناطق والجماعات الدينية.
ومن أسباب التغير السريع تدفق المعلومات والثقافات الجديدة العابرة للهويات المحلية؛ ولذلك أصبحت أزمة الهويات واحدة من أصعب المسائل الاجتماعية والنفسية الملحة في الفكر العالمي المعاصر.
وتكمن إشكالية الهويات في تعقيدها، فإذا كانت الهوية الوطنية أو الدينية هي المظلة الكبرى الحاضنة للهويات الفرعية، فإن هذا سيبقى هو الوضع المثالي الذي يصعب ثباته في المستقبل؛ وذلك لازدياد تذبذب موجات الهويات ومكوناتها صعودًا ونزولًا بشكل مباغت ومتكرر كالجماعات الدينية والقبلية والمناطقية والهويات المهنية.
كما يوجد بداخل هذه الهويات جماعات منتمين لها مع اختلاف العمر والجنس، وتعتبر فترة المراهقة أشد أزمات الهوية لدى الأجيال الجديدة، مما يعني أن ملامح تحديد الهويات أصبح أكثر تعقيدًا وأدق تفاصيلًا، إذ دخل في موجة من المحددات الصغيرة.
وتعتبر ظاهرة أرقام القبائل من محددات الهوية القبلية لدى جيل المراهقين والشباب، رغم عدم اعتراف شيوخ القبائل بها، وهذا أحد مؤشرات تحول القبيلة إلى كيان له عشاق وجماهير، ولا يرتبط بقيادة مشيخية موجهة للأجيال الجديدة، كما هو الحال مع جماهير الأندية الرياضية والماركات العالمية الذين يؤمنون بها، ولا يمنحون قيمة لملاكها ورؤسائها. وهي بذور لحظة انفصال تاريخية لم تجد صدى لدى شيوخ القبائل أو الشعور بمستقبل المهددات لمكانتهم، وتشكل تحولًا جديدًا في قيم قبائل البادية من الولاء لشيخ القبيلة إلى الولاء لكيان القبيلة.
وقد يعود السبب إلى دخول المراهقين والشباب في منظومة قيم العولمة والعصر الرقمي، فأدخلوا قبائلهم معهم دون المرور بتقاليد أخذ الأذن من شيوخ القبائل، ومن سمات المنظومة العالمية الرقمية تحويل الكلمات والمشاعر إلى أشياء ورموز تتكون من أشكال وأرقام، وصارت جزءا من ثقافة التقنية ومحادثات تطبيقات التواصل والشركات والأندية والعصابات والجماعات والثقافات والفرعية… كما أن لغة التقنية أكثر جاذبية وتدفقًا وحضورًا من لغة رموز القبائل وشخصياتها، وبالتالي دخلت القبائل ضمن المنظومة العالمية لاستبدال مسمياتها إلى أرقام ترمز إليها، وخضعت لسياقاتها الثقافية.
جذبت هذه الظاهرة أجيال الشباب والمراهقين بقوة، وأشدد على منح أولوية خاصة للمراهقين والشباب؛ لأنهم قادة التغير دون وعي منهم بأبعاده الدولية والمستقبلية، وشاعت بينهم أكثر من الباحثين ومن كبار السن، مما يعني حضور الهوية القبلية والمناطقية في الحياة اليومية رغم صعود الهوية الوطنية والعصر الرقمي، وبالتالي نكون أمام ثلاث إشكاليات مطروحة في الفكر الاجتماعي العالمي، وهي: إشكالية الأنا عند المراهقين، وإشكالية الهويات والعودة للجذور، وإشكالية الهويات التعصبية.
ومن السابق لأوانه تشخيص ظاهرة الهوس بأرقام القبائل بالتعصب أو أزمة في هوية المراهقين، ولكن كثافة حضورها بين المراهقين يحتم على البحث تحليل أزمة الهوية لدى المراهقين في المجتمع السعودي وتأثيرها على التمركز حول تاريخهم أو واقعهم ومستقبلهم، وخاصة أنهم من جيل ما بعد الألفية.
تعتبر “نظرية رُتب الهوية” لجيمس مارشيا من أبرز النظريات المفسرة لأشكال الهوية لدى المراهقين، ورغم أنها ركزت على أنواع التعصب، إلا أن التعصب القبلي ينطوي على مضمونها تلقائيًا لتأثير مصفوفة القيم على الانتماء، ولتركيز مارشيا على متغيري الأزمة والالتزام بشكل رئيس.
يصف مارشيا أربع حالات من الهوية كالتالي:
– تحقيق الهوية: يبدي فيها الشخص التزامات تجاه ما استقر عليه من خيارات تخص المهنة والدين والجنس، وهذا النوع هو الأكثر نضجًا.
ويتسم أصحاب تحقيق الهوية بالمرونة في التعامل مع الواقع الخارجي وبناء العلاقات الاجتماعية الإيجابية، والقدرة على التركيز والإبداع والأداء المعرفي والانفتاح على الخبرات الجديدة والحكم على الأمور وفقًا لمعاييرهم الداخلية، وغالبًا ما ينتمون إلى أسر تدعم الاستقلال الذاتي والتفرد، وتقل عندهم التسلطية في آرائهم.
– تعليق الهوية: لا يبدي الشخص فيها أي التزامات تجاه هوية محددة، مما يجعله في أزمة حادة، وجميع التزاماته تكون آنية ومؤقتة.
ويتمتع هؤلاء بالشعور بسمات كثيرة إيجابية مشابهة لسمات محققي الهوية، كما أنهم مستقلون، من الصعب قيادتهم.
– انغلاق الهوية: هؤلاء تقليديون ويتصرفون وفق القوالب النمطية التي اعتادوا عليها، ومتمسكون بالماضي، ورموزهم تكون من والديهم وداخل محيطهم الأسري، ويبدي الشخص فيها التزامات وفق ما يحدد له الآخرون ويقبلها دون مناقشة، ويتسمون بالجمود والدفاع الآلي عن معتقداتهم الاجتماعية، ولا يرغبون في مناقشة ما يختلف مع ما يؤمنون به، ولا يميلون إلى التعرف على الخبرات الجديدة لعدم انفتاحهم العقلي وتجنبهم لاستخدام التحليل المنطقي، ويتمتعون برضا اجتماعي رفيع وتقبل الذات، ولا يمتلكون أي خبرات لتحديد ما ينبغي فعله غير ما تربى عليه؛ ولذلك تكون معايير جودة أعمالهم بناء على آراء الآخرين فيهم، وهم يحرصون عليها.
– تشتت الهوية: ينشأ التشتت نتيجة للسياق الاجتماعي الذي لا يقدم سوى خيارات محدودة للهوية، وهؤلاء سطحيون وغير سعداء، ويميلون للوحدة، ولا يملكون مهارات التواصل الفعال، وترتبط دوافعهم بسلوك الجماعة والامتثال لضغوطها أكثر من ارتباطها بشخصيتهم([1]).
وإذا حاولنا إسقاط حالات الهوية على المراهقين والشباب المتبنين لحركة أرقام القبائل وإيمانهم الكبير بفاعليتها وبدورها في تعزيز هوياتهم نلحظ أن انغلاق الهوية يشكل السمة البارزة.
ظاهرة ترميز الإنسان إلى أرقام
تعتبر ظاهرة ترميز الإنسان إلى رقم قديمة، وقد برزت مع ثقافة السجون؛ حيث من المعتاد مناداة السجين برقمه، ويكون صاحب الرقم يعرف ذاته ويعرفه الجميع، وقد انتقلت هذه الثقافة إلى أدب السجون، وصدرت مذكرات شخصية لمساجين بعناوين أرقامهم في زمن السجن، منها “السجين رقم 1″ لناصر محمد ناصر، و”السجين 32” لأحلام محمد سعيد طيب، ثم انتقلت من ثقافة السجون إلى الحياة العامة.
وعندما دخل الإنترنت العالم العربي وظهرت ثقافة المحادثات فيه ابتكر الشباب العربي فكرة استبدال بعض الحروف بأرقام، وأصبحت جزءا من “الإدراك الاجتماعي” المتعارف عليه وسميت هذه الظاهرة بالعربيزي والفرانكو أراب، وقد تطورت فكرة استبدال الحروف بأرقام إلى استبدال رموز الهويات الاجتماعية بأرقام، ورغم وجود جذور سابقة لها، إلا أن الإنترنت أسهم في تسريعها وتوسيع استخداماتها.
وفي حالة أرقام القبائل فيوجد ثلاثة مستويات تاريخية للعلاقة بين القبيلة والرقم في المجتمع السعودي كالتالي:
أول سياق تاريخي لجذور فكرة استخدام الأرقام في تصنيف القبائل جاءت من تقنية الكهرباء في حقبة السبعينيات مع بداية الطفرة الاقتصادية وزيادة الطلب الشعبي على الكهرباء، وبداية معرفة أن قوة التوصيل الكهربائي يرجع إلى أرقام، فاستعيرت ونقلت إلى التصنيف القبلي؛ حيث إن من ينتسب إلى قبيلة يكون رمزه 220، ومن لا ينتسب يكون رمزه 110، وهي مأخوذة من نطاق قوة إيصال الكهرباء بوحدة قياس كيلو واط.
والمستوى الثاني مرتبط بنتائج الحمض النووي، وقد بدأت في الظهور في المجتمع العربي منذ 2009، ثم تصاعدت بقوة بعد عام 2011.
والمستوى الثالث تمييز القبائل بالأرقام، وهي موضوعنا.
ويلحظ أن الأرقام المرتبطة بالإنتاج الكهربائي والحمض النووي والتقنيات الأخرى تدل على تقدم المجتمع مما يعني قدرة الهوية القبلية على إنتاج ذاتها، وتكمن إعادة إنتاج الذات في المحافظة على جوهر التعصب القبلي، ولكن باستخدام التقنيات المتاحة في كل عصر.
ويؤكد السياق التاريخي في المجتمع السعودي على استمرار استخدام التقنية والتقدم العلمي في إعادة إنتاج القبلية، فالقبيلة راسخة في الذاكرة الشعبية، بينما التقنية تتقدم وتتغير.
ويوجد غموض في تحديد لحظة بروز ظاهرة تحديد القبائل بالأرقام، ولكنها بدأت في الظهور منذ عام 2006، وشاعت أكثر بعد عام 2017، وهي تمثل حالة اعتيادية؛ إذ لا يوجد ثقافة بحثية ترصد التحولات وهي في بذورها، وإنما يبرز الاهتمام بعد تحولها لظاهرة واستقرارها في المجتمع، مما يفقدها توثيق النشأة زمانيًا ومكانيًا.
ونتيجة للجهل الزماني والمكاني بنشأتها فقد تعددت الآراء حول أصولها وماذا يعني الرقم بالنسبة للظاهرة عامة وللقبيلة التي حددت أرقامها خاصة، ومدى الاعتراف القبائلي النخبوي بها، وهل تعتبر أحد أشكال العنصرية أو العصبية القبلية؟
تفسير الظاهرة
حاولت جمع الآراء التي تفسر ظاهرة ربط الأرقام بالقبائل من خلال الاطلاع على وسائل التواصل ومقابلات الباحثين والمراهقين ممن يتبناها، وتوصلت إلى خمسة تفسيرات:
الأول: يرى بعض المعنيين بأن أرقام القبائل جاءت من أرقام الكتل القبلية في الدوائر الانتخابية الكويتية، ثم انتشرت في المملكة، ولكن لا يوجد أرقام للقبائل بشكل رسمي أو علني.
الثاني: يرى البعض أنها جاءت من مزاين الإبل التي تقام في أم رقيبة ثم في الصياهد بالرياض، وهذا الرأي يمكن أن يربط انتشارها بمزاين الإبل، ولكن يصعب أن تكون نشأتها منها، وذلك لعدم وجود أرقام تميز الإبل المشاركة لكل قبيلة أو لأحد أفرادها.
الثالث: أنها نشأت في البداية مع جماعة الدرباوية، وهي ثقافة شبابية فرعية مناهضة لقيم المجتمع، ولها طقوس خاصة بها، من بينها كتابة أرقام ورموز على زجاج سياراتهم من نوع الهايلوكس والجيب الربع، أو على خلفياتها، ثم انتشرت في المجتمع.
الرابع: أن الفكرة مأخوذة من الأرقام والحروف التي تتخذها العصابات العالمية، وخاصة أن بعض هذه الأرقام والحروف انتقلت إلى بعض العصابات الإجرامية العربية، وهذا مستبعد لارتباط العصابات العالمية بالرموز والرسومات أكثر من الأرقام.
الخامس: أنها مأخوذة من أرقام مكائن السيارات، حيث اشتهرت ماكينة الجمس البهبهاني بالرقم 511، ويوجد مكائن سيارات بأرقام 454، و350، و385، والمكينة البرازيلية B-10، وهي ترمز للقوة.
وهذا الرأي مستبعد كتفسير شامل؛ لأن أرقام مكائن السيارات محدودة، ولا تفي بعدد أرقام القبائل، وتصادف التطابق بين رقمين لا يعني صلاحيتها للتعميم، وقد تكون الظاهرة بدأت مع قبائل قليلة من أرقام مكائن السيارات القديمة، ثم انتشرت باستخدام أرقام مستوحاة من فكرة القوة خارج مكائن السيارات.
ويمكن ملاحظة أن عام 2006 كان نقطة الصفر التي تحولت فيها الأرقام إلى ظاهرة قبلية؛ وذلك لأن هذا العام شهد صدور نظام لوحات السيارات الجديد في السعودية وهو يتكون من ثلاثة حروف وثلاثة أرقام، وفي العام نفسه ظهرت أول حالة لترميز القبائل، واشتهرت في البداية مع قبيلتي قحطان وعتيبة؛ فصار من اللوحات المميزة (ق ح ط 505) و(ع ت ب 511) ثم تحولت إلى تمييز اجتماعي قبلي، وساعد في انتشارها بسرعة إمكانية تحديد جذر اسم القبائل إلى ثلاثي.
وبعد الانتشار الشعبي الكبير الذي حققته الظاهرة انتقلت من استخدام جذر اسم القبيلة إلى جذر صفة القبيلة، فصارت تباع أرقام لوحات سيارات بحروف (ع م ك) (ح ن ا) و(و ط ن) و(ب ط ل) و(أ ح ب) وبجوارها رقم القبيلة المميز لها، ووسعت هذه الظاهرة ازدهار سوق أرقام لوحات السيارات المميزة ورفعت من أسعارها بوصفها رمزًا يحقق المكانة الاجتماعية لمالكها.
وأميل إلى هذا التفسير الذي يؤكد إلى أنها نشأت بشكل عفوي وتصادف غير مقصود لامس الروح القبلية ويحمل سمات الانتشار.
وتؤكد فرضيات تفسيرات الأرقام استمرار استخدام التقنية والتقدم العلمي والفكري في التعريف بالهوية القبلية في العصر الحديث، وتجد الذاكرة الشعبية القبلية ذاتها في الكهرباء والحمض النووي ومكائن السيارات وكل تقنية تمنح القوة والحضور يتم تشبيهها بالقبيلة منذ دخول السيارات حتى الآن.
ويلحظ أن قوة ارتباط الأرقام بالقبائل بشكل صريح وواضح لا تكاد تتجاوز خمسة قبائل، بينما يقل استخدامها في بقية القبائل، ويؤيد الارتباط اتجاهها نحو السيميائية أو الرمزية الاجتماعية، ففي مرحلة انتشارها كان يكتب اسم القبيلة وبجوارها الرقم، ثم انفردت بعض القبائل بكتابة الرقم فقط، لقوة دلالته على القبيلة بدون لبس.
وقد تحولت الأرقام إلى حالة إدراكية بحيث يدرك الأفراد المهتمين مراد الآخر بمجرد رؤيتها على خلفية سيارته أو كتابتها على الجدران، وهي غالبًا ما تكون معاني تضمر بداخلها الانتماء القبلي والقوة وهوية الأنا والرغبة في التواصل مع الهويات المشتركة وسماع كلمات ثناء قبلية عابرة.
كما تكمن أهمية أرقام القبائل في نظام المساعدة الاجتماعية الخاصة “الفزعة القبلية”، خاصة إذا كانت مكتوبة على السيارات فإنها وسيلة تعارف سريعة، وطلب مساعدة من أبناء القبيلة في حال التعطل على الطرق السريعة.
نماذج من رموز وأرقام القبائل
لا يوجد مصدر يجمع أرقام القبائل ويوثقها، وإنما وجدتها متناثرة بين تطبيقات التواصل وغير موثوقة. والغريب أن المصدر الوحيد المنضبط ولا تناقضات فيه، رغم نقصه، هو الكتابة على الجدران، فهي المصدر الأكثر موثوقية من وسائل التواصل؛ وذلك لأن ما يكتب على الجدران يعد مصدراً مهماً لأن كاتبه يكون هو المعني بهويته ويعرفها أكثر من الآخرين، وعرضتها على مجموعة من الشباب من مواليد عام 2000 لتأكيدها، وهذه الفئة العمرية الأقرب للموضوع.
كما أن الذين يكتبون أرقام قبائلهم على الجدران هم الذين يعيشون الانتماء القبلي، وبالتالي هم المصدر الأساسي للمعلومات.
وقد جمعت عشرات الأرقام من جدران عدد من أحياء الرياض، ووجدت تطابقها، إلا أنها محدودة العدد.
الأشراف 515
قبيلة عتيبة 511
قبيلة قحطان 505
قبيلة بني زيد 612
قبيلة تميم 506
قبيلة عنزة 601
قبيلة شمر 555
قبيلة حرب 111
قبيلة مطير 305
قبيلة سبيع 503
قبيلة السهول 717
قبيلة القرينية 504
قبيلة الدواسر 502
قبيلة يام 711
قبيلة العجمان 101
قبيلة آل مرة 405
قبائل بني لام 512
قبيلة الظفير 205
قبيلة الفضول 901
قبيلتي بني خالد والبقوم 911
قبيلة جهينة 518
قبيلة بلي 818
قبيلة بالحارث 501
قبيلة زهران 702
قبيلة غامد 707
قبيلة عسير 999
قبيلة بلسمر 454
قبيلتي شهر وشهران 507
ويلحظ وجود بعض التداخل في تحديد أرقام بعض القبائل، بحيث يمكن أن ينسب الرقم الواحد لأكثر من قبيلة، وذلك لعدم وجود مصدر واضح لها.
كما أن هذه الظاهرة امتدت خارج القبائل السعودية لتشمل القبائل اليمنية والعراقية وبعض قبائل الخليج العربي.
ختام
يأتي هذا البحث لرصد ظاهرة اجتماعية جديدة ومحاولة فهمها، والتعرف على أبعاد تأثيراتها المستقبلية الخفية.
وتدل ظاهرة أرقام القبائل إذا وضعناها في سياقها التاريخي وتتبع تطورها على قدرة القبيلة على إنتاج ذاتها والتكيف مع روح العصر الذي تنشأ فيه، وأصبحت أحد محددات الهوية بين أجيال ما بعد الألفية. ويحمل هذا الوضع جوانب إيجابية، كالتماسك العضوي بين أفراد المجتمع القبلي، والدافعية للعمل الإيجابي لتمثيل القبيلة خير ما يكون.
وبداخل هذا الاعتزاز محاذير من تشكيل عقل جمعي قبلي يرى الحياة من خلال القبيلة، وقد سبق إنتاج أعمال فنية عن قضايا في المجتمع السعودي وصدور تعيينات إدارية وبرز صوت القبيلة الذي حاول فهم كل شيء في سياق قبلي. مما يعني وجود حاجة لبعض الأطر التنظيمية الجديدة التي تمكن الهويات الفرعية من الانصهار في الهوية الكبرى على أسس الجدارة الشخصية والمساواة.
([1]( هاني الجزار، أزمة الهوية والتعصب: دراسة في سيكيولوجية الشباب، مصر: هلا للنشر والتوزيع، ط 1، 2011، ص 42- 48.